تاريخ يعيد نفسه: لماذا تسقط الفرق الكبرى بعد 3 مواسم؟
طفل لا يدرك الأشياء، ثم مراهق يتحسس شغفه ويبدأ في التعلم رويدًا رويدًا، ثم شاب ماهر في عمله يقوم بوظيفته بحماس ليشيد به الجميع، ثم موظف أربعيني يقوم بالعمل ذاته بشكل روتيني وبشيء من الرتابة يجعله غير راضٍ عن نفسه، ويجعل الآخرين لا يحبذون العمل معه.
دورة معتادة في حياة البشر، يرى المدرب الشهير «بيلا غوتمان» أن كرة القدم صورة مصغرة منها بالفعل. فاللاعبون الكبار ينهضون، فيسطعون، فيفوزون بالأشياء، فيتلاشون، ويكون النزول عادة أسرع من الصعود بكثير ويولّد مسافة بعيدة. لعنة السنة الثالثة كما يطلق عليها المدرب الهنغاري!
يقول الكاتب الإنجليزي «جوناثان ويلسون» في مقاله المنشور في صحيفة الجارديان في عام 2010، إنه لم يكن يتعجب من نظرات بيب جوارديولا الشاردة المتوترة بعض الشيء في مباريات فريقه، بالرغم من التألق الجنوني للاعبيه الذين احتل بهم العالم طولًا وعرضًا.
هو حتمًا يفكر في اليوم الذي ستنتهي فيه تلك الملحمة. صحيح أنه عبقري، لكنه لا يستطيع إيقاف نفسه عن التفكير في النهاية الحتمية التي يعرفها الجميع. انخفاض تدريجي في المستوى، ليصل إلى نقطة اللا عودة، فيرحل المدرب ويتفرق اللاعبون وتنتهي تلك الحالة بعد سنوات عادة لا يتخطى عددها رقم 3 أو 4.
فالسؤال الآن: لماذا يتكرر هذا السيناريو بشكل نمطي في تاريخ كرة القدم بلا أي تغييرات أو طفرات؟
الزمن لا يرحم
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، أذاعت قناة دويتش فيله الألمانية تقريرًا عنوانه: «ما هو العمر الأمثل للاعب كرة القدم؟». ليونيل ميسي نجم برشلونة الأول يبلغ 33 عامًا، وكيفين دي بروين النجم الساطع في الجزء الأزرق من مدينة مانشستر سيتي 29 عامًا، أما محمد صلاح الذي يهابه الجميع في الأنفيلد 28 عامًا، في حين يحمل إبراهيموفيتش آمال جماهير الميلان وهو في عامه رقم 39!
وفقًا للتقرير، يتراوح متوسط الأعمار التي يصل فيها لاعبو كرة القدم لقمة مستواهم بين 26 – 27 عامًا، تبعًا لمركز اللعب في الملعب. فيبدع المهاجم ولاعب الوسط حين يبلغون 26 عامًا، أما السن المثالي للمدافع هو 27 عامًا.
لنلقِ نظرة الآن على أبطال العالم في الثلاث نسخ الأخيرة للمونديال. فازت فرنسا بلقب مونديال روسيا عام 2018 بمنتخب متوسط أعماره 26.3 عامًا، أي في النطاق المثالي وفقًا لدراسة البروفيسور سيفي. في 2014 أيضًا فازت ألمانيا بالمونديال بمتوسط أعمار 27.4 عامًا للاعبيها.
خرجت أسبانيا من الأدوار الأولية في مونديال ألمانيا عام 2006 حينما كان متوسط أعمار اللاعبين 24.9 عامًا، في حين فازت باللقب في الماما أفريكا عام 2010 عندما صار متوسط أعمار لاعبي منتخبها 27.3 عامًا.
يبدو الأمر منطقيًا الآن. يتألق الفريق حين يكون متوسط أعمار لاعبي الفرق يتراوح حول 26 أو 27 عامًا، ثم تمر الثلاث سنوات اللعينة التي قصدها غوتمان، فيتجاوز معدل أعمار الفريق حاجز الثلاثين عامًا، فيحدث ما يعرفه الجميع!
لا تسلم الجرة كل مرة
لا يتعلق الأمر دومًا بمعدل الأعمار، لكن كما يقول المحرر الإنجليزي روني بارني، لا يوجد في كرة القدم أشد قسوة من التأثيرات الخارجية غير المتوقعة، والتي لا يكون لأحد ذنب فيها.
في عام 1966 أُجبر المدير الفني لفريق ديناموكييف «فيكتور ماسلوف» –أول من قام بتطبيق طريقة 4-4-2 في كرة القدم- على التخلي عن 6 من قوام فريقه الأساسي للعب في كأس العالم 1966 تحت علم الاتحاد السوفييتي.
نجح ماسلوف بثورته التكتيكية في التغلب على تلك الظروف، وفاز بدوري الاتحاد السوفييتي لثلاثة مواسم على التوالي منذ عام 1966 وصولًا لعام 1968. لكن حين تكرر الأمر ذاته في مونديال 1970 وتم الاستعانة بأغلب لاعبي دينامو كييف لتمثيل الاتحاد السوفيتي في المونديال سقط ماسلوف بدينامو كييف سقوطًا مدويًا.
ضغط لا ينتهي
حاول أن تسافر معي عبر آلة الزمن 50 عامًا لتصل إلى عام 2020: عام الكورونا. انتهت الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى لموسم 2019/20 في وقت متأخر، ثم بدأت أيضًا -وبدون راحة كافية- في وقت متأخر وصارت الأندية مطالبة بلعب مباريات أكثر في وقت أقل لتعويض التأخير الحادث في بداية الموسم.
على سبيل المثال حقق باريس سان جيرمان في ال 17 الجولة الأولى من الدوري الفرنسي هذا الموسم 35 نقطة. في حين أنه قد جمع 47 نقطة لنفس عدد المباريات في موسم 2018/19. وعندما سُئل توماس توخيل عن تلك البداية غير الممطمئنة قبل إقالته قال: «أنا منهك، واللاعبون منهكون. لا يمكن تحمل كل هذا الضغط».
لعبت أغلب أندية الدوريات الخمس الكبرى 22 مباراة في حوالي 101 يومًا من شهر سبتمبر/أيلول وصولًا لشهر ديسمبر/كانون الأول، بمعدل 4.6 يومًا/ مباراة وهو معدل عالٍ للغاية.
يبدو أن الطبيب الألماني معه كل الحق، فقد حرم ذلك المعدل الغريب للمباريات فريق ليفربول الإنجليزي من عدة لاعبين وصل عددهم إلى 10 لاعبين في بعض فترات النصف الأول من الموسم، أبرزهم على الإطلاق بالطبع كان الهولندي فيرجيل فان دايك.
جرس إنذار
يبدو السقوط العنيف للاعبي الريدز في الأنفيلد مبررًا ولو بشكل نسبي الآن. فالظروف الخارجية كانت ضد الفريق هذا الموسم وهو ما دفع يورجن كلوب لانتقاد رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، مطالبًا بالحرص على سلامة اللاعبين وتخفيف ضغط المباريات بنفس درجة الحرص على عقود البث التي تدفعهم لضغط المباريات بهذا الشكل.
قد يكون محقًا بسبب تركز هذا الكم من الإصابات، لكن ثمة شيء آخر يجب على المدرب الألماني الانتباه إليه.
أشارت إحصائية نشرها موقع The Athletic الأسبوع الماضي، أنه وعلى الرغم من جميع إصابات الريدز، لا يزال 7 من لاعبي ليفربول يلعبون 80% أو أكثر من مباريات هذا الموسم؛ ليصير هذا الفريق الأكبر في تاريخ ليفربول بالدوري الإنجليزي الممتاز وفقًا لعدد دقائق اللعب في الملعب.
بلغ روبرتو فيرمينو من العمر 29 عامًا في أكتوبر الماضي. ساديو ماني ومحمد صلاح على وشك بلوغ عامهم ال 29 في أبريل ويونيو على التوالي. على المستوى الفردي، لا شيء من هذا يدعو للقلق، لكن النمو المتوازي في السن للثلاثي معًا هو مصدر القلق، خاصة عندما يكون هذا هو الموسم الرابع معًا. تذكر مقولة جوتمان دائمًا.
نعود الآن من حيث أتينا. لم يكن ليفربول محظوظًا بالإصابات والظروف الخارجية هذا الموسم، لكن هذه المحنة سلطت الضوء على المشكلات الأساسية مع الفريق الذي قد يكون الآن قد تجاوز لتوه وقت تألقه، ودخل سنة جوتمان وتجاوز لاعبوه سن تألقهم المثالي بثلاث سنوات كاملة.