كتب على الرصيف: لماذا يقرأ المصريون الكتب «المضروبة»؟
يستغرق الأمر منك عشر دقائق في أي سوق قريب من بيتك لتعرف كم أننا «فقرا أوي»، تضاعفت أسعار كل شيء بدءاً من الخضراوات مروراً بالنسكافيه والقهوة وصولاً للدجاج. وفي وطن لا يجد أبناؤه الأرز والسكر، لا يمكننا أن نتحدث بضمير مستريح عن الكتب والثقافة، حيث إنه «يعمل إيه التعليم – والثقافة بالتبعية – في وطن ضايع» ولكن لأننا دائماً ما نجد طريقاً للحياة، فنحن نتحدث كثيراً عن الكتب والثقافة والأدب والفن، ربما هذه من الأشياء القليلة التي ما زالت تجد لها طريقاً لتتواجد رغم أنف كل شيء.
في السنوات القليلة الماضية أصبح هناك سوق ضخم لبيع الكتب المزورة. دور نشر وكتاب كبار ومبتدئون شباب يجاهدون ليطبعوا كتاباً ما، وما أن يجد الكتاب رواجاً في السوق حتى تجده منتشراً عند باعة الرصيف بأسعار مختلفة عن سعره الأصلي وأقل بكثير، في معرض الكتاب مثلاً هناك باعة متخصصون في بيع الكتب المزورة في «سور الأزبكية»، الكثير من كلاسيكيات الأدب العربي والمترجم تباع بنصف ثمنها أو أقل، كتب جديدة ربما صدرت في نفس توقيت المعرض تجدها موجودة لديهم بعد يوم أو اثنين من صدورها، الجديد في الأمر أن الكتب المزورة خاصة للكتاب الشباب أصبحت تباع بأسعار تقارب سعرها الأصلي، بل أحياناً تباع أغلى بفارق ضئيل من الجنيهات، الأجدد والأغرب على الإطلاق أن تجد جمهوراً يذهب ليشتري الكتاب المزور دون أن يكلف نفسه سؤالاً عن ثمنه الحقيقي عند الناشر الأصلي وربما يتكلف خمسة جنيهات إضافية عند شرائه للكتاب «المضروب».
حفل توقيع على الرصيف
«هند عبد الله» كاتبة شابة مشهورة على السوشيال ميديا، تكتب كتبًا ساخرة صدر لها مؤخراً كتاب بعنوان «بلا نيلة»، هند معروفة بين معجبيها باسم «نور مانجا» بل إنها تقوم بتوقيع كتبها بهذا الاسم، تتواصل مع قرائها على صفحتها على الفيس بوك يومياً، تهتم بمشكلاتهم وتساعدهم في حلها، خلقت مجتمعاً صغيراً محباً لها ولكتبها التي أصدرتها تحكي فيها حكايات واقعية بطريقة كوميدية جذابة.
في حديث «هند عبد الله» لإضاءات عن تأثير الكتب المزورة قالت إنها، ترى كتبها تباع على الرصيف بأسعار ربما تكون أكثر من سعر الكتاب الأصلي لأن المكتبات تقوم بعمل عروض وتخفيضات في حين أن بائعي الرصيف لا يقومون بذلك، وإن هذا بالطبع يؤثر على مبيعات الكتاب الأصلي ويتضرر منه الناشر في المقام الأول ثم الكاتب بالتبعية، ولكنها مقتنعة أن هذا الضرر الواقع عليهما لا يمكن تجنبه حيث إنه لا جهات رقابية تتحكم في الموضوع، وإن ناشرين أمثال «هاني عبد الله» مدير وصاحب دار «الرواق للنشر والتوزيع»، و«حسام حسين» صاحب ومدير دار «نون»، و«هيثم حسن»، و«هالة البشبيشي» القائمين على دار «تويا»، يقومون بالطبع والنشر للكتاب الشباب على نفقتهم الخاصة وينتظرون العائد من مبيعات الكتب ليستمروا في عملهم، ولكن الكتب المزورة تؤثر كثيراً على المبيعات وتضعف مساهمتهم في هذا المجال.
في نفس السياق حكت «هند» أنه أثناء تجولها في معرض الكتاب مرت بأحد بائعي الكتب المزورة ووجدت كتابها يباع بنفس سعره عند الناشر الأصلي، وأكد لها أن هناك من يسأل عن كتابها خصيصاً، بل وطلب منها أن «اقفي وقعي هنا ينوبك ثواب» وأنها بالفعل وقفت عشر دقائق أتى فيها قراء يبحثون عن كتابها ووقعت لهم والتقطت بعض الصور مع كتابها المضروب وقرائه.
تقول «هند» إنها كانت تجربة ممتعة بالنسبة لها، حيث إنه ما يهمها ككاتبة أن تصل كلماتها للقراء، وإن حرمانها من المقابل المادي في سبيل ذلك هو في وجهة نظرها ثمناً ضئيلاً أمام هدفها الأكبر.
الأعلى مبيعاً والكلاسيكيات والترجمات
بعيداً عن الكتاب الشباب وإصداراتهم، هناك بحر أوسع من الكتب المزورة يمكنك إيجادها بمنتهى السهولة، كل الكتب الأكثر مبيعاً في المكتبات، وإصدارات الكتاب ثقيلي الوزن، يمكنك إيجادها على الرصيف، كتب ليوسف زيدان ومجموعات نجيب محفوظ التي تصدرها دار الشروق، بل كتب إيزابيل الليندي وديستيوفكسي، الكثيرون تباع كتبهم بأسعار تدور في فلك الخمسة وعشرين جنيهًا، ربما أكثر أو أقل قليلاً ولكنها تظل رخيصة السعر خاصة أننا نتحدث عن كتب غالية الثمن إلى حد ما في إصداراتها الأصلية، فروايات «إيزابيل الليندي» على سبيل المثال يتجاوز سعرها المائتي جنيه في مكتبة «تنمية».
هناك مثلاً سلسلة «لعبة العروش» التي قام بترجمتها «هشام فهمي» ويباع الكتاب منها بأكثر من مائتي جنيه، تباع في نسختها المزيفة بأقل من نصف السعر بفارق ضخم، سلسلة «هاري بوتر» الكاملة، وكل الروايات التي تحولت لأفلام أجنبية في الأعوام القليلة الماضية، تباع ترجماتها في السوق المضروب بأسعار تناسب القراء الشباب الذين لا يملكون المال اللازم لشراء الكتاب الأصلي.
اللافت في الأمر أن القراء يسألون باستمرار عن موعد صدور الترجمات لسلاسلهم المفضلة كما يوضح «هشام فهمي» مترجم سلسلة «لعبة العروش»، وينتظرون صدورها بشغف، وما أن تصدر الترجمة الأصلية وتصل للأسواق حتى يعرض عنها القراء ويبدأون في شراء النسخ المزورة لأنها أرخص سعراً، بل الأدهى أن تتسرب نسخة مصورة على الإنترنت من الكتاب متاحة للتحميل المجاني، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في العام المنصرم حين صدرت أول كتب «فهمي» المترجمة لسلسلة «لعبة العروش»، وقد أثار تزويرها ثم إتاحتها للتحميل المجاني غضب مترجمها وناشرها حيث Yن هذا يضرب مبيعات الكتاب في مقتل.
ماذا عن الكتب الأجنبية؟
لا يمكننا أن نغفل المستوى الاقتصادي للبلاد في الحديث عن الكتب المزورة، فالمواطن الذي يعجز عن سد احتياجاته الأساسية في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب، لن ينفق أمواله على الكتب، خاصة أن الفئة التي تقرأ أصلاً غالباً ما تكون شباباً لا يملكون ما يعينهم على الحياة في الأساس.
في حديث إضاءات مع بعض القراء الذين يشترون الكتب الأجنبية المزورة، قالت إحداهن إنها تشتري الكتاب بحوالي ثلاثين جنيهاً في نسخته الإنجليزية المزورة، في حين أنها لو أرادت أن تشتري النسخة الأصلية سوف يكلفها الأمر أربعة أضعاف المبلغ، هذا إن وجدته في السوق من الأساس.
وقالت إن أسعار الكتب الإنجليزية المزورة في ازدياد مضطرد وكأن سعر الدولار يؤثر في النسخ المزورة كما يؤثر في النسخ الأصلية، وقد رفضت الفتاة يومها أن تشتري كتاب Fault in our stars عندما عرضه عليها البائع بستين جنيهاً، ورأت أنه سعر مبالغ فيه، مما يوضح أنها مهما كان المستوى الاجتماعي والثقافي عالياً، فالكتب ما زالت غالية الثمن على من يريدونها مهما كانت اهتماماتهم.
إذن ما الحل؟
في معرض الكتاب الفائت كان هناك كتاب للكاتب التركي «أورهان باموق» يباع في دار الشروق بثمانين جنيهاً، نفس الكتاب يباع في الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة الجوائز بخمسة وعشرين جنيهاً قبل الخصم، أيضاً يمكنك شراء نسخ قانونية ذات طبعة «شعبية» من كتابات كتاب ثقيلي الوزن مثل «إبراهيم عبد المجيد»، و«محمد المنسي قنديل»، وغيرهما من دار «الهلال» بأقل من ربع سعرها، هذا شيء قانوني تقوم به الحكومة للتخفيف من حدة أسعار الكتب على محبيها، ولكنك لا يمكنك أن تجد كل ما تريده هناك وهذا منطقي بالطبع.
لا يوجد حل نهائي للأزمة، ولكن ربما يمكن التوصل لاتفاقات وسطية بين دور النشر وبائعي الكتب في توفير نسخ بجودة أقل من الأصلية تباع بأسعار مخفضة، ولكن تحت نظر دار النشر الأصلية، وإحقاقاً للحق حتى لو حدث هذا ستظل الأزمة مشتعلة، فالسوق الذي لا يخضع لرقابة قانونية لا يمكنك التحكم فيه تحكمًا مطلقًا.
في النهاية المستفيد الوحيد من كل هذا هو القارئ، سواء أرضى هذا الكلام أصحاب دور النشر والمؤلفين أو لم يرضهم، هناك واقع يقول إن سوق الكتب المزورة سوق كبير وله جمهور أكبر، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.