لماذا يجب أن يستشير «محمد صلاح» «رمضان صبحي» قبل التجديد مع ليفربول؟
كان طالبًا نجيبًا، علم نفسه القراءة، ثم التحق بمدرسة للنابغين، في سن ال14 اخترع تقنية ال RSS، في سن ال19 شارك في إنشاء موقع ريديت الشهير، الذي بيع بعد ذلك ب20 مليون دولار، جعلت منه مليونيرًا في أول عشرينياته، مثال حقيقي للنجاح، ولو لم تكن تعرفه، فهو آرون شوارتز أحد نوابغ البرمجة في أمريكا، المعلومة الوحيدة الباقية أن آرون انتحر في سن ال26.
لا تقلق، لن نستخدم هذه القصة لنحدثك عن الأغنياء الذين يعانون من الاكتئاب والفقراء السعداء رغم فقرهم، هذه مواضيع مغرية لكن ليوم آخر، لكن الآن تذكر آرون، ودعنا نتحدث عن رمضان صبحي ومحمد صلاح.
بطل رغم أنفه
ربما كانت صفقة انتقال رمضان صبحي إلى بيراميدز الصفقة الأهم في السنوات الأخيرة للكرة المصرية. ضربة قوية للأهلي، واستغلها بيراميدز ليؤكد تفوقه المادي على الجميع، وحصل معها رمضان على راتب ضخم كان الأعلى في مصر على الإطلاق.
منذ تلك اللحظة، أصبح رمضان العدو الأول لجمهور الأهلي، وكنتيجة طبيعية، استخدمه جمهور الزمالك كأداة لمكايدة جمهور الأهلي، وبيراميدز لا يمتلك جمهورًا بعد ليفعل شيئًا، وصار رمضان رمزًا لصراع أكبر منه.
وضعت هذه المشاحنات إضافة لقيمة الراتب الكبير وظروف الصفقة الكثير من الضغوط على كاهل رمضان، ولسوء حظه، لم يقدم أداءً كرويًا ملفتًا يرفع عنه تلك الضغوط، لكن اكتفى بأداء متوسط لم يساعده في تخطي الأمر.
إعلاميًا، ظهر رمضان في لقائه الأول مع «عمرو أديب»، وخرج مرتبكًا متوترًا ولم تكن تصريحاته موفقة، بعدها بشهور خرج «هاني سعيد» المدير الرياضي في بيراميدز ليطلب من الجمهور أن يرحم رمضان، واشتكى هاني من الضغوط التي يضعها الجميع عليه، والتي بدت واضحة في أدائه، آخرها كان في مباراة الأهلي الأخيرة حين اكتفى بافتعال المشاجرات والعنف دون أي أداء فني.
استعراض سريع رائع بالفعل لصفقة رمضان، لكنه بلا قيمة للأسف، يكفي رمضان نظرة سريعة لحسابه في البنك لينسى كل ذلك، أن تجد مليوني دولار في حسابك كافية لتنسى أي مشكلة مهما كبرت، بل بإمكانه أن يستعين ببعضها ليمسح دموعه كما يفترض الميم الشهير.
قد لا تكون نظرتنا دقيقة للأسف، تخيلاتنا عن المليوني دولار لن تكون دقيقة لأننا لم نجربها، لكن الوحيد القادر على شرح الأمر بتفاصيله هو رمضان نفسه، وربما يفعل ذلك قريبًا حين يستشيره محمد صلاح في أمر تجديد عقده مع ليفربول، وهي المكالمة التي سيستفيد منها صلاح كثيرًا وربما تحسم قراره.
هل يجلب المال السعادة؟
أول ما يمكن لرمضان الحديث عنه، هو الإجابة على هذا السؤال، سؤال مكرر نكرهه جميعًا بلا شك، لأن إجابته عادةً لا ترضينا.
لكن لو فكرت في الأمر بهدوء، وأعدت النظر في السؤال، فلن تكتشف شيئًا مختلفًا، هذه جملة تستحق أن يكرهها الجميع بالفعل.
بالنسبة لملايين البشر الذين لا يقدرون على الوفاء بالتزاماتهم الأساسية ويكمن حل أغلب مشاكلهم في المال، فإن السؤال يحمل قدرًا كبيرًا من السخافة، وإجابته المعتادة تحمل قدرًا أكبر، امنح أحدهم راتب رمضان صبحي ولن يسأل عن السعادة من الأصل ولن يطلبها.
هذه هي المشكلة، أن هذا السؤال لا يخص الأغلبية، لكنه سؤال حقيقي يجب أن يسأله البعض، منهم رمضان وصلاح بالطبع، هل زيادة راتب أحدهم بمليون دولار إضافي سنويًا قد يجعلهم أسعد؟
طبقًا لبحث منشور في مجلة «nature»، وبناءً على تجارب أجريت على أشخاص من بيئات مختلفة، فإن السعادة تتناسب طرديًا مع المال بالفعل، لكن يستمر ذلك حتى مستوى معين، هو مستوى إشباع الدخل، عندها لا يكون هناك أي علاقة بين المال والسعادة.
بل إن الزيادة قد تشكل ضغطًا على الإنسان، لإحساسه بالعجز عن الشعور بالسعادة رغم هذا الكم من الأموال، وهو ما يمنعه من الاستمتاع بحياته، هل تذكر آرون شوارتز؟ كان آرون غنيًا لكن لم يكن سعيدًا.
وأيًا كانت الزيادة في المال، لأن السعادة الناتجة عنها لا تستمر طويلًا، بمتلك الإنسان ما يسمى بتكيف اللذة، ويعني أننا نميل إلى العودة إلى مستوى ثابت من درجات السعادة بمرور الزمن بعد الحوادث، سواء كانت حوادث موجبة أو سالبة، وما يبدو للوهلة الأولى أنه حدث قد يغير من مقدار السعادة بفارق شاسع للاتجاه الموجب أو السالب، فإننا مع الوقت نعود لندور حول ذلك المستوى الثابت من السعادة.
إدراك هذا الأمر لا يكون إلا بالتجربة، ومهما حكى الكثيرون أن ارتفاع رصيدهم في البنك بمليوني دولار لم يغير سعادتهم، فلن نقتنع حتى نجرب بأنفسنا، لكن حتى تتحقق الأحلام ونجرب ذلك الشعور، فعلينا أن نصدق من سبقونا إلى هناك، وربما يكون رمضان واحد من هؤلاء، ولعله الآن يمتلك إجابة واضحة على السؤال.
وهذه الإجابة قد تكون مهمة في تفكير صلاح، وسبيلًا في تقريب المسافة بينه وبين إدارة ليفربول في خلاف الراتب.
قلق السعي إلى المكانة
رغم الحديث المتكرر عن احترافية لاعبي الكرة وأنهم يلعبون لأجل المال، وحتى إن كان هذا جزءًا كبيرًا يزداد مع الوقت، فإن اللاعبين بصفتهم بشر يمتلكون الكثير من الدوافع التي يلعبون من أجلها، والكثير من الاحتياجات التي يرغبون في إشباعها.
يقسم عالم النفس أبراهام ماسلو هذه الاحتياجات إلى 5 أقسام، صاغها في ما يسمى «هرم ماسلو»، وفي المقام الأول تأتي الاحتياجات الفسيولوجيّة التي تتمثل في التنفس، والطعام، والجنس، ثم الحاجة للأمان في المرتبة الثانية كالأمان الشخصي والوظيفي، بعد ذلك تأتي الحاجات الاجتماعيّة مثل العلاقات العاطفية واكتساب الأصدقاء، وفي المرتبة الرابعة الحاجة لاكتساب تقدير واحترام الآخرين، وأخيرًا الحاجة إلى تحقيق الذات.
لسوء الحظ لا يحقق المال سوى الأولى والثانية، ويظل الإنسان يطارد البقية وحده، ولاعب كرة القدم يتغذى بشكل مستمر على هذا التقدير، الإحساس بقيمتك والحصول على التقدير من ملايين المشجعين يصبح جزءًا أساسيًا من تكوين اللاعب ولا يكون الاستغناء عنه سهلًا.
وربما لو عاد الزمن برمضان صبحي ليختار بين تحية الجمهور الدائمة والأموال لاختار الأموال ثانية، هذا ليس موضع النقاش، وقد يكون اختيار الأموال هو الاختيار الأنسب لرمضان وظروفه، لكن سيظل التقدير احتياجًا عظيمًا فقده رمضان للأبد.
على النقيض، فإن صلاح يتلقى تقديرًا هائلاً في ليفربول، من الإدارة والمدرب، والأهم من الجمهور، ولعل صلاح شعر بذلك عند عودته من تجمعات المنتخب وكيف استقبله جمهور الأنفيلد.
هذا التقدير الذي ربما شعر ميسي بأهميته حين أطلق عليه جمهور باريس صافرات الاستهجان بعد الخروج من الأبطال، وهو ما لم يواجهه مع جماهير برشلونة في تاريخه، في برشلونة يمتلك ميسي رصيدًا من اللحظات السعيدة مع الجمهور تسمح له بالإخفاق ولا تؤثر في محبة الجمهور، لكن في نادٍ جديد لا يمتلك الجمهور هذه المشاعر الإيجابية المشتركة.
قد لا يمكن تحويل هذا التقدير إلى أموال، لكن رمضان بإمكانه أن يخبر صلاح عن قيمة ذلك، وربما يحكي له عن ماسلو وهرمه لكي يقتنع.
السعيد من اتعظ بغيره
لو استمع صلاح لما سبق وأيقن أن الأموال والماديات ليست العامل الوحيد لقراره، فلا يعني ذلك أن النظرة المنطقية والعقلانية للأمر ستكون مخالفة.
بالطبع سيكون صلاح هدفًا لأغلب الأندية الكبرى تقريبًا لو خرج من ليفربول، وبمستوى صلاح الحالي فبإمكانه التألق مع كل هذه الفرق، لكن إلى أي مدى يمكنه فعل ذلك؟
صاغ فريق ليفربول شكله التكتيكي على صلاح، وتشكلت الفرقة لتخدم نقاط قوته، وصار نجم الفريق الأول، وهو ما يضمن له عددًا كافيًا من الفرص، ونسبة كافية من اللمسات، وهو ما لا يضمنه له أي فريق آخر من الكبار الذين يعج كل منهم بالنجوم.
كذلك لن يكون التكيف مع فريق جديد وبلد جديد أمرًا سهلًا، طبقًا للدكتور«ريكارد برونا» مدير الطاقم الطبي ببرشلونة سابقًا فإن انتقال لاعب كرة القدم من بلد إلى بلد ينتج عنه الكثير من المشاكل الصحية والبدنية التي تستغرق وقتًا للتعامل معها.
ويزخر تاريخ كرة القدم بالأمثلة لصفقات مماثلة لم تحقق أي نجاح مطلوب، أقربها هازارد الذي انتقل إلى ريال مدريد في سن صلاح نفسه تقريبًا، وبالطبع لا نحتاج لنحدثك عن مصير الصفقة.
هازارد ليس وحيدًا، ميسي وكرستيانو، أهم لاعبي الجيل الحالي في كرة القدم، لم يقدم أي منهم الأداء نفسه بعد خروجهم من فرقهم التي صنعوا مجدهم معها.
فلذلك سيكون تواصل صلاح مع رمضان فارقًا في مجريات تجديد العقد وربما يقربه من التوقيع أكثر، وربما كذلك ينصح صلاح رمضان أثناء المكالمة ليعيد مسيرته للمسار الصحيح، ولما لا، ربما يبحث رمضان عن التقدير والمكانة من جديد ونجده في الدوري الإنجليزي مجددًا.