لماذا نحتفل بعيد الأم وليس الأب؟
الأم ليست مجرد مسمى، الأم هي رمز الوجود، هي الحياة، ولكن كثيرًا من الرجال يتساءلون لماذا الأم دون الأب؟ لماذا اختص الله الأم بأن الجنة تحت رجليها؟ لماذا نحتفل بعيد الأم ولا نحتفل بعيد الأب؟
إجابات كثيرة يمكن أن نعثر عليها، منها أن الدراسات أثبتت أن أفضل الاصوات لدى الـجنين في بطن أمه هو صوت ضربات قلب الأم، وهذا هو سبب وضع الأطباء الجنين على صدر أمه فور ولادته ليشعر بضربات قلبها فيهدأ، فأول ما يسمع الجنين هو صوت نبضها، حيث يشير بروفيسور في جامعة «كوينز Queen’s» إلى أن الجنين لديه قدرة على الاستماع وتمييز صوت الأم قبل الأب وهذا يعد أكبر دليل بأن الجنين يستطيع تمييز الأصوات وهو ما يزال في الرحم.
ولنا أن نتخيل أن أول صوت يسمعه الجنين هو تدفق الدم في أوردة الأم وصوت حركة جهازها الهضمي (قرقرة المعدة)، وصوت دخول الهواء إلى رئتيها. كما أظهرت الدراسات أن معدل ضربات قلب الجنين يزداد عندما يسمع صوت والدته، مما يشير إلى أن الطفل يصبح أكثر يقظة عندما تتحدث أمه. مثل ما ذكرت الدراسة التي نشرتها مجلة Acta Paediatrica العلمية أن ما يتم تعلمه من الأم أفضل مما يتم تعلمه من الأب؛ لأن الطفل يستمع لأمه أكثر بسبب الفترة التي قضاها في رحمها، كل هذا وأكثر يجعل العلاقة بين الأم وطفلها ليس لها مثيل أبدًا.
الأم مدرسةٌ.. فعلاً!
صوت الأم الحامل يسري داخل أنحاء جسدها، ويصل للجنين بوضوح أكثر؛ لذلك يفضل أن يستمع لصوتها أكثر من أي صوت آخر، ويهدأ بسماعه. حيث كشفت دراسة علمية أن الجنين وهو في بطن أمه يمكنه استيعاب اللغة التي تتحدث بها الأم في الأسابيع الأخيرة من فترة الحمل. وقام أطباء بإجراء تجارب على الرضع حديثي الولادة، وجدوا أن الرضيع يتوقف عن الرضاعة عند سماعه أشخاص يتحدثون بلغته الأم، ولكن عند الحديث حوله بلغة أجنبية يستمر الطفل دون أن يعير انتباهه لأحد.
أيضًا يمكن للأم توجيه حركة جنينها، فقد يتحرك بعنف ويركل كرد فعل على الضجيج الذي يسمعه ويستغربه وهو داخل رحمها، حيث تقول «هايدي ميركوف Heidi Murkoff» و«شارون مازيل sharon mazel» في كتابهما: «What To Expect When You’re Expecting»: إن الأم يمكن أن تعلم الجنين أن يستجيب لها، فإذا ما بدأ يركل فإنها تلمس مكان الركلة وتقول شيئًا تشجيعيًا مثل: «اركل أو هيا»، وأن تكرار هذا لعدة مرات يجعل الطفل يتعلم في النهاية أن يركل في المنطقة من البطن التي تلمسها الأم وتقول له اركل.
ومن الغريب أن الجنين يفتح عينيه في بطن أمه ويرمش أيضًا. حيث يبقي الجنين عينيه مفتوحتين عندما يكون مستيقظا. على الرغم من أنه لا يوجد الكثير لرؤيته في الرحم، فسوف يشعر بحركة الأضواء الساطعة خارج جسم أمه في الشهر السابع من الحمل، حيث إن حاسة النظر هي آخر حاسة تتطور وتنضج لديه، فعندما يتم تسليط الضوء على بطن الأم فإن الجنين تزداد حركته؛ ليتفادى تلك الإضاءة التي لم يتعود عليها.
وفي الآونة الأخيرة، وجد العلماء أن ضوء الشمس غير المباشر يساعد عيني الجنين على التطور، وأثبتت التجارب على الفئران الحوامل التي حجزت في ظلام تام، أن احتمال إصابة أجنتهم بمشاكل في الرؤية تتزايد. وبالمثل أيضًا تشير الدراسات إلى أن أطفال النساء الحوامل اللواتي يعشن في المناطق الحارة تتعرض أجنتهن بشكل متزايد لخطر اضطرابات العين.
وعلى الرغم من أن الجهاز الهضمي للأم منفصل عن جسم طفلها، إلا أن جزيئات الطعام التي تتناولها تشق طريقها إلى السائل الأمنيوسي ليتذوقها الطفل داخل الرحم، فقد أ ظهرت الأبحاث أن الأطعمة التي تتناولها الأم أثناء الحمل تؤثر على الأطعمة التي يفضلها الطفل لسنوات قادمة. ففي إحدى الدراسات، كانت الأمهات اللواتي شربن عصير الجزر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل لديهم أطفال قاموا بعمل عدد أقل من الوجوه السلبية عند تغذيتهم بعصير الجزر.
وجدت دراسة أخرى عام 2012 أن الجرذان الحوامل اللواتي تناولن الكثير من الوجبات السريعة والوجبات الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والملح والسكر ولدت أطفالاً فضلوا هذه الأطعمة وكرهوا الأطعمة الصحية. يقول بعض العلماء إن الأطعمة التي تتناولها الأم أثناء الحمل يمكن أن تشكل حرفيًا عادات تناول الطعام لدى طفلها وفرصهُ من السمنة ومرض السكري طوال بقية حياته.
من الجدير بالذكر مدى تعلق الطفل بأمه حيث إن الحالة العاطفية والنفسية المتوترة للأم يمكن أن تنتقل إلى الجنين الذي يمكن أن يصاب بالاضطراب العاطفي بعد الولادة، فإذا كانت الأم تعاني من توتر شديد فقد يتأثر جنينها به عقليًا وقد يصاب بالاكتئاب.
فالأمهات اللواتي كنّ حوامل وتعرضن لأحداث مركز التجارة العالمي 11 سبتمبر وأصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة؛ وجد العلماء أنهم قد ورثوا لأبنائهم عاملاً بيولوجيًا يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب، وهذا يجعل الطفل يشعر أكثر بمشاعر أمه التي دومًا ما شعر بها وبما يقلقها وهو ما يزال في رحمها.
كما يؤثر أيضًا النظام الغذائي للأم من وفرة وكثرة الطعام الذي تتناوله أو قلته على جنينها، فإبان الحرب العالمية الثانية وخلال الحصار الألماني لهولندا الغربية، تعرض الهولنديون لمجاعة استمرت لشهور وأودت بحياة عشرة آلاف شخص. وبعد مضي عقود من هذه المجاعة،وثّق العلماء حالات الأمهات اللواتي كن حوامل خلال هذه الفترة فوجدوا أن الأطفال الذين ولدوا خلال الحصار كانوا أكثر بدانة، وأكثر نسبة إصابة بمرض السكري وأمراض القلب خلال حياتهم عن أولئك الذين تلقوا غذاءً طبيعيًا خلال فترة الحمل. فعلى ما يبدو أن المجاعة التي تعرض لها الأجنة قبل الولادة قد غيرت من أجسامهم بطرق متعددة حيث كانوا من ذوي الضغط المرتفع، ولديهم نسب كوليسترول سيئة، وحساسية أكثر تجاه الجلوكوز وهو أحد أسباب مرض السكري.
تفسير ذلك أن الجنين يسجل معلومات حول العالم الذي سيولد فيه عما إذا كان يتسم بوفرة المواد أو بالندرة وما إن كان سيكون آمنًا أم مهددًا. فيبدأ في تعديل عمليات الأيض والعمليات الفسيولوجية الأخرى ليعد نفسه للبيئة التي تنتظره. فغذاء الأم يعلم الطفل إذا ما كان سيأتي في عالم يتسم بالوفرة أو في عالم من الحرمان.
وعلى الرغم من عدم وجود شيء للجنين لاستكشافه داخل هذا العالم المحمي، فهو يعمل بنشاط على تطوير حاسة اللمس الذي يساعده على الاستكشاف والتعلم من اللحظة التي يولد فيها. فقبل أن يتمكن الجنين من الشم أو التذوق أو الرؤية أو السماع، كان قد طور بالفعل حاسة اللمس. فهي ضرورية للبقاء على قيد الحياة، حيث يستطيع أن يلمس كل شيء من حوله داخل الرحم، إذ إن التصوير ما فوق الصوتي يظهر العديد من الأجنة وهم يمسكون بالحبل السري، أو حتى يلمسون أنفسهم، مما يدل أن حاسة اللمس تنمو داخل الرحم. كما يستطيع الجنين أن يبتسم في بطن أمه، وذلك من سلسلة تعابير الوجه التي يقوم بها، إذ ليس من المستبعد أن يرسم ابتسامة عريضة على وجهه، الظاهرة التي تم التقاطها في عدة صور بتقنية 3D.
كما أن الجنين قد يبكي داخل الرحم أيضًا، على رغم أنه لم يتم اكتشاف السبب الذي يزعجه بعد. ومن المدهش أنه يستطيع تذكر ما شعر به في بطن أمه بعد ولادته كالتذوق والأصوات، فهو يعيش داخل رحم أمه الكثير من المشاعر والأحاسيس وسماع الأصوات حولها، فكل هذا يجعل طفلها هو جزء منها بل هو قطعة مطابقة لها، لذلك تكون مكانة الأم عنده من صنع الله عز وجل وليس للأم دخل بها، وخير تكريم لها هو تخصيص يوم لها في جميع أنحاء العالم، حيث يختلف تاريخ عيد الأم من دولة لأخرى.
ففي العالم العربي يكون اليوم الأول من فصل الربيع أي يوم 21 مارس، أما في النرويج فيحتفل به في 2 فبراير/شباط، وفي الأرجنتين فهو يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم 1 مايو/آيار، وفي الولايات المتحدة يكون الاحتفال في الأحد الثاني من شهر مايو/آيار من كل عام.
فكل عام وكل أم بخير.