حكاية شعب عشق لاعبًا: لماذا نحب محمد أبو تريكة؟
لاعبو كرة القدم على مر السنوات وفي كل البلدان يتعلق بهم الجمهور بشدة ولكن قد يصل هذا التعلق إلى الحب الجنوني، بالطبع ليس مع كل اللاعبين الموهوبين ولكن مع قلة قليلة منهم، هنا نتحدث عن فئة أبو تريكة من اللاعبين.
الكيفية أو السببية هنا تساؤل غير مقبول ولا يمت للمنطق بصلة، كسؤال لماذا تُحب هذا الطعام ولا تُحب ذاك؟، بالتأكيد الفواكه لم تُسدِ لي معروفًا فأحببتها ردًا للجميل على عكس الخضروات التي قتلت أحد أصدقائي!
كذلك الأشخاص فالمشاعر غير مشروطة، هي أشياء تتعلق في ثقافتنا الشعبية بـ «القبول»، شيء أشبه بوثيقة تفاهم بين الشخصين وعلى الأغلب أن معظم المصريين والعرب قد أعطوا تريكة هذه الوثيقة منذ أول لقاء.
خارج كرة القدم
مانويل جوزيه مُتحدثًا عن محمد أبو تريكة في 21 إبريل من عام 2013.
في حال سماعك هذا التصريح وأنت تعرف أبو تريكة ستظن أنه بطل أسطوري في رواية من التُراث ولن يتأتى إلى تفكيرك أنه شخص يعيش بيننا وسط كل ما نعاني منه من أزمات مبادئ وأخلاق.
تصريح مانويل جوزيه يوضح لماذا نحب أبو تريكة، السبب الحقيقي في ذلك هو الذي لم نصارح بعضنا به يومًا لأنه لم يكن يومًا ظاهرًا لنا، كان في خلفيتنا الذهنية وعقلنا الباطن، كنا نفتقد البطل والمثل أو القدوة. ففي السنوات التي سبقت بزوغ نجم أبو تريكة لم يكن أحدهم قد ملأ قلوب الناس بالحب كما فعل عبد الحليم حافظ ولم يكن قد خَلَف عادل إمام من يُضحكهم مثله، فالناس دائمًا بحاجة لذلك المُنقذ الذي يأخذهم من هُموم الحياة إلى عالم سحري جميل تحدُث فيه أمنياتهم دون أن يبذلوا من أجلها سوى التمني ولن يجنوا من ورائها سوى نشوة الفرح.
الأمر لا يتعلق بمهارة تريكة أو سحر وجه قدمه الخارجي حين يُداعِب به الكُرة، أتذكر أحدهم وهو يُبرر عدم حُبه لتريكة مُتعلِلًا بأن بركات يمتلك مهارته ولكن لا يحظى بنفس القدر من الشهرة أو حُب الناس لكنه لم يكن يدري أنهم لم يحبوا تريكة لأهدافه الحاسمة ولا مرواغاته ولكن أحبوه لأنه كان منهم ولهم.
سبب آخر لحُب الناس لأبو تريكة هو أنه يظهر عندما يختفي الجميع أو يصعُب عليهم الظهور، يظهر ليُسدد كُرة ميتة لتجلب كأسًا أو يظهر ليُقدم تمريرة حاسمة لتظفر بآخر، كان يكره الهزيمة ويُعاني منها بشدة على حسب قول مانويل جوزيه لذلك نصبه الناس ملكًا لأنهم رأوا فيه الانتصار في زمن طالما انهزموا فيه ورأوا فيه الروح عندما دبَّ اليأس في قلوبهم.
أبو تريكة كان بمثابة الأدرينالين لمجتمع كاد أن يموت بالسكتة القلبية، مجتمع كاد أن ينسى معنى الانتصار جعله أبو تريكة يطمح للوصول إلى العالمية في مجالات عِدة، أناس كلما تعلقوا بحلم مع غيره خُذِلوا وكلما وعدهم بشيء حققه، أكاد أجزم أن إيجابية الإنسان المصري كانت أعلى في وجود أبو تريكة من أي وقت سبقه أو لحقه.
الإرهاب والتنزيه
الأنظمة الحاكمة في الدول النامية غالبًا ما يكون لها بعض التصرفات التي يصعب علينا فهمها أو على المنطق تفسيرها كمعاداة المبدعين أصحاب الشعبية الكبيرة، على الرغم من أن المنطق يؤدي بالتفكير إلى محاولة التقرب من هؤلاء حتى يكسب النظام الحاكم من شعبيتهم ولو جزءًا بسيطًا.
عندما نتحدث في مصر عن الشعبية فلن نجد أكثر شعبية من تريكة، ومع ذلك تم التحفظ على أمواله سابقًا ثم ثبت صحة موقفه القانوني في المحكمة، وأمس تم وضعه في قائمة ضمت أكثر من 1500 شخص كشخص إرهابي!
الوضع لا يحتمل التعليق فاعتباره كأن لم يكن أفضل، قد يُخمن البعض أن هذا بسبب مُعاداة الماجيكو للنظام الحالي وإن لم يُعلن عنها أو بسبب مواقفه السابقة التي قد يدفع ثمنها الآن.
لا يشك عاقل في عدم انتماء الماجيكو إلى أي نشاط سياسي ولكن ردة فعل جمهور المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي جاءت بعاصفة من التأييد للماجيكو، فقد تحول فيسبوك في لحظة إلى صور للماجيكو أو مقولات لمشاهير تمدح فيه وبعبارات مثل أبو تريكة ليس مجرمًا، وعبارات وصلت لحد التنزيه عن الخطأ واستحالة الحساب أو العقاب مثل أبو تريكة خط أحمر.
ردُ الجَميل
الصدق في المشاعر الذي قدمه أبو تريكة للجمهور طوال فترة مُمارسته للعبة يتلقاه الآن أضعافًا خصوصًا مع احتياج الناس لمن يملأ فراغ تريكة في الملعب وفي قلوبهم، فبعد ابتعاده عن الساحة وفي وجود أزمات متكررة يعيد التاريخ نفسه مع الناس نفسهم في احتياجهم للمُلِهم الذي يأخذهم للفانتازيا بدلاً من الواقع المرير.
حتى الفنانين والإعلاميين المصريين والعرب بمُختلف جنسياتهم وانتماءاتهم شهدوا بأنه أنقى من تعاملوا معه من الشخصيات، بل والبعض تمنى أن يكون إرهابيًا إذا كان أبو تريكة كذلك!.
بالتأكيد البعض استغل الموقف وعبَّر عن كُرهه لتريكة ولكن مثل هؤلاء قتلتهم الغيرة لظنهم أنهم يستحقون ما وصل إليه أبو تريكة من مكانة في قلوب الناس، لكنهم لم يعلموا أن صفاء نيته وحقدهم عليه هو من جعل موقفهم هكذا.
المُعلق أحمد الحامد أثناء تعليقه على مباراة الأهلي وبايرن ميونخ الودية.
لم يتمالك هذا المعلق إعجابه بأبوتريكة في تلك المباراة واعتبر نفسه محظوظًا بالتعليق عليه، الآن نشعر بأننا محظوظون أننا شهدنا على تواجد تلك الأسطورة الحية التي تصيب وتخطئ كما البشر ولكن ما فعله من أجلنا ومن أجل بلاده جعلنا لا نرى أخطاءه.
أبو تريكة الهلالي
في هذه الأيام في جلسات المقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي يمزح البعض عند قول أبو تريكة رأيًا بالموافقة عليه مباشرًة دون إبداء أي اعتراض حتي لو عارض ذلك مواقفهم لمُجرد أن أبو تريكة رأيه هكذا، ابتسامته التي لا تغيب عن مُحياه تسحر من يراها ولا يستطيع أن يكرهه،الفقراء الذين كان يدعمهم ماديًا بشهادة لاعبي الأهلي الذي كان يدعم الشباب منهم أيضًا، أهالي ضحايا بورسعيد الذين شهدوا بأنه كان يزورهم سرًا في مُختلف المُحافظات دون علم الإعلام، اختياره للقميص رقم 72 الذي يرمز لعدد ضحايا المجزرة عندما لعب في الإمارات، رفضه للعديد من الأموال للاحتراف وترك الأهلي، وقوفه وسط الجماهير وهتافه معهم للمطالبة بحقوق من ذهبوا غدرًا في بورسعيد وغيرها كثيرًا من المواقف التي يصعب حصرها والتي أسست أسطورة لأبوتريكة لن يستطيع الزمن محوها، أسطورة لأنه لاعب كبير ولكن بقلب كبير لإنسان قرر دائمًا اختيار صفوف الجماهير ولم يتخلّ عنهم.
أسطورة سنحكيها لأبنائنا وأحفادنا، سنظل ننعته بالقاتل المُبتسم أو تاجر السعادة، الماجيكو أو الساحر ومن الممكن أيضًا أمير القلوب، بل إن الأمر وصل لبعض الناس بالتراجع عن تشجيع المنتخب بعد صورة الماجيكو الباكية في مباراة غانا المشئومة بتصفيات كأس العالم.
بالتأكيد سيأتي علينا زمن تُحكي فيه قِصة أبو تريكة كما تُحكى السيرة الهلالية لأنه كان أكثر من لاعب كرة، لأنه مرَّ بكل ما مرَّ به شعبه، حتى أنه أسطورة في أزماته ففي اليوم الذي تم إدراج اسمه في قوائم الإرهاب، كان مُنتخب مصر في الجابون يواجه أزمة ولكن في صناعة اللعب والتي كان يستطيع أبو تريكة حلّها بخارج قدمه فقط.