لماذا كان متوقعا أن يقع الانقلاب في تركيا
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
سبقت محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا حملة شعواء من الإعلام الغربي ضد تجربة العدالة والتنمية، وضد أردوغان شخصيا. كانت الحملة حادة اللهجة غريبة وغير مفهومة وقتها إذا ما أخذنا في الاعتبار أن رؤساء مستبدين في الشرق الأوسط، كبشار الأسد، دمروا بلدانهم وسجنوا عشرات الآلاف من مواطنيهم وقتلوا ما يربوا على نصف مليون نسمة، لم يتلقوا عشر هذا الهجوم، بل ربما كانت هناك دعوات للتصالح معهم. اليوم تلقي تلك الكتابات الغربية، خاصة في ظل التصريحات الصادرة من واشنطن وباريس وبقية العواصم الغربية بحق محاولة الانقلاب، ظلالا من الشك حول الدور الغربي في محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في تركيا في الخامس عشر من يوليو/ تموز. في مقدمة هذه الكتابات الغربية تأتي كتابات مايكل روبين، الباحث الأمريكي، الذي كتب مقالا في النيوز ويك بتاريخ 24/ 3/ 2016، بعنوان: «هل سيكون هناك انقلاب ضد أردوغان في تركيا؟». ولا تنبع أهمية مقالة روبين من توقعه المبكر فحسب، ولا من تأكيده الشديد، وإنما أيضًا من شخصية كاتبه المعروف بعلاقاته القوية بالبنتاجون الأمريكي؛ لذلك قررنا أن نقدم لكم تلك الترجمة لمقالته.
الوضع في تركيا سيء ويزيد سوءًا. ليس الأمر مجرد تدهور أمني وسط موجة من الإرهاب. ربما يكون الدين العام مستقرًا، لكن الدين الخاص خارج عن السيطرة، قطاع السياحة في سقوط حر والانخفاض في العملة ترك أثره على القدرة الشرائية لكل مواطن. هناك شعور عام، بالرغم من نتائج الانتخابات، أن الرئيس رجب طيب أردوغان خارج عن السيطرة. فهو يسجن المعارضين ويصادر الصحف يسارًا ويمينًا ويشيد قصورًا كسلطان مجنون أو خليفة طموح. في الأسابيع الأخيرة، هدد مجددًا بحل المحكمة الدستورية.
الفساد منتشر. ذكرت التقارير أن ابنه بلال فر من إيطاليا بجواز سفر دبلوماسي سعودي حينما أطبق عليه البوليس الإيطالي في زعم بفضيحة غسيل أموال.
تثير هبّات غضبه الدهشة في تركيا وفي الخارج. حتى أن أعضاءً من حزبه الحاكم يتهامسون بشأن جنون ارتيابه المتزايد والذي، طبقا لبعض المسؤولين الأتراك، أصبح سيئًا جدًا لدرجة أنه يسعى لتركيب قذائف مضادة للطائرات في قصره ليمنع الرجال المتشحين بالسواد المنقولين في الهواء من استهدافه بعملية اختطاف.
يتزايد إدراك الأتراك — والجيش التركي — لأن أردوغان يتجه بتركيا إلى شفا الهاوية. بمنح الشرعية للقائد الكردي المسجون عبد الله أوجلان وتجدد المفاوضات ثم التعجيل بتجدد الصراع، أخذ تركيا إلى طريق لا توجد فيه فرصة للنصر وإمكانية كبيرة لتقسيم فعلي.
بعد كل هذا، إذا تجددت الحرب الأهلية كما في الثمانينيات وبداية التسعينيات، فسيكون من الصعب الضغط على أكراد تركيا لقبول التسوية بأيّ شيء أقل، سيطالبون بالمزيد والمزيد نظرًا للسابقة التي أقامها الآن إخوتهم في العراق وسوريا.
سعى أردوغان منذ وقت طويل لشلّ حركة الجيش التركي. في العقد الأول من حكمه، هلّلت له حكومة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن كان ذلك قبل أن يدرك أشد المدافعين الأجانب تحمسًا له عمق انحداره إلى الجنون والاستبداد.
فهل إذا تحرك الجيش التركي لتنحية أردوغان ووضع حاشيته وراء القضبان، يستطيع النجاة بفعلته؟
في نطاق التحليل لا التحيز، الإجابة هي نعم. ففي هذه المرحلة من موسم الانتخابات، من المشكوك فيه أن تقوم إدارة أوباما بشيء أكثر من توبيخ قادة الانقلاب، خصوصًا إذا رسموا في الحال مسارًا واضحًا لاستعادة الديمقراطية. ولا سيستجلب أردوغان ذات التعاطف الذي حاز عليه الرئيس المصري محمد مرسي. فحينما نُحّي مرسي، كان التزامه بالديمقراطية لا يزال محل جدال.
يسكت ذاك الجدال الآن حين يأتي ذكر الزعيم التركي. لا الجمهوريون ولا الديمقراطيون المتفوقون سيضعون هيبة الولايات المتحدة على المحك سعيًا لإعادة الوضع السابق. ربما يقدمون له تأييدًا لسانيًا فقط ضد الانقلاب، لكنهم سيعملون مع النظام الجديد.
ربما يُسكت قادة الانقلاب انتقادات هيئات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الأوروبية والأمريكية وانتقادات الصحفيين بالإفراج الفوري عن كل الصحفيين المحتجزين والأكاديميين وإعادة الصحف المصادرة والقنوات التليفزيونية لمالكيها الشرعيين.
لا تشكل عضوية تركيا في حزب الناتو مانعًا: فلا تركيا ولا اليونان خسرتا عضويتهما في الناتو بعد الانقلابات السابقة. وإذا تعاونت القيادة الجديدة بصدق مع أكراد تركيا، فربما ينضم إليها الأكراد.
ليس من المحتمل أن يتعاطف الرأي العامي الأوروبي أو الأمريكي مع إعدام أردوغان وابنه وصهره، ولا المساعدين الرئيسيين، رغم أنهم قد يقبلون المحاكمة من أجل الفساد والسجن الطويل الأمد. ربما يأمل أردوغان أن يهرع أصدقاؤه لنجدته، لكن أغلب أصدقائه — دوليا وبداخل تركيا — منجذبون إلى قوته. وبمجرد خروجه من قصره، ربما يجد نفسه وحيدًا للغاية، رجل واهن ومرتبك كــ صدام حسين في محاكمته.
أنا لا أتنبأ هنا، لكن نظرًا للخلاف المتصاعد في تركيا وكذلك الاحتمال القائم بأن الجيش التركي لن يتحمل عواقب كبيرة في حال محاكاته خطة لعب عبد الفتاح السيسي في مصر، فلا يندهشن أحد إذا صارت سياسة تركيا المترنحة إلى ترنح أكبر قريبًا.