لماذا يكره البعض «رونالدو» الذي يطير ويسابق السيارات؟
في ختام عام 2019، تمكن البرتغالي «كريستيانو رونالدو» من القفز على ارتفاع 71 سم من سطح الأرض، مُحرزًا هدفًا لن يُنسى في مرمى فريق سامبدوريا. لحظة تاريخية يُمكن تقسيمها إلى 3 أجزاء: الأول هو الهدف نفسه، والثاني هو ارتفاع تلك القفزة غير المُعتاد، والثالث هو المُدة التي استطاع نجم يوفنتوس الثبات خلالها في الهواء.
يظن المُدرب «كلاديو رانييري» أن البرتغالي الحالي قد استطاع أن يبقى في الهواء مُدة غير طبيعية ليتمكن من تسجيل الهدف بهذه الطريقة. بما ينقل النقاش من قدرة رونالدو على القفز عاليًا، إلى قدراته على الطيران، يعتقد «روب سوان» الكاتب بموقع «Give Me Sport» أن تلك القفزة لا يتقنها إلا إنسان خارق «Superhuman».
الغول والعنقاء والقفز مثل رونالدو
في قائمة تضم 6 رياضيين من ألعاب مُختلفة تعتمد على الوثب والقفز، ككرة السلة وكرة القدم الأمريكية، يتواجد رونالدو بقفزته التي بلغت «30 بوصة من سطح الأرض حتى قدميه» «2.56 مترًا إجمالًا»، كلاعب كُرة القدم الوحيد داخل تلك القائمة، في المركز الأخير، في حين يتربع الأمريكي «زاك لافين» في المركز الأول بقفزة بلغت 46 بوصة.
لذلك لا توجد احتمالية أن يكون لاعب يوفنتوس خارقًا على مُستوى القفز العمودي، خاصة أن رقم «لافين»، اللاعب بدوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين على سبيل المثال 46 بوصة، والرقم القياسي للقفز العمودي في القائمة ذاتها يبلغ 63.5 بوصة، لكن لا ينفي ذلك الصدمة التي حققها البرتغالي للعامة بارتفاع قفزته.
الأدهى أننا نقع أمام حقيقة صادمة أكثر من كون رونالدو غير خارق في القفز كرياضي عمومًا، وهي أن تلك القفزة -71 سم- لم تكن الأعلى للاعب نفسه. لقد نجح من بلوغ ارتفاع أكبر عام 2013 ضد فريقه السابق مانشستر يونايتد، وتمكن من تخطي كليهما، لكن في محفل غير رسمي، وهو ما لا يُمكن الاستناد عليه كرقم قياسي للمقارنة مع ذويه في الرياضات الأخرى، لكن يُمكن الاعتماد عليه لشرح قابلية الطيران عند البرتغالي.
في أحد الأفلام الوثائقية التي أُذيعت عبر شبكة «Sky Sports» عام 2016، وقع نجم ريال مدريد آنذاك تحت اختبارات قوية لقياس أدق لقدراته. كان من ضمن هذه الاختبارات هو الوثب العمودي من ثبات، ثم الوثب العمودي من حركة قصيرة المدى. أشارت المحاولة الأخيرة إلى قفزة تساوي 78 سم، وحسب تحليل «Telegraph» فإن هُنا يكمُن السبب.
بإثبات إمكانية قفز صاروخ ماديرا لارتفاع 78 سم، فإن هذا يعني أن أي قفزة أسفل ذلك الارتفاع لم تُبلغ بكامل استقامة جسده، وأنه يملك فرصة لاستخدام ما تبقى من طاقة كامنة في عضلات جزعه لبلوغ نقطة أعلى، وكذلك ضم ركبتيه وباقي قدمه على ارتفاعه، وقد يُوحي ذلك لوهلة أنه ثبت في الهواء أو «طائر».
لكن ماذا عن القفزة من ثبات؟ بلغ ارتفاع تلك الوثبة 44 سم، تقريبًا نصف ما يُمكن أن يقفزه رونالدو من حركة، ببساطة لأنها ليست كأي حركة.
أسرع من لا يعرف العدو
يستطيع العداء الجامايكي الشهير «يواسين بولت» أن يُنهي سباق 100 متر عدو في توقيت زمني قدره 9.58 ثانية. تحتاج تلك النوعية من السباقات لقدرات جسدية ربما تتخطى السباقات الطويلة، حيث تمكن أكثر في العضلات واتجاهات الجسد…إلخ. يعتقد العداء الإسباني «أنخيل رودريجيز» أن بولت لن يتفوق على رونالدو في تلك السباقات بأكثر من 2.5 ثانية، وهو رقم غير عادي.
استطاع البرتغالي أن يُسجل خلال كأس العالم بروسيا 2018، سباق بسرعة 34 كم/ساعة تقريبًا، وذلك خلال افتتاحية مباريات منتخب بلاده ضد المُنتخب الإسباني. دائمًا ما تفتح تلك الأحداث الباب أمام نقاش إمكانية مُشاركة لاعبي كُرة القدم في ألعاب الكُرة وبالأخص العدو والركض لمسافات طويل.
وقع الاختيار على الإسباني رودريجيز ليكون عنصر المقارنة بين لاعب كرة القدم في صورة كريستيانو وبين العداء العادي بتمثيل أنخيل، وذلك فيما يخص سباقات السرعة المُجردة دون حيازة الكُرة. أُجريت المُقارنة على نوعين من العدو: العدو في خط مستقيم والعدو في اتجاه مُتعرج، وكلاهما لمسافة 25:30 مترًا.
ظهرت نتيجة المُقارنة خلال الوثائقي المذكور «Tested To The Limit»، حيث خسر رونالدو السباق لمدة 25 مترًا في خط مُستقيم بفارق 0.3 ثانية لصالح رودريجيز، في حين نجح في تخطي الإسباني في سباق العدو المُنحرف «Zig-Zag» بفارق 0.5 ثانية تقريبًا. حسب وصف البُرتغالي، تلك هي نوعية المُفضلة في السباقات.
خلال العدو في خط مُستقيم، ظهر أن ركض رونالدو لا يسير في خط واحد مقارنة بالعداء الإسباني، حيث يأخذ انحراف بسيط من نقطة البداية وحتى نقطة الانتهاء، كذلك تظهر رُكبتي رونالدو بارتفاع أقل أثناء العدو، لا ترتفع عن 1.7 متر، في حين ترتفع رُكبتي أنخيل 2.5 متر عن الأرض.
يتجه رونالدو دائمًا نحو هدفه بخطوات أقصر وأسرع، في حين يُفضل العداء العادي اتخاذ خطوات أكبر لقطع مسافة أكبر في وقت أقل.
يبدو ذلك منطقيًا، فلاعب كرة القدم، وبالتحديد كريستيانو، يفكر دائمًا في أي فرصة لتغير اتجاهه لاستغلال المساحة الفارغة في الملعب أو الموضع المناسب لاستلام الكُرة وهي بكل تأكيد أماكن غير ثابتة في كل وقت.
بتحليل «نيل سميث» خبير الميكانيكا الحيوية «ميكانيكا الكائنات الحية»، فإن البرتغالي يستطيع التحكم في نسبة جاذبية الأرض ضد جسده. فبخطواته القصيرة وحركة يديه السريعة مع اتجاه قدميه وتمكنه من وضع قدميه معًا في نقطة تغيير الاتجاه، فإنه أولًا يستطيع بسهولة تغيير اتجاهه وثانيًا، وهو الأهم، يستقبل جاذبية أرضية أقل.
غالبًا، تكون مُهمة القفز بعد الركض بهذه الطريقة من أسهل الأشياء، ربما بما يسمح بأكثر من 78 سم حتى.
أنا الأفضل
خلال عام 2007، ذكر «ميشيل أفليز» من مجلة «Bleacher Report»، أن مُحرك جوجل يشير إلى اقتران البحث عن كلمة مانشستر يونايتد بكلمة أنا أكره رونالدو، وهو شيء غريب عن لاعب لم يكن قد بلغ أشده آنذاك، ولم يبلغ الغطرسة المُعتادة بعد.
لا يمكن إنكار كون رونالدو واحد من أفضل اللاعبين في التاريخ، وذلك بتأكيد قدرته على البقاء ضمن النُخبة لسنين طويلة، 1000 مباراة تقريبًا وحوالي 18 موسمًا من المنافسة على مستويات مُرتفعة، لكن إن كُنت قد وُصفت بالمُتغطرس والمغرور من قبل «مارادونا»، فإنك فعليًا تحتاج لمُراجعة تصرفاتك.
لا يدخر البرتغالي فرصة للتأكيد على وجهة نظره في كونه أفضل لاعب في تاريخ اللعبة. وتدخل هذه الحقيقة، ضمن كتاب ضخم يُمكن أن يُطلق عليه «حقائق لا يجب أن يعلنها صاحبها»، فلن يقبل أحد أن يُشير لنفسه بالأفضلية، حتى وإن كان كذلك، مهما بلغ من كمال أو عظمة، تلك طبيعة البشر.
تختلف مدرسة رونالدو في الفخر بنفسه عن مدارس أي لاعب أو رياضي آخر. فمثلًا أحد أشهر اللاعبين في تلك العادات هو «إبراهيموفيتش»، لكن حتى السويدي يتخذ اتجاهًا سيرياليًا في الفخر بنفسه، أو ربما هزلي أكثر، حيث تعرف في أغلب الأحيان أن الأمر محض كوميديا بالنسبة له ولجماهيره وهو ما يجعلها مقبولة بعض الشيء، لكن الأمر مُختلف عند ابن ماديرا.
لقد سمعت بالتأكيد عن صراع القرن بين «كريستيانو رونالدو» و«ليونيل ميسي»، يُسميه الكثيرون بصراع الأرجنتيني الموهوب فطريًا، والبرتغالي مُصطنع الموهبة. لكن إن كان هناك صفة واحدة مُصطنعة في البرتغالي، فهي ليست قدراته على القفز ولا الركض ولا عضلات جسده الفاتنة، إنما هي التفاخر إن صح التعبير.
يواجه رونالدو نجاح وقوة ميسي الفطريتين، مضافًا إليهما الدعم الجماهيري غير المشروط، طالما أنك ليس من مُشجعي ريال مدريد. لذا كان عليه أن يضع لنفسه قدرة خاصة على مواجهة كل ذلك. أثبت علماء النفس أن الغرور قد يكون سلاحك لمواجهة ذلك.
في تقرير نُشر على موقع «Psychologytoday» اتفق مجموعة واسعة من الباحثين حول الأصول التطورية للسلوك الاجتماعي، إن الإستراتيجيات السيئة التي تشمل استغلال وترهيب الآخرين، بما يعرف بالغطرسة، لديها القدرة على أن تؤدي إلى النجاح، سواء أحببنا ذلك أم لا.
يُشير علماء النفس إلى تعارض صفة الغرور مع درجات الرضا عن النجاحات الشخصية، حين تزيد الأولى تقل الأخيرة، ما يجعل الأمر مُضحكًا أن أحد سمات رونالدو البارزة جدًا، وأكثر السمات المحبوبة فيه، قد نشأت في الأصل من أكثر الصفات المكروهة فيه.
لا يُدير رونالدو وميسي صراعًا كالذي يدور بين سوبرمان وباتمان، بل إنه صراع يُشبه صراع الجوكر ضد بات مان.
شخص يصفه الكثيرون بعديم الموهبة ومكروه مُجتمعيًا وعليه أن ينجح وإلا تاه بين العوام. يتحلى كل من كريستيانو والجوكر بالغرور، وننتظر من كليهما النجاح، والحقيقة، أننا نقع في حب أحدهما في نقطة مُعينة ضمن كُل صراع.