لماذا لم يخف «مروان محسن» من الجمهور عند السخرية من نفسه؟
في العِقد الأخير، وبعد توغل وسائل التواصل الاجتماعي في حياة المصريين عقب ثورة يناير، صار هناك آلية متبعة من المشاهير وغيرهم ممن لم يحظوا بها حتى؛ لمواجهة سهام النقد اللاذعة التي قد تُوجَّه لهم عند قيامهم بخطأ فادح أو فعل ساذج يثير موجات السخرية الجماعية ضدهم. تلك الآلية المتبعة هي السخرية من النفس.
مطرب يغني كلمات ركيكة ساذجة يسخر منها الجمهور، فيسخر معهم من نفسه. إعلامي يتعرض لموقف محرج، فيلقي الجميع الضوء عليه، فيشارك الجماهير الضحك؛ لأن صدره رحب بالطبع لكل الآراء. ممثل بشرة لونه مميزة، فيتعامل وكأن ليس لديه أي أزمة حقيقية في سخرية الجمهور المبالغ فيها أحيانًا على وسائل التواصل.
إذا ما الجديد الذي جعل الجمهور يهاجم مروان محسن مهاجم النادي الأهلي المصري تحديدًا بتلك الضراوة، بالرغم من محاولته في إحدى الإعلانات التجارية منذ أيام قليلة اتباع نفس الآلية: السخرية من النفس؟
السخرية بمقابل أم بدون مقابل؟
الجديد في حالة مروان محسن أنه حاول ممارسة تلك الآلية بعدما رفضها في البداية بشدة، على عكس الباقين الذين يبدأون تعاملهم مع سخرية الناس منهم من تلك النقطة التي انتهى مروان عندها.
خرج على الهواء منذ عام كامل تقريبًا، ليبكي من الضغوط التي يتعرض لها في لقائه مع سيف زاهر. بكاء أثار تعاطف قطاع كبير من الجماهير معه مطالبًا المدونين على السوشيال ميديا بتخفيف وتيرة النقد الساخر للمهاجم المصري. كان ذلك اللقاء بمثابة درع الحماية وإعلام الجميع بأن الشنطة فيها كتاب دين.
لم يمر عام واحد على ذلك اللقاء، حتى قام مروان بتسجيل إعلان لصالح إحدى الشركات العقارية المصرية. إعلان تقوم فكرته بالأساس على السخرية من إهدار المهاجم المصري للأهداف بشكل ساذج. انتشر الإعلان بشكل فيروسي على صفحات مواقع الاجتماعي في أقل من 24 ساعة.
هنا انقسم الجمهور إلى قسمين: الأول هو من شعر وكأنه تعرض لخدعة شهيرة للغاية في الشارع المصري. من يبكي أمامك ليقنعك أنه يعاني في حياته وبحاجة للمال بشكل مُلح، وبعد أن تتعاطف معه تكتشف أنه أكثر ثراءً منك وله بيت أو ما شابه. تلك الأساطير المصرية التي تشعرك أنك ساذج. شعور غير مريح بالطبع.
رفض مروان سخرية الجمهور كأحد أساليب التحفيز السلبي والنقد اللاذعة، وبكى من الضغوط. لكن عندما تواجد مقابل مادي لتلك السخرية، صار يتعامل مع الأمر بأريحية أكبر من ذي قبل ولم تصر هناك دموع.
أما القسم الثاني فهو جمهور النادي الأهلي المصري بالطبع، الذي لن يتقبل بأي حال من الأحوال استخفاف مهاجمه بفكرة انخفاض مستواه وعدم فاعليته على المرمى بهذا الشكل الغريب. فالجمهور يرى سخريته تقويمًا، أما سخرية اللاعب من الأمر فهو استخفاف بمشاعرهم وانتمائهم ولو بشكل ضمني.
لماذا لم يخف من الجمهور؟
في كتابه «الألتراس: العالم السفلي لكرة القدم» لمناقشة علاقة مجموعات الألتراس بالأفكار اليمينية المتطرفة، يقول الكاتب الإنجليزي «توبياس جونز» إن مجموعات الألتراس هي العنصر الأكثر إخلاصًا في لعبة كرة القدم، اللعبة التي لا تتسم بالإخلاص بالأساس.
اللاعبون يلعبون من أجل المال، الألتراس لا. الصحفيون ينتقدون لأن هناك من يدفع الفواتير، الألتراس لا يفعلون. المدربون ومحللو الأداء يتعلمون لكسب العيش، الألتراس يفعلون ذلك فقط لتصحيح أخطاء لاعبيهم بدون مقابل. لكن ما علاقة مروان محسن بذلك كله؟
لم يكن لمروان محسن أن يصل لتلك الحالة لو كان لجماعات الألتراس نفس التواجد الذي كانوا عليه منذ سنوات قليلة في المدرجات.
فشباب الألتراس يتبنون سياسة الدعم غير المشروط، طالما أن اللاعب لم يقم بما هو خارج عن النص الأخلاقي أو التخلي عن النادي، فسيدعمونك مهما كان مستواك الفني طالما أنك داخل الملعب. لكن في المقابل، يشعر اللاعب بوجود رقيب فوري على قراراته أثناء المباراة، الهمهمات الغاضبة في المدرجات كفيلة بأن تجعل اللاعب في أعلى مراحل تركيزه الذهني، أو الانسحاب بهدوء إذا لم يكن قادرًا على تمثيل الفريق.
أذكر في إحدى المرات كنت أقف خلف «سيد مشاغب» قائد ألتراس نادي الزمالك المصري بمسافة قريبة في مباراة بكأس مصر عام 2011 أمام فريق الجونة، وسمعته وهو يسب أحد لاعبي الفريق على كرة ضائعة بصوت مسموع لمن هم قريبون منه فقط، ولم تمر ثوانٍ قليلة حتى كان يصرخ بهتاف عالٍ للغاية لتشجيع ذلك اللاعب.
جمهور الألتراس وإن كان عدده أقل بكثير من جمهور السوشيال ميديا الحالي، إلا أنه كان جمهورًا نوعيًّا – إن صح التعبير – فمن المنطقي أن شابًّا قد ضحى بكل ذلك الوقت من يومه، والمجهود من بدنه، بل المال في بعض الأحيان، أن يكون لديه حد أدنى من الوعي والفهم لما يبذل في سبيله كل ذلك. سيفكر ألف مرة قبل تقييم لاعب فريقه.
أما الآن فالعدد أكبر على السوشيال ميديا، والأعمار أصغر، والآراء حادة ومتسرعة بشكل غريب؛ لأن الاستقطاب وصل لدرجات مخيفة. فاليوم نسخر من مروان، وغدًا نصعد به للسماء بعد تسجيل هدف عادي للغاية، فيكسب مروان رصيدًا من الصبر يكفيه لخمس أو ست مباريات قادمة. ذلك الرصيد لدى جمهور السوشيال ميديا، والإدارة التي تنصت لهم بعناية لأنها تخاف من هجومهم.
ينتهي رصيد الصبر فيعود مروان لما كان عليه، فيسجل هدفًا ويبكي، فيدعمه قطاع من الجمهور .. وهكذا. دائرة مفرغة لا تنتهي، كان من المستحيل أن تظهر بالأساس لولا اختفاء الألتراس والجماهير بالمدرجات في العالم الواقعي لا الافتراضي.
وماذا بعد؟
السؤال الآن: وماذا بعد؟ هل سيكون للإدارة ردة فعل حقيقية تجاه هذا الإعلان أم ستتعامل مع الأمر بشكل أهدأ من ذلك، طالما أن اللاعب لم يسئ للنادي بشكل مباشر في الإعلان؟
حالة مروان محسن مع إدارة النادي الأهلي تستحق الوقوف أمامها قليلًا للتأمل. فالإدارة بنوعيها: الاقتصادية والجماهيرية، لا تؤيد تواجد مروان كل هذه الفترة بين جدران القلعة الحمراء.
فعلى المستوى التجاري، يتقدم مروان في العمر وبالتالي تقل قيمته التسويقية، لا سيما وسط المستويات المتواضعة التي يقدمها مع الفريق. أما على المستوى الجماهيري فحدث ولا حرج، خاصة بعد هذا الإعلان الأخير. فمن الذي يبقي عليه حتى الآن؟
أما عن علاقة الجمهور بمروان محسن فستمر باحتمالين لا ثالث لهما بعد هذا الإعلان. الأول أن يستعيد المهاجم الشاب جزءًا من مستواه فيحرز هدفين في مباراتين متتاليتين، فيصنع بهما رصيدًا لدى جمهور السوشيال ميديا وإدارة النادي يكفيه لأيام أكبر.
أما الاحتمال الثاني فهو أن يستمر مروان محسن في تقديم تلك المستويات المتواضعة فيرتفع رتم الانتقادات أكثر فأكثر. لكن عليه أن لا يسد أذنه للجمهور هذه المرة عند إحراز هدف بعد عشر مباريات من العقم التهديفي؛ لأنه صار واضحًا للجميع أنه يستمع جيدًا لانتقادات الجماهير ويخطط للاستفادة المادية القصوى من خلالها.