مستعمرة الذكور: لماذا يدرب الرجال فرق كرة القدم النسائية؟
تاريخيًا، اعتادت اتحادات كرة القدم بالدول المستقلة حديثًا استقطاب مديرين فنيين من الدول التي قد سبق واستعمرت بلادهم، كانت الحكمة وراء هذه الخطوة هي حقيقة امتلاك الأفراد المنتمين للدول ذات التاريخ الاستعماري لكفاءات أعلى من التي يمتلكها الأفراد داخل البلاد النامية بحكم الاحتكاك الدولي والانفتاح على كل ما هو جديد حول كرة القدم.
تشبه هذه العلاقة الأبوية تمامًا العلاقة الغريبة بين الرجال وكرة القدم النسائية. على الرغم من أنّها لعبة للسيدات، يحتكر الرجال وظيفة المدير الفني بها.
الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل المدربون الرجال أكثر كفاءة من السيدات بالفعل؟ أم أن الرواية المنتشرة عن التحيُّز ضد المرأة هي السبب؟ ويظل السؤال الأهم هو إلى متى ستظل كرة القدم النسائية معتمدة على الرجال؟
لعبة الرجال
عبر تقرير نشرته «سكاي سبورتس» الإنجليزية في مارس/آذار 2023، اتضح أن عدد المدربات في كرة القدم الإنجليزية والأوروبية عمومًا في ارتفاع ملحوظ، مقارنة بالعقد الأخير.
على سبيل المثال، في 2015، بلغت نسبة المديرات الفنيّات بالدوري الإنجليزي للسيدات 25% فقط، وارتفعت هذه النسبة تدريجيًا لتصل إلى 56% عام 2021، قبل أن تتراجع مجددًا لتقف عند حدود 33.3% قبل انطلاق موسم 2022/2023.
في الواقع، لا تقتصر الفجوة الإدارية بين الجنسين على كرة القدم الإنجليزية. فمن بين 32 منتخب تأهل لكأس العالم للسيدات 2023، هناك 12 سيدة فقط على رأس العارضة الفنية لهذه المنتخبات مقابل 20 رجلًا. بل إن نسبة تمثيل النساء بمنصب المدير الفني تقل لما هو أدنى من 10% في الدوري الألماني النسائي، حيث توجد مديرة فنية واحدة، مقابل 11 مديرًا فنيًا لباقي فرق السيدات.
التفسير المنطقي لهذه الظاهرة بسيط، وهو أنّ أعداد المديرين الفنيين الرجال أكثر مقارنة بالسيدات؛ نتيجة لتحوُّل عدد كبير من الرجال الذين لم يجدوا فرصًا حقيقية في كرة القدم الرجالية لإثبات أنفسهم في منافسات السيدات، التي لم تتحول للاحتراف بشكل كامل قبل موسم 2018/2019.
وفقًا لتصريح جرينجر أعلاه، يبدو من المنطقي أن يشغل الرجال هذا المنصب الحساس والضروري من أجل تطوُّر اللعبة ونقلها إلى مستوى آخر، بالضبط كما تحتاج الدول النامية للمدربين القادمين من الدول ذات التاريخ الكروي الكبير.
على الجهة المقابلة، تعترض بعض الأصوات النسائية على هذا الطرح، الذي يحط من شأن المدربات، ومدى قدرتهم على قيادة فرق كرة القدم النسائية، والسبب بحسب هذه الرواية هو التعنُّت الذي يمارس على السيدات ويمنعهن من الوصول لهذا المنصب.
بالتالي لا بد من وجود أسباب أكثر إقناعًا يُفسَّر من خلالها قلة عدد المديرات الفنيّات في كرة القدم النسائية.
لأنها رياضة أخرى
في 2015، كانت «إيما هايز»، المديرة الفنية لتشيلسي الإنجليزي السيدة الوحيدة التي تقود فريقًا بالدوري الإنجليزي الممتاز للسيدات، وفي حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية اعترفت «هايز» أنّها تعرضت لتمييز جنسي أثناء حصولها على رخصة التدريب «Uefa B»، حين كانت في الـ17 من العمر.
الملفت في هذه القصة ليس التمييز الذي تعرضت له الشابة ذات الـ17 ربيعًا وقتئذٍ، لكن ما قصّته بتلقائية يخبرنا أنّها كانت تدرُس محتوى الدورة تحت إشراف محاضرين ذكور.
لكن الأهم هو أن محتوى هذه الدورة كان يستند على تفاصيل لعبة كرة القدم الرجالية؛ لأن كرة القدم النسائية لم تكن قد تحولت للاحتراف بعد.
ربما هذه هي المشكلة الأولى التي تواجه المدربات السيدات، وهي أن لعبة كرة القدم الرجالية تختلف جذريًا عن لعبة كرة القدم النسائية في كل النواحي، لذلك بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» والاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» مؤخرًا في توفير دورات تدريبية «نسائية فقط» للحصول على الرخص التدريبية بدرجاتها المختلفة.
هل نريد التدريب حقًا؟
بطبيعة الحال، من المستحيل تحديد سبب وحيد لنقص عدد السيدات المؤهلات للتدريب على مستوى عالٍ، العوامل المحتملة تشمل التحيز الجنسي ونقص الفرص أو حتى الإرشاد، لكن السبب الذي لا يناقش كثيرًا هو ربما عدم وجود رغبة حقيقية من اللاعبات السابقات أو الفتيات بشكلٍ عام في الدخول في هذا المجال.
في الواقع، هذه المشكلة ليست مشكلة نسائية بشكل عام، فمثلًا في تقرير مطوّل نشرته «ذي أثليتيك»، تضمن مجموعة من المقابلات مع أسر المديرين الفنيين، اتضح أن حياة المدير الفني بشكل عام أكثر تعقيدًا بكثير مما قد يتخيله المتابع العادي؛ لأنها لا تضمن بقاءه في مكان واحد لفترة طويلة مما قد يؤثر سلبًا على أسرته.
وبما أنّه في أغلب الأحيان تتولى السيدة مهام تربية الأبناء والاهتمام بشؤونهم، تنتظر اللاعبات المحترفات حتى نهاية مسيرتهن الكروية، كي تبدأن في تكوين أسرة وإنجاب أطفال، وبالطبع، ليس من السهل أن توازن السيدات بين حياتهن الأسرية ومهنة متطلبة مثل التدريب مقارنة بالرجال.
الأمر الواقع
حقيقة، حتى إذا ما نجحت بعض السيدات في التغلُّب على كل هذه المصاعب، بداية من التمييز والتشكيك في قدرتهن على الإدارة، وصولًا إلى كيفية التوفيق بين العمل والأسرة، تظل المشكلة التي لا حل لها هي حقيقة أن لعبة كرة القدم النسائية لا يمكنها ضمان دخل حقيقي.
على سبيل المثال، تتقاضى الهولندية «سارينا ويجمان»، المديرة الفنية لمنتخب إنجلترا للسيدات، 400 ألف جنيه إسترليني سنويًا، بينما يتقاضى «جاريث ساوثجيت»، المدير الفني لمنتخب الرجال عشرة أضعاف هذا الرقم تقريبًا.
مبدئيًا، هذا ليس تحيزًا للرجال على حساب السيدات؛ ببساطة لعبة كرة القدم النسائية -حتى اللحظة- لا تدر أرباحًا تجعل المساواة في الأجور بين المدربين الذكور والإناث ممكنة.
طبقًا لبيانات شركة «ديلويت» للاستشارات المالية، بلغ متوسط عوائد الأندية الـ20 الأكثر درًا للأرباح 450 مليون يورو، فيما بلغ متوسط عوائد نفس الـ20 فريقًا نسائيًا ما مجموعه 2.4 مليون يورو، بنهاية موسم 2021/2022.
مع ذلك، لا يعني ذلك أن ما تتقاضاه ويجمان رقمًا قليلًا، لكن نحن نتحدث الآن على أعلى مستويات الأجور في العالم، بمعنى أنّ رحلة السيدة في عالم التدريب تبدأ بأجر بسيط جدًا، قد تحصل عليه إذا ما قررت أن تسلك أي سلك وظيفي آخر.
يقودنا ذلك إلى حقيقة واحدة مؤكدة، وهي أنّ كرة القدم النسائية لا تزال أشبه بشركة ناشئة قيد النمو، بالتالي، ربما تحتاج اللعبة لوقت أطول فقط كي تتخلّص من سلطة الرجال الأبوية، وقتئذٍ، ربما نجد احتكارًا منطقيًا للسيدات لوظيفة المدير الفني للفرق النسائية.