لماذا يهتم الرؤساء بأخلاق الشعوب؟ السعودية وإيران تجيباك
إن التقويم الأخلاقي مهمة من مهمات الرئيس، القانون لوحده مش كفاية، آليات أخرى لازم تشتغل زي آليات الإعلام، زي آليات التعليم، زي آليات دور العبادة، زي آليات الأسرة.. مش هما دول اللي بيساهموا في صياغة الشخصية وتشكيل الوعي؟ يبقى إحنا لازم نشتغل على الآليات دي ونرقيها
الرئيس عبد الفتاح السيسي
ظهرت الحملات والخطابات المختلفة التي تسعى لفرض نمط محدد للأخلاق منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة، فتزايدت القضايا التي تحمل طابعًا أخلاقيًا، وذلك على الرغم من أن الكثير من النخب الثقافية والفكرية التي تساند السيسي كانت تنتقد نظام الإخوان المسلمين في محاولته لما سُمي ب «أسلمة المجتمع».
ففي شهر يوليو/ تموز 2014 بدأت وزارة الشباب والرياضة ووزارة الأوقاف إطلاق «الحملة القومية لمكافحة الإلحاد»، حيث بدأت الحملة بنشر أرقام وإحصائيات عن أعداد الملحدين في مصر، وتوالت أعمال الحملة لتنتهي بمداهمة حي عابدين لمقهي بمنطقة «باب اللوق» قال رئيس الحي عنه أنه مقهي للملحدين.
وفي شهر سبتمبر/ أيلول من العام نفسه وافق وزير التربية والتعليم على أن يتم إضافة مقرر جديد للتلاميذ بعنوان الأمن الفكري والأخلاقي، ويهدف المقرر – وفقًا لما جاء في دراسة «المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية» التابع للوزارة – إلى مواجهة السلوك الخاطئ المخل بالأمن وتقويم أي سلوك معوج لدى الطالب، كما وافقت الحكومة ومجلس الدولة على إنشاء فرع جديد بالشرطة تحت مسمى «الشرطة المجتمعية».
وفي يوم 20 فبراير/شباط 2016 قضت محكمة الجنح المستأنفة بحبس الصحفي والروائي أحمد ناجي سنتين مع الشغل وتغريم طارق الطاهر، رئيس تحرير جريدة «أخبار الأدب»، عشرة آلاف جنيه، بعدما نشر ناجي في شهر أغسطس/آب 2014 فصلًا من روايته «استخدام الحياة» في جريدة «أخبار الأدب»، والتي قدم أحد المواطنين بلاغًا في الروائي ورئيس تحرير المجلة بسببها يتهمه فيه بخدش الحياء العام،ليصبح هناك نوع جديد من القضايا الأخلاقية والتي تراقب الإبداع الفني وحريته وتزيد من القيود المفروضة على حياة الأفراد الشخصية وحياتهم العملية والإبداعية.
أصدر السادات بعام 1980 قانونًا خاصًا لحماية الأخلاق تحت مسمى «حماية القيم من العيب»
لتُذكرنا تلك القضايا بعهد الرئيس السادات عندما أصدر قانونًا خاصًا لحماية الأخلاق تحت مسمى «حماية القيم من العيب» فى عام 1980، وكان الهدف منه وفقًا لما أعلنه السادات هو: «معاقبة كل من يحاول التغرير بالشباب، أو يحاول انتقاد سياسة الدولة»، في إطار تبني السادات الخطاب الديني والأخلاقي، حيث أطلق على نفسه لقب «الرئيس المؤمن» ليكون جديرًا بمواجهته تيار الإسلام السياسي.
ونص القانون على معاقبة: «كل من ارتكب ما ينطوي على إنكار الشرائع السماوية أو ما يتنافي مع أحكامها، إما تحريض النشء والشباب على الانحراف عن طريق الدعوة إلى التحلل من القيم الدينية أو عدم الولاء للوطن، يتعرض للعقوبة وذلك وفقا لما نصت عليه المادة ١٧١ من قانون العقوبات هو كل من يتجاوز عمره ٢٥ عاما ذكرا أو أنثى»
فلماذا يهتم رؤساء الدول بفرض إطار محدد من الأخلاقيات لشعوبهم؟ وهل يؤثر ذلك إيجابيًا على الأخلاقيات؟
الأخلاق كغطاء شرعي
يشرح أرسطو أن من أدوار الدولة «الحفاظ على الأخلاق»، حيث أسس علمًا خاصًا بالأخلاق وقد عرفه بأنه: «علم عملي هدفه تنظيم الحياة الإنسانية بتحديد ما يجب فعله وما يجب تركه، وأن عملية التحديد تلك لا تتم إلا من خلال القائمين على أمور الحكم».
بينما رأى كارل ماركس أن الدعوة إلى الأخلاقيات إنما هي مسألة طبقية؛ تستغلها الأنظمة الرأسمالية من أجل تمرير مصالحها ورغباتها دون الالتفات إلى الطبقات الدنيا.
مع بدأ عصر الحداثة بدأت النظم السياسية في أوروبا بفصل الأخلاق عن السياسة وعن الحياة العامة للأفراد ككل
ومع بدأ عصر الحداثة بدأت النظم السياسية في أوروبا بفصل الأخلاق عن السياسة بل عن الحياة العامة للأفراد ككل، ومع تقدم المجتمعات أصبح هناك فصل وتميز واضح بين المجال الخاص للمواطنين والمجال العام للدولة مما يزيد من ضمانة عدم تدخل الدولة في أخلاق المواطنين في المجال الخاص بهم.
لكن الأمر يختلف في المجتمعات والدول التي لم تتخذ من الحداثة والتقدم إلا مظهرًا خارجيًا فقط. حيث تعيد إنتاج خطاب أخلاقي من شأنه استغلاله خاصة في حالات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويرجع هذا الاستغلال لمحاولة الإيحاء بأن تلك الأزمات سببها بعد الناس عن الأخلاق، فتُحمِّل المجتمع نتائج تلك الأزمات وتبعد أية مسئولية عن كتفيها، كما يمكن استغلال مثل تلك الخطابات في الدول التي تعاني من نقص الوعي العام.
هناك طريق غير مباشر يمكن أن تسلكه تلك الدول إذا ما أرادت أن تطور من أخلاق مواطنيها، وهو عن طريق اتباع منهج التنمية المستدامة، فتشرك المواطنين في عملية التنيمة تلك مما سوف يطور قيمهم الثقافية والاجتماعية والسياسية فيتبعه التطور الأخلاقي، وليس من خلال فرض أخلاقيات شكلية محددة من خلال القوانين الرسمية، مما يتطلب وجود مجال عام حر وديمقراطية حقيقية وهو ما يغيب عن الأنظمة السلطوية.
إيران
عندما ذهبت للإبلاغ عن سرقة حقيبة يد لصديقتي، التي كانت ترافقني، سألني أعضاء الشرطة قبل كل شيء، عن نوع العلاقة التي تربطها بي، لحسن الحظ أنه يجمعنا عقد قران، ولو لم تكن تجمعنا روابط أسرية، لانهالت علينا الشرطة ضربا. ولانتهى بنا الأمر في الإيقاف
فرزاد، أحد المواطنين الإيرانيين
تعد إيران من أكثر الدول التي تفرض طابعًا خاصًا من الأخلاقيات على مواطنيها بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، فقد فرضت الحكومة الإسلامية هناك ارتداء الحجاب على النساء بمعايير خاصة حيث تجبر النساء على ارتداء الشادو وهو زي يغطي من الرأس حتى القدم،ويتم منع الفتيات من وضع المكياج وطلاء الأظافر.
كما تمنع إيران الاختلاط بين من لم تجمعهم علاقات أسرية من الدرجة الأولى، وتفرض أيضًا ظوابط أخلاقية على الشباب في أدق التفاصيل مثل منع ارتداء الشباب للقلادات، والقمصان ذات الأكمام القصيرة وربطات العنق.
شرطة الأخلاق
أنشأت إيران منذ ما يقرب من عشر سنوات فرعًا جديدًا في الشرطة تحت مسمى «شرطة الأخلاق»، وهي الفرع المخوّل بمراقبة الضوابط الأخلاقية على المجتمع، وفي 20 إبريل/نيسان 2016 أعلن رئيس شرطة طهران الجنرال حسين ساجدينيا؛ أنه تم نشر 7 آلاف فرد من الرجال والنساء بملابس مدنية تابعين لجهاز شرطة الأخلاق، ورغم كل تلك المحاولات إلا أن هناك الكثير من المحاولات المختلفة لهدم تلك الضوابط.
وفي السياق ذاته تعتبر إيران من أكثر الدول محاربة للمثليين جنسيًا لحد يصل لعقوبتهم بالإعدام، وعندما سأل الرئيس السابق أحمدي نجاد عام 2006 عن المضايقات التي يتعرض لها المثليون بإيران قال «ليس هناك أي شاذ جنسيًا في إيران»، إلا أنه ووفق أحد التقارير التي نشرها موقع «شيعة أونلاين» ففي عام 2014 كان هناك 300 مثلي إيراني قد طالبوا باللجوء إلي تركيا.
كما تتصدر إيران المرتبة الثانية عالميًا في عمليات التحول الجنسي، فقد شرعت الجمهورية الإيرانية قانونًا يحث المثلين على إجراء عمليات التحول الجنسي وتتكفل الجمهورية بنصف تكاليف تلك العملية، وقد أصدر الإمام آية الله الخميني فتوى تبيح إجراء تلك العمليات عام 1970، وهو الأمر الذي يلجأ له المثليون – وإن لم يرغبوا فيه – للهروب من عقوبة الإعدام.
صديقي يصطحبني إلى منزله لتفادي شرطة الأخلاق
إحدى الإيرانيات
وعلى الرغم من أنها كانت من أشهر مصنعي ومصدري النبيذ إلى أوروبا، إلا أنه وبعد الثورة الإسلامية تم إغلاق كافة الحانات ومصانع الخمور. ولا يتم السماح للإقليات الدينية بتناول الخمور سوى في أعيادهم الدينية، وعلى الرغم من ذلك المنع إلا أنه وفق التقارير الرسمية للحكومة؛ هناك 200 ألف مدمن كحول في جميع أنحاء الجمهورية، وقد تسبب ذلك الحظر في انتشار صناعة الحكول محليًا والتي نتج عنها العديد من حالات التسمم الكحولي إلى جانب انتشار عمليات تهريب الخمور على الحدود، ووصل حجم المهرب من الكحول سنويًا إلى أكثر من 80 مليون لتر سنويًا.
كيف تحتج إيران؟
طور الإيرانيون العديد من الوسائل الاحتجاجية والوسائل التكنولوجية من أجل كسر تلك الضوابط، ففي مايو/آيار 2015 أسست الصحفية الإيرانية مسيح علي نجاد، حركة «حريتي المسلوبة» على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لنشر صور الإيرانيات وهنّ يخلعن حجابهنّ بالشوارع مع قصصهن عن مواجهتهن لفرض النقاب عليهن، فكان هدف تلك الحملة الاعتراض على فرض الحجاب عليهن ومطالباتهن بحقهن في الاختيار.
في الإطار ذاته ومن أجل مواجهة شرطة الأخلاق، قامت مجموعة من شباب المبرمجين الإيرانيين بتطوير تطبيق جديد أطلقوا عليه اسم «غيرشاد»، حيث يقوم مستخديمو التطبيق بالتبليغ عن أماكن وجود دوريات شرطة الأخلاق، من أجل أن يتم تفادي تلك الطرق. وشهد التطبيق إقبالا واسعا في أول أيام إطلاقه مما دفع الحكومة الإيرانية إلى حجبه في اليوم التالي.
وعلى الرغم من كل تلك المحاولات من قبل الحكومة الإيرانية، إلا أنها تواجه بالكثير من الاعتراضات وكسر تلك المحظورات سواء كان ذلك من خلال الحملات الإلكترونية أو من التحركات الاجتماعية أو المبادرات الفردية مثل خلع النساء لحجابهن فيالسعودية
تُعد السعودية من أكثر الدول – إن لم تكن أولها – في فرض العديد من القوانين الأخلاقية على مواطنيها، وخاصة على النساء فيما يخص ملابسهن وعدم السماح بقيادتهنوتمنع الطالبات من الخروج من جماعاتهم النسائية قبل ساعات محددة، وفي نفس الجامعة تفتش هواتف النساء خاصة تلك التي تحتوي على كاميرات للتصوير حتى يتم ضمان أنه لا يتم تصوير أي شيء داخل الحرم الجامعي.
وفي سبيل كسر تلك القيود قامت مجموعة من السيدات بحملة موسعة – من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام – مطالبة بحق المرأة السعودية في قيادة السيارة بمفردها دون الحاجة لوجود سائق يرافقها، وهو الأمر الذي بدأت في تنفيذه العديد من السيدات وقيادة سيارتهن بمفردهن على الرغم من كل ما يتعرضن له.
خلف الأبواب المغلقة
رغم حظر صناعة وتداول الخمور تأتي المملكة السعودية في المرتبة ال 14 في استهلاك الخمور عربيًا بمتوسط 3.9 لترًا للمواطن المتناول للخمور
وعلى الرغم من كل تلك المحظورات؛ إلا أن ذلك لم يمنع انتشار العديد من الأمور التي تعتبر خارجة عن الأخلاق والتقاليد المجتمعية والدينية السعودية، فبالرغم من حظر صناعة وتداول الخمور تأتي المملكة السعودية في المرتبة ال 14 في استهلاك الخمور عربيًا بمتوسط 3.9 لترًا لمتناول الخمور، كما أن كثير من تلك الخمور المتداولة بالمملكة هي خمور محلية الصنع، حيث يصنعها المهاجرون والوافدون وفقًا لتقارير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما سجلت المملكة المرتبة الثانية عالميًا في البحث عن المثليين جنسيًا على موقع الإنترنت، وفي 26 يناير/كانون الثاني 2016؛ قامت إحدى هيئات الأمر بالمعروف بالرياض بإلقاء القبض على مجموعة من الشباب المثليين أثناء حفل زفاف لشبان مثليان، ويجدر الإشارة إلى أنه لا توجد أي نسب واضحة عن أعداد المثليين جنسيًا بالمملكة.
هل يكون المنع حلًا؟
يبدو أنه ورغم كل محاولات كلٍّ من إيران والمملكة العربية السعودية في فرض أخلاقيات محددة على مجتمعاتهم، إلا أن هناك دومًا طريقة يمكن أن يتبعها الشعب لكسر تلك المحظورات.
وسواء كانت تلك المحاولات هي حملات علنية ينظمها الأفراد من أجل التعبير عن رفضهم لمحاولة فرض نمط حياة معين، أو من خلال اللجوء للغرف المغلقة وخلق مجتمعات خاصة من أجل الخروج عما تفرضه الدولة عليهم مما يجعل هناك إقبالا متزايدا على تلك الممارسات.
مما يفسر نسب استهلاك الخمور في الوطن العربي المرتفعة كثيرًا عن نسب الاستهلاك في أوروبا والدول الغربية، أو يفسر احتلال الدول العربية للمرتبات الأولى العالمية في البحث عن كلمة الجنس في الإنترنت، ويبقي في النهاية سؤال هام هل المنع هو الحل؟ وهل محاولة فرض أخلاق معينة من قبل الدولة هو الحل؟