لماذا يصفق جمهور ليفربول لـ «ألكانتارا» بعد كل تمريرة؟
في صيف عام 2013، نشر موقع «بليتشر ريبورت» تقريرًا بعنوان «لماذا يجب على تياجو الانضمام لمانشستر يونايتد وليس بايرن ميونخ؟» في ذلك الوقت كان جوارديولا يلح للحصول على ألكانتارا في أول مواسمه بألمانيا، واليونايتد على موعد مع نقطة تحول في تاريخه، برحيل السير وتعيين ديفيد مويس، بينما كان ليفربول يتعاقد مع مامادو ساكو وعلي سيسيوكو وكولو توريه.
رأى التقرير أن تشكيلة مانشستر يونايتد باعتبارها الأضعف، ستمنح تياجو دقائق المشاركة التي يريد، تمهيدًا للانضمام لتشكيلة منتخب إسبانيا في كأس العالم 2014، إلى جانب الصخب الإعلامي المعروف المصاحب للبريميرليج مقارنة بالبوندسليجا.
وبينما أنت الآن تحاول تذكر ما حدث، وتخيل ألكانتارا بالقميص الأحمر، إليك ما نقلته صحيفة «ميترو» عن شبكة «ESPN»؛ ديفيد مويس لم يكن يعلم تياجو جيدًا، فطلب من الإدارة التركيز على لاعب آخر من برشلونة، وهو سيسك فابريجاس. النهاية؟ فشل اليونايتد في ضم سيسك وتياجو وتعاقدوا مع فيلايني.
بعد سبع سنوات، عاد ألكانتارا للارتباط بالبريميرليج لكن بشكل مختلف. وبقدر هذا الاختلاف، لم يكن منطقيًّا التركيز على الــ 30 مليون يورو التي انضم بها، لأن ليفربول فعل ما هو أكثر من التفاصيل المالية، وكذلك تياجو.
لأجل الورد
على الورق، لا يبدو تياجو ألكانتارا واحدًا من الصفقات المثالية ليورجن كلوب ومجموعة «Fenway Sports Group» المالكة لليفربول، لأنهم باختصار يسعون دائمًا للتعاقد مع لاعبين في عمر مختلف عن عمر تياجو الذي بلغ عامه التاسع والعشرين في 2020.
والسبب واضح، وهو محاولة قطف المواهب في أفضل مرحلة عمرية يصلون فيها لأقصى أداء، والتي تكون بين 24 و26 عامًا، ممتدة إلى الثلاثين وفقًا لمدى حفاظ اللاعب على قدراته البدنية. وبالنظر إلى الرسم الموجود بالتغريدة التالية سنجد 13 من أصل 19 صفقة أبرمها ليفربول في تلك الحقبة، بين سن 23 و26.
بل إن تياجو هو الاستثناء الثاني فقط، حيث لم يسبق للريدز التعاقد مع لاعب يتجاوز السادسة والعشرين سوى المدافع الأستوني، راجنر كلافان.
لم يتوقف ليفربول عند التغاضي عن سن تياجو فقط، بل إنهم تغاضوا عن أمر آخر في غاية الأهمية. فبجانب مهارات تياجو، كان الدولي الإسباني معروفًا في بايرن ميونخ على أنه الرجل الزجاجي الثاني في الفريق، بعد الهولندي آرين روبين.
عندما تحدث الموقع الرسمي للبوندسليجا عن اللاعب، وقرر ذكر أكثر 10 أشياء مميزة في مسيرته، كان من بينها فقرة كاملة بعنوان «سوء حظ تياجو»، وذكروا خلالها أكثر إصاباته شدة بداية بـ 2012 في برشلونة، انتهاءً بموسم 2017/18، وكانت المحصلة: إصابة قوية واحدة على الأقل لكل موسم في ألمانيا.
كيف يمكن لليفربول التعاقد مع لاعب بهكذا تاريخ مع الإصابات، وهو الذي رفض نبيل فقير في صيف 2018 لسبب مشابه؟ كان فقير واحدًا من أفضل أجنحة العالم، وكانت الصفقة على وشك الإتمام، وتم تصوير فيديو ترحيبي للاعب مع قناة ليفربول، وفجأة توقف كل شيء، بسبب تاريخ إحدى ركبتي الفرنسي مع الإصابات.
حاول نبيل تكذيب ذلك كثيرًا، لكن مسيرته شهدت تراجعًا غريبًا بعد قراره بالانتقال من ليون إلى ريال بيتيس. لكن يظل السبب مفهومًا ويحمل قدرًا من المنطق، طريقة لعب ليفربول القوية بدنيًّا، تعقِد معايير اختياراتهم، إلا مع تياجو.
أسباب منطقية
بعد إضافة اللامنطقية إلى صفقة ألكانتارا، حان وقت تقديم الأسباب وإعادة الأمور لنصابها، ولنبدأ من حيث انتهينا، إصابات تياجو. في موسم 2019/20، لعب الإسباني رفقة المدرب هانز فليك ضمن ثنائية الوسط «Double Pivot» في طريقة 4-2-3-1. وكما هو واضح في خريطة استلامه للتمريرات، لم يعد تياجو يتقدم للأمام كثيرًا.
تحول تياجو من لاعب الوسط البوكس تو بوكس (المركز 8) إلى صانع لعب متأخر (المركز 6)، وهو بالصدفة ما توافق مع نصيحة أنشيلوتي للموهبة الإيطالية نيكولو زانيولو، بعد إصابته بقطع ثانٍ في الرباط الصليبي، لينصحه أنشيلوتي بمحاولة لعب دور متأخر في الملعب، لتخفيف معدلات ركضه، تمامًا كما فعل أنشيلوتي اللاعب ولنفس السبب.
من شأن ذلك التحول إطالة عمر ألكانتارا في الملعب أو على الأقل تجنيبه تكرار الإصابات، والأهم أنه جعله يحظى بمعاملة مختلفة عن معاملة ليفربول لنبيل فقير. أما عن التغاضي عن سن اللاعب، فالأمر واضح، لاعب برشلونة السابق يقدم ما لا يقدمه غيره.
في حوار خاص مع جريدة إندبندنت البريطانية – قبل استئناف دوري أبطال أوروبا في أعقاب جائحة كورونا – كشف تياجو عن الطريقة التي يرى بها المباراة، وكشف أيضًا عن شيء مشترك بينه وبين يورجن كلوب.
تتفق طريقة فهم تياجو للمباراة مع عظماء اللعبة في مركزه، ناهيك عن إلصاقه كلمة حدة بالتمرير «intensity of pass». وبقدر ما قد يبدو مبالغًا، إلا أن تعبيره كان أدق وصف لسعيه نحو الإتقان حد الإبداع في تمريراته. والأهم أن ذلك الوصف تحديدًا هو ما جعله متفقًا مع كلوب، لأن يورجن ومساعديه قد أدمنوا استخدام كلمة الحدة لوصف هويتهم، وإضافة حدة تمرير تياجو لحدتهم سيبدو مثاليًّا.
بدعة المركز 6
ولكي نرى الأمر بشكل أعمق، يمكننا العودة لتقرير موقع «Statsbomb» في يناير 2019، بعنوان: «The Rise of Press-Resistant Midfielders»، والذي مر سريعًا على لاعبي وسط الملعب ونوعياتهم، ثم اختص ذلك النوع الجامع بين الرؤية والتمرير، والذي يمنح فريقه القدرة على التحكم بإيقاع المباراة وتوزيع اللعب، ويأتي على رأس هؤلاء: تشافي، تشافي ألونسو، مودريتش، بيرلو، وغيرهم.
على الأغلب، كان يتواجد هؤلاء اللاعبون في الأندية الأقوى، التي يتراجع أمامها الخصوم، فيتركون لهم الوقت لاستعراض مهاراتهم بالتمرير. لكن تطور منظومة الضغط على يد مدرستي رالف رانجنيك ومارسيلو بيلسا، غير الوضع، وباتوا يحصلون على وقت أقل مع ضغط أكثر شدة، لا يسمح لهم بممارسة عاداتهم.
أقر التقرير أن الشرارة التي جرأت مدمني الضغط العالي على رواد الاستحواذ، كانت مباراة أتلتيك بيلباو-بيلسا وبرشلونة-جوارديولا في الليجا بعام 2011. وقدم فيها رجال بيلسا ملحمة في الضغط على البارسا في كل أرجاء الملعب، لتنتهي المباراة بالتعادل بهدفين لمثلهما، وإخراج تشافي في الدقيقة 60.
رحل بيب لبايرن ميونخ ليجد ضغطًا مشابهًا لبوروسيا دورتموند مع يورجن كلوب، وعليه فكر المدرب الكتالوني بضم ظهيريه لقلب الملعب «inverted full-back» لزيادة خيارات التمرير في الوسط، والهروب من الضغط، وظلت المعركة دائرة بين المدرستين حتى ظهرت ورقة جديدة، تمنح صاحبها الأفضلية.
لاعب وسط يجيد التمرير ولديه رؤية جيدة، لكنه يملك تكنيكًا ومهارةً مختلفتين، وكأنه جناح أو صانع ألعاب، قادر على جذب الضغط، والخروج منه بمراوغة أو تمويه، مع قدرة فائقة على الركض بالكرة للأمام، وبالتالي يكون قادرًا على إرباك كل من تسول له نفسه الضغط عاليًا.
ضرب التقرير مثالاً بالبلجيكي موسى ديمبيلي، الذي قضى توتنهام أفضل فتراته عندما استخدمه بوتشيتينو كلاعب ارتكاز، وكان دي يونج يقدم شيئًا مشابهًا مع أياكس أمستردام، وبالطبع لدينا تياجو ألكانتار، الذي يمكننا أن نطلق عليه أهم Press-Resistant Midfielder في العصر الحديث، وعليه يجب أن نحسد ليفربول أولاً، ثم نعذر جماهيره ولو قليلاً لو صفقوا له مع كل تمريرة.