لماذا يفشل الجميع في محاكاة واتساب
تحت عنوان «كيف خسرت تسعة مليارات دولار في صفقة واتساب»، كتبت ساماثا راني مقالا قصيرا نشرته على حسابها على لينكد إن في مارس الماضي. ساماثا حكت كيف أنها ومجموعة من أصدقائها الطلبة في جنوب الهند عام 2005 قدموا تطبيقا أسموه حينها MOM أو Messenger on Mobile كمشروع لتخرجهم من الجامعة. كانت فكرة التطبيق قائمة على تبادل الرسائل النصية بين الهواتف الجوالة مع توفير خاصية البحث عن الأصدقاء ودعوتهم للاشتراك في التطبيق، ومن ثم المحادثة فيما بينهم بسهولة، لحظيا وباستمرار. لم يكن الغرض الرئيسي من المقال قاصرا على أن تقص ساماثا ذكرياتها الجامعية منذ عقد على الأقل، وإنما كان لتعبر عن أسفها لضياع فرصة أن يتحول تطبيقها MOM إلى WhatsApp وهو ما ترتب عليه ضياع تسعة عشر مليارا، وليس تسعة فقط منها، ثمنا لصفقة بيع واتساب لاحقا لفيسبوك.
الحقيقة أن قصة نجاح الأمريكييْن، جان كوم وبرايان أكتون، الموظفين السابقين في ياهو، واللذين قاما بإخراج واتساب إلى النور في بداية 2010، لا يمكن اختزالها في مجرد فكرة؛ بل إن القول بأن فكرة المحادثات النصية عن طريق الهاتف الجوال قاصرة على شخص أو مجموعة من الأشخاص بعينهم يتجاهل تماما التطور الطبيعي لاستخدام الهواتف الخلوية وحاجة مستخدميها الطبيعية والمنطقية جدا لمثل هذه الخدمة بما يجعل الفكرة واردة في بال الكثيرين. وعليه، يبدو أن سبب نجاح واتساب واندثار تطبيق ساماثا لم يكن فقط بسبب هذه الفكرة البسيطة في تبادل الرسائل، وإنما يكمن السبب الحقيقي -أو الأسباب- خلف عدة عوامل أخرى.
في دراسة شارك فيها البروفسور إيثان موليك من جامعة ساوث كارولينا عام 2015، أظهرت نتائج البحث أن النساء أقل نجاحًا في مجال ريادة الأعمال. وقد قال موليك في مقابلة أجراها مع محطة «سيريس إكس إم 111» أن ريادة الأعمال تحتاج إلى ثقة في النفس مبالغ فيها، أو بصيغة أخرى: «ثقة عمياء»، وهو ما يتوافر بصورة أكبر في الرجال عنه في النساء. وقد أعزى موليك هذا إلى حقيقة أن النساء بطبعهن يملن إلى دراسة المخاطر بمنطقية وعقلانية، بينما يتمتع الرجال بصورة أكبر من المجازفة. إضافة إلى ذلك فإن فشل النساء في تجربتهم الأولى في ريادة الأعمال ربما يحملهم على عدم تكرار المحاولة؛ خاصة وأنهن يدرسن أسباب الفشل بواقعية، بينما يؤمن الرجال أن سبب الفشل الوحيد إذا ما فشلوا هو الظروف الخارجية وسوء الحظ، لهذا يُقدِمون دوما على المحاولة مرة أخرى، وهو ما أسمته الدراسات النفسية التي أجريت على الجنسين: «غطرسة الذكور وتواضع الإناث».
بالتأكيد لم يكن هذا السبب هو السبب الرئيسي في إقدام ساماثا على ترك تطبيقها الذي نال استحسان الجامعة في حينها، والاكتفاء بذكر هذا النجاح في سيرتها الذاتية من أجل أن تستطيع الحصول على وظيفة جيدة في إحدى الشركات الشهيرة؛ وهو ما قد كان. فطموح ساماثا ورفاقها لم يكن موجهًا صوب ريادة الأعمال، وإنما اكتفوا جميعا بالبحث عن الاستقرار المادي والعملي بأن يندرجوا في مستقبل وظيفي مميز، ربما لظروف البيئة المحيطة بهم في الهند، ونظرة العالم لها كأرض خصبة للتوظيف الرخيص، بدلا من اعتبارها بيئة مناسبة للشركات الناشئة والوليدة.
كانت ساماثا ورفاقها إذن بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ويضعهم على الطريق الصحيح لاستغلال فكرتهم هذه وإخراجها إلى النور، بدلا من إهدار طاقتهم الإبداعية؛ لذلك جاءت معظم الدراسات الأكاديمية لتؤكد أن أهم أسباب نجاح تجارب ريادة الأعمال هو وجود ناصح أو مستشار Mentor يساعد على صقل التجربة وتوجيهها ومتابعتها حتى تخطو خطواتها الأولى في عالم الأعمال، لتصبح شركة ناشئة startup.
ليس هذا فحسب، فقد أثبتت الدراسات والإحصائيات أن نسبة تتجاوز 75% من الشركات الناشئة تواجه الفشل بعد عام من نشأتها، وأن التحول من مرحلة startup إلى scale-up ربما يكون أكثر صعوبة من الانطلاقة الأولى نفسها. بل إن واتساب نفسه قد عانى في البداية حتى استطاع أن يصل إلى هذه المكانة، والتي شارك في جزء منها قيام شركة أبل بتوفير خاصية جديدة هي push notifications، والتي أضافت قيمة جديدة لواتساب. ساماثا راني استطاعت أن تعي هذا الدرس جيدا، لذلك قامت مؤخرا بتأسيس شركتها «The dynamo doer»، التي من أهم أهدافها تدريب الشباب وتشجعيهم على ريادة الأعمال وتوفير الدعم والنصح الكاملين لهم حتى لا تتكرر مأساتها مع تطبيقها الذي ربما كان الآن جزءا من فيسبوك.
هل يمكننا التغاضي عن الجانب المالي في ريادة الأعمال؟ الإجابة بالتأكيد هي لا. فالتمويل كما تقول كل الأبحاث الأكاديمية هو أحد أهم عوامل نجاح الشركات الناشئة؛ بل إن نوع التمويل نفسه قد يكون سببا في نجاح أو فشل الشركة بناء على خصائص الشركة ونشاطها وغيرها من العوامل. يبدو هذا السبب حاضرا أيضا في قصة ساماثا التي لم تتحدث عن وجود أي ممول أو مستثمر لفكرتها، بينما استطاع جان كوم أن يوفر تمويلًا مبدئيًا من مدخراته، قيمته 400 ألف دولار «Seed Fund»، واستطاع أن يجذب لاحقا، ورفيقه، استثمارات وصلت إلى أكثر من مليار دولار قبل أن يقوم «مارك زوكربرج» بالاستحواذ على الشركة.
بالتأكيد هناك العديد من الأسباب والعوامل الأخرى التي تدعم نجاح الشركات الناشئة وتوفر بيئة مناسبة لريادة الأعمال. عوامل متعددة لخصها مقال نشرته هارفارد في شهر مايو الماضي، في العمر والدراسة والخبرة العملية والموقع الجغرافي، لذلك يتوقف نجاح أي مشروع ناشئ على خليط من هذه العوامل؛ خليط لم يتوفر لساماثا، وربما لم تسع هي لتوفيره، بينما سعى جان كوم برايان أكتون خلفه.