لماذا ينجح ساري دائمًا في حل المعادلات الصعبة؟
اعتدنا أن نصنفه الدوري الأقوى في العالم لأنه كان مليئًا بالمفاجآت. كان يُسمح للصغار بمشاكسة الكبار حتى صادف وأن فاز أحدهم باللقب. لكن الأمر لم يعد كما كان. البريميرليج أصبح مملاً وأصبحنا نعلم الفائز مسبقًا. أراد «ماوريسيو ساري» أن يؤكد ذلك قبل لقائه المرتقب ضد مانشستر سيتي. فالديناصورات الصغيرة لا يعد بإمكانها إزعاج الكبيرة.
لم يرد المدرب السابق لنابولي تجميل الصورة حتى لا يمنح جمهوره أملاً كاذبًا. تم تنويم الجميع مغناطيسيًا حتى جوارديولا نفسه، ليفاجئهم تشيلسي ويلحق بالسيتي الهزيمة الأولى في الدوري، مطمئنًا جمهور أرسنال على درعهم الذهبية ومانحًا البريميرليج قبلة المنافسة.
التيكي تاكا التي أكرهها
كان الأمر أشبه باستعراض لقوة عسكرية لكن على ملعب كرة قدم. لجأ بيب جوارديولا لأسلوبه المعتاد وقرر حرمان خصمه من الكرة. كان يعلم أن تشيلسي سيحاول أن يضغط السيتي في مناطق متقدمة، فقرر إضافة لاعب وسط إضافي بوجود رحيم ستيرلنج كمهاجم وهمي بالتبادل في بعض الأحيان مع رياض محرز.
يتحرك هازارد لإغلاق زاوية التمرير لفيرناندينيو، ينطلق كوفاسيتش للضغط على ستونز، يظل والكر على الخط ويهبط برناردو سيلفا بضع خطوات للأسفل ليصبح ويليان حائرًا بينهما. يتجه ويليان لأحدهما فتُمرَر الكرة للآخر، وتخرج الكرة بسلام من وسط ملعب السيتيزين. في أوقات أخرى كان يتمركز والكر إلى الداخل، ويخرج برناردو سيلفا إلى الخط فكانت النتيجة: فشل ضغط تشيلسي وفقدان السيتي الكرة مرتين فقط في وسط ملعبه بالشوط الأول.
زاد جوارديولا الأمر صعوبة بتركيز هجومه على الجانب الأضعف دفاعيًا في تشيلسي، وهو الجانب الأيسر حيث يتواجد ماركوس ألونسو، بوجود كايل والكر ومحرز وبرناردو سيلفا وانضمام ستيرلنج إليهم. كان الأمر كارثيًا على المدافع الإسباني، الذي لم يقم بأي تمريرة طوال العشر دقائق الأولى من اللقاء.
بالطبع قد تجعل هذه السيطرة جوارديولا سعيدًا لكن ما حدث كان أحد الأشياء التي يكرهها بشدة. يكره مدرب برشلونة مصطلح التيكي تاكا، لأنه يعني الاستحواذ والتمرير بلا هدف. يحبذ مدرب برشلونة السابق الاحتفاظ بالكرة لحماية فريقه دفاعيًا، وتدوير الكرة لتحريك الخصم وخلق الفراغات. لكن لاعبي السيتي خالفوا ذلك، فلم يسددوا في هذا الشوط سوى تسديدة وحيدة على المرمى، وما زاد الطين بلة هو إنهاء تشيلسي الشوط الأول متقدمًا عليهم بهدف.
«ساري» يكرر الماضي
كأنك تشاهد مباراة العام الماضي بين نابولي ومانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا على ملعب الاتحاد. يملك ساري أسلوبًا مغايرًا عن أسلوب جوارديولا عند الاستحواذ. يقترب لاعبوه من بعضهم، تقصر المسافات بينهم، تزداد خيارات التمرير، ويشكلون مثلثات للتمرير فيما بينهم من أجل التدرج بالكرة.
في تلك المباراة كان لاعبو السيتي يضغطون سريعًا وبعدد كبير لإغلاق جميع المنافذ على لاعبي نابولي. تصبح تلك المنطقة مزدحمة ويصعب الخروج بالكرة منها لأن خيار التمرير المتاح يكون بعيدًا نسبيًا ومع سرعة الضغط يصعب اللجوء إليه.
في الشوط الأول من مباراة الجولة الـ16 في البريميرليج، كرر ساري ذلك الخطأ وحاول لاعبو تشيلسي التدرج بالكرة بنفس الطريقة، والنتيجة كانت عزل «هازارد»، ظهور «كانتي» وكأنه يتلعثم جراء ضغط لاعبي السيتي فكان الأكثر فقدًا للكرة «4 مرات»، وفقد لاعبو البلوز الكرة في وسط ملعبهم خمسة أضعاف ما فقده السيتي في نصف ملعبه في نفس الشوط.
أماكن فقد الكرة لكلا الفريقين في الشوط الأول (السيتي باللون الأزرق، وتشيلسي باللون البرتقالي).
العناد الإيطالي المعتدل
ما الفارق بين الضغط العالي لليفربول، ونظيره للمان سيتي؟ النتيجة واحدة، سيتم تجريدك من الكرة وإيذاؤك بشدة. في مباراة تشيلسي ضد ليفربول، لجأ المدرب الإيطالي إلى المهاجم الفرنسي «أوليفييه جيرو» ليكون وسيلته لفك الضغط. سواء قام الخصم بخنق جورجينيو وهازارد أم لا، فإن الخطة البديلة ستكون حاضرة بتمريرات عمودية مباشرة للدولي الفرنسي.
لكن أمام السيتي، تواجد «جيرو» على مقاعد البدلاء، فافتقد تشيلسي خطته البديلة. حصل تشيلسي على لقطة وحيدة مشابهة بتمريرة دافيد لويز الطولية إلى بيدرو في نهاية الشوط الأول، والتي أسفرت عن هدف التقدم. كاد هذا العناد يكلف تشيلسي الكثير، لكن من حسن حظ المدرب الإيطالي أنه لم يعاند في كل الأمور.
أدرك مدير البنك الأسبق خطأه في جعل لاعبيه يلهثون خلف الكرة في ثلث ملعب السيتي، وعوضًا عن ذلك كان الضغط أكثر هدوءًا في الشوط الثاني. لجأ تشيلسي إلى الضغط المتوسط من دائرة وسط الملعب تقريبًا «mid. block» لغلق وسط الميدان وإجبار خصمه على اللجوء إلى الأطراف.
هل نجح «هازارد» كمهاجم وهمي؟
ماوريسيو ساري تعليقًا على أداء «هازارد» في مركزه الجديد
كان الشوط الأول كارثيًا. «هازارد» نفسه لا يحب اللعب في هذا المركز، لأنه يلمس القليل من الكرات. السبب في ذلك يعود إلى منظومة تشيلسي غير المكتملة في بناء الهجمة إلى جانب الضغط العالي الذي مارسه لاعبو السيتي بقوة في الشوط الأول. فخسر تشيلسي محطته في العمق، إلى جانب خسارته للجانب الأيسر لأن ألونسو وجد «ويليان» بدلاً من «هازارد».
نجح الأمر في الشوط الثاني، ولعل السبب هو ضعف ضغط لاعبي المان سيتي. فقد لاعبو تشيلسي الاستحواذ 8 مرات فقط في الشوط الثاني مقارنة بـ17 مرة في الشوط الأول. وجد «إيدين» حرية أكبر، وكان يهرب تارة إلى أسفل وتارة إلى أحد الأطراف لاستلام الكرات، وباستخدام مهارته وذكائه كان يحافظ على الكرة أو يحصل على المخالفات، لنقل فريقه إلى الحالة الهجومية، وكانت محصلته النهائية: صناعة هدفي اللقاء.
قد تعيد هذه المباراة الأمل لمن أصابه اليأس من هزيمة مانشستر سيتي، وعليه فإن جماهير ليفربول ستعيش الحلم من جديد. على الجانب الآخر، تشبث «ساري» بأفكاره يؤتي ثماره لأن الرجل ترك عناده في نابولي، وأصبح أكثر مرونة. وكما ضحك بعد فك شفرة «يورجن كلوب» فمن حقه اليوم أن يضحك من جديد اليوم.