لماذا تشعر أن «صلاح» لا يقوم بواجبات دفاعية مثل «ماني»؟
في حالة ارتيابك من السؤال المطروح بالعنوان، واضطرارك لضرب رأسك بالحائط للمرة الألف، تعبيرًا عن مللك من عقد مقارنة جديدة بين جناحي ليفربول محمد صلاح وساديو ماني، فحتمًا لن نلومك. فقد وصلنا لمرحلة غير مسبوقة، جعلتنا نتتبع مسيرة اللاعب السنغالي الخيرية خارج الملعب، أكثر من داخله.
وبالتالي، نحن مضطرون لوعدك بأنها قد تكون آخر مقارنة قد تراها في هذا الشأن، بل إن الصيف القادم أو الذي يليه قد يريحنا ويريحك منها تمامًا، إن رحل أحد اللاعبين عن الفريق. لكن حتى يحين ذلك الموعد، فنحن أمام أمر بالطبع قد شعرت به وتبحث عن إجابته، لماذا لا يقوم محمد صلاح بواجبه الدفاعي مثل ماني المحبوب؟
لأنه النجم
سواء كان ذلك مدعومًا بأرقام أو بملاحظة شخصية، فدعنا نسلم أولاً أن ذلك الانطباع قد تكوّن لدينا، لأن صلاح يظهر كثيرًا وهو يحاول خدمة نفسه على حساب الفريق، كما أنه أحيانًا يتأخر في العودة لغلق جبهته، بخلاف ساديو الذي يظهر كفاحًا أكبر. ولأن الأداء يعبر عن الشخصية، والعكس بالعكس، لن نستطيع محو ذلك الانطباع.
إذا عدنا بالذاكرة واسترجعنا أحداثًا مشابهة، سنجد أن فكرة النجم الأوحد الذي يطفو فوق التعليمات التكتيكية -خاصةً الدفاعية منها- هي أمر نادر الوجود. على سبيل المثال لا الحصر، عندما تولى «بيب جوارديولا» الإدارة الفنية لمانشستر سيتي، لم يكن سعيدًا بأداء «سيرجيو أجويرو» الدفاعي، بل وصرح بذلك علانية.
أما «مورينيو»، فله صولات وجولات، وصلت إلى الاصطدام بـ«رونالدو» في ريال مدريد، وانتقاده بشدة أمام بقية زملائه، لأنه لا يعود لمساندتهم في الحالة الدفاعية. ثم كانت مشكلة المدرب البرتغالي مع «بول بوجبا» في مانشستر يونايتد، تشمل هذا السبب كأحد مسبباتها.
بالطبع، لا يجب أن يصل الأمر في كل مرة إلى الصدام، لكن بشكل عام، فإن أداء اللاعب في حالة فقدان الكرة هو أحد أهم أسباب تفضيله على لاعب آخر، والحفاظ على تماسك المنظومة. وإذا قمنا بقياس ما سبق على انطباعنا عن «صلاح» تحت إمرة «يورجن كلوب»، فإننا لن نجد مبررًا يجعل «محمد» ينجو من مقصلة مدربه، إلا إن كان يؤدي المطلوب.
النموذج الحديث للهجمة المرتدة
والسؤال هنا: هل يمكن أن يطلب مدرب من لاعبه الدفاع أقل من زملائه؟ الإجابة على السؤال ستقودنا مباشرة إلى موقع «spielverlagerung» المتخصص بالتحليل التكتيكي، حيث الهجمات المرتدة، والتي يمكننا تعريفها ببساطة، على أنها التحول من الحالة الدفاعية إلى الهجومية، لمحاولة ضرب الخصم سريعًا. وبما أننا ذكرنا الحالة الدفاعية في التعريف، إذن فالإجابة على سؤالنا مرتبطة بما يريد ليفربول فعله في المرتدة.
في العقدين الأخيرين، شهدت كرة القدم تطورًا في طريقة المرتدات، تبعه تغير بتمركز لاعبي المقدمة الذين سيبني عليهم الفريق تحوله. حيث لدينا النوع الأول والذي يمكن تسميته بالمرتدة الكلاسيكية «Classic Counter Attack»، حيث يبحث الفريق عن تمريرة طولية في عمق الملعب باتجاه المهاجم، والذي سيمهدها لأقرب لاعب، ومن ثم تصعد الأجنحة سريعًا.
أو إذا كان المهاجم سريع الحركة بشكل ملحوظ، فيتم إرسال الكرات الطويلة له في المساحات خلف الدفاع. وأبرز الأمثلة على ذلك هما فريقا أتلتيكو مدريد(دييجو سيميوني) ومهاجمه دييجو كوستا، وليستر سيتي (كلاوديو رانييري) ومهاجمه جيمي فاردي.
وبنفس الفكرة، لكن مع تعديل بسيط، كان بروسيا دورتموند مع يورجن كلوب، حيث كان يبحث الفريق عن المهاجم ليفاندوفسكي، أو اللاعب في المركز 10، ماريو جوتزه، الذي يتحرك ليجعل نفسه خيارًا متاحًا لزملائه، للهروب من ضغط الفريق المهاجم وإطلاق المرتدة.
لكن هذا النوع من المرتدات لم يكن مناسبًا لليفربول، لذلك قرروا تجاوز الشكل الكلاسيكي، والاعتماد على النوع الجديد، المعتمد على ما يعرف باسم «Gambling Forward/winger»، وهو ما سيفسر لنا انطباعك عن صلاح.
فرس الرهان
في هذا النوع، يلجأ الفريق للاعتماد على أحد الأجنحة كفرس الرهان، بحيث يتمركز أعلى من زملائه قليلاً، ويتم تجريده طواعيةً من بعض المهام الدفاعية، بحيث يتولى مهمة إغلاق زوايا تمرير محددة، والدفاع على مساحة أقل. وفي المقابل يقوم المدرب ببعض التوازنات -على الأغلب تكون على حساب الجناح في الجهة المقابلة- حتى لا يتأثر الفريق دفاعيًا من جهة الجناح المختار.
أبرز تلك الأمثلة كان رونالدو في مانشستر يونايتد، وريال مدريد، مع مورينيو وأنشيلوتي وزيدان. وفي كل مرة كان من يحقق التوازن هو جناح الجهة المقابلة (جيجز – دي ماريا – بيل) أو صانع الألعاب (إيسكو). وبنفس الكيفية لعب «مبابي» نفس الدور مع منتخب فرنسا في كأس العالم 2018، وكان يتولى «ماتويدي» من الجهة المقابلة تحقيق التوازن المطلوب بوسط الملعب.
وعليه وقع الاختيار على صلاح أولاً ليصبح فرس الرهان، ويبدأ بالحصول على مهام دفاعية محددة، عكس ماني في البداية. ويمكننا أن نستدل على صحة تلك الفرضية من أرقام وأماكن عمليات الضغط التي قام بها الثنائي وفقًا لموقع «Fbref». حيث لم يتفوق ماني في أي موسم على صلاح في عدد مرات الضغط بالثلث الهجومي، في حين تتقارب الأرقام في الثلث الثاني مع أفضلية لصالح السنغالي، ثم تهبط أرقامهما بشكل ملحوظ في ثلث ليفربول الدفاعي، مع أفضلية لماني أيضًا.
لكن بعد موسم صلاح الأول، بدأ ليفربول يعتمد على فرسيّ رهان، وليس واحدًا. وتحسن الفريق في الضغط وقطع زوايا التمرير وتوجيه استحواذ الخصم، واستغل تحسنه للمحافظة على تمركز الثنائي متقدمين بعض الشيء، لضرب الخصم بسرعتهما في التحولات، ومن هنا بدأت تتقارب أرقام الثنائي التهديفية.
إلى هنا ولا أعلم إن كان انطباعك ما زال حاضرًا عن صلاح، أم لا، لكن الأكيد أن مدربًا مثل كلوب، وأسلوب لعب مثل الذي ينتهجه، لا يمكن لأحد أن يخرج عن المجموعة، وإن كان لا مفر من أن نسأل سؤالاً كهذا، فيمكن أن يكون أكثر منطقية، ونجعله: لماذا لا يدافع صلاح وماني مثل فيرمينو؟ والإجابة حينها لن تختلف عما سبق.