لماذا تفشل أمريكا في نشر الديموقراطية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
- إن كنت محبًا مخلصًا لنهج «وودرو ويلسون»، فلا بد أن ربع القرن الماضي كان مُحبِطًا للغاية. لقد كانت الديمقراطية الليبرالية المعادلة السياسية الوحيدة القابلة للتطبيق من أجل عالم يتجه نحو العولمة، فقد تبنت الإدارات الأمريكية الثلاث الأخيرة المثل العليا الويلسونية وجعلت تعزيز الديمقراطية عنصرًا أساسيًا في السياسة الخارجية الأمريكية. بالنسبة لبيل كلينتون، اتضح ذلك في «إستراتيجية الأمن القومي للمشاركة والتوسع». بالنسبة لجورج دبليو بوش، تمثل الأمر في «أجندة الحرية» التي قدمها في خطاب تنصيبه الثاني، وأكد عليها كبار مسؤولي إدارته مثل كوندوليزا رايس. بينما كان باراك أوباما ويلسونيًا أقل حماسة من سابقيه، لكنه عين العديد من المناصرين الليبرالين المتحمسين للدولية في إدارته، حيث أعلن: «ليس هناك حق أكثر أساسية من القدرة على اختيار قادتكم». وقد دعم بشكل معلن التحولات الديمقراطية في مصر، ليبيا، اليمن، والعديد من الدول الأخرى.
تبنت الإدارات الأمريكية الثلاث الأخيرة مبدأ «نشر الديمقراطية» في العالم، لكن العالم اليوم يبدو أقل ديمقراطية مما كان عليه قبل ربع قرن من الجهود الأمريكية الحثيثة.
مع الأسف، يشير كتاب مشترك سينشر قريبًا، حرره «لاري دايموند» و«مارك بلاتنر»، إلى أن هذه الجهود «وجهود أخرى» لتعزيز الديمقراطية لم تحقق نتائج جيدة. ويقابل قصص النجاح، كإنهاء الحكم العسكري في ميانمار مؤخرًا، إخفاقات واضحة وأكثر عددًا في ليبيا، اليمن والعراق، بالإضافة إلى التراجع الواضح في تركيا، المجر، روسيا، بولندا، وأماكن أخرى، والخلل الديمقراطي في الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة نفسها. مثلما يشير دايموند في مساهمته بالكتاب، حوالي ربع ديمقراطيات العالم تآكلت أو انتكست خلال الثلاثين عامًا الماضية.
قد تظن أن شخصًا مؤمنًا بالواقعية مثلي لن يأبه بشأن نوع النظام في إحدى الدول أو مؤسساتها المحلية، بل ولن يهتم كثيرًا بهدف تعزيز الديمقراطية. لكنك ستكون مخطئا في ذلك. فالواقعيون يدركون أن نوع النظام والترتيبات الداخلية مهمين «بالفعل، كتب «كينيث والتز»كتابًا كاملًا يقارن فيه بين أنواع الأنظمة الديمقراطية المختلفة»؛ حيث يعتقد الواقعيون أن القوة النسبية والحاجة إلى الأمن عادة ما تعتبران أكثر أهمية، وعادة ما تؤدي هذه الضغوط المنهجية بالأنظمة المختلفة إلى التصرف بطرق متشابهة إلى حد مدهش.
ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة للواقعيين «وغيرهم» لدعم الديمقراطية مع إدراكهم للمخاطر المصاحبة للتحولات الديمقراطية. فالديمقراطيات المستقرة لديها معدلات نمو اقتصادي أفضل على المدى البعيد «في المتوسط»، وتؤدي بشكل أفضل من حيث حماية حقوق الإنسان الأساسية. وبينما هي ليست في مأمن من الحماقات المختلفة، تكون الديمقراطيات أقل عرضة لقتل أعداد واسعة من مواطنيها من خلال المجاعات أو أعمال الهندسة الاجتماعية سيئة التخطيط، في الأغلب لأن المعلومات التصحيحية تكون في متناول الجميع بشكل أسهل، ولأن المسؤولين يمكن محاسبتهم.
يحتمل بالنسبة للديمقراطيات أيضًا أن تبدأ وتخوض حروبًا كأي نوع آخر من الدول، لكن هناك بعض الأدلة،المختلف بشأنها إلى حد كبير، على أنها تميل إلى عدم محاربة بعضها البعض. وبالتالي، بالقياس، أظن أنه سيكون من الأفضل لمعظم البشر أن يزيد عدد الديمقراطيات في العالم.
لكن السؤال هو: كيف ينبغي علينا محاولة تحقيق ذلك الهدف؟.
سأخاطر هنا بتوضيح أمر بديهي، فنحن نعلم ما يفشل، ولدينا فكرة جيدة عن سبب فشله. ما يفشل هو التدخل العسكري، المعروف باسم «تغيير النظام المفروض من الخارج». فكرة أن الولايات المتحدة يمكنها التدخل، عزل الطاغية الحاكم وأعوانه، كتابة دستور جديد، إجراء بضعة انتخابات، وإنتاج ديمقراطية مستقرة – بسرعة جدًا – كانت دائمًا فكرة وهمية، لكن عددًا ضخمًا من الأشخاص الأذكياء اقتنعوا بهذه الفكرة رغم الأدلة الوفيرة على فشلها.
تعتمد الأنظمة الليبرالية الناجحة على أمور أكثر بكثير من الدستور المكتوب أو الانتخابات؛ حيث تتطلب نظاما قانونيا فعالا، والتزاما واسعا تجاه التعددية، ومستوى لائقا من الدخل والتعليم، وثقة من المعارضة بإمكانية الوصول للسلطة من خلال النظام القائم.
تفشل القوة العسكرية في نشر الديمقراطية لعدة أسباب واضحة. أولًا، تعتمد الأنظمة الليبرالية الناجحة على أمور أكثر بكثير من الدستور المكتوب أو الانتخابات؛ حيث تتطلب عادة نظاما قانونيا فعالا، والتزاما واسعا تجاه التعددية، ومستوى لائقا من الدخل والتعليم، بالإضافة إلى ثقة واسعة النطاق في أن التنظيمات السياسية التي تخسر في بعض الانتخابات لديها فرصة معقولة للخروج بنتائج أفضل في المستقبل، وبالتالي لديها الحافز لمتابعة عملها داخل النظام. ولأن الكثير من العناصر الاجتماعية يحتاج إلى الاصطفاف بشكل ملائم حتى ينجح ويستمر هذا التسلسل، استغرق إنشاء ديمقراطيات فعالة بشكل معقول في الغرب قرونًا، وقد كانت عادة عملية مثيرة للنزاع بشدة – بل وعنيفة. تطلب الاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكنها تصدير الديمقراطية بسرعة وبثمن بخس، درجة من الغطرسة لا يزال تذكرها يثير الدهشة.
ثانيًا، استخدام القوة لنشر الديمقراطية يثير دائمًا تقريبًا المقاومة العنيفة، حيث تظل القومية والصور الأخرى من الهويات المحلية ممثلة لسمات قوية لعالم اليوم، ولا يروق لمعظم الناس اتباع أوامر المحتلين الأجانب المسلحين. علاوة على ذلك، القطاعات التي فقدت السلطة، الثروة، أو المكانة في سياق التحول الديمقراطي «مثل السنة في عراق ما بعد صدام» ستميل حتميًا إلى المعارضة المسلحة، وقد تحاول الدول المجاورة، التي تتأثر مصالحها سلبًا بفعل التحول، وقفه أو عكس مساره. وبالتأكيد، يعد مثل هذه الأمور آخر ما تحتاجه الديمقراطية المكافحة، لأن العنف يميل عادة إلى تمكين القادة الجيدين في ممارسته، بدلًا من هؤلاء البارعين في بناء المؤسسات الفعالة، عقد اتفاقيات بطول الخطوط الفصائلية، تعزيز التسامح، وبناء اقتصادات أقوى وأكثر إنتاجية.
ما يزيد الطين بلة أن المحتلين الأجانب نادرًا ما يعرفون القدر الكافي عن المحليين ليضعوا الأشخاص المناسبين محل المسؤولية، وحتى الجهود السخية حسنة النوايا لمساعدة الحكومة الجديدة تميل إلى تغذية الفساد وتشويه السياسة المحلية بطرق غير متوقعة. يمثل إنشاء ديمقراطية في دولة أجنبية مشروع هندسة اجتماعية واسعة، وتوقع أن القوى الخارجية ستنفذه بفاعلية أشبه بأن نطلب من شخص ما بناء محطة طاقة نووية، دون أي تخطيط، وفوق منطقة زلازل نشطة. وفي كلا الحالتين، توقع انهيارًا سريعًا.
الخلاصة هي أنه ليس هناك طريقة سريعة، بخسة الثمن أو موثوقة للدخلاء لينظموا تحولًا ديمقراطيًا، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بدولة ليس لديها سابق خبرة معقولة بالتحولات الديمقراطية، وبها انقسامات اجتماعية حادة.
فإذا كنا نرغب في تعزيز الديمقراطية، وإذا كانت القوة ليست الأداة الصحيحة، فكيف إذا نعزز الديمقراطية؟، دعوني أقترح نهجين واسعين.
أولهما هو الدبلوماسية. عندما تتوافر حركة محلية مؤيدة للديمقراطية وملتزمة، وحقيقية، وكبيرة – مثلما كان الحال في أوروبا الشرقية أثناء «الثورات الناعمة» أو في ميانمار اليوم – يمكن للأطراف الخارجية القوية أن تستخدم أنواعًا أكثر براعة من النفوذ لتشجيع التحولات التدريجية. لقد أجرت الولايات المتحدة ذلك بنجاح في عدد من الحالات «مثل: كوريا الجنوبية، الفلبين،.. إلخ» عبر كونها مثابرة وصابرة ومن خلال استخدام أدوات غير عسكرية مثل العقوبات الاقتصادية. في هذه الحالات، استمر بناء الحركة المناصرة للديمقراطية لسنوات عديدة وتمتعت بدعم اجتماعي واسع بحلول الوقت الذي اكتسبت فيه القوة. قد لا يكون الاعتماد على الدبلوماسية مثيرًا للحماس كحال «الصدمة والرعب» المصاحبين للغزو العسكري، ولكن الأمر أقل تكلفة بكثير واحتمالية نجاحه كبيرة.
الأمر الثاني هو أن نقدم القدوة الحسنة. يرجح أن تُحاكى المثل العليا الديمقراطية الأمريكية من قبل الآخرين إن اعتبرت الولايات المتحدة على نطاق واسع مجتمعًا عادلًا، مزدهرًا ونابضًا بالحياة ومتسامحا، بدلًا من أن يكون مرتعًا لعدم المساواة، حيث القادة السياسيين الثرثارين المصابين برهاب الأجانب، وبه أعلى عدد من نزلاء السجون في العالم، والتفسخ الواضح للمطارات والصور الأخرى من البنية التحتية العامة، ومع ذلك لا يبدو أحد قادرًا على فعل الكثير بشأن ذلك. حين يستثنى ملايين المواطنين المؤهلين من التصويت، عندما يمارس حفنة من المليارديرات وأصحاب المصالح الثرية الأخرى تأثيرًا سامًا وغير متكافئ على السياسة الأمريكية، لا يشكل الأمر مفاجأة أن المجتمعات الأخرى تعتبر المثل العليا الأمريكية المعلنة أقل جذبًا عما كانت عليه مسبقًا. بالإضافة إلى جوانتانامو، القتل المستهدف، أبو غريب، مراقبة وكالة الأمن القومي المفرطة، والممانعة لمحاسبة الأشخاص الأقوياء على آثامهم، فينتهي الأمر برمز مشوه للغاية.
باختصار، ستؤدي الولايات المتحدة بشكل أفضل في سبيل تعزيز الديمقراطية في الدول الأخرى إن أدت بشكل أفضل أولًا في الالتزام بمثلها العليا على أراضيها. لن تكون الإصلاحات اللازمة سهلة – وليس لدي وصفة سحرية لتحقيقها – لكن إصلاح الولايات المتحدة يجب أن يكون أسهل قليلًا من محاولة إنشاء ديمقراطية قوية في أفغانستان، اليمن، أو أي مكان آخر؛ حيث فشلنا لمدة عقد أو أكثر.
بناء أمريكا أفضل سيسمح أيضًا للمزيد من الأمريكيين بالتمتع بحيوات مزدهرة، فخورة، آمنة، ووافرة. ربما أنا أحلم، لكن هل قد يمثل تقديم المزيد لتحسين حيوات الأمريكيين أفضل وسيلةٍ لتعزيز الديمقراطية في الخارج؟.