لماذا نتشبث بالأشخاص المؤذية؟
كانت لي صديقة تحب التعامل مع الأشخاص المؤذية وتنتقيهم باحترافية عالية، وقد اختارت رفيق عمرها ليكون هو الآخر شخصًا مؤذيًا، والغريب في الأمر أنه كان يعاملها معاملة سيئة، وعلى الرغم من ذلك كانت تفضل البقاء معه والاستمرار في هذه العلاقة المدمرة لها نفسيًّا، وعندما تركها حزنت كثيرًا، وتمنت أن تعود لهذه العلاقة مرة أخرى، وقد عادت!
ما التفسير النفسي لهذه الحالة غير نادرة الوجود، بل المنتشرة بكثرة؟ ولا بد أن نجيب أيضًا عن سؤال مهم، وهو: لماذا نتشبث بالأشخاص المؤذية؟ وما هي الطريقة المثلى للتعامل معهم؟
أنواع الأشخاص المؤذية
العلاقة مع شخص مؤذٍ هي علاقة مستمرة في التدمير النفسي وغير صحية تمامًا، وستسبب لك الكثير من المتاعب؛ لذا عليك أن تتعرف إلى أنواع الأشخاص المؤذية الذين قد تقابلهم في حياتك؛ لتحدد طريقة التعامل المثلى معهم، ولتحمي نفسك من ضررهم، ومن أنواعهم ما يلي:
1. الشخصية النرجسية
ستجد أن الشخص النرجسي معتد دائمًا برأيه ولا يستمع لك مطلقًا ويقاطعك باستمرار، فهو يعشق التحدث عن نفسه، ويحب أن يستمع لنفسه فقط؛ لأنه معتقد أن لا مثيل له؛ لذلك لن يجعلك تتفوه بالكلام، ونادرًا ما يسألك عن أمر ما، وبعدها لن يجعلك تجيب عليه، فسيقاطعك أو لن ينتظر إجابتك، فهم أنانيون.
2. الشخصية الدرامية
ربما صادفت يومًا ما شخصًا دراميًّا يهوى الحزن والعيش في دور الضحية باستمرار، فهو يريد تعاطفك معه والدعم، ولكنه لن يحاول السؤال عن النصيحة أو كيفية تغيير وضعه الحالي للأفضل، وكذلك لا يحاول البدء بالتغيير أو إصلاح الأمور السيئة من تلقاء نفسه، فهو يفضل دور الضحية؛ لأنه يعطيه الأهمية في الحياة وبدونه لا يتلقى الاهتمام وتنعدم أهميته.
3. الشخصية المُحقة دائمًا
يرى هذا الشخص أنه محق دائمًا ولا يخطئ مطلقًا، ولا يعتد بآراء الآخرين أو أفكارهم، وإنما الأهم هو فكره ورأيه؛ لأنه يعتقد أنه الأذكى وآراءه هي الحقيقة الدامغة التي لا يمكن إنكارها أو يُحتمَل خطؤها. فهو مغرور ويحاول الانتصار دائمًا في أي محادثة، وكأنها معركة، فإما الفوز فيها وإما الفوز فيها أيضًا!
4. الشخصية الحاقدة المصدرة للأحكام
بداخل هؤلاء الأشخاص كم هائل من الحسد والحقد تجاه الآخرين، فقلوبهم مشبعة بالكراهية حتى كراهية أنفسهم، ولا يشعرون بالسعادة تجاه الآخرين، وبدلًا من تهنئتهم بنجاحهم يعبرون عن حقدهم وحسدهم بالنقض والنميمة وتدمير الآخرين نفسيًّا، فهم يرونهم غير جديرين بالنجاح أو الحياة الكريمة، فهم بغيضون.
5. شخصية الكاذب
قد لا تشعر بكذب الشخص، فبعض الأشخاص غير قادرين على تمييز الكاذب من الصادق، ولكن مع التعامل المستمر مع الأشخاص قد ينمو بداخلك جهاز كشف للكذب طبيعي، وأحيانًا تكتشف كذبهم بنفسك من خلال المواقف، ويفضل الابتعاد عن هؤلاء الأشخاص؛ لأنك لن تستطيع الوثوق بهم وبدون الثقة تنهار العلاقات.
6. الشخصية المتسلطة
يرغب هؤلاء الأشخاص في التحكم في كل شيء وأي شخص، حيث يرى الشخص المتسلط أنه مسئول عن حياتك وقراراتك وكل شيء، وأنت عليك السمع والطاعة لقراراته وتسلطه غير المبرر في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، ويمكن أن يصل تسلطه إلى أفكارك، ولا يكون قاصرًا على أفعالك فحسب، وينتابه الذعر إذا ما اعترضت على رأيه، وسيحاول عندها أن يرغمك على رأيه باستماتة، وسيتركك عندما توافق على رأيه، وبالتالي سيدمر حريتك الفكرية وصحتك النفسية والعاطفية.
7. الشخصية الماصة للروح
تسمية هذه الشخصية مأخوذة من مصاصي الدماء، فهو يمتص روحك وحيويتك بدلًا من امتصاص دمائك؛ لأن هذا الشخص يعيش على امتصاص إيجابيتك، فهو سلبي باستمرار وحزين ومتشائم، فهذه ليست مجرد فترة وستمر ويعود إلى طبيعته، لأنه لا يرى أي شيء إيجابي، وله نظرة تشاؤمية ينقلها إليك حتى تتحول وتصبح مثله.
كيف تعرف أنك تتعامل مع شخص مؤذٍ؟
الشخص المؤذي هو الشخص الذي يسبب العديد من المتاعب لك في الحياة والأذى والضغط النفسي، وقد يلجأ لك عند احتياجه للدعم النفسي والعاطفي، ولكن إذا احتجت إليه فلن تجده، فهو أناني بالفطرة.
إذا لاحظت أيًّا من هذه الأمور في علاقتك الاجتماعية أو العاطفية، فاعلم أنك تتعامل مع شخص مؤذٍ، وإليك بعض العلامات التي تخبرك بذلك، ومنها ما يلي:
- تشعر بالاضطراب والحيرة المستمرة من تصرفات هذا الشخص.
- تحتاج دائمًا للدفاع عن نفسك، حتى إن لم تكن في موضع الاتهام.
- تشعر أنك شخص سيئ عندما تتواجد معه.
- يراودك شعور مستمر بأن عليه الاعتذار لك ولكنه لا يفعل ذلك مطلقًا.
- تشعر بأنه يتلاعب بك ويرغمك على فعل أشياء لا تريدها.
- لا ترتاح بصحبته، وقد تقل ثقتك بذاتك وأنت معه.
لماذا نتشبث بالأشخاص المؤذية؟
يوجد أكثر من سبب يجعل بعض الأشخاص يتمسكون بالشخص المؤذي، ومعظمها يتلخص في انطباع الشخص عن نفسه وذاته وهو صغير، فقد يعتقد أنه غير مستحق للحب والمعاملة الجيدة؛ لأنه نشأ وتربى بطريقة خاطئة غرست بداخله أفكار سلبية عن نفسه، فأصبح يبحث عمَّن يكمل هذه المسيرة من الأفكار والتعاملات السلبية ويؤكدها ويجلب عليه المشاعر التي كان يشعر بها سابقًا.
يبحث المرء في أحيانٍ أخرى عن الصورة النمطية للأب أو الأم في شريك حياته، حتى إن كان الآباء مؤذيين نفسيًّا له؛ ليكمل الإحساس الداخلي لديه الذي طالما شعر به معهم من المعاملة الخاطئة، والتي تحولت إلى أمر طبيعي ومنطقي لهذا الشخص.
أما عن رغبة بعض الأفراد في العودة وتكرار المأساة العاطفية مع شخص مؤذٍ حتى إن كانوا تربوا في بيئة طبيعية وسوية نفسيًّا، فقد يرجع السبب إلى رغبتهم النفسية المُلحة في إنجاح العلاقة والمحاولة من جديد لإثبات عدم فشلهم، ولكن الحقيقة أن هذه العلاقة مقدر لها الفشل، والأفضل أن تنتهي لسلامتهم النفسية.
لماذا أتعامل مع أشخاص مؤذية باستمرار؟
يختار الشخص بنفسه التعامل مع الأشخاص المؤذية لا إراديًّا رغمًا عنه، فهو يشعر في قرارة نفسه أنه يستحق هذا الشخص، لذلك يبحث عنه ليتعلق به.
قد تجد عزيزي القارئ أن من الطبيعي لشخص عانى كثيرًا من التعامل مع أشخاص مؤذية في حياته كأحد أفراد الأسرة مثل الأب أو الأم أو الأخ وأحيانًا من الأصدقاء، أن يختار شخصًا سويًّا نفسيًّا وغير مؤذٍ ليتعامل معه؛ كي لا يتسبب في أذى نفسي مضاعف له، ولكن الحقيقة أنه يختار من يؤذيه وهو مقتنع بهذا الأمر بواسطة عقله الباطن؛ لأنه يرى أنه يستحق ذلك.
حالة 1
تعوَّد طفل منذ الصغر على المعاملة المحبطة والمثبطة للعزيمة، ونشأ على غرس فكرة أساسية في عقله، ألا وهي أنه فاشل وكل أمر يفعله سيكون مصيره الانهيار والفشل، وبطبيعة الحال سيختار الأصدقاء أو الزوج الذي يرسخ هذه الفكرة؛ لأنه يعتقد أنه فاشل، ولن يتمكن من النجاح مطلقًا وكل قراراته خاطئة.
حالة 2
نشأت فتاة في أسرة عززت من فكرة ضعفها وقلة حيلتها، وأنها معدومة الرأي، وبالتالي ستكبر وهي مقتنعة داخليًّا بهذه الأفكار، وستختار من تلقاء نفسها شخصًا يكرر على مسامعها هذه الأفكار السلبية، وتختار شخصية متسلطة.
كيفية التعامل مع الشخص المؤذي
التعامل مع الشخصيات المؤذية صعب للغاية، ولكن أحيانًا تفرض عليك الظروف المحيطة التعامل معهم، فقد يكون رئيسك أو زميلك في العمل أو أحد الأقارب الذين لا يمكنك التخلص من علاقتك بهم وإنهاؤها، لذا إليك بعض النصائح التي قد تمكنك من التعامل معهم.
اصنع حدودك!
يخترق الأشخاص المؤذية الحدود الشخصية غير عابئين بأهميتها أو مشاعر الآخرين؛ لذلك عليك أن تضع الحدود التي لا يمكنهم اختراقها وتبلغهم بها بهدوء، وأنك لا تقبل أي أذى نفسي أو جسدي، وحاول تقليل مدة بقائك معهم قدر الإمكان لتجنب أذاهم.
لا تستجب لتأثيرهم!
يشكو الشخص المؤذي أحيانًا منك ومن أفعالك في حين أنك من وقع عليه الأذى، لذلك فلا تستجب لهذه الطرق الملتوية من الابتزاز العاطفي والتأثير السلبي عليك، ويمكنك أن تخبره بجملة بسيطة مثل «آسف أنك شعرت بذلك»، ثم اتركه وانصرف ولا تهتم به.
انتبه لمشاعرك معهم
يتسبب الشخص المؤذي في تغيير أفكارك ومشاعرك عن نفسك؛ لذا حاول أن تعرف إلى أي مدى يؤثرون بك وكيف يحدث هذا الأمر؛ لأن بإدراكك لهذا التأثير ستتمكن بسهولة من تقليصه والتخلص منه تدريجيًّا، وكذلك سيجعلك تدرك مدى سلبيتهم على حياتك بأكملها.
تحدث معهم بشأن أفعالهم
قد لا تؤثر هذه النقطة كثيرًا في تغيير الشخص المؤذي، فسيظل كما هو ولن يتغير، ولكن ستساعدك في أخذ الخطوات الحاسمة مع هذه الشخصية فيما بعد، وتنبه الشخص المؤذي بطبيعته، وأن عليه التغيير من نفسه أو على الأقل في طريقة تعامله معك، وإلا فلن تتعامل معه.
ضع نفسك أولًا
إذا تأكدت أنك تتعامل مع شخص مؤذٍ، فلا تجعل نفسك شمعة تحترق من أجله ولا تضحِّ بنفسك ونفسيتك؛ لأن كل ما تفعله لن يغير منه شيئًا، بل سيزيده سوءًا في تعامله، وكأن ما تفعله حق مكتسب، فاهتم بنفسك وضعها في أول الأولويات.
قل لا
نقع كثيرًا في شباك الطرق الملتوية التي تتلاعب بها هذه الشخصيات، ويرغموننا أحيانًا على فعل أشياء لا نريدها، وهنا عليك إدراك ما يفعله وارفضه، لذا تعلم قول “لا” ثم اتركه وارحل، مهما كانت العواقب، وتذكر أن راحتك النفسية هي الأهم.
تذكر أنك غير مخطئ
يحاول الشخص المؤذي أن يغرس بداخلنا أفكارًا سلبية عن أنفسنا بطريقة مباشرة وغير مباشرة؛ ليجعلنا نعتقد أنه طبيعي، بل إنه يتحمل أذانا، فنتمسك به، فلا تعتقد أنك المخطئ أو أنك سبب فشل العلاقة، فلا تلُم نفسك أو تعتقد أنك السبب في تصرفاتهم أو تشعر بأي شيء سلبي.
ختامًا، لا تتشبث بالأشخاص المؤذية؛ لأنها ستحولك إلى مريض نفسي لا يمكنه التعافي بسهولة، وإذا كان بالإمكان التخلص من علاقتك معهم، فمن الأفضل أن تتخلص منهم.