تعرف على سر اختيار «روني» لرقم 32 مع «ديربي كاونتي»
اقتربت رحلة الهداف التاريخي لمانشستر يونايتد، واين روني من نهايتها. بعد موسم ونصف في الدوري الأمريكي، قرر روني العودة إلى بلاده لختام مسيرته في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي، وتحديدًا في نادي ديربي كاونتي، حيث سينضم كلاعب ومدرب في آن واحد، تحت قيادة المدير الفني الهولندي فيليب كوكو.
لم يكن الأمر غريبًا حتى قرر لاعب إيفرتون السابق ارتداء القميص رقم 32، حسنًا، لنبدأ بأول فرضية قفزت إلى ذهنك: روني من مواليد 24 أكتوبر من عام 1985، أي أنه في طريقه لبلوغ عامه الـ 34 ولا علاقة للرقم 32 بعمره.
الغريب أن الأرقام 7، 12، 13، 15، 18 كانت متاحة، وتحديدًا الرقم 18 كان أول ما ارتداه روني في إيفرتون، وفكرة إنهائه لمسيرته بالرقم الذي بدأ به كانت ستبدو أكثر رومانسية، لكن روني أراد أن يضيف بعدًا جديدًا إلى أرقام قمصان كرة القدم.
كلاسيكية الأرقام
حاليًا، لا تمثل أرقام القمصان أهمية كبيرة لدى الجماهير أو حتى اللاعبين، فاللاعب يحبذ اختيار رقم نجمه المفضل الذي تعلق به في صغره، أو رقم يتفاءل به، أو أي رقم لأنه غير مهتم من الأساس، لكن قديمًا كانت الأرقام أكثر أهمية، بل وساهمت في فهم الجماهير للعبة.
وفقًا لكتاب «The Secret Lives of Numbers: The Curious Truth Behind Everyday Digits»، ظهرت الأرقام على قمصان اللاعبين للمرة الأولى – على غير المتوقع – في عام 1911 في مباراة محلية بمدينة سيدني بأستراليا. كان الأمر أشبه باختراع، حاولت إنجلترا كمخترعة للعبة أن تنسبه لنفسها، لكنهم استخدموه فعليًا بعدها بـ 17 عامًا.
ثم في عام 1933، ظهرت الأرقام رسميًا على قمصان فريقي إيفرتون ومانشستر سيتي في نهائي الكأس، حيث حصل لاعبو الأول على الأرقام من 1 إلى 11، ولاعبو الثاني من 12 إلى 22. وبعد ذلك بستة أعوام، ألزم الاتحاد الإنجليزي جميع الأندية بتوحيد الأرقام من 1 إلى 11، وهنا تم توزيع الأرقام وفقًا لمراكز اللاعبين، مما سهل على المشجعين والصحفيين متابعة ما يجري على أرض الملعب.
كانت طريقة 2-3-5 هي الطريقة الرائجة في تلك الحقبة، حيث مدافعيْن وثلاثي وسط والبقية في الهجوم. يحصل حارس المرمى على الرقم 1، والمدافعان على الرقمين (2،3)، ثم (4، 5، 6) لوسط الملعب. ومع تطور طرق اللعب، عاد الرقم 5 إلى قلب الدفاع، ثم تبعه الرقم 6 بعد ظهور خطة 4-2-4 في أواخر الخمسينيات على يد المجر والبرازيل.
حتى وصلنا إلى حقبتنا الحالية، حيث بات الالتزام بهذا العرف دربًا من دروب الخيال، خاصةً مع ظهور المهاجم الوهمي والظهير الوهمي وتعقد التكتيكات أكثر فأكثر. وأحيانًا كان يأخذ الأمر طابعًا كوميديًا، كما حدث عند ارتداء المدافع ويليام جالاس الرقم 10 خلفًا لدينيس بيركامب، والمدافع الهولندي خالد بولحروز الرقم 9 في تشيلسي، ليبدأ عصر الانفتاح.
انفتاح بشروط
حاول البعض تقنين ذلك الانفتاح قدر الإمكان، كما حدث في الليجا الإسبانية، حيث قاعدة تسمى «one-to-25 rule»، والتي تقضي بتوزيع الأرقام من 1 حتى 25 على قائمة الفريق الأساسية، وتخصيص الرقمين (1، 13) لحارسي المرمى، وبالتالي لن تجد أرقامًا فوق الـ 25 سوى للصاعدين من الشباب.
بينما ما زالت بقية البلدان تعاني من ذلك الانفتاح الفوضوي، الذي صاحبه الكثير من الأحداث والقصص الغريبة، حتى قرر «دينيس هورلي» ربطها بأرقام اللاعبين من خلال موقعه الإلكتروني «squadnumbers.com».
لكن أين واين روني من كل هذا؟ رقم 32 هو أحدث فصول هذا الانفتاح، وبمنتهى البساطة إذا نظرت إلى واجهة قميص ديربي كاونتي، ستكتشف سبب اختيار الرقم. شركة «32Red» للمراهنات هي الراعي الرئيسي لقميص النادي، ومن هنا يبدأ الجدل. فتوقيع روني تزامن مع توقيع ديربي كاونتي لعقد رعاية جديد مع الشركة، ويبدو أن الصفقة كانت الواجهة الدعائية الأساسية له.
لم يتوقف التعاون بين شركة المراهنات والنادي عند هذا الحد، بل حاولت شركة المراهنات تقديم نفسها لمجتمع ديربي بشكل مغاير، عن طريق الأعمال الخيرية بالتعاون مع المؤسسة الخيرية التابعة للنادي «Derby County Community Trust»، من خلال برنامج «Team Talk» للاهتمام بالصحة النفسية للذكور.
بإمكانك النظر إلى شركة «32Red» من هذا الجانب، أو النظر إليها على أنها السبب وراء حصول روني على 100 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا، وهو ما يعادل خمسة أضعاف متوسط الرواتب الأسبوعية بدوري الدرجة الأولى بإنجلترا، أو بمنتهى البساطة وبسبب الرقم 32، ستنظر إلى صناعة المراهنات وكيف تطورت في الآونة الأخيرة.
تسلل غير ملحوظ
ترتبط عمليات المقامرة والمراهنات في أذهان المشجعين بأحداث التلاعب في نتائج المباريات، لكن ذلك لم يمنع أبدًا من ازدهار تلك الصناعة، وازدياد عدد المشاركين بها من الجماهير، بمساعدة كرة القدم. فبواسطة عقود الرعاية وإعلانات القمصان، استطاعت الشركات الوصول لأعداد أكبر. ومع زيادة المشاركين، زادت العوائد، حيث ارتفعت – في بريطانيا فقط – من 908.5 مليون باوند في إبريل 2016 إلى 1.4 بليون باوند في إبريل 2018.
الأدهى من ذلك، أن رعاية القمصان مكنت الشركات من الوصول للجماهير في بلدان تمنع فيها المقامرة الإلكترونية كالصين، أو يمنع فيها عرض إعلانات المراهنات على التلفاز كأستراليا. تخيل أن تمنع ظهور إعلان للشركة، وتذيع مباراة لنادٍ يحمل على قميصه اسم نفس الشركة! القانون لا يحمي المغفلين كما نقول.
بالنسبة للأندية، فهي علاقة منفعة واضحة لا نقاش فيها، حيث تمثل عائدات رعاية شركات المراهنات لأندية إنجلترا ما يقارب الـ 11% من إجمالي الإيرادات، لكن ما يتعلق بالجانب الأخلاقي وتوابع المراهنات فهو ليس من شأنهم. القواعد في بريطانيا لا تمانع، على الرغم من مطالبة وزير الرياضة البريطاني «نايجل أدامز» الأندية بالتحلي بروح القانون. أنت الآن تقرأ ولا تعرف هل هم مع المراهنات أم ضدها؟
في عام 2017، تعرض لاعب نادي بيرنلي «جوي بارتون» لعقوبة الإيقاف لمدة 18 شهرًا، بسبب اشتراكه في المراهنات. وفي نفس العام وقع الاتحاد الإنجليزي عقد رعاية مع شركة المراهنات «Ladbrokes Coral»؛ أما الآن فشركة المراهنات «SkyBet» هي أحد رعاة البريميرليج.
لم يلتفت أحد إلى كل هذه التناقضات من قبل، حتى أننا لم نشعر برعاية شركات المراهنات لنصف أندية البريميرليج، وثلثي أندية دوري الدرجة الأولى. لكن على ما يبدو أننا كنا بحاجة لأن يرتدي روني الرقم 32، كي ننتبه لاستغلال كرة القدم بشكل واضح لزيادة الإقبال على المراهنات، كما تم استخدامها من قبل في أغراض سياسية. الأمر يتم بهدوء دون أن نشعر، ولا يبقى سوى الاعتماد على وعي الجماهير لتجنب الوقوع في هذا أو ذاك.
اقرأ أيضًا: الوجه القبيح لكرة القدم: أن تتناسى مبادئك بحجة الانتماء