لماذا تفشل الانقلابات العسكرية؟
إنه الثلاثون من إبريل/ نيسان. خوان غايدو، الرئيس الانتقالي لفنزويلا المدعوم من القوى الدولية الغربية، وقف في قاعدة لا كارلوتا الجوية العسكرية، يُحيط به أفراد من الحرس الوطني الفنزويلي تحمل أذرعهم الشارات الزرقاء المميزة للمعارضة العسكرية للرئيس الفنزويلي المغضوب عليه، نيكولاس مادورو. من هناك، أعلن غايدو بدء المرحلة الأخيرة من «عملية التحرير»، داعيًا الجيش الفنزويلي للانضمام إلى الانتفاضة ضد نظام مادورو.
بالنظر إلى الأوضاع المتأزمة في فنزويلا، ومعدلات التضخم التي بلغت مستوياتٍ غير مسبوقة عالميًّا، كان من الصعب توقع أن يمر اليوم التالي، غرة مايو/ أيار، بردًا وسلامًا على حكومة مادورو. لكن لم يُفلِح الدعم الدولي، والتظاهرات المستعرة في أنحاء البلاد، في تحريك ما يكفي من أفراد الجيش الفنزويلي لتنفيذ انقلابٍ ناجح.
يستدعي فشل محاولة غايدو تساؤلات عن العنصر المفقود الذي يؤدي إلى فشل محاولات الانقلاب. في مقالٍمنشور بموقع ستراتفور، يحلِّل الكاتب محاولة غايدو في فنزويلا، ويُقارنها بمحاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2016، أملًا في الخروج بإجابة عن سؤالٍ بالغ الأهمية: لماذا تفشل (أو تنجح) الانقلابات العسكرية؟
تركيا وفنزويلا: اختلافات عميقة ومصيرٌ واحد
يبدأ التقرير بالإشارة إلى الاختلافات الكبيرة بين الظروف والملابسات المحيطة بمحاولتي الانقلاب في تركيا وفنزويلا. نعم، هناك تشابه ظاهر في المشاهد التي رأيناها في البلدين، وأبرزها تمركز القوات بمدافع رشاشة ثقيلة على جسرٍ قريبٍ من قاعدة لا كارلوتا الجوية في فنزويلا، مثلما نصب الجنود الانقلابيون الأتراك متاريس على جسر البوسفور في إسطنبول.
لكن ذلك التشابه أخفى وراءه اختلافاتٍ عميقة. فمحاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا، وفقًا للتقرير، نفذها فصيلٌ إسلاموي داخل الجيش التركي المعروف بتوجهه العلماني. وقد سهَّلت الديناميات الداخلية الخاصة بمعسكر الانقلاب من توقع عجز ذلك الفصيل في ضمان الدعم العسكري الكافي للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية.
على الجانب الآخر، نجد الوضع السياسي في فنزويلا مرتبطًا بالعديد من المتغيرات الداخلية والخارجية. يذكُر التقرير دور أجهزة الأمن الكوبية في دعم حكومة مادورو، وإمكانية تدخل روسيا لمجابهة أي تدخل عسكري أمريكي مباشر. هذا بالإضافة إلى العقبات الهائلة التي تعيَّن على غايدو التغلب عليها داخليًّا، ومن ضمنها معضلة العفو الشامل عن قيادات وضباط الجيش الفنزويلي، ذلك العفو الذي لا يقدر غايدو على توفير ضمانات كافية له أمام قيادات الجيش حال انضمامهم إلى صفوف انقلابه، ومن ثَمَّ يعرضهم لخطر المساءلة القانونية في جرائم الفساد أو حتى الترحيل إلى الولايات المتحدة حال نجاح الانقلاب.
المحاولتان، على اختلافهما، لاقتا المصير نفسه. يزعُم التقرير أن عامل الفشل متشابهٌ في كلتيهما. في فنزويلا، إن افترضنا دقة الأنباء والتقارير الواردة عن وسائل الإعلام المحلية الفنزويلية، والرواية الرسمية الأمريكية، فإن تردد قادة الجيش الذين تعهدوا بالمشاركة في محاولة الانقلاب كان السبب الرئيسي في فشلها. كما أشارت رواياتٌ لاحقة إلى أن جحافل الجنود الانقلابيين الأتراك التي نجحت في السيطرة على منشآت حيوية وقنوات تليفزيونية في الخامس عشر من يوليو/ تموز، كانت تخفي وراءها ترددًا من جانب قيادات منفذي الانقلاب، ومحاولات للتأكد من أن زملاءهم يتصرفون وفق الخطة الموضوعة سلفًا.
سيكولوجية الأفراد ونجاح الانقلاب
هُنا نلتفت إلى ذلك العامل الرئيس الذي يجعل المُبادرة بالتخطيط لانقلابٍ عسكري أمرًا بالغ الخطورة على منظمي الانقلاب وقادته، وبالغ الصعوبة في توقع نتائج الانقلاب على المحللين؛ العامل السيكولوجي عند الفرد. فتحليلُ الأحداث العالمية من منظورٍ جيوسياسي يختص بمستوى ميكانيكي أكثر يرصد تفاعلات النُّظم والدول والشعوب، لكنه أبسط بكثير من محاولة توقع تحركات الأفراد المحتملة.
وحين ننتقل من مستوى النُّظُم إلى المستوى الفردي، فإننا نتساءل عن مدى اقتناع المُشاركين في الانقلاب بجدواه، ومدى ولائهم لقادته، والأهم والأكثر عملية، إدراكهم لفرص نجاح محاولة الانقلاب. حين يُوضع الاختيار أمام ضباط الجيش للمشاركة في الانقلاب من عدمه، فإن اختيار الجانب الخاطئ سيؤدي، في أفضل الأحوال، إلى تدمير ما تبقى من مسيرتهم المهنية، وفي أسوئها إلى مقصلة الجانب المنتصر. من يعرف أسماء الجنود الأتراك الذين نصبوا المتاريس على جسر البوسفور؟ حتى الاسم الرسمي للجسر تغير إلى «جسر شهداء 15 يوليو»، بعد فشل المحاولة.
عِظَم المخاطرة يؤدي إلى تنحية الاعتبارات الأيديولوجية للمشاركين في الانقلاب جانبًا، لحساب توقعاتهم ومراهناتهم على نجاح منفذيه، وهو العامل الأكبر في اتخاذهم لقرار المشاركة من عدمه. ليس هذا فقط، بل إنهم يضطرون غالبًا إلى اتخاذ القرار بناءً على معلومات شحيحة عن خطة الانقلاب، والمشاركين فيه، وهي تفاصيل لا يطلع عليها عادةً سوى نخبة من القادة رفيعي المستوى. فالأمن العملياتي للانقلاب يتطلب عدم مشاركة الخطة بأكملها مع المشاركين فيها، أو حتى مناقشتها علنًا بما يكفي لإقناع الرتب الأدنى بإمكانية نجاحها.
وبناءً عليه، يضطر الضباط إلى اتخاذ القرار بناءً على ثقتهم الشخصية في قادتهم ومن يحاولون إقناعهم بالمشاركة. وهذا أساس واهٍ بما يكفي، في الكثير من الأحيان، لإفشال المحاولة.
نقطة اللاعودة
في المعتاد ما إن تندلع شرارة محاولة الانقلاب، يُراقب القادة بحذر تحركات زملائهم، بحثًا عن إشارات مطمئنة إلى عبور عددٍ كبير من القوات أو الوحدات نقطة اللاعودة. يشبِّه التقرير انتظار الدعم في تلك الأوقات الحرجة بانتظارك لصديقٍ تشك بشدة في أنه لن يخلف موعده معك. وبمرور الوقت، إن غابت تلك الإشارات عن باقي الوحدات، فإن القرار الأمثل سيكون التظاهر بأن شيئًا لم يحدث، وتحين فرصة أخرى.
هذا هو بالضبط ما تعرضت له المجموعة التي كان يُفترض بها تنفيذ انقلاب غايدو في فنزويلا. فبالرغم من أن المقطع الذي نشره غايدو بصحبة الحرس الوطني كان يستهدف طمأنة باقي وحدات الجيش إلى وجود نواة قوية لمحاولة الانقلاب، فإن أعدادهم كانت أقل مما ينبغي، وبالتالي ساد القلق والترقب في غرة مايو/ أيار، وغابت عنه أي تحركات حاسمة.
وما يستتبع فشل محاولات الانقلاب عادة هو تحركات على نطاقٍ واسع من النظام القائم لضمان فشل أي محاولاتٍ مشابهة في المستقبل، وهو ما شهِدناه في تركيا وعلى نطاقٍ أصغر في فنزويلا. ومن ثَمَّ تتضاءل بشدة احتمالية أن تنضم وحدات الجيش إلى محاولة الانقلاب القادمة، بعد ما تعرضوا له في المحاولة الأولى من خرقٍ لثقتهم في رفاقهم الذين توسموا فيهم المُشاركة. وبذلك، يصعب بشدة إعادة تهيئة ظروفٍ مواتية لنجاح محاولة الانقلاب التالية.