لماذا لم نعد نفرح بالعيد كما كنَّا؟
أتذكر لحظاتي السعيدة عندما كنت صغيرة ألعب وأركض بمنتهى المرح في العيد ولا أحمل همًّا، وتمتلئ ليلة العيد بالروح الدافئة مع تواشيح الذكر والتهنئات المتتابعة عبر الهاتف أو في المنزل، فالعيد يعني اللبس الجديد الذي أنام وأحتضنه بشدة؛ لأستيقظ على زيارات الأقارب والود واللعب مع أقاربي الصغار، ونستخدم الصواريخ والألعاب والزينة الملونة، ولا أنسى نصيبي من العيدية.
لكن أين ذهبت كل هذه البهجة؟ فالشوق الذي عهدناه عندما كنا صغارًا أصبح يتلاشى شيئًا فشيئًا، وانقطعت الزيارات أو أصبحت تُجرى بشكل روتيني فلا نشعر بالسعادة الحقيقية تعمر قلوبنا، فما أسباب عدم الشعور ببهجة العيد؟ وكيف أكون سعيدًا في العيد من جديد؟
أسباب عدم الشعور ببهجة العيد
لست وحدي التي تتساءل عن غياب بهجة العيد وشعورنا بالسعادة بقدومه، فقد تغير الوضع كثيرًا، وببحث بسيط على الإنترنت ستجد الكثير ممن يتساءلون:
- لماذا لا أشعر بالسعادة في العيد؟
- لماذا أصبح العيد مملًّا؟
كذلك ستجد السؤال ينطوي على الإجابة، فقد تساءل أحد الأشخاص: «ماذا تفعل إذا كنت تكره العيد بسبب أنك وحيد وليس لديك عائلة؟»
استوقفني هذا السؤال مليًّا لأجد أن هناك عدة أسباب خلاف الوحدة وغياب العائلة تجعلنا لا نشعر ببهجة العيد كما كنا صغارًا.
1> كثرة الأعباء
لا يمكنك المقارنة بين نفسك الآن وعندما كنت طفلًا، فقد أصبحت شابًّا أو تعول أسرة وزادت الأعباء وأصبحت مسئولًا، ولست الطفل الذي يأخذ العيدية ويلهو ويشتري الحلوى والألعاب.
تحملنا للمسئولية ومعرفتنا بصعوبات الحياة والإدراك المتواصل يفقدنا في أحيان كثيرة روح الطفل الذي يستمتع بأتفه الأشياء.
الطفل لا يكترث بمصاريف المنزل، أو «لو أنفقت عديتي الآن فلن أجد مصروفي عند الذهاب إلى المدرسة»، أو يفكر ماذا سيطهو غدًا للأسرة! فلا يشغل عقله بأي مسئولية، ولا يفكر في الماضي أو المستقبل، بل يعرف جيدًا كيف يستمتع بوقته.
2. الوحدة والعزلة
يرجع سبب الانعزال في الوقت الحالي بسبب انتشار فيروس كورونا، وما زلنا نعاني الجائحة حتى الآن، وهو الأمر الذي جعلنا أكثر وحدة ونفتقر إلى الجلسات الاجتماعية فيما بيننا، فالاجتماعات العائلية تزيد من المودة والحب بين العائلات وتقوي العلاقات.
لم تكن دعوة النبي للتواصل الإنساني وصلة الأرحام والحفاظ على العلاقات الاجتماعية محض مصادفة، فقد ثبت علميًّا أن التواصل الإنساني والعلاقات الاجتماعية تزيد رضانا عن أنفسنا وحياتنا، وهو ما نفتقده في الوقت الحالي.
نجد أيضًا أكثر من يعانون من هذه النقطة المهاجرين، فليس بإمكانهم قضاء وقت ممتع مع الأقارب والأصدقاء في أثناء الأعياد.
3. زيادة وقت الفراغ
تخيل أن تقضي أي يوم في السنة دون فعل أي شيء، حتمًا ستصاب بالملل، فلا فيلم تشاهده، ولا كتاب تقرؤه، ولا عائلة تتحدث معها، وذلك ما تضع نفسك به في الأعياد.
نصنع أحيانًا التربة الخصبة لأنفسنا دون أن ندري أننا نقتل أرواحنا وسعادتنا بأنفسنا، فالفراغ قاتل لأي شيء جميل.
4. قطع صلة الرحم
قد نجد بعض العائلات تقطع صلة الرحم ولا تصلها مطلقًا، أو تصل الرحم في الأعياد فقط من خلال الاتصال أو الزيارات، مما ينجم عنه غربة بين العائلات، فلا يوجد الآن مناطق مشتركة للحوار واطمئنان بعضنا على بعض.
لا تتعجب من كره أبنائك لأقاربهم وشعورهم بالملل؛ لأن ذلك يرجع إلى قلة التواصل مع الأقارب منذ البداية وحصره في مناسبات قليلة على فترات زمنية متباعدة، ولكن الأفضل الانسجام والتعامل المتواصل بينهم، فالإنسان بطبيعته اجتماعي، وهذا ما يجلب عليه السعادة.
5. الحياة في لحظات أخرى
راقب نفسك في أي لحظة من المفترض أن تكون سعيدة أو حتى عادية، وستجد نفسك لا إراديًّا تهرب من هذه اللحظة لتذهب لعالم آخر من التفكير في الغد أو الأمس، وما يجب فعله، وما لا ينبغي.
عش لحظتك الحالية واستمتع بها ولا تفكر في العمل الذي عليك إنجازه، وإنما تعلم فنون الاستمتاع باللحظة الحالية، وامحُ كل ما مضى، ولا تشغل تفكيرك بما هو آتٍ فهو بيد الله.
6. الوضع الاقتصادي
لا يمكننا إنكار حقيقة أن المال لا يشتري السعادة، ولكن طبقًا للدراسات التي حاولت المقارنة بين نسبة شعور الفرد بالسعادة في الدول الغنية والدول الفقيرة، وجدت أن الدول الفقيرة هي الأكثر تعاسة بالمقارنة بالدول التي وضعها الاقتصادي أفضل.
يعاني الأفراد في الدول الفقيرة من انخفاض مستوى المشاعر الإيجابية، وتعد أفريقيا من أقل القارات في مستوى السعادة؛ لأنها تحتوي على أكثر الدول فقرًا، فكلما زادت الأوضاع الاقتصادية سوءًا ازداد شعور الفرد بالحزن نظرًا لعدم قدرته على الاكتفاء، وذلك ينعكس على شعورك خلال العيد.
7. قِلة الزينة
لا تتعجب من حب طفل لأعياد أخرى غير أعياد المسلمين؛ لأنهم يشاهدون مناظر مبهجة وألوان الزينة في كل مكان، فلماذا لا نزين بيوتنا وشوارعنا بالقدر الذي يجذب الأطفال ويجعلهم يحبون العيد كما كنا نعشقه في طفولتنا؟
هل السعي وراء السعادة يزيدنا حزنًا؟
أجريت دراسة للتعرف إلى تأثير العلاقات الاجتماعية على الشعور بالسعادة، وكذلك مدى تأثير سعينا وراء السعادة من خلال أهدافنا التي نعتقد أنها ستسعدنا، وطُلب من المشاركين كتابة الأهداف التي يرغبون في تحقيقها خلال عام وستشعرهم بالبهجة.
انقسم المشاركون في الدراسة لمجموعتين تبعًا لأهدافهم:
مجموعة 1: لها أهداف اجتماعية أكثر مثل: زيارة الأقارب، أو قضاء وقت أطول مع الأبناء.
مجموعة 2: لها أهداف فردية مثل: الإقلاع عن التدخين، أو الحصول على وظيفة أفضل.
تواصل الباحثون مع المشاركين في الدراسة بعد مرور عام، وحاولوا قياس مدى سعادتهم ورضاهم بعد محاولتهم لتحقيق هذه الأهداف، ووُجد أن المجموعة 1 أكثر رضا عن أنفسهم بالمقارنة بالمجموعة 2.
نقع أحيانًا في شباك السعي وراء السعادة، وكذلك باعتقادنا وجود أشياء محددة تجلب السعادة عند تحقيقها، خاصة الأمور المادية، حينها يتوقف العقل أمام هذه الأهداف فقط ويرى أن لا سعادة بدونها كالحصول على راتب أعلى، أو وظيفة أفضل، أو شراء منزل، أو سيارة.
أجريت دراسة أخرى في عام 2012 للتعرف إلى «هل السعي وراء السعادة يجعل الناس سعداء؟» ووُجد أن تقدير السعادة أمر مدمر للذات؛ لأنه كلما زاد عدد من يقدرون السعادة زاد احتمال شعورهم بخيبة الأمل.
السعادة تأتي أكثر من داخلنا ومدى رضانا عن حياتنا، وكذلك علاقتك الاجتماعية بمن تحب، ومساعدتك للآخرين والمحتاجين ستجلب لك سعادة لا مثيل لها، وهذا ما علينا فعله في الأعياد وجميع أيام السنة إذا استطعنا.
اقرأ أيضًا: لماذا لا تجد السعادة طريقها إليك؟
كيف أكون سعيدًا في العيد؟
لعلك ترغب في إعادة بهجتك التي عهدتها في العيد، ويا حبذا إذا استطعت أن تستمر عليها فيما بعد، ولكن اطمئن فيمكنك ذلك من خلال وضع حلول لأسباب عدم الشعور بالسعادة في العيد التي ذكرناها سابقًا، ومن دعائم السعادة في العيد ما يلي:
- ابقَ مشغولًا: إذا كنت مهاجرًا أو لا تتمكن من زيارة أقاربك بسبب بعد المسافات، فعليك الانشغال بعدة أشياء مثل: مشاهدة فيلم، أو قراءة كتاب، أو الخروج مع أصدقائك وقضاء وقت ممتع معهم، ويمكنك الذهاب لممارسة الرياضة أو المشي؛ لزيادة الإندورفين في جسمك، والذي يزيد من شعورك بالسعادة.
- زيِّن منزلك: لا تنسَ الأطفال من حساباتك ورسغ بداخلهم حب العيد كما ترسخ في داخلنا منذ الصغر، فهم الأكثر قدرة على الاستمتاع في الوقت الحالي ويحتاجون لذكريات جميلة مع العيد، فيمكنك وضع البالونات والزينة في المنزل وإعطاء الأطفال العيدية والحلوى المحببة إليهم.
- صل رحمك: لا معنى للعيد دون صلة الرحم، حتى إن كانت العلاقات مهترئة، حاول إعادتها من جديد، فالعائلة هي منبع الدعم للفرد في الشدائد، وكذلك توفر التواصل الاجتماعي الذي نحتاج إليه فهو بمثابة فيتامين لتقوية المناعة النفسية.
- اعزم أحباءك في المنزل: اغمر منزلك بالمودة والحب بين الأحباب والأصدقاء، فمن جانب تقوي علاقاتك معهم وتخلق جوًّا من الدفء والحب، وأيضًا تشغل نفسك بعيدًا عن الفراغ.
- عش في لحظتك الحالية: لا تفكر مطلقًا فيما مضى ولا تشغل بالك ماذا سأفعل غدًا، فقط استمتع بالوقت الحالي، فالعيد لا يأتي سوى مرتين في العام.
- أعطِ الهدايا: تزيد الهدايا من المودة والتواصل بين الأفراد، وكما أخبرنا الحبيب المصطفى «تهادوا تحابوا» فهي رمز يزيد الحب، وليس من الضروري أن تكون باهظة الثمن، فهي رمز للمودة والحفاظ على التواصل.
- جرب شيئًا جديدًا: عندما تشعر بالملل في أي لحظة حاول تجربة أي شيء جديد وممتع، كتناول أطعمة مختلفة في آنٍ واحد، أو الذهاب للتنزه أو للسينما، ويمكنك جمع الأصدقاء والخروج في مكان محبب إلى قلبك لكن لا تدع الملل يخترق عقلك.
- ساعد من حولك: العطاء ومساعدة المحتاجين تزيد من هرمونات السعادة بداخلنا، وتقلل الضغوط النفسية، وتزيد من الثقة بالنفس، وإذا كنت غير قادر على العطاء ماديًّا فيمكنك العطاء بمجهودك وحضورك، فهناك عدة جمعيات تحتاج إلى مساعدة الشباب بمجهودهم فقط، ويوجد كبار السن في دار المسنين يرغبون في تمضية الوقت معهم والشعور ببهجة العيد وأنس الأبناء.
أخيرًا، لا ننكر حدوث تغيرات كبيرة في أنفسنا ومن حولنا جعلتنا لا نشعر ببهجة العيد كما كنا صغارًا، ولكن لا تدع الملل والحزن يسيطر عليك في تلك الأيام المباركة، وحاول توطيد حب العيد في قلبك وقلوب من حولك، الأطفال قبل الكبار، فهم النشء القادم وبنيته النفسية تحيي أو تميت وطنًا بأكمله.