لماذا سعت الولايات المتحدة إلى تحطيم شركة هواوي؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
إن السعي لتقويض حق الصين المشروع في النهوض سيخلق ستارًا حديديًا تكنولوجيًا جديدًا، وسيرفع احتمالات الصدام بينها وبين الولايات المتحدة.
يخبرنا التاريخ أن المنافسات التكنولوجية والصناعية بين القوى الكبرى، على غرار سباق الصلب بين بريطانيا وألمانيا قبيل الحرب العالمية الأولى، يمكن أن تكون الباب الكبير إلى الحرب، والإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة ضد شركة هواوي الصينية هي بمثابة طلقة افتتاحية في حرب تكنولوجية خطرة، ربما تستحيل منحدرًا زلقًا إلى عواقب وخيمة.
الهيمنة التكنولوجية الأمريكية
لماذا تسعى الإدارة الأمريكية إلى إبعاد هواوي من الأسواق وسلاسل التوريد العالمية؟ يتجاوز هذا الأمر مخاوف الأمن القومي المشروعة إلى الرغبة في تحطيم هواوي، لأنها تجرأت على تحدي الهيمنة التكنولوجية الأمريكية.
يتعلق الأمر بممارسات الاحتواء، لغرض تعطيل أو كبح النهوض الاقتصادي الصيني الملموس. إنها نسخة مكررة في عصر التكنولوجيا من محاولة الولايات المتحدة احتواء الصين بعد سيطرة الشيوعيين عليها عام 1949.
وصحيح أن هواوي اعتمدت في أيامها الأولى على تكنولوجيا مسروقة لجني مكاسب سوقية، لكن ما يقلق الإدارة الأمريكية حقًا من الشركة الصينية أنها تلميذ نجيب برع في الممارسات الرأسمالية الغربية، ومن خلال تخصيص 15% من عوائدها للإنفاق على البحث والتطوير، قطعت الشركة شوطًا بعيدًا على طريق التحول من نموذج للتقليد والمحاكاة إلى نموذج يبدع تقنيته الخاصة.
يطالب الغرب الصين طوال الوقت بأن تكون عضوًا مسئولًا بالمجتمع الدولي، والمفارقة أن هذا بالضبط هو ما تفعله هواوي؛ عندما تشارك بنشاط في خلق شبكة اتصالات الجيل الخامس عالميًا، وسد احتياجات سلاسل التوريد العالمية.
وما لا يرقى إليه الشك أن ملاحقة الإدارة الأمريكية لهواوي ستفضي إلى تعجيل الأخيرة والصين بتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. وكجزء من خطة ذكية لتقليص المخاطر، بنت هواوي بالفعل قدرتها المحدودة الخاصة على تصنيع شرائح أشباه الموصلات. وإن حدث الآن وأوقفت شركة جوجل تزويد هواوي بنظام أندرويد، فالشركة الصينية تقول، إنها على وشك إطلاق نظام تشغيل الهواتف الذكية الخاص بها.
صنع في الصين 2025
إن برنامج «صُنع في الصين 2025»، الذي يثير ذعرًا مبالغًا به في الغرب، هو بشكل ما فكرة ملهمة أكثر من كونه مشروعًا قابلًا للتحقق، لكن الإجراءات الأمريكية ضد هواوي هي بمثابة صيحة تحذير لقادة الصين، وستدفعهم إلى صب مزيد من الوقود في آلة المشروع.
يجب أن تبقى الولايات المتحدة ملتزمة بالاشتباك البنّاء مع الصين، لأن الخيارات الأخرى خطرة وغير مقبولة، وإبقاء العيون الأمريكية متيقظة للتهديدات الأمنية من الصين لا يتعارض مع السماح لهواوي وشركات صينية أخرى بأن تأخذ مكانها تحت الشمس.
يجب ألا تتكئ الولايات المتحدة على ذريعة المخاوف الأمنية لتحطيم المنافسين التكنولوجيين العالميين من أمثال هواوي؛ فالأخيرة شركة عصامية من مستوى عالمي، وتتمتع بقدر معتبر من الاستقلالية، ومن المؤكد أن دولة الحزب الواحد في الصين قادرة على الضغط على الشركة حين ترى مصلحة في ذلك، لكنها لا تتدخل في شئون إدارتها اليومية.
ومن الخطأ إجبار شركات أمريكية وعالمية على قطع تعاملاتها مع الصين، فهذه الشركات ترتبط بشراكات استراتيجية وعلاقات توريد مع هواوي، والعمل مع هواوي والصين لا يعني بالضرورة تسليم أسرار التكنولوجيا الخاصة بكل شركة لهما، ومن المؤكد أن الشركات الأمريكية قادرة على حماية ملكيتها الفكرية.
إن السعي إلى إبطاء أو تقويض صعود الصين التكنولوجي المشروع يُفضي لا محالة إلى فصم عُرى الارتباط بين الاقتصادين الأمريكي والصيني، وإلى حرب تكنولوجية تفصح عن نفسها في صورة ستار حديدي تكنولوجي جديد.
يجب أن ننأى بأنفسنا عن تقييد الحوار الدولي، وأن نتعاون في مجال الاتصالات، التي تشكل أداة للتطور والتحول الاجتماعي السريع.
كيف يتعين على الولايات المتحدة أن تستجيب لحقيقة أن الصين تتحدى قيادتها غير المسبوقة للتكنولوجيا؟ الأمر يتعلق بحاجز نفسي، وليس بالتكنولوجيا والتجارة فحسب.
من الأفضل تجنب ردود الأفعال العصابية المتشنجة، التي تؤدي عادة إلى الصدام، والتعاطي مع الأمر بدلًا من ذلك بطريقتين: الأولى، هي ضخ الاستثمارات من أجل المنافسة، وهو ما يقتضي إعادة نظر شاملة في السياسة الصناعية الأمريكية، والثانية، هي التعاون مع الصين متى اقتضت المصلحة، وإدراك أن المناهج والمهارات الأمريكية والصينية تكمل بعضها.
لا جدوى تُرجى من الحرب التجارية، بل ربما تأتي بنتائج عكسية، بينما المناقشة حول خلق مجال للمنافسة المتكافئة مع الصين تستحق العناء، أما قرع طبول الحرب التكنولوجية فيوجه ضربة إلى قلب المصالح الصينية ودورها في العالم.
ولا غرابة في أن الصين تهدد بالانتقام بدورها. إن هذا الصراع يخلق عالمًا تمزقه الاستقطابات التكنولوجية، ولا يبعد أن ينتقل الصراع إلى ميدان السياسة والعسكرية.
إن شيطنة هواوي خيار خاطئ، وسلسلة التوريد التكنولوجية العالمية المتكاملة بحاجة إلى التطوير لا التفكيك، والاعتماد المتبادل الذي يقتضيه هذا التطوير يقوم بدور الثقل الموازن والترياق لداء التعصب القومي المفضي إلى الحروب.