لماذا أحببنا «دلال عبد العزيز»؟
منذ أن اجتاحتنا جميعاً لعنة الكورونا ونحن نعيش على الهواء مباشرة إجابة المعضلة الأبدية التي حيرت الإنسانية، هل الإنسان مسير أم مخير؟ بتنا جميعاً نعرف الإجابة حق المعرفة، والمأساة التي تعيشها دنيا سمير غانم وشقيقتها إيمي تثبت لنا تلك الحقيقة بالبرهان.
عاشا في كنف أمهما وأبيهما حياة سعيدة، بيت هادئ وأسرة محبة وفخورة ببنتيها، فتاتان جميلتان موهوبتان يحبهما الجميع تقريباً، أسرة مثالية هادئة أصبحت في السنوات الأخيرة حديث الناس، الكل تقريباً يحب هذه الأسرة، ويضحك الناس تلقائياً عند تناقل أخبارهم. لم تمر بالفتاتين أحداث جسام أو أحزان كبيرة، لا يتناقل أحد عنهم أي أخبار حزينة أو مشكلات أو خلافات، حتى زواجهما هادئ ولا يعرف عنهم أحد شيئاً تقريباً.
ثم فجأة تعصف المأساة بهما. رحل أبوهما وأمهما بقسوة شديدة لا تشبه الرحيل المحتوم لكل إنسان. التفاصيل، لعنة الله على التفاصيل، وأصبحت أخبارهما الحزينة حديث الناس، أصبحت الفتاتان فجأة تحت رحمة التريند. شاهد بكاء وانهيار إيمي سمير غانم في وداع والدها، بث مباشر من أمام منزل سمير غانم ودلال عبد العزيز، شاهد دنيا سمير غانم في سيارة نقل الموتى مع جثمان والدتها، بالصور زوجا إيمي ودنيا سمير غانم يأخذان العزاء. الكل يدلي بدلوه في مصابهما، الكاميرات موجهة نجو الحزن والفقد لتلتقط صورًا حصرية، الفتاتان السعيدتان لم تعودا كذلك، وبأقسى الطرق الممكنة، والإنسان؟ الإنسان مسير، مسير نحو الحزن، مهما حاول أن يراوغه.
ولأن الجميع يتحدث عن الحزن والبكاء، البعض بصدق والكثير لأجل خاطر التريند، نحن اليوم سنتحدث عن الحب، لماذا أحببنا دلال عبد العزيز بهذا القدر الذي جعل الجميع يدعو لها على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولماذا فجعنا جميعاً بخبر رحيلها رغم أنه متوقع، تخفيفاً لحدة الكآبة، وإكراماً لرجل عاش خفيفاً ظريفاً لا يفضل الحزن، ولامرأة منحتنا الكثير من الدفء والإنسانية، وإكراماً لفتاتين يجب أن تتذكرا أن الحب يبقى حتى وإن رحل الأحباء.
لأنها فتاة أحلام مثالية
فتاة جميلة من أصل طيب، تضع قدمها على أول طريق النجاح، ترى رجلاً يكبرها بعشرين عاماً، تقع في غرامه وتقرر أن تتزوجه، تذلل كل العقبات النفسية التي تحول بينه وبين بناء أسرة، يعترض فتخبره أنها ستتولى حل أي مشكلات، وتنفذ قرارها بانسيابية ونعومة، بل تستمر الزيجة لأكثر من ثلاثة عقود بلا فضيحة واحدة من الفضائح التي تميز حياة المشاهير، وتصبح هذه الفتاة رمانة ميزان حياة هذا الرجل.
قصة زواج دلال عبد العزيز وسمير غانم لا تخفى على أحد، بل يرويها كل منهم بطريقته في كل اللقاءات والبرامج على مدار السنوات الماضية. أحببنا دلال عبد العزيز الإنسانة، بغض النظر عن أدوارها سواء وهي شابة فاتنة أو وهي في منتصف العمر. تأجج حب المشاهدين لها وهي أم وجدة، أصبحت المعادل الموضوعي لخالتك مثلاً، المرأة التلقائية خفيفة الدم سريعة البديهة التي تشبه المرأة القابعة في كل بيت مصري، ولكن هناك جزء خفي داخل المشاهدين يحب دلال عبد العزيز فتاة الأحلام.
الفتاة الشابة شديدة الجمال والطموح والتي تقرر أن تحبك وأن تجعلك تحبها، ليس فقط أن تحبها بل أن تتزوجها، ليس فقط أن تتزوجها بل أن تظل متزوجاً بها لعقود طويلة. فتاة الأحلام التي تتمسك بحب رجل وتحارب من أجله «الإنسكيوريتيز» بلغة العصر، التي تعرف ولع زوجها بالجمال وتقديره لكل سيدة جميلة تمشي على الأرض، والذي صرح أكثر من مرة بأن له مغامراته، الذي يغازل كل مذيعة جميلة يظهر معها على الشاشة، التي تقبل كل ذلك وتخرج علينا لتمزح بشأنه وتظل تغدق على فتاها الذي أصبح عجوزاً الآن حبًا وحنانًا لم نره يتكرر كثيراً حتى في الدراما.
لأنها أم بالفطرة
علاقة الحب الإنساني التي تطورت بين دلال عبد العزيز وبين الجمهور كان سببها الأساسي استضافتها في البرامج واللقاءات التليفزيونية وانتشار أخبارها وأخبار أسرتها والصور التي تجمعها بزوجها وبناتها، ولقاءات سمير غانم الذي يتحدث فيها عنها وعن قصتهما وعن تولي دلال عبد العزيز لشئونه بفطرة أمومية كان يحتاجها كي يستسلم لها ولحياتهما الأسرية ثم لتستمر هذه الحياة. ثم بعد أن أصبحت دنيا وإيمي نجمتين ملء السمع والبصر أصبحت الحكايات التي يحكيانها عن أسرتهما وعن أمهما بالتحديد سبباً أساسياً لتعلق الجمهور بدلال عبد العزيز ولرؤيتها كأم حنونة حقيقية إلى جانب الأدوار التي برعت في تقديمها في الأعوام الأخيرة.
السبحة التي لا تفارق يدها في اللقاءات، جسدها الطبيعي الذي لم يطله عمليات النحت والتنحيف، وجهها الممتلئ الأبيض، وحديثها الذي لا ينقطع عن بنتيها، كل هذا جعلها نموذج الأم الذي يجب أن يلمس فيك شيئاً ما وبالتالي أن تحبها بلا شروط، كانت دلال عبد العزيز أماً حقيقية تشبه أي أم أخرى ليست نجمة وليست معروفة، للدرجة التي جعلتها في لقاء ما تتحدث عن رغبتها في أن تنجب إيمي سريعاً بعد زواجها، وتصريحاتها عن دورها مع ابنة دنيا كي تستطيع أن تتفرغ لعملها كأي جدة طبيعية.
كانت أماً، تحب عائلتها وتبسمل وتحوقل وهي تتحدث عنهم وعن إنجازاتهم ونجاحاتهم، أم تدمع عيناها وهي ترى ابنتيها تمسكان بيدي أبيهما في التكريم الوحيد الذي حظي به وترى شفتيها تتحركان بتمائم الإعاذة من الشرور وهي تضع يدها على قلبها، كانت أماً حقيقية استطاعت أن تخترق ببساطة الأمهات وعفويتهم قلوب قطاع كبير جداً من الجمهور، الجمهور الذي رأى نفسه فيها لأنه من جيلها، والجمهور الذي رأى أمه أو خالته فيها لأنه من جيل بناتها.
لأنها صاحبة واجب
نحن شعب عاطفي جداً، رغم كل مساوئنا العميقة والحقيقية وغير القابلة للإصلاح إلا أننا شعب عاطفي، يتأثر بمواقف المرض والموت والعزاء، يتحمس لمساعدة المحتاجين ويشيد بعشرة السنوات الطويلة ويبجل من يحترم العيش والملح، الطقوس جزء كبير جداً من ثقافته الشعبية وقناعاته التي تعينه على المضي في الحياة، نحن شعب نقدر من يعتنق كل هذا حتى لو كنا لا ننفذه في حياتنا الشخصية، وقد كانت دلال عبد العزيز مثالاً صارخاً وحقيقياً لأولاد الأصول.
كانت دلال عبد العزيز حاضرة دوماً في كل مواقف العزاء لزملائها أو عائلاتهم، في أحد اللقاءات قال سمير غانم ضاحكاً إنه أخبرها يوماً أنها يجب أن تغير اسمها من دلال عبد العزيز لعزاء عبد العزيز، من فرط ما تقوم بواجب التعزية. صرحت بنتاها أنها دوماً ما تؤكد على ضرورة أن يلتزما بهذا الواجب وأن يقلداها فيه، هذا إلى جانب اهتمامها دوماً بأصدقاء عمرها هي وسمير غانم، وقد صرح سمير غانم أكثر من مرة أنها تهتم بجورج سيدهم وبمرضه وبنفقات علاجه رغم أنه لا يعرف أي تفاصيل عن الموضوع، هذا إلى جانب اهتمامها الشديد بمساعدة عدد كبير من الناس.
دوماً ما كان يضرب المثل بدلال عبد العزيز وصداقتها لميرفت أمين ورجاء الجدواي والتي امتدت لعقود، وأي واحدة منهما استضافتها البرامج تتحدث عن وفاء دلال لصداقتهما وتفانيها في علاقتهما الحقيقية، حتى الصور التي تجمع الثلاثي تراها دافئة جداً وحقيقية.
كانت دلال عبد العزيز إنسانة جميلة، وحقيقية، وصادقة، فاستحقت أن يحبها الجميع وأن يرثيها الجميع، واستحقت أيضاً أن نتذكر في وداعها لماذا أحبها الجميع كل هذا الحب.