لماذا ينبغي أن يتوقف «عمار حمدي» عن أكل الكفتة؟
هل تعلم لماذا فاز الأهلي على الزمالك في مباراةـ 6-1 الشهيرة؟ دعك من الأسباب الفنية لأنها لم تكن السبب الحقيقي. السر كان في ساندوتشات الحواوشي التي تناولها لاعبو الأهلي ليلة المباراة. لا تصدق؟ ولا نحن أيضًا، لكن وجبة كهذه كانت أمرًا مقبولًا في تلك الأيام.
منذ ذلك اليوم، شهد العلم تطورًا هائلًا، واكتشف الجميع أن ممارسة كرة القدم تتطلب نوعًا معينًا من الغذاء بكميات ومواعيد محددة. صار علم التغذية محط اهتمام الكثير من الأندية باعتباره عنصرًا هامًّا في تحسين أداء اللاعبين، لكن لسوء الحظ لم يتطرق أحدها لتجربة أثر الحواوشي!
بعد 18 عامًا من وجبة الحواوشي يحكي الكابتن شوقي غريب أنه في أحد مباريات المنتخب الأوليمبي وبعد أن تناول اللاعبون الغداء قبل خمس ساعات من بداية اللقاء، احتج عمار حمدي على طول المدة وطلب أن يأكل مرة أخرى قبل اللقاء مباشرةً، ولم يخيب كابتن شوقي غريب ظنه وسمح له بالأكل بالفعل.
لم يكتفِ غريب ببعض المقبلات والفاكهة، بل قرر أن يمنحه ساندوتشات كفتة، ليخرج بعدها عمار ليؤكد أنه لا يستطيع اللعب دون أن تكون معدته ممتلئة عن آخرها، ويحكي عن بعض عاداته الغذائية الأخرى، منها أنه يأكل نحو 5 وجبات يوميًّا قد تحتوي جميعها أو أغلبها على نصف دجاجة.
من أرسين فينجر إلى عمار
مرت رحلة التغذية مع كرة القدم بمراحل عديدة. بريان كلوف المدرب التاريخي لنوتنغهام فورست كان يوزع البيرة على اللاعبين في حافلة الفريق.
لاعبو أرسنال كانوا يتناولون كميات هائلة من الشيكولاتة قبل المباريات، وكان مألوفًا أن يقيموا مسابقة بينهم يفوز فيها من يأكل أكثر، في أحد المرات فاز فيها المدافع ستيف بولد بتناوله العشاء لتسع مرات، ولم يكن هناك أي اعتبار لمفهوم التغذية السليمة على الإطلاق.
بوصول أرسين فينجر لتدريب أرسنال عام 1996، اندهش بالطبع من العادات الغذائية السيئة التي يتبعها لاعبو أرسنال والدوري الإنجليزي عمومًا. كانت أول قراراته منع الشيكولاته تمامًا، وتحديد كميات الأكل ومواعيده، وقد قوبل ذلك بالرفض من اللاعبين أول الأمر، لكنهم امتثلوا في النهاية.
لم تكن التغذية الرياضية محط اهتمام الكثيرين لزمن طويل، لأن أغلب المدربين والمسئولين كانوا يعتقدون أنه لا تأثير لما يأكله اللاعبون على أدائهم في المباريات، لأن كرة القدم لعبة المهارات في المقام الأول، ولذلك لم تشغل التغذية حيزًا داخل الفرق حتى وقت قريب.
لكن مع الوقت، تطورت اللعبة وتطور العلم معًا، ومع إغراق اللعبة في الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، وتسابق الفرق الدائم على تطوير الهوامش الصغيرة التي تسمح لها بالتميز عن غيرها، برزت التغذية كعنصر مؤثر ومهم يمكن أن يشكل فارقًا في أداء اللاعبين.
في عام 2009، بدأ الاهتمام يتزايد، حيث جلب فينجر خبيرًا للتغذية ليعمل مع الفريق بشكل دائم، تبعه جوارديولا مع فريق برشلونة، وتبعتهم عدة فرق، ومنذ تلك اللحظة بات خبير التغذية جزءًا أساسيًّا من الأجهزة الفنية لفرق كرة القدم.
تطور الأمر بحيث لم يعد يقتصر على رجل واحد، وإنما فريق كامل متخصص في كل نقطة على حدة، مانشستر يونايتد بني مركزًا متكاملًا للتغذية يضم خبراء من جميع أنحاء العالم، أحدهم متخصص في التغذية الوقائية والآخر في التغذية العلاجية وهكذا.
هل تؤثر التغذية على الأداء إلى هذا الحد؟
كان ليونيل ميسي واحدًا من اللاعبين الذين أدركوا أهمية التغذية الجيدة، بعد كأس العالم 2014، والذي ظهر فيه منهكًا، وتقيأ في الملعب أكثر من مرة، لجأ إلى خبير التغذية الإيطالي جوليانو بوزر، والذي منعه من تناول البيتزا بعد المباريات، وطلب منه تقليل السكريات بشكل عاجل، وأوصى اللاعب باتباع نظام غذاء نباتي طوال الموسم، وبالفعل فقد ميسي بعض الوزن ولم يعد يعاني من مشاكل المعدة.
ميسي ليس الوحيد، رونالدو يمتلك نظامًا غذائيًّا صارمًا. هاري كين يمتلك طاهيًا مخصوصًا يطبخ له في المنزل، دي بروين وفيل فودين وإلكاي غوندوغان يتعاملون مع جوني مارش أحد الطهاة المتخصصين في التغذية الرياضية، والذي عمل لشهور حتى صنع لدي بروين وجبة مخصصة توافق ذوقه وتكون مكوناتها مناسبةً في الوقت نفسه، بالإضافة إلى كريس سمولينج.
في الحقيقة، فإن سمولينج أكثر من تنطبق عليه مقولة هاري ريدناب بالفعل، والتوقف عن الأكل تمامًا لن يجعله مالديني لسوء الحظ، لكن الحقيقة أن سمولينج من المهتمين بالتغذية السليمة إلى حد كبير، ويتبع نظامًا غذائيًّا نباتيًّا منذ عدة سنوات، ويحكي أن النظام الذي اتبعه مؤخرًا ساعده في التخلص من بعض الإصابات المزمنة ومنحه طاقة أكبر أثناء المباريات واستشفاءً أسرع بعد التدريبات، لا يؤكد مستوى سمولينج في الملعب هذه التصريحات بالطبع، لكن ليس أمامنا سوى تصديقه.
ماذا يأكل اللاعبون؟
مع تطور العلم بات هذا السؤال عامًّا أكثر من اللازم، طبقًا لكريس روزيموس، خبير التغذية في نادي ليستر سيتي، فإن الأيام التي كان يأكل فيها جميع اللاعبين نفس الوجبات قد ولَّت، لكن حاليًّا يعتمد ما يأكله اللاعب على عدة عوامل، منها موقعه في الملعب وعمره ونسب الدهون والأملاح في جسده وحالته الجسدية والبدنية.
يختلف الطعام كذلك تبعًا لفترات الموسم، قبل بداية الموسم يكون الاهتمام بالبروتين بشكل أكبر لبناء العضلات على عكس فترة أبريل/نيسان ومايو/أيار حيث الضغط البدني الذي يحتاج إلى نوعيات الطعام التي تحتوي على مضادات التهابات وتساعد على الاستشفاء السريع، وهكذا.
يستطرد روزيموس حديثه ليوضح أن العبرة ليست بأنواع الأكل، لأن الخيارات محدودة ومعروفة للجميع، ودائمًا سيكون الدجاج والمكرونة عنصرًا أساسيًّا في أي نظام غذائي للرياضيين، لكن كيف ومتى يتم تناولهما هو ما يجعل الأمر مختلفًا.
في حديثها مع الجارديان هي الأخرى، أكدت منى نيمير رئيسة قسم التغذية في نادي ليفربول -كانت تعمل مع جوارديولا في بايرن ميونخ وطلب كلوب استقدامها عقب وصوله مباشرة- أن مسئوليتهم لا تتوقف على يوم المباراة أو فترة المعسكرات فقط، وإنما تمتد لتشمل حياة اللاعب بالكامل، في منزله وفي أيام راحته.
تقول نيمير إن بعض اللاعبين يصطحبون معهم ما سيأكلونه في المنزل، كما يأتي بعضهم بزوجته لتتعلم كيفية صنع الطعام بنفسها.
أطفال صغار
بالرغم من الثورة الهائلة في هذا المجال مؤخرًا فإن البعض ما زال لا يعطيه الاهتمام اللازم، ولا يقتنع بأهمية ما يفعله خبراء التغذية، خصوصًا من اللاعبين صغار السن، لأن قدراتهم البدنية الحالية التي تؤهلهم لتجاوز الخلل في التغذية تجعلهم ينظرون للأمر بعدم اكتراث، لكن مع مرور الوقت وتقدمهم في السن يدركون أهمية اتباع نظام غذائي سليم لتقليل الإصابات والمواصلة في اللعب لوقت أطول.
على سبيل المثال فإن عثمان ديمبلي مثال واضح على الإهمال في هذا الجانب، يقول ميكائيل نايا، أحد أربعة طهاة طردهم لاعب برشلونة: «عثمان فتى لطيف لكنه لا يتحكم في حياته. يعيش مع عمه وصديقه المقرب، وهما يدفعانه للإهمال. لم أرَه يتناول الكحول، لكنه لا يحترم على الإطلاق أوقات النوم، ولا الأكل الصحي ويفضل الأكلات السريعة دائمًا».
في النهاية علم التغذية مهم ومفيد للجميع، وقطع طريقًا طويلًا منذ يوم الحواوشي، لكن يبدو أن عمار حمدي لم يقتنع بعد، ويشاركه العديد من اللاعبين بالطبع في إهمال النصائح الغذائية، لكن الفارق أنهم لا يتناولون دجاجتين في اليوم، ولا يأكلون ساندوتشات الكفتة قبل المباريات مباشرةً.