لماذا قد يدفعك «Money Monster» إلي الجنون المطبق
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
إنها كشظية من حبة فشار غير ناضجة ذات حواف حادة بالقدر الكافي لإحداث قطع غائر.
الأمريكان في الوقت الحالي، كمواطنين، وكمصوتين، وكرواد للسينما، هم عبارة عن جماعة متصدعة، مجموعة من العميان المتجادلين، كل منهم يحرك قبضته نحو جانب مختلف من الفيل.
الأفلام، وعلي الأخص النمط السائد من ذوي الميزانيات الضخمة، ليست بالحذق الكافي لمواكبة ذلك التحول الزئبقي في المزاج العام. فالأفلام التي يجري عرضها اليوم قد استغرق العمل عليها شهور إن لم يكن سنوات. ولهذا ربما يكون من قبيل المعجزة أن فيلم «جودي فوستر» الرائع «Money Monster» يعرض بالسينما في الوقت الحالي؛ إنه فيلم المرحلة، المصنوع بحرفية، والذي يقدم نوع من الترفيه الخطابي، والذي يخبرنا في الوقت ذاته مدي ضآلة معرفتنا عن ما يدور في كواليس لعبة الأكواب الثلاثة التي تمارسها الصناعات المصرفية والمالية، والتي تستخدم فيها أموالنا علي أنها الكتلة المخفية تحت إحدي هذه الأكواب الثلاثة. وإذا كان بمقدورك أن تسكب الفزع الجمعي للأمة تجاه الشئون المالية في وعاء واحد، فإن هذا الوعاء سيتخذ شكل «Money Monster».
«جورج كلوني» يلعب دور «لي جيتس»، المذيع اللامع الذي يقدم نصائح مالية علي الهواء مباشرة (نوعا ما مثل برنامج «جيم كريمر» Mad Money، لكن بالإضافة إلي عدد من فتيات يقمن باستعراضات في أزياء مثيرة). اعتاد «لي» الخروج عن النص، وهو ما كان يتسبب في صداع متكرر لمنتجة البرنامج «باتي» (جوليا روبرتس).
عندما رأت «باتي» عامل توصيل الطلبات يختبئ في أحد أركان موقع التصوير، بمجرد بدء بث البرنامج علي الهواء، اعتقدت أن «لي» سيقدم واحدة من ارتجالاته العفوية، غير أن هذا الضيف المفاجئ كان مفاجئة لـ«لي» أيضا؛ حيث يقفز فجأة في نطاق الكاميرا، ويجبر «لي» تحت تهديد السلاح علي ارتداء سترة مبطنة بالمتفجرات. وفي مواجهة الكاميرا، يقوم باستعراض قائمة من المظالم ويختمها بمطلبه؛ أن يسلمه «لي» 800 مليون دوﻻر.
الضيف المتهور هو «Kyle Budwell» (يقوم بأداء دوره «جاك أوكونيل») عامل محبط من «Queens» فقد إرثه بالكامل في عملية تجارية بالبورصة اعتمادا علي إحدي نصائح «لي». ﻻ يريد «كايل» هذه الملايين لنفسه، فالغنيمة هي المبلغ التراكمي الذي ستتكبد خسارته شركة «Ibis Clear Capital»، كنتيجة لما يطلق عليه الخبراء المدعين أمثال «لي»؛ «خلل مفاجئ».
«خلل مفاجئ» المصطلح الذي يتم تكراره المرة تلو الأخري في التقارير الإخبارية، كما لو كان تفسيرا شافيا لما حدث. تعمدت «فوستر» طبع هذه المقاطع الصوتية من مختلف الشبكات الإخبارية، التي يتكرر بها هذا المصطلح للتدليل علي مدي خوائه وافتقاره لأي معني.
إذا ما كنت قد شاهدت الإعلان الترويجي لفيلم «Money Monster»، فعلي الأرجح أنك تخيلت كيف ستجري أحداث الفيلم، ومع ذلك فأنت تعرف في دواخلك أن ماكينة التسويق الهوليودية ستبيعك الفيلم الذي تعتقد هي أنك تريد أن تراه، تماما مثل الصناعة المالية عندما تخبرك بما تعتقد هي أنك تريد أن تسمعه. «Money Monster» أكثر دهاءا وجرأة مما قد يبدو عليه الإعلان الترويجي. الكاميرا تتحرك إلي المكان المناسب تماما في كل دقيقة، والمونتاج منمق. دقائق من التوتر غير المحتمل، يتم كسرها بمسحة خفيفة من الحيوية وربما الفكاهة.
إذا كان فيلم «Money Monster» عملا ترفيهيا بالأساس، فإنه أيضا عملا محبطا علي أحد المستويات، وعلي طريقة فيلم «Dog Day Afternoon and Network»، فحوافه مسننة، وحادة كفاية لإحداث قطع غائر. استطاعت «فوستر»، جنبا إلي جنب مع كتاب السيناريو «Jamie Linden»، و«Alan DiFiore»، و«Jim Kouf»، أن يتنقلوا بسلاسة بين التحوﻻت المختلفة في رتم الفيلم، ويعرفون جيدا كيف يجعلونا نتعاطف مع شخصيات كنا ننفر منها منذ دقائق قليلة.
كما حظيت «فوستر» بممثلين جيدين للعمل معها، «كلوني» كان أكثر من ممتاز في إظهار تلك الابتسامات الزائفة، كما كان قادرا علي تبديلها بسلاسة ليجعلنا نصدق أن «لي» ما هو إﻻ رجل اكتشف، بالمصادفة، أنه وبعد كل هذا ما يزال يمتلك شيئا من صحوة الضمير.
أما «جوليا روبرتس»، فلم نرها كثيرا علي الشاشة، ولكننا نستمع لصوتها كثيرا من خلال سماعات «لي». عندما استولي «كايل» علي الأمور في بداية الأزمة، يركض ويغمغم كما لو كان أحد النمور بحديقة الحيوان علي استعداد أن يخرج من جلده، كانت «باتي» بمثابة طوق نجاة لـ«لي». وعندما كانت تخبره «باتي» بصوتها اللين المريح؛ «فقط تابع التنفس» ربما كانت أيضا تهدئ من روعنا نحن الآخرين.
ربما كان كلوني وروبرتس هما القيمة المضافة لفيلم «Money Monster»، ولكن كيف سيكون هذا الفيلم بدون وجه «أوكونيل»؟ الذي قدم أداءا ناعما في فيلم أنجلينا جولي «Unbroken»، كما كان رائعا في درما «Starred Up» لـ«David Mackenzie» عام 2013. هنا هو يذهب لأبعد من ذلك، فأوكونيل يخرج الكثير من حوارات الفيلم ذات طابع التربية المدنية، تلك الحوارات التي قد تبدوا ملائمة علي الورق ولكنها تتداعي عندما ينطق بها لسان الممثل. ومع ذلك، فعندما يخبر كايل «لي» وباقي المشاهدين في البيوت؛ «أنهم يسرقون منا كل شيء، وﻻ أحد يسأل كيف» تخرج هذه الموجات الصوتية المحملة بغضب السنوات التي تمر الواحدة تلو الأخري.
في أحد أكثر مشاهد الفيلم عذوبة -والذي ستستطيع بالكاد مشاهدته إن كان سبق لك الخوض في قتال مرير مع أحد الشركاء من أجل المال- يصرخ في وجهه أحد الأشخاص الذين سبق له خذلانهم، موجها له نصيبا وافرا من النقد اللاذع المرعب، فإذا باليأس والخجل يعتلي وجهه وكأنه خسوفا قد سلب كل ما للقمر من وهج.
يمكنك أن تعتبر «كايل» مضللا، ولكن من الصعب أن تنظر إليه بوصفه مجنونا، ربما كان ماركسيا متطرفا علي شاكلة روبن هود، أو رمزا لغضبنا تجاه عجرفة أوﻻء الذين يلعبون بأموالنا كما لو كانت ﻻ شيء. غير أن الرموز في الأفلام هي في الأغلب أشياء قاتلة بلهاء، بعيدة كل البعد عن ما نعيشه في الواقع. أوكونيل قدم لنا شيئا آخر، فوجهه مثل أغنية شعبية، جمعت كل ما تريده من هذه الحياة، ولكنها أيضا ضمت ظلالا لكل ما سبق أن أنتزع منا.