لماذا ستبقى الجولان في يد إسرائيل إلى الأبد؟
بنيامين نتنياهو في 17 أبريل/نيسان 2016، خلال اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي الذي عقده في هضبة الجولان.
تتمتع هضبة «الجولان» بأهمية جيواستراتيجية، لا يمكن أن تتجاهلها إسرائيل، فالقمم التي تضمها الهضبة، تجعلها تشرف على مساحات شاسعة من السهول المحيطة بها في سوريا ولبنان وإسرائيل (فلسطين قبل 1948) والأردن. كما أن مخزون المياه الجوفية الكبير للجولان، يزيد من أهميتها بالنسبة لإسرائيل، التي تعتمد في تأمين ثلث احتياجاتها من المياه، على نهر الأردن والمياه الجوفية في الجولان.
فضلاً عمّا تمتلكه من أهمية دينية بالنسبة للداخل الإسرائيلي، فقد ورد اسمها في النصوص المقدسة اليهودية، مما يجعلها بمثابة منطقة يصعب على إسرائيل التنازل عنها.
المياه قبل الأرض
احتلت مسألة المياه أهمية كبيرة في فكر الحركة الصهيونية فقد ذكر مؤسس الحركة الصهيونية «تيودر هيرتزل» في كتابه «الأرض الجديدة … الأرض القديمة» أن وجود إسرائيل متوقف على وجود الموارد المائية، وإن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسو المياه، وإن إنشاء إسرائيل يحتاج إلى خطط مائية توفر الكميات اللازمة للزراعة والصناعة ومياه الشرب، لذا وضع مخططو الدولة أنهار الأردن واليرموك والليطاني ومن ثم نهري النيل والفرات نصب أعينهم.
وتعتبر هضبة الجولان من أهم المناطق العربية التي تسيطر عليها إسرائيل ليس فقط بسبب موقعها العسكري الاستراتيجي فقط، بل أيضًا بسبب أهمية هذه المرتفعات للسيطرة على مصادر المياه الأساسية في لبنان، وفلسطين، وسوريا، والأردن، بالإضافة إلى ما تملكه من ثروة مائية، جعلت لموقعها أهمية خاصة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
وبالنظر إلى ما تقوله شخصيات بارزة من داخل الكيان، تبرز أهمية هضبة الجولان، وتوضح أهميتها كمصدر رئيس للمياه التي تعد شريان الحياة للدولة الجديد.
فقد صرح «إيغال آلون» منظِّر حزب العمل الإسرائيلي:
وفي عام 1993، صرّح «شمعون بيريز» وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، ومهندس «الشرق الأوسط الكبير»:
وهنا تقدم القيادة الإسرائيلية الإغراءات المالية، وغيرها من الأساليب لتشجيع المهاجرين اليهود للسكن والاستيطان في الهضبة، بسبب سيطرة الجولان على مسافات بعيدة من مصادر مائية مختلفة مثل مجرى نهر الليطاني في لبنان وبردى في سوريا، فإن الهضبة تسيطر بشكل مباشر على مصادر مائية مهمة. ويضم الجولان بالإضافة إلى جبل الشيخ وبحيرة طبريا أكبر تجمع مائي في المنطقة العربية، بمخزون قدره 4 مليارات متر مكعب من الماء.
وهذا يفسر الاهتمام الكبير الذي أولته السلطات الإسرائيلية بهذه الهضبة من خلال تنفيذ الكثير من المشاريع الاستيطانية والزراعية والمائية المختلفة داخل الهضبة وفي محيطها، وتكلفة الحكومة بعض المؤسسات المهتمة بشئون المياه إجراء مسح شامل للثروة المائية فيها ووضع دراسات وافية وشاملة للاستفادة منها.
فإسرائيل تحصل حاليًا على ثلث استهلاكها من مياه الشرب والري والاستعمالات المختلفة الأخرى من مياه الجولان وجبل الشيخ.
محاولات من التاريخ
يُحدثنا التاريخ عن أطماع الكيان الصهيوني في الجولان منذ أمد بعيد، فهناك ثلاثة من القادة المؤسسين للكيان يحددون الأهمية الاستراتيجية للجولان، فها هو «ديفيد بن غوريون» كتب عام 1918:
وقد جاء في مذكرة المنظمة الصهيونية العالمية المؤرخة في 3 فبراير/شباط 1919 التي قدمتها إلى مؤتمر الصلح في باريس، أن هذه الدولة يجب أن تضم جبل الشيخ. وعلّلت ذلك بحاجة الدولة المنشودة إلى مصادر المياه من هذا الجبل الذي يلتصق بالجولان.
أما «حاييم وايزمان» الزعيم الصهيوني المعروف، الذي قال في رسالته إلى رئيس وزراء بريطانيا «لويد جورج»، عشية انعقاد مؤتمر سان ريمو:
وقد تُرجمت تلك الرؤى الصهيونية بالاحتلال الإسرائيلي للجولان منذ عام 1967، وفي المشاريع الاستيطانية الواسعة؛ فقد قامت إسرائيل بتنفيذ مختلف التدابير والخطط الهادفة إلى تدمير مراكز العمران العربية، بما فيها الجوامع والكنائس والمدارس والمؤسسات، وأزالت مجموعة كبيرة من القرى العربية، منها جباتا الزيت، والمنصورة، والحميدية، والغسانية، والعدنانية، والجويزة، والرفيد، والعال، وفيق، وخسفين، وكفر حارب.
وتبقى مدينة القنيطرة من أكبر الشواهد على وحشية وعنف الإسرائيليين وهمجيتهم. فقد أزال الجيش الإسرائيلي المدينة من الوجود وجعلها كتلة من الخراب.
ومن خلال أربعة مشاريع عدوانية تم تهويد الجزء الأكبر من الجولان وهذه المشاريع هي: مشروع آلون، ومشروع حزب المابام، ومشروع حزب العمل، ومشروع تكتل الليكود.
ففي المشروع الأول اقترح «إيغال آلون» في مشروعه الذي نشره عام 1976، وكان وزيرًا في الحكومة العمالية الإسرائيلية آنذاك، أن تحتفظ إسرائيل بمنطقة استراتيجية في الجولان لمنع سوريا من إمكان التعرض لمصادر المياه، ولمنع حدوث هجوم سوري مفاجئ على الجليل، ورسم آلون خط الحدود المقترح ممتدًا من جبل الشيخ حتى نهر اليرموك على شكل قوس يوازي خط وقف إطلاق النار، ويحتفظ لإسرائيل بالقسم الأكبر من الجولان.
أما المشروع الثاني فقد طرحه حزب المابام في منتصف 1976، واقترح المشروع أن تمر الحدود مع سوريا فوق هضبة الجولان بشكل يوفر الأمن والسلامة لمستعمرات الجليل الأعلى وغور الأردن، ومن ثم يعتبر ما بقي من الهضبة منطقة منزوعة السلاح.
أما المشروع الثالث فنادى بحدود «يمكن الدفاع عنها»، وأكد أن إسرائيل «لن تعود إلى حدود 4 يونيو/حزيران 1967 التي شكّلت إغراءً بالاعتداء». وصرح زعماء حزب العمل مراراً بأنه لا يجوز لإسرائيل أن تتخلى عن الجولان. وقال إسحاق رابين: «حتى في نطاق تسوية شاملة ومعاهدة سلام، فإن إسرائيل لن تنزل عن الجولان».
أما المشروع الرابع فقد قدمه تكتل الليكود، وقد أعلن في الوثائق التي أصدرها، وفي تصريحات قادته، أن الجولان جزء من إسرائيل. وحينما نشر مناحيم بيغن برنامج حكومته الثانية في يوليو/تموز 1981، عبّر عن هذا التصميم، إذ جاء في البرنامج «إن إسرائيل لن تتخلى عن الجولان، ولن تزيل أي مستوطنة أقيمت فيه، والحكومة هي التي ستبت بشأن التوقيت المناسب لتطبيق قانون الدولة وقضائها وإدارتها على هضبة الجولان».
الذهب الأسود وإغراءات أخرى
منذ احتلال هضبة الجولان عام 1967 أخذت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ مشاريعها الاستيطانية والزراعية والمائية المختلفة، داخل الهضبة وفي محيطها.
وفي اجتماع خاص، عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للمرة الأولى منذ احتلال الجولان، في 17 أبريل/نيسان 2016، والذي وافق للمفارقة عيد الجلاء السوري، عرض نتنياهو مختلف الأنشطة الإسرائيلية الجارية في الجولان، من سياحة وزراعة ومشاريع اقتصادية، فإلى جانب الأطماع الإسرائيلية التي ذكرناها آنفًا، نجد أن هناك استفادة اقتصادية كبيرة تتمتع بها إسرائيل داخل مرتفعات الجولان، تجعل من الصعوبة بمكان تخلي الكيان عن تلك المرتفعات.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، نشرت مجلة الإيكونوميست مقالًا بعنوان «ذهب أسود تحت الجولان» وأوضحت فيه أنشطة التنقيب عن النفط الجارية من جانب شركات إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، والتي يُعتقد الآن وجود ثروة نفطية فيها قد يصل الاحتياطي بها لمليارات من براميل النفط.
كما صرح «يوفال بارتوف» الجيولوجي الرئيسي لشركة جيني أويل الأمريكية، والناشطة في هضبة الجولان:
وجدير بالذكر أن شركة بارتوف تتمتع الآن بسيطرة إسرائيلية فعلية، ولكنها ستضطر لمواجهة نشطاء العرب الموجودين بالجولان والمعارضين لتلك النشاطات، علاوة على بعض المعارضين الإسرائيليين من أنصار البيئة، والذين يخشون تدمير الطبيعة الجميلة للهضبة، والذين نجحوا سابقًا في الحقيقة في وقف مشروع لإنتاج نفط شيل في إحدى المناطق بإسرائيل.
ومن المعروف أن المستوطنات الإسرائيلية في الجولان – على سبيل المثال لا الحصر – تنتج لحوم الأبقار التي تغطي 40% من احتياجات السوق الإسرائيلية، والتفاح الذي يغطي 30%، والكرز الذي يغطي 50%، والمياه المعدنية المعبئة (شركة مي عيدن) التي تغطي 50%، والنبيذ الذي يغطي 21% من احتياجات السوق المحلية الإسرائيلية ويشكل 38% من صادرات النبيذ، ومن المهم التنويه بأن 20 % من هذا الإنتاج يصدر إلى 25 دولة منها الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا إلى جانب دول أخرى في أوروبا وأفريقيا وشرق آسيا.
حتى الآن لا توجد تقديرات واضحة لكمية النفط التي يمكن استخراجها سنويًا من الجولان من جانب الشركات الناشطة في مجال التنقيب منذ أشهر الآن، غير أن احتمالية وجود النفط مع وقوع ثلث مصادر الماء الإسرائيلي في الجولان وأهميتها العسكرية لمراقبة الوضع السوري عن كثب وخلق حاجز يبعد حروب المشرق عن العُمق الإسرائيلي، علاوة على التدخل بالفعل لضرب حلفاء إيران بجنوب سوريا حال اشتعلت الحرب من جديد مع حزب الله الممتدة قواته بين لبنان وسوريا، تشير كلها إلى أهمية الجولان الإستراتيجية والاقتصادية أكثر من أي وقت مضى.