لماذا فشل أوزيل في التأقلم مع كرة القدم الغاضبة؟
كان مسعود أوزيل ذلك اللاعب المحبوب الذي ينتظر الجميع ملامسته للكرة كل أسبوع، لكن فجأة، لم تعد لمساته العبقرية تشفع له الاستمرار داخل الملعب. أما خارجه، فتحوّل مسعود من نجم يزاحم ميسي على لقب أفضل صانع ألعاب في أوروبا إلى مجموعة من الأخبار الصحفية، أهمها على الإطلاق، خبر اعتزال من لُقب يومًا بعازف الليل.
هل أذنب أوزيل لأنه لم يحافظ على كونه معبودًا للجماهير؟ أم أنّه ضحية جديدة لهوس الجميع بفكرة صناعة الأبطال المثاليين؟
أفضل من زيدان
حين وصل أوزيل سن المراهقة، كان مركز صانع الألعاب في طريقه للانقراض بسبب تطوّر أساليب اللعب، وما كان الشاب الذي لم يكن قد اختار بعد تمثيل أي من المنتخبين الألماني أو التركي، سوى محاولة أخيرة من كرة الشوارع، أو بالأحرى الملاعب المسماة «أقفاص القرود»، لإنتاج لاعبين أفضل تقنيًا من هؤلاء الذين تسعى ألمانيا لتكوينهم بالأكاديميات.
في أقفاص غيلسنكيرشن الألمانية، حيث لا تسري قواعد كرة القدم المتعارف عليها، أدرك أوزيل أن حجمه الضئيل نسبة لأقرانه لا يجب أن يشكل عائقًا له، بل على العكس تمامًا، تدفعه هذه الظروف إلى استخدام موهبته الفريدة في المراوغات والتمرير، والأهم منحه قوة التحمل المطلوبة لمقارعة من هم أكبر سنًا.
كانت هذه هي الفكرة الأساسية التي مثلت الوقود الذي يدفع أوزيل خلال مسيرته الاحترافية بداية من شالكه، وصولًا لنهاية مسيرته الحقيقية بأرسنال؛ حيث أراد الجميع دون وعي أن تنجح فكرة صانع الألعاب الكلاسيكي مجددًا، حتى وإن كان كسولًا في بعض الأحيان.
في 2013، تساءل الكاتب الإنجليزي جوناثان ويلسون عن التغيير الذي قد يطرأ على الدور الذي يقوم به صانع الألعاب في المستقبل. وأثناء محاولته الإجابة على هذا التساؤل، توقّع ويلسون أن المستقبل ليس لأمثال أوزيل، بل لنموذج مختلف من لاعب الوسط، الذي يمتلك قدرات دفاعية أكثر ولو بقليل.
بالفعل صدقت نبوءة الكاتب الإنجليزي، فبعد نحو 5 أعوام من كتابة ملاحظته، لم تعد هناك رغبة في استخدام صانع ألعاب. والمفارقة، أن هذا التغيير الجذري في أساليب اللعب، الذي يعتمد على الضغط، ولا يهتم كثيرًا باللاعبين المبدعين أمثال أوزيل وصل من ألمانيا أيضًا، التي حاولت قبل سنوات قليلة عن طريق مسعود أن تُقدِّم للعالم زيدان الجديد.
يعتقد مايكل كوكس، محلل ذي أثلتيك، أن مسيرة الألماني، الذي تم تصويره في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة كنموذج لصانع الألعاب المستقبلي، ليست سوى دليل على القفزة التكتيكية التي شهدتها اللعبة في 10 سنوات فقط، حيث أصبح نجم ريال مدريد وأرسنال السابق منبوذًا، لأكثر من سبب، لكن أهمها، هو أن طريقة لعبه لا تواكب كرة القدم الحالية.
الفتى المدلل
مع تراكم الأحداث، امتلك الجميع صورة ذهنية عن أوزيل اللاعب: شاب مزاجي، مُدلل منذ كان ناشئًا، يرغب في الحصول على امتيازات داخل أرض الملعب وخارجه. في الواقع هذه هي نصف الحقيقة.
بالفعل، عومل أوزيل معاملة خاصة من مدربيه، رغبةً في الاستفادة من موهبته، فمثلًا؛ يحكي آرون رامسي، نجم أرسنال السابق، أن آرسين فينجر، كان يمنحه إجازات استثنائية من التدريبات. فيما حاول مورينيو أن يستفزه لإخراج أفضل ما فيه. لكن طبقًا لفينجر، لم يكن لذلك علاقة بكونه مدللًا، حيث يعتقد أن النجم الذي استقدمه لملعب الإمارات صلبًا للغاية، يعمل بجد، لكنّ لغة جسده لا تساعده.
يخبرنا أوزيل أنه لم يكن مرفهًا على أي حال، كما لم تسر مسيرته الرياضية بمنحنى متصاعد على الدوام، فقبل أن يصبح ذلك النجم الذي ينتقد لعدم مساندته للفريق، كان واضحًا بشأن ما يريد: اللعب.
حين وصل مسعود لفيردر بريمن الألماني، وجد نفسه يلعب مع الفريق الثاني، وقتئذٍ أدرك أنّه عليه أن يخلع الوجه الخجول الذي يعرفه الجميع، ويرتدي آخرًا أكثر حزمًا، وقتئذٍ، اتصل أوزيل بوكيل أعماله وأخبره بأنه لم يأت لبريمن كي يلعب مع فريق الناشئين، وإن لم يتغير ذلك فورًا، ربما يفكر بالرحيل سريعًا.
كان ذلك أحد أهم الدروس التي تعلمها أوزيل عن طريق مدربه «نوربرت إلجيرت» في شالكه، أن يثق بقدراته، دون غرور. وربما كانت هذه هي المشكلة التي واجهها اللاعب نفسه في آخر سنوات مسيرته؛ حين تعارضت موهبته النقية مع آراء المدربين، وطرق اللعب ونقد الصحافة والجماهير.
بالتالي كان الطريق الأقصر هو وصفه بالكسول، أو المدلل، على الرغم من أنّه نفس اللاعب الذي رأى الجميع أن كسله وتدليله مبررًا.
لست مثاليًا
على امتداد مسيرته، كان أوزيل لاعب كرة القدم الذي تحب جماهير كرة القدم أن يمثلها. بداية من كونه نموذجًا لمهاجر نجح في جلب كأس العالم لألمانيا، وصولًا لاعتباره صوتًا لملايين المستضعفين حول العالم.
في كتابه «Gunning for greatness»، يحكي أوزيل عن الدافع خلف حرصه على مساعدة الفقراء والمستضعفين حول العالم؛ ببساطة لأنه على الرغم من امتلاكه ثروة ضخمه، كان منهم، يعمل والده ووالدته لتوفير أقل القليل، وربما كان ليصبح أحد هؤلاء الذين يساعدهم فقط إذا ما ولد في بقعة أخرى من هذا العالم.
هذه الرؤية، دفعت الصحافة الألمانية، بخاصة بعد كارثة الخروج من دور المجموعات بكأس العالم 2018، وقصة صورته الشهيرة مع «رجب طيب أردوغان»، للتشكيك في توجهات أوزيل السياسية.
على العكس تمامًا، يرى أوزيل أنّ لاعب كرة القدم لا يجب أن يدلو بدلوه في كل قضية تُثار، بل عليه التركيز على تحسين جودة تمريراته ومراوغاته؛ لأنها الأشياء التي يتقاضى أجرًا خياليًا بسببها.
حقيقة، الأزمة كانت حين انتقدت بعض المنابر الإعلامية الألمانية حصول لاعبي المنتخب الألماني على تدريبات إعلامية من أجل اختيار كلمات مخففة ردًا على بعض الأسئلة الصحفية السياسية المحرجة. طبقًا لـ«بيلا ريثي»، الصحفي والمعلق الألماني، تجعل مثل تلك التدريبات لاعب كرة القدم أشبه بالتلميذ داخل المدرسة، يهتم معلموه بكل أغراضه، باستثناء الاهتمام بنظافة أظافره.
بالتالي، لم تكن المشكلة الحقيقية في أن أوزيل لاعب يمتلك توجهًا سياسيًا، حتى ولو أنكر ذلك مرارًا، لكن لأنّه امتلك آراء تختلف جذريًا مع الآراء التي يريد المجتمع الألماني أو الأوروبي بشكل عام أن تنتشر.
في النهاية إذا ما نظرنا لمسيرة مسعود أوزيل كاملة، ربما نجد أنّه لم يكن السبب في افتعال الأزمات. لم يطالب بأن تعيد مسيرته إحياء صانع اللعب الكلاسيكي، ولم يتعمد الظهور ككسول لا يأبه بمصلحة الفريق، كما سعى كما طالبوه إلى أن يكون صوتًا مؤثرًا. لكن الفارق كان الاختلاف في رؤية الجميع مع رؤية أوزيل لنفس الأمور.
لم تطُل الفترة ما بين وميض أوزيل وانطفائه؛ ربما لأنه شخص عادي، فشل في التأقلم مع عصر كرة القدم الغاضبة، عفوًا! الحديثة.