لماذا تطرح السعودية شركة آرامكو للاكتتاب العام؟
بيري كاماك، دايفيد ليفينجستون15 يناير 2016 | موقع “ناشيونال إنترست”أثار الأمير محمد بن سلمان، نائب ولي العهد السعودي، موجة من الدهشة الأسبوع الماضي إثر تصريحه لمجلة الإكونومست بأنه “متحمس” بشأن احتمالية خصخصة شركة آرامكو السعودية، التي تمتلك أكبر احتياطياتٍ للنفط في العالم. تؤدي تلك الخطوة إلى خنق صناعة الطاقة العالمية وإنشاء شركة يقدر البعض أن رأس مالها ستتجاوز قيمته الخاص بشركات “آبل”، “إكسون موبيل”، “بيركشاير هاثاواي”، و”جوجل”، مجتمعين. بينما أصدرت الشركة يوم الجمعة الماضي بيانًا صحفيًا، صيغت كلماته بعناية، مؤكدة فيه على دراستها لخيارات طرح “نسبة ملائمة من حصص الشركة و/أو طرح أفرعها الخاصة بآخر سلسلة الإنتاج” للاكتتاب العام.بالتأكيد هناك سبب منطقي لخصخصة الشركة. حيث تعتمد المملكة على أرامكو لتتحصل على تسعة أعشار الإيرادات الحكومية، وقد أظهر الهبوط الشديد لأسعار النفط خلال العام الماضي بوضوح حاجة المملكة إلى التنويع الاقتصادي بعيد المدى. كذلك أعرب الأمير محمد عن رغبته تعزيز الشفافية بالشركة واجتثاث الفساد.تورد مجلة الإيكونومست أن حيازات شركة آرامكو تشمل أسطولًا من الطائرات، استادات لكرة القدم، ونظام مستشفيات يسع 360,000 شخص. بينما يشير تقرير لمجموعة “سيتي جروب” عام 2012 إلى أنه “إن نمى استهلاك النفط السعودي بالتوازي مع ذروة الطلب على الطاقة، ستتحول المملكة إلى مستوردة للنفط بشكل كامل بحلول عام 2030”.ومع ذلك، لا نقترح عليك أن تتحمس للأمر بشدة.فرغم الأثر المدمر لانخفاض أسعار النفط لعدة سنوات بشكل مستدام، تبدو المملكة حاليًا متمركزة بشكل جيد لمواجهة العاصفة – فالدين العام للمملكة حاليًا يصنف ضمن أقل مستويات نظرائه على مستوى العالم وتحتفظ بمئات مليارات الدولارات ضمن احتياطاتياتها الأجنبية. ولكن مع هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ 12 عامًا، لا يبدو طرح أرامكو للاكتتاب العام أفضل وسيلة لتعزيز العائدات. كما تشير أسواق العقود الآجلة إلى تصورات بأن أسعار النفط لن تظل منخفضة للأبد.تشتهر شركة آرامكو بكتمانها الشديد، ولسنوات، سرت بعض الشكوك حول كون احتياطياتها المثبتة أقل من المستويات المزعومة. وقد يتطلب تقييم الشركة من جانب الأسواق العامة الكشف عن أي مراجعات ذات صلة لحقول النفط السعودية، التي تشير الشائعات إلى إجرائها مؤخرًا ولكن بشكل سري. كما سيتطلب الاكتتاب العام من الشركة أن تظهر مستوىً من الشفافية لم تعهده من قبل في تاريخها، وبصراحة أكبر، لم تعهده العائلة الملكية أيضًا.إذن فما الدافع وراء تصريحات الأمير؟ من ناحية، يؤدي التعويم العام لجزء كبير من حصص آرامكو إلى إعطاء اللاعبين الدوليين على الساحة المالية مصلحة أكبر في الاستقرار المستمر لمجمع النفط السعودي، في توقيت يخضع فيه دور المملكة في سوق النفط وعلاقاتها طويلة الأمد مع الولايات المتحدة للفحص الدقيق. يكفي طرح نسبة صغيرة –5 بالمئة فقط، على سبيل المثال– للاكتتاب العام لإجراء تقييم ضمني للشركة بشكل كامل، ما يعطي السعوديين أصلًا حقيقيًا ومحددًا كأساس لهيمنتهم على صناعة الطاقة. تكمن المفارقة بالتأكيد في أنه كلما كان نطاق الاكتتاب أصغر، كلما أصبح أقل معقولية أن يحقق في النهاية الهدف الذي أعلنه محمد بن سلمان، الخاص بتعزيز الشفافية وخفض مستويات الفساد بالشركة. هناك خيار آخر يخضع للدراسة وهو طرح أصول آخر سلسلة الإنتاج الخاصة بالشركة للاكتتاب، بما في ذلك المصافي العملاقة المتقدمة، الجديدة، داخل السعودية نفسها. قد يبدو ذلك الخيار جذابًا للوهلة الأولى، ولكن المستثمرين سيتسائلون بالتأكيد حول مدى ارتياحهم لامتلاك بنية تحتية قد يقل استخدامها بناء على الرؤى الإستراتيجية، غير التجارية، الخاصة بسياسة النفط السعودية، مثل الحفاظ على مخزن لـ”فائض الانتاج” الذي يقيد بشكل مصطنع إمدادات النفط الخام المخصص للمصاف المحلية.وعلى صعيد آخر، اكتسب الأمير محمد نفوذًا هائلًا خلال العام الذي مر منذ تولي الملك سلمان العرش، حيث يعمل وزيرًا للدفاع، ورئيسًا للمجلس الاقتصادي، والابن المفضل لوالده. ولكن بينما الملكية مطلقة، لا تعتبر سلطة الملك مطلقة. على عكس الوضع في الأردن أو المغرب، فبينما يتركز معظم السلطة التنفيذية في يد فرد واحد بالدولتين، تتشتت السلطة في السعودية عبر المناصب الحكومية الرسمية والشبكات غير الرسمية من التحالفات المتغيرة داخل العائلة الملكية، التي يبلغ عددها آلاف الشبكات. تعتبر خطوة الخصخصة دقيقة لأن تخصيص آرامكو سوف يعزز الشفافية المالية للمملكة، وهي الخطوة التي سيعارضها العديد من هؤلاء الأقل ملكية، بما أنها ستؤدي على الأرجح إلى انكماش ثروة وسلطة فروع العائلة الأصغر بمرور الوقت.وبالتالي، سيتطلب إصدار قرار تاريخي ببيع نفائس العائلة جهودًا ضخمة من بناء التحالفات وراء الأبواب المغلقة.تجاوز الملك سلمان عامه الثمانين، وتورد التقارير عدم تمتعه بصحة جيدة، وهو على الأغلب الأخير من أبناء عبد العزيز – مؤسس المملكة الحديثة – توليًا للعرش. على الأرجح سيتطلب اتخاذ قرار بهذا الحجم المزيد من الوقت بالنسبة لقائد منتمي للجيل القادم، مثل الأمير محمد أو ابن عمه، ولي العهد محمد بن نايف، ليس فقط ليصل إلى العرش، بل وليعزز سلطته في منصبه أيضًا.باختصار، بينما يبدو تخصيص آرامكو منطقيًا إلى حد ما على المدى البعيد، من المحتمل جدًا ألا يحدث اكتتاب واسع النطاق، ليس الآن ولا خلال السنوات العديدة القادمة.
بيري كاماك زميل برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.دايفيد ليفينجستون زميل برنامج الطاقة والمناخ بكارنيجي.