لماذا لا تحقق «جماعة الإخوان» أهدافها؟
عندما أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928، حدد هدفين أساسيين لها، يمثلان غاية الإخوان المسلمين؛ في «رسالة بين الأمس واليوم»، حيث قال مخاطبًا جموع الإخوان:
وفق خطة البنا، يتحقق هذان الهدفان عندما تتحرر كل الدول الإسلامية من الاستعمار، وبعد ذلك يحكم هذه الدول حكومات إسلامية تطبق الإسلام، ثم تذوب الفوارق بين تلك الدول لتصبح وطنًا واحدًا «الخلافة»، ثم تقوم هذه الدولة الكبيرة بتبليغ أحكام الإسلام للناس كافة وتصل دعوتها للعالمين «أستاذية العالم».
وضع علماء الإدارة شروطًا ومواصفات للهدف الجيد، من ضمن شروطه أن يكون قابلًا للتحقيق، فهل الأهداف التي وضعها البنا قابلة للتحقيق؟
الهدف الأول يعد تمهيدًا للثاني، وهو الهدف الرئيسي والأكبر؛ ففيما يتعلق بالهدف الأول، فإنه وإن كانت قد تحررت غالبية الدول الإسلامية، فما زالت فلسطين مثلًا محتلة من الحكم المباشر لقوى الاستعمار، إلا أنها لم تتحرر بعد من تبعية تلك القوى فكريًا وثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا؛ فيما يخص مشروع البنا لم يكن مسيطرًا على تفكيره ذلك التراجع الحضاري الذي كانت تحياه الأمة بقدر ما كانت مسألة الحكم واستعادة الخلافة هي المحرك الرئيسي والدفاع له لتكوين جماعة تعمل على ذلك.
أما فيما يتعلق بالهدف الثاني، الذي يمثل مشروع البنا، وهو إقامة دولة إسلامية؛ فإن ذلك الهدف يتصف بصفات ثلاث تجعله غير قابل للتحقيق.
مشروع صدامي
مشروع البنا يتمثل في إقامة دولة عالمية إمبراطورية عابرة للحدود، لا تعترف بأي حكومات غير إسلامية وترى ضرورة انتزاع الحكم منها ولو بالقوة إذا لزم الأمر، لا تعترف باتفاقيات ولا سياسات دولية، تسعى للسيطرة على كامل الوطن الإسلامي واسترداد «المستعمرات الإسلامية»، لا تعترف بالمواطنة، ترفض الأحزاب، ترى نفسها تمثل الحق المطلق الذي لا جدال فيه!
كل ما سبق ليس قائمًا على ظن أو احتمال، ولكنه كلام البنا نفسه، ولنستعرض معًا بعضًا منه لنرى كيف قرر أن يصطدم ويحارب في عدة جبهات في ذات الوقت، مما يجعل مشروعه غير قابل للتحقيق.. كيف ذلك؟
مع الأنظمة الحاكمة
يقول البنا في «رسالة إلى الشباب»: «ونحن لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام». ويوضح مواصفات الحكومة الإسلامية فيقول في «رسالة التعاليم»: «والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام».
ويرى البنا أن واجبًا على الإخوان انتزاع الحكم ممن لا تتوافر فيهم هذه الصفات، فيقول في «رسالة المؤتمر الخامس»: «فالحكم من مناهجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله».
أما عن الوسائل، فيرى احتمالية استخدام القوة إذا لزم الأمر، فيقول في ذات الرسالة: «إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها».
ويقول أيضًا:
تُرى لو كان الإخوان أنفسهم من يمسكون بزمام الحكم في دولة ما، وكان هناك تنظيم له نفس الأفكار ونفس الخطاب، ماذا كان سيفعل الإخوان حينئذ؟!
مع القوى الدولية
يقول البنا في «رسالة إلى الشباب»: «ونحن لا نعترف بهذه التقسيمات الدولية، ولا نسلم بهذه الاتفاقيات الدولية، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة»، ونحن بالطبع لا نغفل دوافع النظام الدولي ورغبته في إضعاف الأمة الإسلامية، ولكن نقول حين يصدر هذا الكلام من مُنظر وقائد لتنظيم له خطة عالمية، كيف سيواجهه إذن ذلك النظام؟!
بل ذهب البنا أبعد من ذلك حين قرر أن من حقه استعادة ما أسماه «المستعمرات الإسلامية»، فقال في «رسالة إلى الشباب»: «ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينًا من الدهر… فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام، ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر والأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل، ولئن كان السنيور موسوليني يرى من حقه أن يعيد الإمبراطورية الرومانية… فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية».
مع الأقباط
لا يرى البنا أن العلاقة مع الأقباط تقوم على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، ولكن يرى أنهم أقل درجة، فيقول في «رسالة التعاليم»: «ولا بأس بأن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة»، بل يصل الأمر لمقاطعتهم اقتصاديًا، فيقول في ذات الرسالة: «إن إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون لبنة قوية في البناء.. أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي».
مع التيارات السياسية
يرى البنا عدم جدوى الأحزاب السياسية، وأنها من أسباب التفرق ولا يقرها الإسلام، فيقول في «رسالة إلى الطلاب»:
مع المختلفين مع نظريته عمومًا
يعتبر البنا نظريته ومنهجه هو الإسلام بعينه وهي المعبرة عن المفهوم الصحيح للإسلام، ولذلك لم يعط أحدًا الفرصة في نقدها وعدم الاقتناع بها ولا الأحقية في الوصول إلى فهم آخر، فيقول في «رسالة إلى الشباب»: «ليقل القاصرون الجبناء إن هذا خيال عريق ووهم استولى على نفوس هؤلاء الناس، وذلك هو الضعف الذي لا نعرفه ولا يعرفه الإسلام… وإنما نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له في الإسلام، فليبحث له عن فكرة أخرى يدين بها ويعمل لها».
فهل بعد كل هذه القناعات وهذا الخطاب يُنتظر أن يقبل الجميع تنظيما كهذا!
مشروع غير واقعي
فكرة الخلافة وإقامة دولة إمبراطورية عالمية بالشكل الذي تحدث عنه البنا، غير واقعية، وذلك من عدة زوايا:
-السياسة كما قال غالبية العلماء من أمور العادات وليس العبادات؛ ففي حين أن الثانية تحكمها أحكام قطعية ولا يجوز الاجتهاد فيها، فإن الثانية تحكمها مبادئ عامة ومقاصد يجب مراعاتها، أما التفاصيل فتخضع للاجتهاد البشري.
-لا يوجد شكل معين ولا نظام للحكم في الإسلام، ولكن توجد مقاصد أيًا كان شكل الحكم.
-نموذج الخلافة الراشدي كان اجتهادًا لعصره ولسنا ملزمين به، وهو لم يستمر إلا ثلاثين عامًا، ثم حدث بعد ذلك نزاع على السلطة، وأحيانًا كان يوجد أكثر من خليفة وأكثر من دولة في ذات الوقت.
-الواقع الذي نحياه أشد تعقيدًا بشكل يصعب معه استعادة هذه الصورة للحكم.
– الإخوان أنفسهم فشلوا في تطبيق هذا النموذج داخل الإطار التنظيمي للتنظيم الدولي الذي لا يترك إدارة شئون وسياسات الإخوان في كل قطر لأصحابه ولا يستطيع إصدار قرار ملزم لأي فرع للإخوان فيما يخص شئونه المحلية.
مشروع غير محدد الرسائل
حدد البنا أهدافه بوضوح، غير أنه لم يحدد الوسائل التي تساعده على بلوغ مراده بذات الدقة والوضوح، فأسرف في العموميات والخطاب الديني العاطفي متجاوزًا إشكاليات الواقع التي ربما تعيقه عن تحقيق أهدافه، ولا ندري ما سبب ذلك.
هل بسبب إدراكه لصعوبة الأهداف التي وضعها، فلم يصل بعد لوسائل محددة لتحقيقها؟ أم أن الخطة ظلت في ذهنه فقط ولما مات فجأة ترك أتباعه في منتصف الطريق وقد ملأ قلوبهم وعقولهم بتلك الأهداف فلم يستطيعوا تجاوزها ولا تحقيقها في نفس الوقت؟ أم أنه كان لديه يقين في النصر معتمدًا فقط على نبل غايته من وجهة نظره؟
كل هذه الأسباب تؤكد أن مشروع البنا، الذي يؤمن به ويسير عليه الإخوان المسلمون، وُلد ميتا، حيث إن أسباب إخفاقه قد وُلدت معه، وعلى الإخوان إن أرادوا البقاء أن يقوموا بعمل مراجعات حقيقية لا تقف عند حدود تقييم الأداء والمواقف السياسية فقط، بل تصل إلى عمق الأفكار المؤسسة والحاكمة، وأن تنزع هالة القداسة عن الأفكار والأشخاص؛ وإلا فإنها سوف تظل تدور في حلقة مفرغة من الصدام والمِحن دون تحقيق أهداف، لتظل تشقى ويشقى معها الكثيرون.