لماذا يفضل جوارديولا مواجهة مورينيو عن مواجهة كلوب؟
بعد بحث مطول، ونقاشات أطول حول قمة الدوري الإنجليزي بين ليفربول ومانشستر سيتي، حسم نجم ليفربول السابق «ستيف ماكمنمان» الجدل فيما يخص لمسة يد الأولى لألكسندر أرنولد، حيث قرر قياس وضعية يد وجسد ظهير ليفربول بوضعية جسد لاعب مانشستر سيتي الملاصق له، سيرجيو أجويرو. إن حاولت تذكر المشهد، فستجد ذراعي أجويرو بعيدين عن جسده، كأنهما نسخة من وضع ذراعي أرنولد.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن أي لاعب يقرر التوقف أو تغيير الاتجاه أثناء الركض، لن يضع ذراعيه خلف ظهره، وعليه فإن الوضعية قد تكون سليمة من وجهة نظره. ورغم غرابة نظرية القياس، يستحق هذا التفسير الانضمام إلى الصراع الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي عقب اللقاء.
سواء اتفقت أو اختلفت، سواء كنت مشجعًا أو مشاهدًا عاديًا، فإن الجدال بشأن قرارات الحكام يحتل المرتبة الأولى دائمًا وأبدًا. وفي حالة الحديث عن حالة من شأنها تحويل مجرى اللقاء تمامًا، فتجاهلها شبه مستحيل. لذلك، ما سأطلبه منك يبدو غير منطقي، لكن الصراع بين جوارديولا وكلوب يقدم لنا ما هو أهم من اختصاره في تلك اللقطة. لذا، حاول أن تكون غير منطقي ولو لمرة، وتجاهلها لرؤية المشهد كاملاً.
كلاسيكو الأرض
منذ 9 مواسم تقريبًا، كان الكلاسيكو الإسباني بين ريال مدريد وبرشلونة يستحوذ على اهتمام معظم جماهير كرة القدم. في البداية، كانت الأسباب المنطقية تشير إلى شعبية الفريقين، وقوتهما الاقتصادية الهائلة، التي مكنت كليهما من جمع أبرز نجوم العالم في مكان واحد، سواء بشراء النجوم أو صناعتهم.
لكن الأمر لم يكن مثيرًا بالقدر الكافي، وعليه بدأت دائرة الصراع تنكمش، ليصير صراعًا ثنائيًا بين لاعب ولاعب، مدرب ومدرب، تكتيك ونظيره المضاد. ومع الوقت، نجحت الصراعات الأكثر تخصصًا في الاستحواذ على عقول المشجعين، خاصة إذا مثّل كل طرف قيمًا مختلفة عن الآخر، حتى وإن كانت قيمًا وهمية، مثل تمثيل ميسي للموهبة، وكريستيانو للعصامية والمجهود الذاتي الخارق.
بمجرد انتهاء هذه الثنائيات، تحولت الجماهير من كلاسيكو «أنشيلوتي-إنريكي» إلى كلاسيكو «زيدان-فالفيردي» إلى البحث عن صراع آخر جدير بالاهتمام؛ لأنه لا أحد من هؤلاء استطاع مجاراة ثنائية جوارديولا ومورينيو الفريدة من نوعها.
كلاهما كان يملك قاعدة جماهيرية خاصة، وهذا لم يكن أمرًا معتادًا بين المدربين، ثم زاد الصراع سخونة مع تقديم البرتغالي نفسه كأول من استطاع إيقاف بارسا-بيب في دوري أبطال أوروبا، رفقة إنتر ميلانو، وبعدها ذهب مباشرة إلى ريال مدريد، ليصل العداء ذروته.
انتهى الصراع في إسبانيا برحيل بيب، ثم تبعه جوزيه، ليلتقيا مجددًا في البريميرليج، وتحديدًا في ديربي مانشستر. لكن الأمر لم يكن بنفس السخونة، لا خارج الملعب، ولا داخله، وكأن مورينيو أصبح «outdated» أو قديم الطراز كما يقولون أو أنه لم يكن العدو المناسب لبيب.
العدو المثالي
وجد مورينيو طريقته لمضايقة بيب، عن طريق تحويل استحواذه على الكرة إلى استحواذ سلبي قدر المستطاع. لأن صاحب الثلاثية التاريخية لإنتر وجد أن مجاراة إيقاع جوارديولا أقرب إلى المستحيل، خاصة مع قدرة برشلونة الهائلة على الضغط بمجرد فقد الكرة، لذا كان عليه اقتسام السيطرة مع جوارديولا؛ يترك له السيطرة على الكرة، ويتكفل هو بالسيطرة على المساحات المهمة بالقرب من مرماه.
الرغبة في اختراق هذا التكتل ستتطلب مزيدًا من المخاطرة، وهنا تأتي اللحظة المناسبة للانقضاض عبر المرتدات. فمورينيو كان قد صنع فريقًا مخيفًا في التحول من الدفاع إلى الهجوم، وعبر أقل عدد من التمريرات. كأنك ملاكم تدخل المباراة محاولاً تغطية وجهك، وتستمر في تلقي اللكمات حتى تحين اللحظة المناسبة للرد، لكن بقي الأمر متوقفًا على مدى تركيزك وقدرتك على التحمل.
بذلك، لم يحرم بيب وفريقه من أريحيته في البناء من الخلف والتدرج بالكرة، وظلت معاناته مقتصرة على الثلث الأخير، وعليه كانت تميل الكفة لصالحه في أغلب الأوقات، حتى ظهر يورجن كلوب.
مدرب بروسيا دورتموند السابق مهووس بالضغط العالي والتحولات، ويرى أن أفضل طريقة لصناعة الفرص هي بخنق الخصم في مناطقه أثناء الاستحواذ، وليس الانتظار في الخلف. ونظريًا، كان هذا أسوأ كابوس لمحبي الاستحواذ، وعلى رأسهم جوارديولا. وبمجرد اصطدام جوارديولا به، أصبح كلوب عدوه المثالي.
العدو يتوحش
هكذا تمنى المدرب الإسباني، لكن على الجانب الآخر، صرح كلوب علانية بأن فرصته الوحيدة أمام مانشستر سيتي هي ألا يلعبوا كما يريدون. فأصبح يورجن يتلذذ بخنق جوارديولا من الثلث الأول، ومنعه من الخروج بالكرة كما يريد وحيثما يريد. وكلما ارتفع الإيقاع، كان الألماني وفريقه أسرع، ثم ازداد الطين بلة بإجرائه بعض التعديلات التي أضافت لفريقه مزيدًا من التنوع.
أصبح ليفربول الحالي أكثر هدوءًا، ليس فقط لأنه يستطيع الفوز في اللحظات الأخيرة، لكن لأنه أيضًا يستطيع ضبط إيقاع الضغط كما يريد، وبشكل فائق المثالية. السبب الأول وراء ذلك يتعلق بإتقان اللاعبين لأساليب المدرب الألماني، فأصبحوا أكثر وعيًا وتناغمًا في غلق زوايا التمرير، وتوجيه هجمات الخصم.
السبب الثاني يتعلق بتعليمات كلوب، حيث بات كمن يمسك بريموت كونترول لضبط مدى فاعلية الضغط. وفقًا لتقرير قناة Tifo Football، فأرقام الفريق من حيث إحصائية PPDA باتت متنوعة (وهي اختصار لـ allowed passes per defensive actions، وهي تقيس عدد التمريرات التي يسمح الفريق لخصمه بتمريرها حتى أول تدخل دفاعي).
سمح ليفربول لتوتنهام مثلاً بمتوسط تمريرات وصل إلى 6.4، وسمح لليستر سيتي ب 9.5، وجينك البلجيكي ب 4.5، وتشيلسي ب 9.6، مما يعني أن الضغط العالي المستمر المصحوب بالاستنزاف البدنى لم يعد موجودًا، وتم استبداله بقدرة أكبر على التحكم في رتم المباراة وفقًا لطبيعة الخصم.
تكافؤ أكثر من اللازم
أصبح كلوب كابوسًا لجوارديولا – كابوسًا هنا لا يقصد بها اكتساح كلوب – ليس بتصريحات عنيفة تستفزه خارج الميدان، ولكن بتطبيق أسوأ أسلوب لعب يمكن أن يواجهه أحد. لكن عندما تشاهد اللقاء من جديد، تشعر أن أحدًا لا يكتسح الآخر، والكفتان متعادلان أكثر من اللازم. حاول مراجعة شريط الأهداف مرة أخرى، ثلاث عرضيات وتسديدة بعيدة، لتشعر لوهلة بأننا نعيش حقبة الكرات العرضية.
كلا الخصمين يغلق مناطقه جيدًا، وتحديدًا عمق الملعب، فيطرد خصمه إلى الطرفين، زيادة عددية في أحدهما ثم تغيير اللعب إلى الآخر، حيث الرجل الحر. وفي أحيان كثيرة، يصبح الرجل الحر هو الظهير القادم من الخلف. لكن هل هذا ممتع للمشاهدة؟ والأهم من ذلك: هل هذا يعني أن كتيب تكتيكات كرة القدم قد امتلأ عن آخره؟
تساءلت قناة دويتش فيله DW في تقرير لها عن الأمر، وقد استعرضت على سبيل المثال بعضًا من أفكار يورجن كلوب، وربطتها بأصلها في الماضي. الضغط العالي مستوحى من ضغط هولندا في السبعينيات، المهاجم الوهمي من المجر في الخمسينات، تقارب الخطوط من ميلان أريجو ساكي، وهكذا.
كل فكرة تمت تجربتها بالفعل في الماضي، وما يحدث حاليًا هو إعادة تدوير بشكل أكثر حداثة وإتقان. التكافؤ الحادث بين جوارديولا وكلوب يدعم بشكل أو بآخر نفس الفكرة، وقد ينتج عن ذلك العودة من جديد للكرات الطويلة، العرضيات، وكل ما كنت تظنه بدائيًا.
أو يلجأ كل منهما بكل بساطة للبحث عن لاعبين بقدرات مختلفة، تمامًا كألكسندر أرنولد. في لقطة الهدف الثاني عن طريق محمد صلاح، استلم أرنولد الكرة في منتصف الملعب وغير اتجاه اللعب بعرضية متقنة بيسراه إلى روبيرتسون، الذي انطلق وأرسل العرضية. ما يفعله الظهير الإنجليزي يمثل إضافة نوعية لدوره كظهير، ليس فقط لدقة عرضياته، ولكن لامتلاكه مدى range تمريرات مختلف يشمل كل زوايا الملعب.
لا أعرف هل يجوز تسميته بـ Game Changer، لأن هذا ما نطلقه على رونالدو وميسي، لكن هذه الإضافات لكل مركز قد تمثل طوق النجاة للمدربين، وأوراقهم الرابحة التي قد ينشطون بها تلك الدورة التكتيكية المغلقة. وإذا تمادينا بمنح جوارديولا أول اقتراح من هذه النوعية، فالهولندي دي يونج كان سيصبح مثاليًا للهروب من ضغط كلوب.