قررت نيابة الدقى، برئاسة عبدالله المهدى، حجز المحامى «خالد علي»، 24 ساعة على ذمة التحقيقات في اتهامه بإتيان فعل فاضح وخادش للحياء العام.

خبر القبض على المحامي والحقوقي المصري خالد علي بجريدة المصري اليوم.

سيطر اسم المحامي ومدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية «خالد علي» على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما قررت نيابة الدقي احتجازه على ذمة التحقيقات، حيث تقدم المحامي سمير صبري ببلاغ ضده يتهمه بـ«خدش الحياء العام».

والجدير بالذكر أن «خالد علي» كان أحد المرشحين للانتخابات الرئاسة المصرية لعام 2012، وبالرغم من حصوله على ما يقل عن 150 ألف صوت فإنه استطاع أن يحصد لنفسه دورا بارزا في المشهد السياسي بمصر، بعدما قرر ألا يرتدي ثوب النخبوية ويكون جزءًا من الحراك الفعلي وفرصة للاستثمار السياسي على أمل التغيير في المستقبل، ليتحول خالد علي إلى خطر يهدد بقاء السلطة في مصر يتوجب على الدولة مواجهته.


صعود خالد علي للساحة السياسية

بداية بسيطة غير متكلفة خيمت على أجواء ترشح خالد علي لانتخابات الرئاسة عام 2012، بعد محاولات مختلفة من زج الحقوقيين باسمه عند التفكير في بديل للوضع الذي خلفته ثورة 2011، فاعتاد المحامي والحقوقي البارز جمال عيد أن ينشر مقتطفات من صفحات نضال خالد علي الحقوقية على حسابه الشخصي بموقع تويتر ليعرف الناس به، وبدأ اسمه يلمع في أوساط الشباب حتى أعلن ترشحه في فبراير 2012 من نقابة الصحفيين.

في الوقت الذي انسحبت النخب السياسية من المشهد المصري بعدما خفت نجمها بدأ خالد علي عملا سياسيا منظما على الأرض

عُرف بصغر سنه الذي اعتبره أجيال الخمسينيات والستينيات دليلا على قلة الخبرة، التفت حول خطابه اليساري عقول ثورية طامحة في مستقبل أفضل بمبادئ ثابتة، فلم يكن هناك دليل واحد يلوح بإمكانية أن يكون خالد علي منافسا حقيقيا في الانتخابات إلا أن أنصاره اعتبروه استثمارًا للمستقبل، وفي الوقت الذي أدرك كثير من المرشحين هزيمتهم واختفوا عن المشهد المصري حافظ القلائل على تواجدهم سواء بشكل نظري أو واقعي وكان من بين القلائل خالد علي صاحب الخطاب الحقوقي الثوري وقتذاك.

فكانت طبيعة الحالة التي تعيشها مصر بعد الثورة عمومًا والانتخابات الرئاسية خصوصًا وما تلاها من أحداث أبرزها تاريخ 3 يوليو/تموز؛ بمثابة القشة التي قصمت ظهر أغلب النخب والتيارات والأحزاب السياسية المختلفة التي كانت نجومًا لامعة السيط بعد الثورة، سواء من أصحاب التاريخ المعارض أمثال عبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي أو الشباب ذي الوجوه الجديدة التي ولدت من رحم الثورة.

فما مر به المجتمع المصري من لحظات فارقة حتمت على النخب والتيارات المختلفة تبني مواقف جامدة من المجلس العسكري وحكمه للبلاد تارة أو حكم الإخوان وعزل محمد مرسي من الحكم تارة أخرى، وما تلى ذلك من حالة هستيريا سيطرت على المشاعر المصرية، فجعلت لكل الأطراف السياسية خصومًا وأعداء لدودين بما في ذلك الجمعية الوطنية للتغيير، بعدما كانت رمز الوفاق.

فتبني المواقف المخالفة عن الجماهير كان بمثابة خطر على الأمن القومي والصمت عن الظلم أيضًا يعتبر عارًا يذكره التاريخ، ومن هنا تخبطت النخب ما بين التأييد المعلن أو الرفض على أستحياء لـ3 يوليو؛ مما جعل منهم أضحوكة تعرت هشاشتها أمام المجتمع. بينما ظل خالد علي محافظًا بشكل كبير على مساحته فإن لم يستطع كسب تأييد أوسع ما بين الفترة من 2012 و3 يوليو 2013، فعلى الأقل لم يخسر من رصيده الحقوقي، وهو ما استكمله بعمل سياسي أكثر نضجًا في السنوات التالية بدأت برفضه المشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2014 ووصفها بـ«المسرحية».


حراك حقوقي بدأ مع «الغلابة»

أمضى خالد علي شوطًا طويلاً منذ ظهوره في المجال الحقوقي على دعم حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، مما جعله جديرا بوصفه كداعم «للغلابة» وهو ما تفتقده الكثير من النخب المصرية، حيث بدأ مشواره في العمل على حقوق العمال عام 1996 بمركز المساعدة القانونية، وخاض حينها سجالا طويلا في مواجهة الفساد المتفشي في عهد نظام حسني مبارك بدعمه للقضايا العمالية والنقابية، فاستطاع أن يحصل على أحكام قانونية متنوعة ما بين إبطال الانتخابات العمالية و رفع الحصانة القضائية المفروضة على نقابة المهندسين لمدة 15 عامًا، الحكم التاريخي بالحد الأدنى للأجور بعام 2010.

فداعب خالد علي بقضاياه أحلام الغلابة في مصر من خلال محاربة الفساد حيث عٌرف بالتصدي لمشاريع الخصخصة التي قادها نظام مبارك وشرد بها آلاف العمال، وكان صاحب الفضل في أحكام القضاء ببطلان قرارات النظام بخصخصة شركات طنطا للكتان وعمر أفندي وغزل شبين والمراجل البخارية والنيل لحليج الأقطان والعربية للتجارة الخارجية، هذا إلى جانب وقف خصخصة الهيئة العامة للتأمين الصحي.

وبعد الثورة استكمل طريقه في التصدي للفساد والدفاع عن حقوق المواطنين المتضررين من مواجهات الأمن سواء أثناء الثورة أو بعدها، وبالرغم من وقوفه ضد جماعة الإخوان المسلمين أثناء حكم محمد مرسي للبلاد وتأييده لـ30 يونيو في مطالبها فإنه عارض عملية تفويض الشعب للسيسي لمحاربة الإرهاب، ولم يتخذ من الديكتاتورية الحاكمة ضرورة للقضاء على الإرهاب.

فدافع خالد علي عن الحق في التظاهر والاعتصام السلمي بما في ذلك اعتصامات المعارضين لعزل محمد مرسي، وعمل على التصدي لقانون منع التظاهر وأعلن استعداده الكامل للدفاع عن كل المتضررين من «مجزرة رابعة»؛ على حد وصفه. فكانت مواقفه ذات معالم واضحة ولم يقع في فخ محاولة إرضاء الجماهير أو المعارضة على استحياء، كما حدث مع نماذج تورطت في اتخاذ مواقف أو الإدلاء بتصريحات حُسبت عليها في المستقبل.

وفي الوقت الذي اختار فيه البعض الانسحاب من المشهد العام لتجنب السلطة أو الجماهير، قرر خالد علي أن يوجه طاقته في مسار فعال في الأرض بإعلانه حزب العيش والحرية -تحت التأسيس- مدركًا أهمية العمل السياسي، بالإضافة إلى ضرورة استثمار طاقة وجهد الشباب الثوري في عمل سياسي منظم، ليكون أحد بدائل السلطة في المستقبل.

كما شمل حراك خالد علي قضايا محورية أخرى شارك فيها بشكل فعال على الأرض، ومن أشهرها انطلاق قوافل شعبية لتوفير الدواء إلى قطاع غزة من خلال جمع التبرعات، لتأييد الانتفاضة الفلسطينية في يوليو من عام 2014. فتعمد أن يكون له دور بارز على الساحة السياسية والاجتماعية بمصر أهلته ليقود حملة وطنية للدفاع عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير.


قضية الأرض: نقطة التحول إلى السياسة

وقف كمايسترو شامخًا في قاعة المحكمة، ينشد مع الجماهير النشيد الوطني بصوت صلب وروح معنوية عالية استطاعت أن تهز عرش السلطة، بعدما قضى القاضي ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، ليعلن خالد علي عن انتصار وطني حقيقي أول منذ ثورة 2011.

فأدارت هيئة الدفاع عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير حملة ناجحة للترويج عن القضية، فللمرة الأولى منذ 2011 يستطيع الحراك الحقوقي أن ينظم نفسه ببراعة ويسدد هدفًا في مرمى النظام السياسي المصري، يخص مسألة وطنية بامتياز بعيدًا عن الصراعات الأيديولجية، مما شكك في نوايا السلطة المرتكزة على شرعية «الوطنية» في مقابل «الخيانة والعمالة».

فبداية من تسمية القضية بـ«قضية الأرض» لما تمثله الأرض من عرض عند المجتمعات العربية، مرورًا بالترويج الجيد والمنتظم لحيثيات المسألة من خلال كافة المنصات الإعلامية والمؤتمرات الصحفية في توقيتاتها المناسبة، تزامنًا مع تنظيم التظاهرات المنددة ببيع الجزيرتين، وصولاً إلى جمع الأدلة والوثائق التاريخية من داخل وخارج مصر، فكما قدم خالد علي بلاغًا ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الداخلية والداخلية يتهمهم بالإضرار بالأراضي المصرية، بعدما استمرت السلطة في رغبتها بتنفيذ اتفاقية بيع الجزيرتين وإحالة المسألة إلى اللجنة التشريعيه بالبرلمان، كان التحرك بالتصعيد ضد السيسي حاضرًا كرد فعل على الإصرار على بيع الجزيرتين.

فكان ملف تيران وصنافير بمثابة الضوء الذي سُلط على حقيقة استيعاب الحراك الحقوقي لأهمية العمل على جذب الجماهير إلى صفوف المعارضة، والتحرك بشكل منظم في إطار هدف وطني تجتمع عليه الأطراف المتصارعة، بدلاً من تبني خطاب حقوقي لا يمس بالضرورة المواطن المصري، ويعتبر نجاح خالد علي في إثبات مصرية الجزيرتين بحكم المحكمة هو نقطة بروز تحوله من حقوقي ثائر إلى رجل سياسي.

https://www.facebook.com/khaled.ali.72/posts/859664817512211?match=2KrZitix2KfZhixhbGk%3D

خالد علي: هل يكون مرشح 2018؟

بدأ حراك خالد علي الحقوقي بالاهتمام بقضايا العمال ومواجهة فساد مبارك أهلته ليقود قضية الدفاع عن جزيرتي تيران وصنافير

بدأت التسأولات المشروعة عن انتخابات الرئاسة لعام 2018 تخيم على أذهان بعض التيارات السياسية في مصر، وطرح الصحفي محمد أبو الغيط في مقاله الأخير مع عبدالرحمن منصور رؤية تدور في فلك ضرورة التفاف القوى الديمقراطية حول مرشح ينافس على الرئاسة، وهو ما لاقى استحسان الكثيرين ممن ما زالوا يسعون للتغيير السياسي.

فهل يكون خالد علي ذلك الشخص الذي وصفه المقال «أمل بلا أوهام (2)» بـ«الثوري بشكل إصلاحي»:

إذا كان المرشح واحدًا من المحسوبين على الثورة، سواء كان رمزًا شهيرًا أو قادمًا من الصف الثاني، فيجب عليه الحرص البالغ على إعادة إنتاج نفسه بصورة «رجل الدولة». يجب أن يعي تمامًا أنه لا يدخل منافسة يزايد بها على رفاق الثورة، بل يستهدف اجتذاب سيادة اللواء فلان وسيادة المستشار علان أو عدم استعدائه، كما يستهدف اجتذاب ربة البيت التي تطبخ وهي تشاهده على التلفزيون قبل النوم.

ومن المؤكد أن الوجوه القديمة من النخب السياسية لن تجد مقعدًا لها في المرحلة المقبلة، بينما مازال خالد علي يحظى بقدر من الاحترام من مختلف التيارات، كما حظي على شعبية جديرة بالاهتمام بعد صراعه على مصرية الجزيرتين في قضية وطنية بالدرجة الأولى، هذا إلى جانب خوضه الانتخابات الرئاسية في عام 2012 وانخراطه في العمل السياسي طوال الستة أعوام الماضية.

فمن الممكن اعتبار خالد علي استثمارا سياسيا للمستقبل وأملا لمرحلة جديدة يسعى الشباب للوصول لها على المدى القصير أو البعيد، حيث يعتبر مرشحًا بقوة للالتفاف حوله ودعمه سياسيًا، وإن لم يكن ذلك من أجل انتخابات 2018، وهو ما جعل السلطة تشن حملة أمنية على حزب العيش والحرية وتقوم باحتجاز خالد علي باعتباره يمثل خطرًا عليها.

ويتوقف الأمر على مدى قدرة خالد علي على إدارة المرحلة المقبلة بشكل منضبط كرجل سياسة خاصة بعد إعلان النظام الحرب عليه، فكما بدأ خطواته بشكل متأن على الساحة السياسية ونضج خلال الستة أعوام الماضية بشكل واضح سواء في تحركاته على الأرض أو أسلوب إدارته لملف تيران وصنافير أو تقديم نفسه بمظهر جديد أنيق كرجل سياسي هادئ منضبط في حديثه عن المرحلة الحالية وإمكانية التغيير، فعليه جذب جميع طوائف الشعب من كافة التيارات السياسية ليكون بديلاً حقيقيًا للوضع المأزوم، ويتطلب الأمر تجاوز التيارات الساسية الطامحة للتغيير عن مرحلة مرشحي 2012 بكل ما حملته والتفكير في المستقبل بشكل مختلف سواء كان خالد علي أو غيره.

المراجع
  1. من هو خالد علي؟
  2. لماذا ندعم ترشح الحقوقى الشاب خالد على لانتخابات الرئاسة
  3. خالد علي: «تفويض الجيش» قرار غير موفق.. و«الإخوان» في «معركة البقاء» (حوار)