لماذا ينتظر الجميع لحظة انفجار «صالح جمعة» حتى الآن؟
هذا هو ملخص قصة «صالح جمعة» أو «المعلّم»، كما يحلو لمدربيه تسميته، مع كرة القدم. لاعب كرة قدم موهوب بشكل خارق -حسب كل من شاهده عن كثب- لكنه في نفس الوقت، لم يحترم موهبته قط. لذا بات اسم «صالح» مقترنًا بكلمة «لولا»، وهي الكلمة التي طالما لازمت عشرات اللاعبين الذين أحبطوا جماهيرهم ومدربيهم.
المثير في حكاية «المعلّم» هو تعلُّق الجماهير به بشكل متطرف، بشكل جعل نفس الجماهير تتغاضى عن قياس موهبته بنفس «المسطرة» التي يخضع لأحكامها باقي اللاعبين. مع «صالح» اختلقت مبررات منطقية وغير منطقية لتذبذب مستواه، وافتعاله للمشاكل داخل وخارج الملعب. والسؤال: ما سر هذا التعلُّق الغريب؟
سقف التوقعات
في 2013، وتحديدًا بعد انتهاء بطولة أفريقيا للشباب بالجزائر، أدرك الجميع أن مصر تمتلك موهبة حقيقية، عندما توِّج «صالح جمعة» بجائزة أفضل لاعب بالبطولة، التي حصد الفراعنة لقبها على حساب منتخب غانا.
بعد أشهر معدودة، حصل «صالح» على فرصة لخوض فترات معايشة بأندية أوروبية جديدة مثل «بوروسيا دورتموند» الألماني و«أندرلخت» البلجيكي. عند هذه اللحظة توقّف الجميع يسأل لأول مرة: هل نمتلك بالفعل لاعبًا شابًا يستطيع التألق في هذا المستوى؟
حسب «صالح»، حرمه الغرور من الانتقال لأحد أكبر أندية أوروبا، لأنه اعتقد -في داخله- أنّه أفضل من أن تتم إعارته لأحد أندية الدرجة الثانية الألمانية من أجل اكتساب الخبرات قبل الانضمام لـ«دورتموند»، وفقًا للبرنامج الذي وضعه «يورجن كلوب»، مدرّب الفريق الألماني آنذاك، الذي كسر سياسة النادي من أجله، حيث لم يكُن «بوروسيا دورتموند» يعتمد من قبل فكرة ضَم لاعبين جدد عن طريق الاختبارات.
لحظة! يعني ذلك أن «صالح جمعة» موهبة حقيقية، على الأقل من وجهة نظر أحد أفضل مدربي العالم. فماذا حدث؟
عملًا بمبدأ «أفضل مؤشر للأداء المستقبلي هو الأداء السابق»، ارتفع سقف التوقعات الجماهير، بخاصة وأن «صالح» بدا مواكبًا للكرة الحديثة، ليس صانع ألعاب بالشكل المتعارف عليه، ولا لاعب وسط دفاعي، يمكنه صناعة اللعب من مناطق متأخرة، كما يستطيع أن يسجّل.
ربما كانت هذه أولى أزمات «صالح جمعة» مع كرة القدم؛ وهي اعتقاده أن وصوله لإقناع المدير الفنّي لـ«دورتموند» هو سقف إمكانياته، وأن ما دونه، حتى وإن كان الانتقال للأهلي لاحقًا ليس كافيًا لارضائه، ومن هنا بدأ كل شيء.
شاب فقد عقله
الموهبة مصطلح مطّاط، تحديدًا حين يتم استخدامها لوصف لاعب كرة قدم. الموهبة بالتعريف هي قدرة الإنسان على القيام بالأمور بشكل جيد، خاصة دون أن يتم تعليمه. وبالنسبة للاعب إنبي السابق، الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة لاعب كرة قدم عظيم.
وبعيدًا عن مقارنة «جمعة» بأي من الأسماء، ربما سقط اللاعب والجماهير والمدربون الذين أشرفوا على تدريبه في مغالطة كبيرة، وهي وصفه بالموهوب من الأساس، لأنه وصف مُعقّد ومتشابك.
طبقًا لتقرير نشرته جمعية الكشافة المحترفين «PFSA»، يبحث الكشافة المحترفون عن 5 جوانب رئيسية قبل وصف أي لاعب شاب بالموهبة الحقيقية، وبالطبع أحد هذه الجوانب هي العقلية.
بحسب تيمون بولز، الذي عمل ضمن فريق الكشف عن المواهب في «بايرن ميونخ» الألماني، يمكن استنتاج قابلية اللاعب الشاب للتطور من الناحية العقلية عن طريق بعض الملاحظات الصغيرة مثل: رد فعله عند الخسارة بنتيجة ثقيلة، أو مساعدته لزملائه بالتدريبات، أو حتى تعبيرات وجهه أثناء استماعه لتعليمات المدير الفني.
في الواقع، لا تخلو شخصية «صالح جمعة» من العلامات الحمراء، التي كانت ربما سببًا مباشرًا في إفساد علاقته بالنادي الأهلي، على الرغم من تمسُّك الإدارة والجماهير به لآخر نفس. فبغض النظر عن إثارة الجدل خارج الملعب، لم يُقدِّم اللاعب ثباتًا بالمستوى طوال مواسمه في الجزيرة.
لأننا بشر
إذا قررنا مرة أخيرة البحث وراء السبب في انتظار الجماهير، الإعلام، والمدربين للّحظة التي يتألق «صالح جمعة»، معلنًا عن نفسه كنجمٍ حقيقي للكرة المصرية، قد تقودنا الإجابة إلى حقيقة كوننا -نحن وصالح- بشر، نمتلك دوافع وانحيازات.
وبما أن لاعب كرة القدم إنسان، يسري عليه ما يسري على سائر البشر، ربما يعتقدُ قطاع أن «صالح» قد تجاوز طيش الشباب، أضحى أكثر نضجًا، وأكثر قدرة على التحكُّم في نفسه، أو بالأحرى تحول لإنسان أكثر اتزانًا.
طبقا للبروفيسور «بيتر جونز»، أخصائي علوم الدماغ، قد ينتظر الإنسان حتى سِن الـ30 كي يكتمل نضوجه العقلي، ومع ذلك الأمر ليس بهذه البساطة، فسلوكيات الإنسان المضطربة دائمًا ما تكون مرهونة بالنظام الذي يعيش بداخله مثل: أنظمة التعليم والصحة والقانون. بالتالي لا علاقة للُعمر بالنضج.
بالعودة لصالح، يمكن أن نفترض أنّه لم يكُن ناضجًا كفاية لحظة وصوله للأهلي، بالتالي لم يستطع التعامل مع المتغيرات التي طرأت على مسيرته من لاعب واعد لآخر ينتظر منه أن يحل محل «أبوتريكة». وازداد الأمر سوءًا حين تم تدليله -باعترافه- بحجة الصبر على موهبةٍ لم تطأ أقدامها الملاعب المصرية من قبل.
على الرغم من ذلك، يظهر «صالح» واثقًا من نفسه كلاعب كرة قدم بكل مقابلاته، غير مكترث بالسنوات التي أهدرها في اللاشيء، متأكدًا من تألقه فور عودته للملاعب.
عرَّف «دان أبراهامز»، أخصائي طب النفس الرياضي، هذه الظاهرة باسم «انعدام الوعي الداخلي»، التي تعد أعلى مراحل الثقة بالنفس، التي قد يعتقد الجميع أنّها غرور أو تعال على الجميع.
ربما حان الوقت للإجابة عن السؤال الأهم: لماذا ننتظر إذن من «ريما» أن تتخلّص من عاداتها القديمة؟
الإجابة باختصار لأننا بشر؛ نتأثر بالانطباعات الأولى التي نكوّنها عن الأشخاص. لذا، فحتى وإن استحالت عملية انتقال «صالح جمعة» لدوري أوروبي كبير بعد ملامسته حاجز الثلاثين من العمر، ربما يرتضي الجميع بفترة وجيزة من التألق داخل مصر، تعني بطيّاتها أنّه لم يكن مجرد لاعب عادي ظهر بفترة فراغ، وأنّه كان فقط عبارة عن شاب ضَل الطريق في البداية لكنه عاد في النهاية.