لماذا كذبت حملة نبيل القروي؟ القصة الكاملة لعلاقته بضابط الموساد
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.
وصل رجل الأعمال التونسي نبيل القروي إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية عام 2019، ونافس فيها الأستاذ الجامعي قيس بن سعيد، الذي فاجأ الجميع وأصبح رئيسًا للبلاد، رغم افتقاده للدعم المادي أو السياسي، على عكس منافسه.
كان ذلك في مطلع أكتوبر (تشرين الثاني) 2019، وفي تلك الأيام انتشرت أخبار على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات إخبارية مختلفة عن وجود تعاقد بين نبيل القروي، وآري بن ميناشي، ضابط الموساد السابق، يعمل فيه بن ميناشي لصالح القروي في ملفات عدة؛ منها السعي لإنجاحه في الانتخابات الرئاسية.
نفت حملة القروي وجود أي علاقة بينه وبين شركة ضابط الموساد السابق، وقالت إن محمد بودربالة، الذي وقع العقد نيابةً عن القروي، «لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمرشح نبيل القروي»، وإن الحديث عن العقد جزء من «الحملات التشويهية الشرسة التي تنال» القروي منذ سنوات و«تجاوزت كل الخطوط الحمراء».
لكن وثائق الشركة المنشورة على موقع وزارة العدل الأمريكية، تُظهر أن بيان حملة القروي مضللٌ على أقل تقدير.
نشرت الشركة وثائق أخرى في الشهور التالية، صدرت إحداها في يناير (كانون الثاني) 2020، وذكرت اسم زوجة نبيل القروي، سلمى سماوي، التي أجرت تحويلات مالية على دفعتين، الأولى قيمتها 50 ألف دولار، والأخرى 100 ألف، لحساب شركة ضابط الموساد السابق في يوم 23 سبتمبر (أيلول) 2019.
بعدها بيومين، في 25 سبتمبر، حصلت الشركة على مبلغ 100 ألف دولار، محولة باسم سليم حمدادو، ليصبح مجموع ما أخذته الشركة من حملة القروي 250 ألف دولار أمريكي.
في هذا التقرير نستعرض قصة التعاقد وتطوراته بكامل التفاصيل المالية والسياسية المتاحة عنه.
من هو نبيل القروي؟
نبيل القروي هو رجل أعمال تونسي أسس حزب «نداء تونس» وترأسه، دخل عالم الإعلام بعد ظهوره على قناة «نسمة» التي يملكها، ومقابلاته المستمرة لمواطنين تونسيين ومناقشتهم في مشاكل البلاد.
قبل الانتخابات بعامين، في 2017، وُجهت تهم فساد مالي وتهرب ضريبي ضد القروي، من منظمة مدنية تونسية اسمها «أنا يقظ»، تهدف لمكافحة الفساد المالي وتعزيز الشفافية. ومع تقدم القضية المرفوعة على القروي جُمِّدت أصوله ومنع من السفر. وفي نهاية أغسطس (آب) 2019 سُجن نبيل القروي، لكن لم يصدر قرار بمنعه من المتابعة من الترشح للانتخابات الرئاسية.
بدأت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في 15 سبتمبر 2019، وتأهل منها المرشحان: قيس بن سعيد، ونبيل القروي من محبسه، وجاء مرشح حزب النهضة، عبد الفتاح مورو، في المركز الثالث. لتبدأ بعد ذلك التجيهزات للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وانعقدت في 13 أكتوبر، لتنتهي بفوز قيس بن سعيد برئاسة الجمهورية بانتصار ساحق، حاصدًا 72% من أصوات الناخبين.
نبيل القروي، السياسي التونسي والمرشح السابق لرئاسة تونس
وفي نفس الفترة جرت الانتخابات البرلمانية، في يوم 6 أكتوبر، وجاء فيها حزب النهضة بالمركز الأول، يليه حزب القروي، نداء تونس.
وفي خضم هذا السباق السياسي المحموم، وبينما يقبع القروي وراء القبضان بتهم الفساد، أخذت زوجته سلمى السماوي زمام قيادة حملته الانتخابية ولعبت دور المتحدث الرسمي باسم زوجها.
القروي يحاول الاجتماع بترامب وبوتين
قبل اعتقال نبيل القروي بأربعة أيام فقط، وقَّع عقدًا مع آري بن ميناشي، عميل الموساد السابق والمستشار السياسي لعدة سياسيين وحكومات عربية وأفريقية، منها الإمارات، واللواء الليبي خليفة حفتر، ومؤخرًا محمد حمدان دقلو، المشهور بحميدتي، وقائد قوات الدعم السريع سيئة الصيت في السودان. وباختصار، يعمل بن ميناشي عن كثب في خدمة محور الثورة المضادة في العالم العربي.
سجل العقد في 19 أغسطس 2019، وكانت قيمته الأساسية مليون دولار لمدة عام.
كان للعقد أهداف طموحة، تبدأ أولًا بالضغط السياسي على الكونجرس الأمريكي، وعلى الحكومة الأمريكية، ووكالاتها التابعة لها، «لدعم جهود نبيل القروي ليصبح رئيسًا لتونس»، كما يذكر العقد، ويذكر أيضًا السعي «للتأثير في سياسة الولايات المتحدة لتتوازى مع محاولة نبيل القروي» للترشح لرئاسة تونس.
تطول قائمة الأهداف، لتشمل الضغط على روسيا والاتحاد الأوروبي، وعلى الأمم المتحدة. بالإضافة لأي دولة أو جهة أخرى يتفق الطرفان على الضغط عليها.
ولربما أكثر الأهداف طموحًا هو عمل بن ميناشي على تنسيق اجتماع نبيل القروي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومسؤولين أمريكيين آخرين قبل الجولة الانتخابية الأولى للرئاسة في 15 سبتمبر 2019. ولا تقتصر القائمة على مسؤولين أمريكان، بل تضم العمل على اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نفس الفترة، بهدف «الحصول على دعم مادي للدفع نحو الرئاسة».
وأخيرًا، في حال فوز القروي بالانتخابات، كانت ستعمل الشركة على ترتيب دعم كامل للاقتصاد التونسي، وتنسيق استثمارات من شركات أمريكية في تونس.
وفي نهاية العقد وقّع نيابةً عن القروي شخص اسمه محمد بودربالة، الذي نفت حملة القروي أي علاقة به.
صورة توقيع محمد بودربالة، ممثلًا عن نبيل القروي، وفوقه توقيع آري بن ميناشي، ضابط الموساد السابق ورئيس الشركة. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
هل تم إطلاق سراح القروي بضغوط أمريكية؟
على عادة الشركة في تعاملها مع كافة زبائنها، لم تذكر في وثائقها أي تفاصيل إضافية عن الجهات التي تواصلت معها وعن نوعية التواصل وتاريخه. واكتفت الشركة بالتصريح في ملفاتها بأنها حافظت على تواصل مستمر مع الحكومة الأمريكية، لا للضغط عليها لتعديل سياساتها، ولكن لتقديم استشارات للمرشح الرئاسي بشأن «السياسات الأمريكية» تجاه الانتخابات في تونس.
الوثيقة المنشورة في 21 يناير 2020 تذكر أيضًا المدفوعات التي تلقتها الشركة نيابةً عن القروي، وكما ذكرنا آنفًا، قامت زوجة القروي، سلوى سماوي، بتحويل دفعتين: الأولى قيمتها 50 ألفًا والثانية 100 ألف دولار، حوَّلتها في يوم 23 سبتمبر 2019. ثم جاءت دفعة أخرى في يوم 25 سبتمبر قيمتها 100 ألف دولار، باسم سليم حمدادو. وبذلك يكون المجموع 250 ألف دولار أمريكي.
ثم نشرت الشركة وثيقةً أخرى في 17 يوليو (تموز) 2020، تحوي تفاصيل جديدة عن علاقتها بقروي.
ذكرت تلك الوثيقة أن الشركة أنهت علاقتها مع القروي في الربع الأخير من عام 2019، بعدما «أمَّنت -الشركة- الإفراج عنه من السجن، بالتعاون مع وكالات أمريكية، فورًا قبيل الانتخابات التونسية»، في إشارة لقرار الإفراج عنه في 9 أكتوبر (تشرين الثاني) 2019، قبل أيام من الانتخابات.
السياسي التونسي نبيل القروي مع زوجته سلوى سماوي.
ومن الجدير بالذكر أن المحكمة قررت الإفراج عنه بعد تقديم محاميه لطعون عدَّة رفضت جميعها سابقًا.
ولكن، لماذا أنهت «ديكنز آند ماديسون» علاقتها بنبيل القروي؟ تقول الشركة في الوثائق إنها اتخذت القرار بعد اطلاعها على «سوء تصرف كبير، يشمل تحريفًا وتجاوزًا ماديًّا» من طرف القروي، بالإضافة «لفشل العميل الأجنبي في الالتزام بشروط اتفاقه» مع الشركة.
هذه القصة جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.