لماذا تهددنا الحرب ضد الطاقة النووية جميعًا؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
وصلت مستويات التلوث بمدن ولاية «أوهايو»، خلال الخمسينيات والستينيات، إلى مستويات من السوء اضُطِر معها السكان إلى إنارة مصابيحهم الأمامية أثناء القيادة نهارًا ليتمكنوا من الرؤية عبر الدخان. والاستيقاظ مبكرًا، خلال الأيام الأكثر سوءا، لتنظيف سياراتهم من السخام الذي تراكم عليها ليلًا وإعادة غسل ملابسهم التي تركوها خارجًا لتجف.
اتفق الجميع على ضرورة فعل شيء ما، لهذا قررت إدارة المرافق الكهربائية بولاية أوهايو بناء ثمانية مفاعلات موزعة على أربع محطات طاقة نووية مختلفة لن ينتج عنها أي مخلفات مُسببة لتلوث هوائي.
تفهم أهالي ولاية أوهايو حاجتهم إلى الطاقة النووية إذا ما أرادوا هواءً أنظف. لذا تحول قلقهم المبدئي تدريجيًا، خلال جلسة الاستماع العلني لمحطة «بيفر فالي» لتوليد الطاقة النووية عام 1970، إلى المساندة.
أخبر عامل محطة بنزين مراسل صحيفة «بيتسبيرج بريس» لاحقًا: «لم يعد الناس، الآن، يخشون الطاقة الذرية لهذه الدرجة».
لكن لم يشعر الجميع أن قرار بناء محطات الطاقة النووية يجب أن يترك لأهالي ولاية أوهايو.
نادر يعرف أفضل
قاد «رالف نادر»، الذي أصبح شخصية شهيرة عالميًا عام 1965، حملة ضد بناء محطات توليد الطاقة النووية في ولاية أوهايو عام 1971. أخبر نادر مراسل صحيفة الأكرون بيكون في 15 أكتوبر عام 1974: «إذا ما وقعت حادثة نووية فمن شأنها أن تمحو منطقة كليفلاند من الوجود، وسيحسد الناجون الموتى حسن حظهم».
نشر «إيرنست ستيرنجلاس»، أستاذ بجامعة بيتسبيرج مناهض لاستخدام الطاقة النووية، تقريرًا مثيرًا يزعم فيه وفاة 400,000 وليد مبتسر ضحية للتساقطات النشطة إشعاعيًا (radioactive fall-outs) الناتجة عن اختبارات الأسلحة، كما قاد حملة بعرض ولاية أوهايو ووسط الغرب بدعوى أن محطات توليد الطاقة النووية المُقترح بناؤها ستكون مسئولة عن قتل مئات الآلاف الآخرين.
كرست منظمة سييرا كلوب The Sierra Club، ومقرها في ولاية سان فرانسيسكو، كامل جهودها لمساندة الحملات المضادة لمحطات الطاقة النووية بولاية أوهايو، فقامت بتوظيف جماعات ضاغطة، وممارسة الضغط على الساسيين المحليين، ورفع الدعاوى القضائية وإثارة ذعر الأهالي المحليين حول شحنات قضبان الوقود fuel rods المستخدمة.
التزم محامو المنظمة، الأفضل في المجال، السرية الشديدة حول مجريات عملهم. فصرح أحدهم لصحيفة «إيست ليفربول ريفيو» عام 1971 بأوهايو: «سنقوم بمتابعة القضايا المرفوعة وخطط أخرى لا يمكننا الإفصاح عنها حاليًا».
اقترح المدير التنفيذي لمنظمة سييرا كلوب، في مذكرة سرية مكتوبة، اللجوء إلى سياسة تأجيج الهلع للرفع من تكلفة إنتاج الطاقة النووية. فكتب: «ستوفر حملتنا المشدّدة على مخاطر الطاقة النووية مبررًا للزيادة من الإجراءات الاحترازية المنظمة، مما يؤدي للرفع من تكلفة الصناعة».
استمر «نادر» ومجموعة سييرا كلوب في الإصرار على عدم وجود حاجة إلى الطاقة النووية. فستجنبنا الطاقة الشمسية وبرامج الاستخدام الفعال للطاقة، في رأيهما، الحاجة إلى كل من الفحم والطاقة النووية.
مضت خطط بناء محطات توليد الطاقة النووية قدمًا، لكنها أُعيقت، مرارًا، من قبل الدعاوى القضائية والتدخلات المتعددة.
دعا نادر، عام 1974، أعضاء الجماعات المناهضة للطاقة النووية لحضور ما أسماه «اجتماع الكتلة الحرجة» بواشنطن العاصمة، لتدريبهم على أسلوب الحرب الذي لا يقبل بأي تفاهم.
في هذه الأثناء في أوهايو، اضطرت حكومة الولاية إلى إصدار 44 إنذار تلوث للهواء خلال عام 1975 فقط، بالإضافة إلى أوامر الطوارئ بإغلاق محطات توليد الطاقة حتى تنجلي السحب السامة. لم يثبط أي من هذا من همة مناهضي الطاقة النووية، الذين اتجهوا لجماعة خارجية قوية أخرى من أجل المساندة: هوليوود.
أنتجت الممثلة «جاين فوندا» فيلم «تناذر الصين»، الذي يُصور الحوادث النووية كنذير بنهاية العالم، قوبل الفيلم بنجاح ساحق، كما تسبب بهلع على مستوى قومي عندما ذاب مفاعل reactor ببنسفلانيا (بدون التسبب بأي إصابات). يعرض فيلم فوندا مشاهد لآباء، خلال اجتماعات علنية، يطالبون بوقف خطط بناء محطات الطاقة النووية، مماثلًا لما كان نادر ومنظمة سييرا كلوب يحاولون فعله في ولاية أوهايو. أُلغيت بعد ذلك خطط بناء محطتي توليد طاقة نووية أخريين، في عام 1985، كان مقرر بنائهما بمنطقة دايفيد-بيسي.
تذوقت الجماعات المناهضة للطاقة النووية النصر، فكما قال أحد قادتهم:
تم إلغاء خطط بناء مفاعل آخر بمنطقة «بيري» بعد ذلك بعدة أشهر. ثم، تم التخلي عن خطط إكمال محطة توليد زيمر النووية، بعد أن تم تنفيذ 97 بالمائة منها بالفعل، فيما يعتبر واحدا من أعظم انتصارات الحركة المناهضة للطاقة النووية.
تمكنت الجماعات المناهضة للنووية، المعتمدة في تموليها بشكل رئيسي على شخصيات ومنظمات ثرية في واشنطن العاصمة، نيويورك، وسان فرانسيسكو، من قتل ستة مفاعلات نووية بولاية أوهايو في المجمل، مما أطبق إحكام قبضة التلوث الناتج عن الفحم لعمر جيل آخر.
«ضوء الغاز» النووي
بمجرد فوز الجماعات المناهضة للطاقة النووية بالمعركة تظاهروا بعدم تورطهم بأي شكل في موت المحطات النووية، كالزوج المذنب في فيلم «ضوء الغاز».
صرح أموري لوفينز عام 1981 بأن خطط بناء المحطات النووية ماتت بسبب «هجوم قوى السوق العرض والطلب»، كما ادعى أن برامج كفاءة استخدام الطاقة عالجت الحاجة إلى الطاقة النووية.
فكما تؤكد عصبة الجماعات المناهضة للطاقة النووية، المتحكمة فيما بينهم بأكثر من 100 مليون دولار سنويًا مثل إي دي إف EDF، سييرا كلوب وإن أر دي سي NRDC ليس لهم أي صلة بموت خطط بناء محطات الطاقة النووية على الإطلاق، فأوهايو والولايات المشابهة، كما يزعمون، لم تكن بحاجة إلى الطاقة النووية.
لم يتسم هذا الادعاء بأي منطقية. فحتى لو تقبلت، مضضًا، صحة المزاعم حول فاعلية تطبيق برامج الاستخدام الفعال للطاقة، فستظل بحاجة إلى إنتاج الكهرباء من مصدر ما.
يولد الفحم اليوم بفضل مجهودات الجماعات المناهضة للطاقة النووية، 59 بالمائة من مجمل كهرباء ولاية أوهايو. كانت ولاية أوهايو ستشهد انخفاضا فوريا في معدلات استهلاك الوقود الحفري وتحسنا جذريا في نوعية الهواء، إذا ما مضت خطط بناء المفاعلات الستة الملغاة قدمًا وسمح لها بالعمل.
أرادت منظمة إينفرومنتال بروجرس (Environmental Progress EP) أن تلقي نظرة أقرب على تاريخ الطاقة النووية بولاية أوهايو، لهذا أجرينا، على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، بحثا أرشيفيا مُدققا في تاريخ الحرب ضد محطات توليد الطاقة النووية بأوهايو. توقعنا أن نجد آثار الكثير من الهجوم المنظم، لكننا كنا مذهولين بما وجدناه.
ضربت المنظمات المناهضة للطاقة النووية بنائي محطات التوليد بولاية أوهايو من كل الجهات. فقد كانوا متعنتين، لا يلينون، وبتمويل كبير. كما لجأوا، في شن هجومهم، إلى كل تكنينك معروف في الكتاب: التظاهرات، جماعات الضغط، رفع الدعاوى، وتأجيج الهلع الهيستيري، التكنيك المُميز للجماعات المناهضة للطاقة النووية.
من الواضح أن مناهضي الطاقة النووية وافري التمويل لعبوا دورًا حاسمًا في عرقلة خطط البناء، حيث تضم صفوفهم محامين وخبراء تسويق خريجي جامعات الأيفي ليج Ivy League، عكس الصورة النمطية لهم كهيبيز عديمي الأذى. وظهر أن كل التصريحات الصادرة عن المنظمات المناهضة للطاقة النووية، تقريبًا، حول إلغاء محطات التوليد النووية بأوهايو، غير صحيحة.
لم تعالج برامج الاستخدام الفعال للطاقة الحاجة إلى الكهرباء. حيث ارتفع متوسط استهلاك الفرد من الكهرباء بنفس القدر، تقريبًا، كمثيله في الستينيات، علمًا بأن، تعداد سكان ولاية أوهايو ارتفع بمقدار مليوني شخص منذ السبعينيات.
ماذا عن الاقتصاديات؟
لم تمثل الاقتصاديات مشكلة حتى وجدت محطات التوليد نفسها في مواجهة هجوم معاند لا يلين.
قال الرئيس التنفيذي للمرافق العامة عام 1979، عقب الإعلان عن إلغاء خطط بناء مفاعلين جديدين بمنطقة دايفيد-بيسي: «مازالت الموارد الاقتصادية متوفرة، لكن عندما تثقلها بكل المتطلبات التنظيمية والتأخيرات، تصبح الأمور غير محددة وفوضوية».
تولد محطات توليد الطاقة النووية بولاية أوهايو 90 بالمائة من الطاقة النظيفة بالولاية، لكنها معرضة للإغلاق قبل أوانها، حيث إنها مستثناة من الدعم الفيدرالي السخي Federal subsidies وتفويضات الولاية للكهرباء state electricity mandates.
محطات توليد الطاقة النووية بأوهايو عُرضة للاستهداف بشكل خاص، لأنها أصغر حجمًا من محطات التوليد العادية، مما يجعلها أقل توفيرًا اقتصاديًا. فعلى سبيل المثال، محطات التوليد النووية التي بنصف حجم المحطات العادية تتطلب أكثر من ضعف عدد الموظفين.
تذكر أن ثاني وثالث وحدة مفاعلات بمنطقتي دايفيد-يبيسي وبيري تمت عرقلتهما على أيدي منظمة سييرا كلوب ورالف نادر.
ينادي ديك منسون، المدير التنفيذي لمنظمة إينفيرومنتال ديفينس فاند Environmental Defense Fund، علنًا مثله ككل المنظمات البيئية الأخرى بإغلاق كل محطات توليد الطاقة النووية بأوهايو. ديك منسون، مثله كرالف نادر، لا يسكن ولاية أوهايو.
التبعات الصحية للحرب ضد الطاقة النووية
– ماذا كان تأثير الحرب ضد محطات الطاقة النووية بولاية أوهايو؟
ما يساوي التلوث الناتج عن إضافة 14 مليون سيارة إلى الطريق ووفاة 35,000 وليد مبتسر، توصلنا لهذه الأرقام بتطبيق وسائل من دراسة ضخمة نُشِرت في الدورية الطبية البريطانية لانست Lancet.
– ماذا سيحدث إذا ما أُغلقت محطات التوليد النووية بأوهايو؟
سترتفع معدلات التلوث بما يساوي إضافة 3.3 مليون سيارة أخرى إلى الطريق.
– لكن، هل تحتاج أوهايو حقًا إلى الكهرباء من محطات التوليد النووية؟
نعم، ففي العام الماضي استوردت أوهايو خمس حاجتها من الكهرباء من الولايات الأخرى.
– ألا تستطيع أوهايو العمل على تطبيق المزيد من برامج الاستخدام الفعال للطاقة؟
هذا ما يدعيه منسون من إي دي إف، وبقية المنظمات البيئية مثل سييرا كلوب وإن أر دي سي. يمكنها، لكن ليس واضحًا ما الذي يمكن أن يغيره ذلك. فعلى الرغم من إغداق التمويلات على برامج الاستخدام الفعال للطاقة بأوهايو على مدى العقود الماضية، فإن معدلات استهلاك الكهرباء السكنية مستمرة في الارتفاع.
شُنت الحرب ضد الطاقة النووية باسم الصحة والبيئة. لكن ضحاياها هم هؤلاء الأكثر عرضة للتأثر بتبعات التغير المناخي، كالأطفال، كبار السن، الفقراء، والمرضى.
لهذا، الذي يدور في أوهايو على مدى الأربعين عامًا الماضية ليس مجرد «نفاق». إنه أكبر مجهود «للغسل الأخضر» في التاريخ Green washing.
القصة البيئية الأكبر في العالم
الحرب ضد الطاقة النووية هي القصة البيئية الأهم في العالم. محطات توليد الطاقة النووية تحتضر، وإذا ما قضت نحبها، تموت معها فرصنا لتنظيف الهواء وحل مشكلات التغير المناخي.
بدأت الحرب بمجهودات لقتل محطات التوليد في السبعينيات، واليوم تأخذ شكل توفير دعم فيدرالي federal subsidies وتفويضات mandates للطاقات الشمسية والمولدة من حركة الرياح، لكن ليس للطاقة النووية.
واحد من الأسباب المؤدية إلى إفلاس محطات أوهايو النووية أنها مُجبرة، حرفيًا، على دفع التكاليف الباهظة لشبكات grid absorbing electricity حصد الكهرباء القادمة من توربينات الرياح، رغم تلقي الأخيرة الدعم على مدى ربع القرن الماضي.
الكذبة الكبرى التى تدعم الحرب ضد الطاقة النووية، هي انتفاء الحاجة إلى الطاقة النووية وقدرة الطاقة الشمسية، تنتج أقل من 15 بالمائة من كهرباء أوهايو، وطاقة الرياح الجانحة على توفير الطاقة اللازمة لإدارة العالم. لكن من المؤكد اكتشافنا خلال بحثنا أن التظاهرات «البيئية» بأوهايو تبنت معارضة صلبة لاستخدام الفحم كما فعلت ضد الطاقة النووية؟
في الواقع، لا. أعطت المنظمات المناهضة للطاقة النووية، كسييرا كلوب، إن أر دي سي، إي دي إف ونادر، الضوء الأخضر لبناء محطات توليد الطاقة باستخدام الفحم.
– هل يصعب عليك تصديق ذلك؟
إذن ضع في اعتبارك أن العبارة التالية كانت الجملة الافتتاحية لخبر جريدة سينسيناتي إينكويرير في الثامن من ديسمبر عام 1985: