لماذا لا ينجح المعارون من قطبي الكرة المصرية؟
مع اقتراب أي نافذة انتقالات بالدوري المصري تخرُج عشرات الأخبار بالصيغة أعلاه عن قطبي الكرة المصرية. عادة ما يعلن أحد اللاعبين رفضه للرحيل على سبيل الإعارة لأحد الأندية الأقل شأنًا في الدوري، فيما يرى النادي – الذي لا يريد فقدان لاعبه نهائيًّا – أن الحل الأمثل يكمُن في خروجه لفترة من أجل اكتساب الخبرات التي تؤهله لارتداء أحد القميصين الثقيلين.
في الغالب، لا يرفض اللاعب الإعارة كمبدأ، لكنه ربما يتذمر على وضع لا يُحسد عليه. فاللاعب الذي كان قبل سنوات معدودة يطمح إلى ارتداء القميص الأحمر أو الأبيض، وجد نفسه يدور داخل حلقة مفرغة من الانتقالات دون تطوُّر حقيقي، وبلا أية ضمانات للعودة مجددًا إلى ناديه الذي حلم بتمثيله، إلا إذا حدثت معجزة.
والسؤال: لماذا تستمر الأندية في إعارة لاعبيها إذا لم تكُن في حاجة إلى وجودهم من الأساس؟
بلا هدف
إذا ما قررنا التغاضي عن إعارة الأهلي والزمالك المصريين للاعبين تخطوا سن الـ 30 بالفعل؛ لأننا لا نُدرك الغرض من مثل تلك الانتقالات، التي لا تُفيد النادي رياضيًّا بأي شكل من الأشكال. تظل استراتيجية الإعارة طريقة ناجحة للحفاظ على المواهب الواعدة داخل الأندية، التي يجب ألا تستمر في اللعب للفريق الرديف، وفي نفس الوقت، لا تجد مكانًا داخل قائمة الفريق الأول.
خلال أحد التقارير، استعرض موقع «Off The Post» مجموعة من الأسباب المنطقية التي قد تدفع الأندية الكبرى لإعارة لاعبيها بشكل عام.
ولعل أبرز هذه الأسباب، البديهية بالمناسبة، هي إرسال أحد اللاعبين في رحلة إعارة لأحد الأندية من أجل ضمان حصوله على عدد دقائق لعب مناسبة مع فريق آخر، قد لا يحصل عليها في ناديه الأصلي، أو منح الناشئين فرصة تنافسية أعلى عبر الانتقال لنادٍ أقل شأنًا، لكن بشرط اللعب لفريق الكبار، أو ربما لسبب أكثر بداهة وهو حاجة النادي لتقليل عدد اللاعبين المسجلين على قوائمه من أجل إبرام صفقات جديدة.
في الواقع، تتبع الأندية المصرية كافة هذه الاستراتيجيات على اختلافها، وتُبرر امتلاكها لجيوش من المعارين بنفس المبررات التي قد تسوقها الأندية الأوروبية الكبيرة، لكن الاختلاف الوحيد هو أنه نادرًا ما ينجح أحد المعارين في العودة وإثبات نفسه مع ناديه الأصلي، بل إن الأندية المصرية تفشل أحيانًا في بيع اللاعب بمقابل جيد، حتى إن قدَّم أداءً يتأرجح بين الجيد والممتاز أثناء رحلة إعارته. فكيف يحدث ذلك؟
سيكولوجية المُعار
حتى نتفهَّم أسباب عدم نجاح أغلب رحلات الإعارة علينا أولًا أن نفهم سيكولوجية اللاعب المُعار. عادةً يهتم المديرون الفنيون باللاعبين المسجلين ضمن قائمة الفريق الأول على مدى الموسم، ونظرًا للانشغال بمجريات الموسم الكروي لا يهتم المدير الفني بمتابعة حياة لاعبه المعار، فضلًا عن عدم اهتمامه بالفريق الذي أعير إليه بالأساس.
عند هذه اللحظة يتشكك اللاعب المعار حول مستقبله، يجد نفسه وحيدًا ومعزولًا، ويبدأ في طرح عدة أسئلة منطقية: هل أعارني النادي لفريق آخر لأنني جزء من المستقبل أم لأنني لست جزءًا من خطط المستقبل أساسًا؟
كان «جاك بارمبي»، نجل «نيك بارمبي» لاعب «مانشستر يونايتد» السابق، أحد إفرازات أكاديمية الشياطين الحُمر الذي سبق له أن زامل نجومًا بحجم «بول بوجبا» و«ماركوس راشفورد» خلال رحلاتهم في فرق الفئات السنية للنادي.
على عكس هؤلاء، لم يصل «بارمبي» لما تمناه، حيث لعب صاحب الـ27 عامًا حاليًّا لأحد أندية الدرجة الثانية الأمريكية، قبل اعتزاله كرة القدم تمامًا. في رأيه، كانت الإعارات سببًا مباشرًا في شكل مسيرته الكروية المتدنية مقارنة بزملائه في يونايتد.
من هنا يمكننا أن نصل إلى طرف الخيط؛ أحد أسباب فشل الإعارات يكون انعدام التواصل بين اللاعب وناديه الأصلي، لكن إذا ما قررنا أن ننظُر للقصة بشكل أشمل، ربما يتضح أن وجهة الإعارة نفسها لم تكُن مناسبة. وهنا يأتي دور الرجل الأهم في عصرنا الحالي، الذي يُمنح لقب «مدير الإعارات».
الوظيفة الأصعب على الإطلاق؟
من أجل تجنُّب تكرار مثل تلك الحالات التي يخرج خلالها اللاعب لسلسلة من الإعارات دون نفع حقيقي، استُحدثت وظيفة «مدير الإعارات»، وهو الرجل الذي يهتم فقط بكل تفاصيل حياة اللاعب المعار، بدايةً من اختيار النادي المناسب له فنيًّا، وصولًا للاهتمام بظروف معيشته في ناديه المؤقت.
طبقًا لـ «دين هاموند»، مدير إعارات نادي «ليستر سيتي» الإنجليزي، شرح مهام وظيفة مدير الإعارات معقد نسبيًّا؛ لأنه مثلًا يمضي يومين أو ثلاثة داخل تدريبات فريق تحت 21 عامًا، في حين يقضي مثلها وهو يشاهد مباريات لاعبي النادي المعارين، وفي نفس الوقت، يحاول إيجاد وقت لحضور اجتماعات دورية مع إدارة النادي لمناقشة مستقبل هؤلاء اللاعبين.
لذا لا يمكننا وصفه بالمدرب، حتى إن كان يمتلك رخصة تدريب، ولا نستطيع وصفه بوكيل اللاعب، حتى إن كان الشخص المخوَّل له التفاوض على كل صغيرة وكبيرة تخص مستقبل اللاعب المعار. وهنا تكمُن أهمية هذه الوظيفة.
بنفس الصدد يخبرنا «ليس باري»، مدير إعارات «مانشستر يونايتد» الإنجليزي، أن مسئوليته تتخطى مسألة إيجاد النادي المناسب فنيًّا للاعب، لكن بما أن الإعارات تكون لفريق أقل من حيث الإمكانيات، فعليه أن يتأكد – بمساعدة طاقم الطب النفسي للنادي – أن اللاعب يستطيع التأقلم مع ناديه الجديد.
الاختيار السليم
في فبراير/ شباط 2019 عيَّن «أرسنال» الإنجليزي «تيم نابر» في منصب مدير الإعارات، من أجل تقليص الفجوة مع «تشيلسي» الإنجليزي الذي يمتلك نظام إعارات يدر الكثير من الأرباح لخزينة النادي.
يتمثل الدور الأساسي لـ «نابر» كمدير إعارات «أرسنال» في مساعدة لاعبي الفريق الشباب على الانتقال من كرة القدم الأكاديمية إلى الفريق الأول. وبحثًا عن الاحتكاك، غالبًا ما يحتاج الشباب إلى الخروج إلى أندية أخرى، قبل العودة مجددًا لملعب الإمارات.
عندما يقرر النادي إرسال لاعب للإعارة، يبدأ عمل «نابر»، الذي يحلل الأندية المهتمة بعناية، فنيًّا واجتماعيًّا، قبل أن يتخذ قراره برحيل اللاعب أو البحث عن فرصة أفضل له.
بعد فترة إعارة فاشلة مع لايبزج الألماني في عام 2019، كان على «نابر» إيجاد مكان مناسب لـ «سميث رو»، الذي يعد أحد أفضل إفرازات أكاديمية أرسنال الإنجليزي، من أجل استكمال مرحلة تطوُّره؛ لأنه كان لا يزال غير جاهز للانضمام للفريق الأول بعد.
قرر النادي هذه المرة إعارة «سميث رو» إلى «هيدرسفيلد» الإنجليزي الذي نشط آنذاك بالـ «تشاميونشيب»، فمثَّل رحلة مختلفة بالنسبة إلى اللاعب، حيث لن يضطر لمنافسة لاعبين من الطراز الأول على مركزه، مثلما كان الحال في ألمانيا. لكنها في الوقت نفسه تجربة تثقل شخصيته لا تختبر مهاراته. حيث يضطر للتضحية بدنيًّا من أجل مساعدة فريق أقل جودة من منافسيه.
في الواقع، لم تكن هنالك أية ضمانات لعودة «سميث رو» بعد الإعارة واقتحامه قائمة فريق أرسنال، لكن الفكرة كلها تكمُن في اتباع منهجية واضحة مثل: «Den’s Dragon Style» الخاصة بأرسنال، والتي تضمن هامش تطور للاعبين المعارين.
فحتى إن فشل اللاعب في إثبات نفسه لمسئولي ناديه الأصلي، فلن يجد النادي أي مشكلة في بيعه مقابل مبلغ مالي مناسب، طبقًا لما قدَّمه أثناء فترات إعارته.
ربما أدركنا الآن سبب فشل إعارات لاعبي قطبي الكرة المصرية، بل الأكيد أن نجاح بعضها لا يحدث إلا عن طريق الصدفة، كأي إنجاز آخر.