لماذا تمنع مصر الحقوقيين من السفر للخارج
حالات توقيف للحقوقيين انهمرت كالمطر في الآونة الأخيرة، كانت آخر ضحاياها، ماجدة عدلي، مديرة مركز النديم الحقوقي لتأهيل ضحايا العنف، والتي مُنعت من السفر قبل صعودها للطائرة، وقبلها عزة سليمان، مديرة مركز قضايا المرأة، في فترة زمنية لم تتجاوز الأربعة عشر يوما، ما دعا الدكتور محمد البرداعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، للتغريد على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتوتير، محذرًا من تحول الوطن إلى سجن كبير، ليطرح السؤال نفسه: لماذا تمنع مصر الحقوقيين من السفر للخارج، وهل يعتقد النظام المصري أن توقيفهم ومنعهم من السفر في صالحه؟
https://www.facebook.com/Elbarad3i/posts/10154166448433367:0
مالك عدلي، المحامي الحقوقي الذي خرج مؤخرًا من السجن بعد حبسه ما يقرب من أربعة أشهر على ذمة اتهامه بالتحريض على قلب نظام الحكم في مصر، لقيادته احتجاجات رفض تسليم جزيرتي تيران وصنافير، للملكة العربية السعودية، كتب تدوينة على «فيسبوك» طالب فيها النظام بتركه يخرج بعيدًا عن مصر، على ألا يعود لها مرة ثانية، ثم قام بحذفها بناء على ضغوط من محبيه، ثم كتب أخرى موضحًا موقفه والأسباب التي دعته لذلك.
https://www.facebook.com/malek.adly.39/posts/197686740686576
مالك عدلي: أشباح تطاردني وهي سبب منعي من السفر
وقال عدلي في حديث خاص لـ«إضاءات» أنه تم منعه من السفر دون سبب واضح، واعتبر أن التعسف مع الحقوقيين بهذه الطريقة والتضييق عليهم يعكس حالة خوف النظام العارم منهم، لا سيما أن السلطات تعرف جيدا أنهم لا يخافون ولا يهابون البطش والتنكيل مضيفًا: «نحن مع حقوق الإنسان في كل وقت، ومهما كانت أزمات الدولة الحالية، ليس هناك مبررا لانتهاك الإنسانية والحريات».
واعتبر المحامي الحقوقي، أن الدولة تعني – في نظرهم- شيء مختلف تمامًا عما يظنه النظام الحاكم في مصر، فهي حقوق المواطن ومواجهة تسييس القضاء، ورفض التسلط الأمني في تصفية المعارضين، موضحًا أن الذين ساندوا النظام أنفسهم بدأوا في التململ منه، في إشارة إلى استقالة أكمل قرطام من البرلمان ثم عودته بضغوط، وعمليات التهميش والمحاصرة التي تداهم محمد أنور السادات الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان، فضلًا عن تحول حازم عبد العظيم القيادي بحملة الرئيس السيسي للانتخابات الرئاسية إلى صفوف المعارضة.
وأضاف عدلي: «هكمل شغلي، وسأدين الانتهاكات مهما كان الثمن»، وأوضح أن النظام يحاربه من خلال ثلاث جبهات، تهديد مصادر دخله، سواء المحاماة أو العمل الحقوقي، ووضع السيف على رقبته طوال الوقت سواء بتجميد أرصدته في البنوك، أو تشويهه عبر اللجان الإلكترونية، أو الصحف التي تأتمر بأمره، مستشهدًا بما حدث مؤخرًا مع الإعلامي باسم يوسف.
وعن قانونية منعه من السفر، والجهة التي قامت بذلك، قال أنه لا يوجد سبب قانوني يمنعه من السفر، ولا جهة محددة تختصمه، مردفًا: «أشباح تطاردني وهي سبب منعي من المغادرة، عبر خطاب مجهول من قاضٍ مجهول».
وأكد عدلي، أنه أصبح على قناعة أن الرد قضائيا على الانتهاكات بحقه، لن يجدي شيئا، موضحًا أن هناك من يدفعهم للكفر بالقانون، خصوصا وأن الحقوقيين أهم ضحايا نظام السيسي، والذي يهمه أن تبقى معارضته ومنتقدوه إخوانًا وإسلامًا سياسيًا فقط، ولذلك يسمح لهم بمغادرة البلاد بمنتهي الأريحية، بينما يقمع من هم ليسو معارضين بالمعنى التقليدي، ولم يطرحوا أنفسهم يومًا بديلًا للنظام الحاكم.
وشدد عدلي على أن العالم كله على اقتناع تام، أن المجتمع المدني بات شريكا للمؤسسات الحاكمة، ودائما ما يعتبرون أفراده خبراء يجب أن يحتكموا إليهم، لمعرفة أحقية الدول فيما تحتاجه من معونات بناء على تلك التقارير التي تكتب عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية دون تزييف، فضلا عن وصفهم الدقيق للحالة الحقوقية ومستوى الأوضاع الراهنة لحقوق الإنسان.
وتابع: حتى نوافق على إعطاء تزكيتنا للنظام المصري عند المؤسسات الدولية المانحة، لا بد وأن نشترط عليه أولًا التعهد بإصلاحات حقيقية عبر خطط واضحة، فضلا عن الالتزام التام بحقوق الإنسان، وبإجراءات ممنهجة ومدد زمنية محددة، ما يجعل السلطات تطاردنا وتمنعنا من السفر للخارج.
وعن تحريض المؤسسات الحقوقية على النظام والدولة المصرية في الخارج، مثلما تشن عليهم الحملات شبه يوميا في الصحف المصرية، يرد عدلي بشكل قاطع: «لا يوجد شيء اسمه تحريض في العمل الحقوقي، وإن كان النظام يعتبر دفاعنا عن حق المصريين في حياة كريمة ومعاملة إنسانية سُبةً وإساءةً وذنبًا لا يغتفر سواء في الداخل أو الخارج، فنقول له بمنتهى الوضوح، تحريض الناس على المطالبة بحقوقها ليس جريمة».
الانتقام، وسيلة النظام لـ«تركيع الحقوقيين»
أما جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لحقوق الإنسان، والممنوع من السفر منذ فبراير الماضي، أكد هو الآخر في حديثه لـ«إضاءات» أن لجوء النظام المصري لحبس الحقوقيين، يهدف لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: «الانتقام منهم وحبسهم داخل مصر كعقاب لهم».
وأوضح عيد، أن النظام يسعي لتفويت الفرصة عليهم، ومنعهم من الحديث مع الدول الأجنبية التي تطلب رأيهم عن الأحداث الداخلية والمستويات التي وصلت إليها الدولة في الشفافية، كاشفًا عن أن الحقوقيين وغيرهم من المناصرين لقضايا حقوق الإنسان، يتم استخدامهم في التفاوض على حريتهم والإفراج عنهم حال السعي للحصول على قروض أو منح أجنبية.
وأكد في حديثه أن منع الحقوقيين يسبب حالة من الصداع للنظام في مصر، ولكنه أقل الخسائر بالنسبة له، لأنه يعرف جيدًا أن سفرهم للخارج معناه فضح السياسيات القمعية تجاه المعارضين والنشطاء، حسب تعبيره .
فيما وصف جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة، توقيف الحقوقيين بالسخافة وعدم اللياقة، وقال في حديث لـ«إضاءات» أن الحقوقيين المصريين وفي القلب منهم المجلس القومي لحقوق الإنسان، كانوا يأملون في قانون الجمعيات الأهلية الأخير والذي وافق عليه البرلمان وينتظر حاليا موافقة مجلس الدولة، إلا أنه أطاح بالعمل الأهلي من الحياة العامة المصرية، حسب وصفه.
وأكد إسحاق أن المناخ السياسي مسمم وغير طبيعي، وكل الإجراءات التي تتخذ تصب في خانة الاحتقان أكتر وأكثر، مشيرًا إلى أن الحكم الأخير بحبس نقيب الصحفيين عامين، هو أقصى عقوبة في تهمة إيواء المطلوبين أمنيًا، إذا ما افترضنا صحة التهمة والإجراءات.
واعتبر إسحاق، أن التوقيف بحق الحقوقيين غير قانوني، بداية من عدم إخبارهم بالقرار، إلى إهانتهم بالمطار أمام العامة، موضحًا أن الاتهامات بالعمالة لمنظومة تضم ما يقرب من 40 ألف جمعية حقوقية وعمل أهلي، تحت زعم أن هناك منهم من يعمل ضد الدولة، أحكام مطلقة لا تجوز والأصل أن يتم محاسبة المخطئ قانونًا، إذا ما ثبتت في حقه أي اتهامات.
وأرجع إسحاق حالة الاتهامات وتصعيد نظرية المؤامرة تجاه العمل الحقوقي في مصر إلى ما وصفها بالفضائيات الفاشلة، وغير المتخصصة، التي ترمي الاتهامات دون دليل عبر أحاديث مرسلة، مستغلين في ذلك الحالة المضطربة للشعب المصري، المؤهل حاليًا من جراء التخبط الذي حدث خلال السنوات الماضية، لتصديق مثل هذه الأقاويل الكاذبة .
وكان عدد من الحقوقيين عبروا عن ما يحدث لهم من تضييق على الفيسبوك، وأغلبهم اكتفى بذلك ولم يُدلِ بتصريحات مستفيضة لوسائل الإعلام، لحساسية النقد في ظل التظاهرات التي دعت لها جماعة الإخوان في 11/ 11 الماضي، فيما عرف بـ«ثورة الغلابة»، والتصعيد الذي انتهجته الجماعة بعدها، ما يعني بحسب قول أحدهم لـ «إضاءات» أن تصريحاتهم ضد النظام سيتم تحريفها من قبل الإعلام المعارض للعمل الحقوقي، ليضعهم في سلة واحدة مع الإخوان.
من ناحية أخرى، اكتفى نجاد البرعي، المحامي الحقوقي ومدير المجموعة المتحدة لحقوق الإنسان، بإعلان اعتزاله العمل الحقوقي، ويبدو أن الضغوط التي مورست عليه إثر تقدمه العام الماضي، بقانون لمناهضة التعذيب، مرورًا بندب قاضٍ للتحقيق مع قضاة المجموعة المتحدة، والذين أشرفوا على مشروع القانون، ثم منعه من السفر بعد ذلك، جعله يغلق هاتفه بشكل دائم، ويعلن ابتعاده نهائيا عن العمل الحقوقي عبر صفحته على «فيسبوك».
https://www.facebook.com/negad.elborai/posts/10153946856011603
فيما أكدت عزة سليمان، مديرة مركز قضايا المرأة المصرية عبر فيسبوك أيضا، منعها من السفر، وأوضحت أن سلطات مطار القاهرة، أرجعت منعها لاحتمالية صدور حكم قضائي ضدها.