لماذا عوقب السيتي ولم يُعاقب باريس سان جيرمان؟
بعد عامين من ذلك التصريح، وتحديدًا في 14 فبراير من عام 2020، أعلن الاتحاد الأوروبي معاقبة مانشستر سيتي، لمخالفة قواعد اللعب المالي النظيف، بحرمانه من اللعب بدوري أبطال أوروبا لموسمين مقبلين 2020/2021، 2021/2022، وغرامة مالية قدرها 30 مليون يورو.
قبل العقوبة، كان بقاء المدرب الإسباني محل شك، وبعدها أصبح رحيله شبه يقين. والحقيقة، أن التركيز على هذه التفصيلة الصغيرة يضيع عليك التفاصيل الأهم. فقد آن الأوان للتعرف على قانون اللعب المالي النظيف الذي سبب كل هذه الفوضى، وهل حقًا نحن في طريقنا لعالم عادل تتطبق فيه القوانين، أم أننا أمام مؤامرة جديدة؟
قانون «لا للإسراف»
في ظاهره، يهدف قانون اللعب المالي «FFP» إلى حماية الأندية من الكوارث المالية، التي أدت إلى تراجع قيمة العديد من الأندية العريقة مثل لاتسيو، بارما، ليدز يونايتد، وغيرهم. فالنادي إما يرتبط برجل أعمال يحول النادي لإحدى شركاته، أو برئيس جمعية عمومية مهووس بإبهار أعضائها. وفي كلتا الحالتين، يصبح الإنفاق بلا ضابط أو رابط.
قاد ذلك الاتحاد الأوروبي لاستحداث القانون في عام 2010، لمراقبة الوضع المالي للأندية المتأهلة لبطولاته، وبدأ تطبيقه من العام التالي. كانت الصيغة الأولية للقانون غير معقدة، حيث يقدم النادي السجلات التي تثبت قدرته على دفع كافة الرواتب والنفقات الملزم بها، موسمًا بموسم.
ولأنها كانت أبسط من اللازم، لم تقدم الصيغة الأولى المطلوب، لأن النادي كان قادرًا على الاقتراض لدفع نفقاته، فيظهر في السجلات مستقرًا ماليًا، لكنه في الحقيقة مدين. لذلك تم تطوير القانون في عام 2013، ليعتمد على مبدأ التعادل «break- even»، والمقصود هنا أن تتعادل مصاريف النادي مع مداخيله.
إذا كان النادي مملوكًا ملكية عامة كريال مدريد وبرشلونة، فيسمح له بإنفاق أكثر من مداخيله بمبلغ 5 مليون يورو خلال فترة التقييم. وإذا كان مملوكًا لشركة أو رجل أعمال، فيسمح له بإنفاق ما يزيد عن مداخيله بمبلغ 30 مليون يورو -كانت 45 مليون يورو في أول 3 أعوام من تطبيق القانون- أما عن فترة التقييم فهي كل ثلاثة أعوام، وليست كل عام.
بقي أخيرًا أن نفهم مدخلات عملية التقييم. فالحساب لا يقتصر على بيع وشراء اللاعبين فقط، بل يشمل كل مداخيل النادي من عقود الرعاية، والبث التلفزيوني، وتذاكر الملعب، مقابل مصاريفه التي تشمل كافة الرواتب والتنقلات. ويستثنى من حساب النفقات ما يوجَه لبناء أو توسعة الإستاد، وتطوير أكاديميات النادي، ودعم الفريق النسائي. والآن بعد أن فهمت القانون، بقي أن نعرف ما فعله مانشستر سيتي.
ماذا فعل السيتي؟
حسنًا، لنحاول تقريب الصورة، هل تتذكر فيلم «الناظر»؟ عندما كان حسن حسني يقدم الميزانية المزورة لعلاء ولي الدين لتوقيعها، 15 ألف جنيه طباشير أبيض في السنة، ثم 15 ألف جنيه طباشير أبيض في السنة، لأن الأبيض درجات! هذا بالضبط ما فعله مانشستر سيتي لتضخيم دخله.
وفقًا للقانون، على المداخيل أن تغطي النفقات، لكن بالنسبة لنادٍ بحجم وشعبية السيتي، كانت المداخيل عائقًا، تم التغلب عليه بمساعدة الرعاة الإماراتيين، وتحديدًا: طيران الاتحاد، واتصالات، وآبار للاستثمار، ومؤسسة أبو ظبي للسياحة والثقافة.
في البداية، كون الرعاة من نفس الدولة هو أكبر دافع للشبهات، وبسبب وجود مبدأ يسمى «الصفقات العادلة»، تم تأكيد الشبهات عند خضوع عقود الرعاية للتقييم وفقًا لقيمة النادي التسويقية الحقيقية.
الغريب أن ذلك لم يظهر فجأة، بل إنه بشكل أو بآخر كان مقبولاً ومطروحًا للتسوية في عام 2014، حينما تمت معاقبة الفريق السماوي لمخالفة القانون، بغرامة قدرها 49 مليون جنيه إسترليني (32 منها تم تجميدها)، وتخفيض قائمته المشاركة بدوري الأبطال لـ 21 لاعبًا.
لكن يبدو أن تسربيات «Football Leaks» المنشورة بصحيفة «دير شبيجل» الألمانية في نوفمبر 2018 أحرجت كافة الأطراف، بعد أن فضحت كيفية تحايل النادي للحصول على الأموال مباشرة من رئيسه الشيخ منصور بن زايد سواء كان من شركاته أو شركات مقربين منه من العائلة المالكة.
اضطر ذلك الاتحاد الأوروبي لإعادة فتح التحقيق لاستكشاف كيف تربع السيتي على عرش الأكثر إنفاقًا منذ عام 2008 (1.5 بليون باوند) دون الارتباط بصفقات بيع كبيرة لمعادلة الكفة.
عالم مثالي
تحرك مانشستر سيتي لاستئناف العقوبة عبر محكمة التحكيم الرياضي «CAS»، لكن أيًا كانت النتيجة، فإنها لن تنفي أن المخالفة لم تكن في عجز الميزانية، وإنما في التلاعب بالسجلات. لذلك، من المنطقي أن يكون الطريق إلى التسوية مسدودًا، وعليه سنفترض أننا في طريقنا إلى عالم مثالي عادل، سيحكمه اللعب المالي النظيف، كيف يمكن أن يؤثر ذلك على خريطة اللعبة؟
الوجه الآخر للقانون يحرص على أن يبقى الوضع كما هو عليه، يبقى الغني غنيًا، والفقير فقيرًا، وإذا قرر الأول أن يعود إلى الوراء، أو قرر الثاني التقدم للأمام، فالطريق سيكون طويلاً. وفقًا للمذكور على موقع الـ «Uefa»، فإن القانون لا يهدف إلى المساواة بين الجميع، وفي نفس الوقت لا يعيق تقدم الصغار، لكنه يضع حدًا لعمليات الإنفاق الضخمة السريعة، آملاً في استبدالها بالاستثمارات الذكية طويلة الأمد.
وفي إطار ذلك الوضع، باتت تعاملات الأندية المالية أكثر حرصًا، وظهر ذلك في أمرين: الأول هو لجوء عديد الأندية لتسديد قيمة صفقات الشراء بطريقة تشبه عملية التقسيط، بتقسيم القيمة على عدد سنوات عقد اللاعب «Player Amortisation». بفرض أن النادي قد اشترى لاعبًا بـ 100 مليون، بعقد مدته 5 سنوات، سيدفع من قيمته سنويًا 20 مليون فقط، بدلاً من دفع القيمة كاملة، وتحميل المبلغ كاملاً على الميزانية في مدة أقصر.
الأمر الثاني كان الأقل ملاحظة، هو زيادة الاعتماد على صفقات الإعارة. ففي صيف 2019، مثلت صفقات الإعارة نسبة 29% من سوق انتقالات الدوريات الخمس الكبرى، وهي تقريبًا نسبة شبه ثابتة منذ 2011، لكن ما نتحدث عنه هو زيادة الدقائق التي يلعبها المعارون، مما يعني بشكل أو بآخر أن الإعارات باتت تشمل لاعبين كبار.
في موسم 2018/2019، كان يوجد أكثر من 80 لاعبًا معارًا لعب لفريقه الأم على الأقل 1200 دقيقة، وأكثر من 120 لاعبًا معارًا لعب في ناديه الجديد أكثر من 1200 دقيقة، وهذه الأرقام هي الأعلى مقارنة بالمواسم السابقة. أضف لذلك، زيادة صفقات الإعارة المصحوبة بأحقية الشراء (أكثر من 150 لاعبًا)، الهادفة لترحيل المبلغ المدفوع، لترقيع الميزانية قدر الإمكان.
ما سبق يبدو نتيجة منطقية، من المنتظر أن تحقق المرجو من القانون في قادم السنوات، لكن ماذا لو لم تكن عقوبة مانشستر سيتي مؤشرًا لذلك العالم المثالي؟ ماذا لو كان تطبيق القانون هو جزء من لعبة أكبر؟ بما أننا من سكان العالم الثالث، فإننا يجب أن نترك بابًا للمؤامرة.
إذا قررت مراجعة الشريط الزمني منذ تسربيات «دير شبيجل» في نوفمبر 2018، حتى عودة التحقيقات في مارس 2019، وصولاً بتوقيع العقوبة، فهنالك تاريخ عليك أن تدرجه وسط هذا الشريط كي تكتمل خيوط المؤامرة، وهو فبراير 2019، عندما تم تعيين رئيس نادي باريس سان جيرمان وقنوات «beIN Sports»، «ناصر الخليفي» عضوًا باللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
وبما أن فريق العاصمة الفرنسية يعيش نفس قصة مانشستر سيتي، بتفاصيل مشابهة، بل أن التلاعب في الدوري الفرنسي محدود العوائد مكشوف أكثر، ورغم ذلك ما زال باريس سان جيرمان آمنًا من العقوبات، مما يرجح كون الأمر واحدًا من جولات الصراع القطري الإماراتي. وحتى نتبين ذلك، فإن السيتي يستحق ما ناله، والعالم لن يكون مثاليًا أبدًا كما نريده.