لماذا يتوقف عقلنا فجأة خلال الامتحان؟
دقت الساعة العاشرة صباحًا، لقد تأخرت على امتحاني، كيف سألحق به؟ لقد نسيت كل ما ذاكرته، حمدًا لله فقد كنت أحلم فحسب، وما زالت أحلام الامتحانات تراودني، خاصة الثانوية العامة التي كانت بمثابة الرعب الحقيقي والقلق للجميع، ولست وحدي من عاصرها، فتوتر الامتحانات سيحدث لا محالة لكل طالب، ولكن المشكلة الحقيقة عندما تذاكر جيدًا ثم تجد أن كل مجهودك قد ذهب سدى؛ لأن عقلك توقف فجأة خلال الامتحان!
آلية عمل المخ عند التعلم
يجب التعرف أولًا إلى أهم ثلاث مناطق في المخ تعمل خلال التعلم والامتحان؛ كي تتمكن من معرفة سبب توقف العقل في الامتحان، وهي كما يلي:
- منطقة الحصين: تلعب دورًا مهمًّا في التعلم وتذكر المعلومات والحقائق، وتعد بمثابة باب الذاكرة، ومن الضروري أن تمر المعلومات من وإلى المخ من خلالها.
- تحت المهاد: تعد حلقة الوصل بين المشاعر والإحساس الجسدي، ومسئولة عن نوع وكمية الهرمونات المفرزة في الجسم؛ لأنها متحكمة في جهاز الغدد الصماء.
- القشرة الجبهية: تقع خلف العينين، وهي منطقة الهدوء والتفكير المنطقي العاقل، فلها دور في الذكريات واسترجاع المعلومات التي ذاكرتها سابقًا، ولا يقتصر دورها على ذلك فحسب، فهي تختار بين القرارات المختلفة وتتخذ الأنسب.
عندما تذاكر موادك الدراسية تكون في حالة من الهدوء والاسترخاء الذي يجعل الممر بين منطقة الحصين والقشرة الجبهية متصلًا للتعلم وتذكر المعلومات، وتقلل منطقة تحت المهاد إنتاج هرمونات التوتر.
أسباب الانغلاق العقلي في أثناء الامتحان
قد تتساءل لماذا توقف عقلي خلال الامتحان ولم تستطع تذكر المعلومات على الرغم من أنك ذاكرت جيدًا، والأغرب أنك تتذكر المعلومات التي تعذر عليك تذكرها بعد انتهاء الامتحان، أو ربما في اليوم التالي، فلماذا انغلق عقلك؟
تكمن الإجابة في هرمونات التوتر والقلق التي أفرزها عقلك خلال الامتحان وعطلت التواصل بين منطقة الحصين والقشرة الجبهية.
أتتذكر عندما كنت تتعلم في هدوء تام والتواصل بين منطقتي القشرة الجبهية والحصين متصل بلا إزعاج؟ لقد تغير الأمر الآن وأصبح العقل في حالة طارئة من التفكير غير المنطقي وتقوده العاطفة.
قد ترى الامتحان تهديدًا واضحًا، وعندها تبدأ هرمونات التوتر والضغط النفسي بالظهور، وهما هرمونا الكورتيزول والنورإبينفرين، من خلال عمل تحت المهاد.
يدخل هرمون النورإبينفرين إلى القشرة الجبهية ويعطل التواصل العصبي، وبالتالي تُمحى ذاكرتك، وتجد أن كل ما تعلمته قد اختفى.
يعمل هرمون الكورتيزول أيضًا على منطقة الحصين ويعطل تنشيطها، ويصعب عندها استرجاع الذكريات، وعندما يتكرر الأمر وترتفع معدلات الكورتيزول كثيرًا فقد تتدمر الخلايا وتتشوه الذكريات الجديدة ويصعب تخزينها.
أعراض توتر الامتحانات
يحدث توتر الامتحانات لنسبة لا بأس بها من الطلبة وتصل أحيانًا لحالات من التوتر الحاد ونوبات قوية مثل نوبات الهلع، والتي تنشأ بسبب مزيج من العوامل مثل:
- الخوف من الفشل.
- أفكار خاطئة عن الامتحانات.
- التوقعات العالية من العائلة.
- الإصابة بالفعل باضطراب التوتر.
- كونك شخصًا ساعيًا للكمال.
- ذكرى سابقة للفشل.
تنقسم الأعراض التي تظهر على الطالب إلى أعراض جسدية واضحة يمكنك ملاحظتها وأعراض أخرى عاطفية، وإليك بعض الأعراض الجسدية التي قد تظهر عند التوتر خلال الامتحان، ومنها ما يلي:
- كثرة التعرق.
- ألم البطن.
- تسارع ضربات القلب.
- الإحساس بالدوخة والإغماء.
- صداع.
- قيء وغثيان وإسهال.
- ضيق التنفس.
أما عن الأعراض النفسية والعاطفية فهي مثل:
- الخوف.
- فقدان الأمل.
- الضغط النفسي.
- الشك بالذات وقدرتها على خوض الامتحان.
- الغضب.
- الإحساس بالضعف وعدم القدرة على تأدية الامتحان.
كيفية التخلص من قلق الامتحانات
يجب علاج رهاب الامتحانات قبل البدء بها، فالمحارب البارع يتعرف إلى ما هو مقدم عليه قبل بدء المعركة، وكذلك الامتحان، فحاول أن تحل مشكلتك معه قبل البدء فيه.
1- حدِّد المشكلة!
قد تخشى الامتحان لأنك لم تذاكر جيدًا، لذلك لا تتراخَ وابدأ بالمذاكرة، واعرف الطريقة الأنسب التي تثمر عن أفضل النتائج، فهناك أشخاص تتعلم أسرع بالصور والفيديوهات، وهناك من يحب استخدام حاسة السمع، وأيضًا الأشخاص الحركية تستمتع بالمذاكرة في أثناء المشي.
هل تخاف من الامتحان لأنك تراه مهمًّا للغاية وسيضيع مستقبلك هباءً إذا لم تنجح فيه؟
سأخبرك بالحقيقة، كل ذلك ادعاء، ولا يحدد الامتحان مستقبلك، ولن يكون المقياس على مدى ذكائك وبراعتك، فالمستقبل بيد الله، وما تراه الخير قد يكمن فيه الشر، وما دمت تجتهد وتفعل ما يملي عليك ضميرُك فلا تخشَ من شيء.
ماذا عن المجتمع المحيط؟ هل يتوقعون منك ما يجعلك محبطًا وتخشى أن تخيب آمالهم؟ هل ترى أن الامتحان صعب ومستحيل أن تنجح فيه؟
دع كل ذلك جانبًا، وحدد ما تسعى إليه وأغلق الأصوات الخارجية المحبطة أو التي تجعلك تخاف أكثر من الامتحان، ولا تتوقع ما هو مرعب، وكل ما عليك فعله هو الاجتهاد حاليًّا فقط.
2- ذاكِر جيدًا!
يتوتر العديد من الطلبة من الامتحان لأنهم أخفقوا طوال السنة في المذاكرة ولم يعيروها أي اهتمام، ولكن مع المذاكرة الجيدة تزداد ثقتك في نفسك، وبالتالي يقل توترك.
حاول دائمًا المذاكرة والإعداد الجيد للامتحان، ولم يفُت الأوان بعد يمكنك البدء من الآن.
3- تحكَّم في أفكارك!
ستقودك أفكارك إلى أفعال قد تندم عليها لاحقًا، فالتوتر يأتي من أفكارك السلبية عن ذاتك، فلا تقل لنفسك إنك فاشل أو لن تنجح أو لم أذاكر جيدًا، وحتما سينتهي بي المطاف بالسقوط، ولكن تذكر نجاحاتك السابقة وقل لنفسك:
- أستطيع النجاح.
- لقد ذاكرت جيدًا وفعلت ما بوسعي.
- أعلم المادة الدراسية جيدًا ويكفيني أنني حاولت.
4- اهتم بصحتك!
تناول غذاءً صحيًّا ونم جيدًا لتنظيم عمل الأنظمة الحيوية داخل جسدك دائمًا، وحاول تناول إفطار صحي غني بالبروتين في يوم الامتحان صباحًا.
نم جيدًا ليلة الامتحان، فلا داعي للسهر وتعذيب جسدك، فلن يعمل جيدًا كما تتوقع.
5- لا تسعَ للكمال!
أعلم أنه من الصعب على شخص يسعى إلى الكمال أن يتوقف عنه فجأة! ولكن كل شيء ممكن بالمحاولة، حتى إن كانت بسيطة وبخطوات بطيئة.
حاول أن تقرأ الدرس سريعًا، وقل لنفسك سأهتم بالنقاط المهمة فقط وأذاكرها ولن أكترث للنقاط الصغيرة وسأعود مرة أخرى لمذاكرتها، هكذا تخدع عقلك تدريجيًّا بأنك لن تنجز العمل كله بدقة متناهية، بل لا مانع من إهمال جزء غير مهم، وسنعود مرة أخرى إليه (ولكن احرص على العودة).
تذكر دائمًا أننا بشر نصيب ونخطئ كثيرًا، فلا تعذب نفسك عند الخطأ، ولا تتوقع أنك حصين لن تخطئ قط.
6- تدرب على الامتحان!
يسهم حل الامتحانات السابقة في استيعابك للمادة العلمية بصورة أفضل، ولكن الهدف هنا ليس للفائدة العلمية، وإنما للتدريب النفسي على الامتحانات.
حاول أن تكون البيئة المحيطة بك مشابهة لبيئة الامتحان عند حل النماذج لمحاكاة الوضع الذي ينبع منه كل القلق والتوتر، وبالتالي تتحكم في ذاتك ويقل توترك في الامتحان الحقيقي.
7- الجأ إلى الطبيب النفسي!
لا تخجل من توترك، خاصة إذا كان عائقًا لنجاحك وفشلت بشتى الطرق لحل هذه الأزمة وانتهى بك المطاف إلى نوبات الهلع الشديدة.
يجب هنا اللجوء لفرد مختص في علاج حالات التوتر الشديدة من الامتحان.
يساعدك الطبيب كثيرًا من خلال إيجاد طرق للتعايش مع القلق، بالإضافة إلى حل الأزمات المتعلقة بقلة الثقة في النفس وانعدام تقدير الذات والشك في قدراتك.
إزالة توتر الامتحانات
الحلول السابقة مناسبة قبل خوض المعركة، لكن ماذا عن الامتحان نفسه وأنت في قمة توترك التي تجعلك تنسى، ويرتفع هرمونا الكورتيزول والنورإبينفرين لدرجة تجعلك تنسى اسمك وعمرك، فهنا عليك اتباع بعض النصائح، مثل:
1- اذهب إلى الامتحان مبكرًا!
لا تذهب في وقت الامتحان بالضبط أو قبل الموعد بساعة، وإنما أعط نفسك مساحة من الوقت تتجول فيها في الأرجاء وتهدأ قليلًا وتتنفس بعمق كي تتهيأ للامتحان.
لا تتعامل مع زملائك قبل الامتحان؛ لأن توترهم سيزيد من قلقك أكثر، وقد تضيع كل محاولاتك.
2- تنفس بعمق!
لا تستهين بالتنفس العميق، فقد أجريت دراسة لمعرفة تأثير التنفس العميق على التوتر والانغلاق العقلي وأداء الطلبة خلال الامتحان.
طلبوا من الطلبة التنفس بعمق خلال حل بعض المسائل الرياضية البسيطة، ومرة أخرى طلبوا منهم أن يلهثوا في أثناء حل الأسئلة.
أثمرت نتائج الدراسة عن قوة التنفس العميق في تقليل التوتر، وسهولة حل المسائل، أما في حالة التنفس السريع فقد عانى الطلبة خلال تأدية الامتحان، في حين كانت المسائل سهلة، وأصيبوا بالتوتر والانغلاق العقلي.
أثبتت هذه الدراسة أن التنفس قد يجعلك تتوتر أو يجعلك تنجو بسهولة ولا يتوقف عقلك، وحاول أيضًا إيقاف أي أفكار سلبية قد تمر بعقلك وقت الامتحان.
3- اقرأ السؤال جيدًا!
لا تتسرع بالإجابة وحاول قراءة السؤال أكثر من مرة، واستوعب ما يتطلبه السؤال، مع الهدوء الداخلي والتنفس العميق ستكتسب ثقة أكبر في نفسك وتُقدم على حل الأسئلة.
حاول التركيز على سؤال واحد فقط، ولا تشتت نفسك بأسئلة أخرى، وبعد الانتهاء ابدأ بسؤال آخر، فهذا سيجنبك التوتر من الأسئلة الأخرى ويقلل خطأك في السؤال الحالي.
4- ابتعد عن المشتتات!
إذا كان من الممكن أن تختار مقعدك في لجنة الامتحان فحاول اختيار الأماكن البعيدة عن المشتات لتركيز أعلى، واختر المكان الهادئ أو في مواجهة الحائط، ويمكنك وضع سدادة الأذن كي لا تستمع إلى الأصوات المشتتة.
ماذا لو توقف عقلي وتوترت؟
يجب عندها اتباع تعليمات التحكم بالتوتر، وهي كما يلي:
- أغلق عينيك.
- ابدأ بالتنفس العميق مع العد لرقم سبعة، ثم أخرج الزفير مع العد لسبعة.
- كرر التنفس العميق إلى أن تصل للهدوء والاسترخاء (قد تحتاج من مرتين إلى أربع مرات).
- افتح عينيك وأعط نفسك جملًا تحفيزية بأنك ذاكرت وفعلت ما بوسعك وتستطيع إكمال الامتحان.
لا تقلق من الوقت، فهذه الإجراءات لن تأخذ منك وقتًا طويلًا، فقط عدة دقائق ستفي بالغرض وتوفر عليك عناء الانغلاق العقلي، وعدم الشكوى من أن عقلك لا يُصاب بالشلل إلا أمام ورقة الأسئلة.