لماذا تستهدف الجماعات الإرهابية تركيا؟
بتلك الكلمات تحدث «رجب طيب أردوغان» في يناير الماضي مشيرًا إلى أن تركيا هي الهدف الأول والرئيسي لكل الجماعات الإرهابية الموجودة بالمنطقة، ولعل التفجيرات المتوالية في تركيا تثبت صحة تلك المقولة، الأمر الذي يدفعنا إلى البحث حول سبب استهداف الجماعات الإرهابية لتركيا ولمن المصلحة في توتر الأوضاع هناك وعدم الاستقرار في تركيا.
الدوافع نحو استهداف تركيا
الحقيقة الثابتة في عرف الجماعات الإرهابية أنه لا شيء يحدث اعتباطيًّا فلكل شيء تفسير ولكل فعل رد فعل، والعوامل التي تدفع الجماعات لاستهداف تركيا عدة بعضها مرتبط بالداخل التركي والبعض مرتبط بالخارج والسياسة الخارجية التركية.
الداخل التركي
فيما يتعلق بالداخل تأتي الصراعات الداخلية بتركيا والتي على رأسها الأكراد، التي تعاني منها تركيا الويلات منذ ثمانينات القرن الماضي بتأسيس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 على يد مجموعة من الطلاب الماركسيين، وإن كان ذلك الحزب في بداياته لم يحصل على تمويل من قبل الاشتراكيين إلا أنه اعتمد على التمويل الذاتي؛ الأمر الذي ساعد في زيادة عدد مقاتليه.توجه الحزب في بداية الثمانينات إلى العمل العسكري وتحديدًا في عام 1984 بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ وعليه شهدت تلك الفترة أكبر صراع دموي ما بين الجيش التركي الأكراد برعاية عبد الله أوجلان وقد قيل آنذاك أن حافظ الأسد الرئيس السوري كان له دور هام في تمويل الأكراد، وبعد مدة من الصراع الملتهب والخامد شيئًا ما اعتقل أوجلان في عام 1999، ومنذ ذلك الحين دارت العديد من المفاوضات ما بين الأكراد والحكومة التركية ولكنها لم تجنِ أي ثمار، آخرها دعوة أوجلان من السجن لوقف العمل العسكري واللعب سياسيًّا في عام 2013.ليس حزب العمال الكردستاني هو المهدد الوحيد في الداخل التركي بل إن هناك أيضًا بعض المنظمات اليسارية الأخرى مثل «حزب التحرير الشعبي الثوري» و«الحزب الشيوعي الماوي» و«الكيان الموازي» الذي يقوده «فتح الله غولن»، وكانت الحكومة التركية في الفترة الماضية قامت بحملات اعتقال واسعة في صفوف تلك التنظيمات.
الأزمة السورية
كون تركيا دولة ممر رئيسية إلى سوريا جعلها هدفًا لأفراد التنظيمات الإرهابية التي ترغب في الوصول إلى سوريا، والمتطرف في مروره يحتاج بلا شك إلى طابور خامس معاون له من داخل الدولة. وعليه، عمد المتطرفون الذاهبون إلى سوريا إلى تجنيد أتراك لمساعدتهم في ذلك؛ الأمر الذي يدفع الحكومة إلى تأمين حدودها مما ساعد بصورة في خلق صراع ما بين تلك التنظيمات والحكومة التركية.
الأزمة السورية وإعادة أسالا
ساعدت الأزمة السورية أيضًا في إعادة ظهور الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا أو ما يعرف باسم «أسالا» في العام 2014 مهددة تركيا كما في الكلمات التي جاءت في بيان صادر عنه.أسالا هي جماعة تأسست في عام 1975 على يد « هاجوب هاجوبيان» في بيروت، تهدف إلى إجبار الحكومة لتركيا على الاعتراف بالمسئولية عن مقتل أكثر من مليون أرمني في عام 1915 وتعويضهم، والعمل على إنشاء أرمينيا التاريخية التي تحتوى على جزء من تركيا وفقًا لمعاهدة سيفر 1920.وقد قامت الجماعة بعمليات عدة ضد تركيا يتخطى عددها الـ 80 حادثة، أبرزها قتل سفير تركيا في فرنسا بالعام 1975 شهر أكتوبر.بعد اغتيال زعيم التنظيم هاجوبيان تراجع التنظيم وضعفت قوته إلى أن تم حله بالعام 1991 ولكنه عاد للظهور مرة أخرى.
السياسة الخارجية التركية
عملت تركيا في الفترة الأخيرة على التوجه نحو السعودية والمشاركة في تحالفات عسكرية عدة تحت غطاء محاربة الإرهاب وتحديدًا داعش في الوقت الذي تعاني فيه الحدود التركية من ويلات تلك التنظيمات؛ الأمر الذي يدفع تنظيمًا إرهابيًّا مثل داعش إلى التركيز مع تركيا والعمل على إيقاف تحركاتها الخارجية في مواجهته؛ مما يخلق عدوًّا آخر لتركيا يضاف إلى هؤلاء الذين لا تستطيع الدولة التصدي لهم.
من المنفذ؟ وما الأهداف المرجوة؟
التنبؤ بمنفذ عملية إرهابية أمر صعب للغاية، ولكن أول سؤال يطرح عندما يقع حادث هو من له المصلحة؟. الوضع في تركيا ربما يدفعنا للقول بأن أي عملية إرهابية تنحصر في التنظيمات اليسارية والأكراد وداعش وأضف إليهم الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا، وإن أردت التصفية بين هؤلاء فلك أن تحصر التفجيرات حسب درجة قوتها بين داعش والأكراد.الإرهاب هدفه الأساسي إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار ولكن في تركيا يضاف إليه رغبة الأكراد في الاستقلال، ورغبة داعش في إبعاد تركيا عن محاربته، ورغبة النظام السوري في وقف الدعم التركي للجماعات المعارضة له، والهدف التاريخي للأرمن بإعادة أرمينيا التاريخية.
مستقبل استهداف الإرهاب لتركيا
ربما استطاعت تركيا في الثمانينات من القرن الماضي التصدي للإرهاب بالداخل بمفردها؛ ولكن الوضع الآن نظرًا للتدخلات الدولية والإقليمية أصعب بكثير مما كان عليه بالماضي.وعليه فإن تعدد الجبهات ضد النظام التركي يدفع نحو ثلاثة سيناريوهات في مكافحة الإرهاب بها.من ناحية من الممكن أن يستمر النظام التركي في سياسياته الداخلية والخارجية معلنًا التصدي لكافة الجبهات المفتوحة ضده؛ الأمر الذي سيدفعه نحو خسائر أكثر تهدد بقاءه.ومن ناحية أخرى يلجأ النظام إلى البعد نهائيًا عن التدخل في الأزمة السورية والتوقف عن دعم الجماعات المعارضة السورية؛ مما يساعد في غلق جبهة أمامه والذي يساعد بصورة أو بأخرى في وقف جبهة أخرى «أسالا»، وكذلك تقلل من نفوذ الأكراد.ومن ناحية ثالثة يمكن تهدئة الأكراد وفتح باب للمفاوضات السياسية مرة أخرى مع الأكراد مما يهدئ من وتيرة العنف المسلح لهم بالداخل التركي.على كل حال تدفع كل المؤشرات إلى استمرار النظام التركي في المواجهة على أكثر من جبهة؛ مما يشير بدوره إلى استمرار العمليات الإرهابية في تركيا الفترة المقبلة.