قامت جوجل و موزيلا بمشاركة كبرى شركات الإنترنت بالاحتجاج على الحد من خصوصية المستخدمين بإعطاء حكومة الولايات المتحدة صلاحيات أكثر للمراقبة.

تمثّل كبرى شركات الإنترنت العالمية مركز قوى في الاقتصاد وبالتالي السياسة، أحيانًا ً تتفق هذه الشركات على أخذ خطوة جماعية للدفاع عن مصالحها، أو للتعبير عن رأيها في قضية ما. على سبيل المثال قامت جوجل و موزيلا بمشاركة كبرى شركات الإنترنت بالاحتجاج على فاتورة «سوبا» التي أراد الكونجرس تمريرها للحد من خصوصية المستخدمين و لإعطاء حكومة الولايات المتحدة صلاحيات أكثر للمراقبة.كان الأمر في عام ٢٠١٢ حين قادت شركة «موزيلا» الحرب وأعلنت أنها ستضع شريطة سوداء حدادًا على خصوصية المستخدم على شعارها على موقعها الإلكتروني وتبعها «يوتيوب» و«ياهو» وكبرى شركات الإنترنت. ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها تضامنًا واسعًا من شركات الإنترنت بشأن قضية ما.

وكان الأمر مفهومًا على كلا الجانبين؛ فمن ناحية تعلم شركات الإنترنت أن المستخدمين سيعزفون عن استخدام الشركات الأمريكية إذا قام الكونجرس بتمرير هذه الفاتورة؛ مما يعني خسارة مادية بالضرورة، وعلى جانب آخر تمارس الشركة مسئوليتها الأخلاقية برفض الرقابة عليها. قامت جوجل بدعوة مستخدميها لتوقيع مناشدة للكونجرس وقتها لرفض المشروع وقد كان.وكما يبدو فإن الفكرة قد راقت شركات التكنولوجيا؛ فحينما أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارها بالسماح للمثليين جنسيًّا بالزواج فعلت كبرى شركات الإنترنت الأمر ذاته، و لكن الجديد الذي حدث هذه المرة أن شبكات التواصل الاجتماعي والتي تعتبر أضخم منصات إعلامية في العالم شاركت في الأمر، ويبدو الأمر بسيطًا فالموضوع ليس إلا بمثابة احتفال بقرار المحكمة، ولكن فيسبوك بدأ بتطوير الفكرة واستخدامها في أشياء أخرى.فبعد عدة شهور ظهر الأمر ذاته مع الصدام بين فيسبوك والحكومة الهندية، وهنا علينا الفصل بين فكرتين أساسيتين وهما؛ تحقق السلامة الذي كان يفعّله فيسبوك في الكوارث الطبيعية -وهي خدمة تتيح للمستخدمين على فيسبوك أن يطمئنوا على أصدقائهم الذين كانوا بقرب كارثة طبيعية -؛ الأمر الذي طورّه فيسبوك فيما بعد ليصبح تحقق سلامة لكل من تأثر بعمل إرهابي أو كارثة طبيعية. وبين اتخاذ فعل سياسي كمناشدة جهة سياسية أو تغيير الصور الشخصية تعبيرًا عن موقف سياسي، فالأول هو مجرد خدمة لطمأنة الأصدقاء والمعارف والثاني هو تأثير مباشر على توجهات المستخدمين السياسية.


الصراع مع الحكومة الهندية

تُعد الهند بلدًا ديموقراطيًّا إلى حد كبير، حيث يشير مؤشر الديموقراطية الذي أصدرته مجلة «الإيكونوميست» أن الهند تحتل المرتبة ٢٧ من حيث الديموقراطية حول دول العالم؛ أي أنها بمكان متقدم عن كل الدول العربية؛ مما يعني أن طريقة اتخاذ القرار على المستوى الشعبي والحكومي ليست ديكتاتورية.أصدرت الحكومة الهندية قرارًا بمنع «فيسبوك فري بايزك» وهي الخدمة التي أتاحها فيسبوك بالتعاون مع شركات الاتصالات لإتاحة بعض خدمات الإنترنت بشكل مجاني للمواطنين. وتهدف الفكرة بشكل صوري إلى إتاحة فيسبوك و«ويكيبديا» وبعض المواقع الأخرى بشكل مجاني للمواطنين، ولاقت الفكرة تأييدًا من العديد من الجهات، ولكن على الجهة الأخرى وجد كثيرون أن الفكرة تروّج فقط لفيسبوك و تحاول إتاحته للمواطنين لزيادة عدد مستخدمي الموقع وليست لها أية أهداف نبيلة أخرى.

رفع «فيسبوك» عريضة لجمع التوقيعات تطالب الحكومة الهندية بالتراجع عن قرارها.

دارت المناظرة بين الطرفين في إطار دولة ديموقراطية وفي النهاية انتصرت الحكومة، وتم حجب فيسبوك فري بايزك على أية حال؛ الأمر الذي لم يعجب بالطبع الشركة العملاقة التي موّلت البرنامج بالملايين لإرسال الخدمة عبر الأقمار الصناعية، و بدأ فيسبوك في استخدام فلتر تغيير الصورة الشخصية وحثّ مستخدميه الذين يتعدون المليار إلى تغيير صورة بروفايلهم للضغط على الحكومة الهندية. ولم يكن هذا كافيًا بالنسبة لفيسبوك، حيث تم وضع عريضة لجمع التوقيعات -وطالب جميع مستخدميه بالتوقيع عليها-، تطالب الحكومة الهندية بالتراجع عن قرارها.قرر فيسبوك أن يستخدم منصته التي تصل إلى قرابة المليار ونصف مستخدم استخدامًا سياسيًّا صريحًا، فدعا المستخدمين إلى التوقيع على عريضة تطالب حكومة دولة ما بتنفيذ قرار معيّن. المثير في الأمر بالنسبة لهذه العريضة أنها لم تحمل خيار التراجع عن التوقيع، كما أجبر فيسبوك كل من غيّر صورته الشخصية بالفلتر الخاص بالهند على التوقيع على العريضة بدون علمه.


أحداث باريس

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=10102475457180761&set=a.743613136151.2308566.4&type=3&theater

بعد أحداث باريس قام فيسبوك بمراجعة سياسته فيما يتعلق بتحقق السلامة والذي كان يقوم به تجاه الكوارث الطبيعية فقط.وقال مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك في تعليق كتبه أنهم في فيسبوك قد راجعوا سياستهم، وأصبحت تشمل الأحداث الإرهابية أيضًا. بالطبع تزامنت أحداث باريس مع تفجيرات أخرى حدثت في بيروت بلبنان، وعندما تضامن فيسبوك مع أحداث باريس فقط نال العديد من الانتقادات.الأمر الذي جعل مارك زوكربيرج يعتذر، ويعد بأنه سيفعّل الخدمة في كل المناطق المتأثرة بالإرهاب، وقد حدث هذا في كل من بلجيكا وتركيا فيما بعد.


وماذا عن حلب؟

https://www.facebook.com/DontTrustTrollers/photos/a.383910761754083.1073741829.383883858423440/885284831616671/?type=3&theater

دشّن عديد من نشطاء حقوق الإنسان هاشتاج #حلب_تحترق؛ لمطالبة العالم بالتدخل لإيقاف المذابح تجاه المدنيين التي تحدث في حلب. وهنا وقف العالم في انتظار أن يتدخل فيسبوك ويدعو مستخدميه لتغيير صورهم الشخصية تضامنًا مع حلب؛ الأمر الذي لم يقم به فيسبوك. وغضب النشطاء العرب مما اعتبروه تمييزًا عنصريًا تجاه العرب.شنّ النشطاء حملة على حساب مارك الشخصي بإعادة تكرار نفس التعليقات المطالبة له بتبنّي فيسبوك لقضية حلب، و كذلك أعلنوا أنهم سيقومون بإيقاف تفعيل حساباتهم الشخصية لمدة ساعتين؛ اعتراضًا على عدم دعوة فيس بوك مستخدميه للتضامن مع حلب.إننا حين نتحدث عن فيسبوك فينبغي علينا أن نفهم أننا نتحدث عن مؤسسة إعلامية، ينبغي أن تتقيد بمعايير وأخلاقيات العاملين بالإعلام، ولكن من الضروري أيضًا أن نفهم جيدًا أن المعايير والأخلاقيات الخاصة بالمؤسسات الإعلامية التقليدية لا تنطبق على فيسبوك، ولكن على الأقل أخلاقيات كالحياد وتوحّد المعايير ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار.

تستمد المؤسسات الإعلامية أخلاقياتها من كونها صاحبة سلطة على المجتمع.

تستمد المؤسسات الإعلامية أخلاقياتها من كونها صاحبة سلطة على المجتمع، و لكن فيسبوك كوسيلة غير تقليدية فإن سلطته أيضًا غير تقليدية. يستطيع فيسبوك التأثير على مستخدميه والتحكم في آرائهم السياسية ومشاعرهم؛ مما يعني ضرورة وضع قوانين و مواثيق تحدّ من سلطته ومن تدخلاته وتأثيره على المجال العام والسياسي. إن مطالبة فيسبوك و شبكات التواصل الاجتماعي بالتدخل في قضية حلب يستدعي أسئلة أكثر صعوبة وإلحاحًا؛ كسؤال ما هي المعايير التي تتدخل عندها وسائل الإعلام الاجتماعي باستخدام سلطتها؟، وهل في مصلحتنا أن تقوم هذه المواقع بالتدخل في الحياة السياسية أصلًا حتى في القضايا المتفق عليها كالوقوف ضد تفجيرات باريس؟.إن وضع ميثاق أخلاقي لهذه المواقع للتحكم في مدى وصول المنشورات، ولتضمن حيادية تداخلها مع المجال العام، وعدم استخدام سلطتها الواسعة والمتزايدة يومًا بعد يوم -لفرض أي قضية غير أخلاقية أو للضغط على حكومات الدول النامية كما حدث في الهند-، أصبح قضية محورية على النشطاء الرقميين وضعها كقضية عاجلة على طاولة المناقشات الآن.

المراجع
  1. Changing Facebook DP Into Digital India Tricolour Doesn't Automatically Pledge Your Support For Internet.org
  2. Why India snubbed Facebook's free Internet offer
  3. Asia & Pacific India, Egypt say no thanks to free Internet from Facebook