لماذا اختار إمام عاشور القميص رقم 22 في الأهلي؟
هناك من لا تمثل له أرقام قمصان اللاعبين شيئًا. القصمان وأرقامها لا تركض وتسجل وتحتفل، بل أصحاب القمصان حتى ولو كانت دون أرقام هم أبطال العرض.
في الأصل، لم يتعد مفهوم القمصان المرقمة في كرة القدم أكثر من مساعدة المشجعين والمسؤولين على معرفة اللاعبين وأدوارهم. لكن مع الوقت، اتخذت أرقام اللاعبين معنى أوسع وأصبح لها دلالات مهمة.
تشير الأرقام إلى أدوار تكتيكية دائمًا، وهناك لاعبون أصبحت أرقام قمصانهم أيقونة رغم أنها لم تكن تعني شيئًا قبل وجودهم. الرقم 74 لا يعني شيئًا خارج مصر، بينما داخل مصر يعني الكثير. قررت بعض الأندية تعليق أرقام قمصان محددة للأبد وفاءً لأصحابها. وفي بعض الأحيان تصبح الأرقام جزءًا من العلامة التجارية الشخصية للاعب، بل صار هناك لاعبون يشترطون كتابة رقم القميص في العقد رفقة النادي. وأحيانًا يرتدي اللاعب رقمًا غير مناسب لدوره مما يجعل من الصعب أخذه على محمل الجد.
إذا لم يقنعك كل ذلك أن لأرقام القصمان دلالات مهمة في عالم كرة القدم، فدعنا نتعرف سويًا على قصة باولو فوتري والرقم 10، ثم نستكمل حديثنا.
قصة باولو الذي يستحق الرقم 10
كان البرتغالي «باولو فوتري» واحدًا من أعظم لاعبي جيله دون شك. رفع ذات الأذنين مع بورتو وهو في عامه الحادي والعشرين، ثم صنع المجد رفقة أتلتيكو مدريد. إلا أن فوتري لم يعد كسابق عهده أبدًا بعد تعرضه لإصابة خطيرة في الركبة في أول ظهور له مع ريجيانا في عام 1993. قرر باولو بعد ذلك الانتقال إلى إنجلترا والانضمام إلى وست هام لكنه لم يلعب مباراته الأولي أبدًا رغم جاهزيته التامة.
اتفق فوتري مع ويستهام على ارتداء القميص رقم 10 بل ووضع بندًا في العقد ينص على ذلك، وهذا ما حدث بالفعل طوال المباريات التحضيرية للموسم الجديد، ثم حدثت المفاجأة. كانت المباراة الأولي للهامرز أمام أرسنال، قام فوتري بالإحماء وكان على وشك تغيير ملابسه لبدء المباراة لكنه وجد القميص رقم 16 في انتظاره!
صرخ فوتري في وجه الجميع؛ لن أرتدي هذا القميص، أوزيبيو كان رقم 10 وكذلك مارادونا وبيليه، وفوتري يستحق الرقم 10 وليس 16. قرر الرجل الغاضب مغادرة الملعب على الفور ولم ينجح أحد في إقناعه بارتداء القميص 16 ولو لمباراة واحدة.
لم يستطع باولو التنازل عن رقمه المفضل؛ لأنه يفهم جيدًا أن لهذه الأرقام دلالات مهمة. كان ويستهام فريق منتصف جدول وكان فوتري رجلًا له إنجازات أتى لإنجلترا لمحاولة وضع الأمور في نصابها الصحيح. أتى لأنه مقتنع أنه سيكون الرجل الأهم في الفريق، الترس الرئيسي في ماكينة الهامرز الجديدة. لذا شعر أن القميص رقم 16 عدم اعتراف بقدراته للقيام بهذا الدور، وإذا كانت هذه الحقيقية فهو لا يحتاج أن يكون هنا الآن.
دعنا نتفق الآن على فكرة دلالة أرقام قمصان اللاعبين، وهنا دعنا نفكر لا نجيب؛ لماذا قرر إمام عاشور ارتداء القميص رقم 22؟
قصة قميص القديس
قرر إمام عاشور اختيار القميص رقم 22 عقب انتقاله للنادي الأهلي. القصة البسيطة تخبرك أن الرقم 8 الخاص بإمام كان من نصيب أكرم توفيق لذا اختار إمام الرقم الأقرب للاعب خط الوسط من بقية الأرقام المتبقية وهو الرقم 22.
أما القصة التي يعتقد فيها جماهير النادي الأهلي والتي نوه لها رجل تثق فيه هذه الجماهير، وهو أحمد شوبير، أن إمام هو من قرر ارتداء هذا الرقم؛ لأنه يعرف أنه قميص له قيمة داخل جدران الأهلي.
عالميًا ينتزع الرقم 22 أهميته من اللاعب ريكاردو كاكا خصوصًا في نسخة الميلان الخالدة. أما في مصر فهذا الرقم يخص القديس وحده؛ محمد أبو تريكة. لا نملك إحصائية رقمية دقيقة ورغم ذلك يمكننا التأكيد أن قميص الأهلي رقم 22 في نسخته الشعبية تحديدًا هو القميص الأكثر انتشارًا في تاريخ كرة القدم في مصر، لكن الأهم في حالة إمام أنه قميص الأخلاق الحميدة.
ترك تريكة فى قلوب المصريين إرثًا لا ينتهي من المواقف النبيلة، لذا كان قميصه إرثًا ثقيلًا هو الآخر، فمن العاقل الذي يضع نفسه طواعية في مقارنة مع هذا الرجل. هنا ظهر لنا صالح جمعة؛ لاعب موهوب واعد لا ينقصه من مهارات كرة القدم إلا شيئًا وحيدًا وهو الالتزام. هذا يجعله أبعد ما يكون عن قميص أبو تريكة ولذا تحديدًا اختار هذا الرجل الذي يعيش حياة صاخبة هذا الرقم الذي يقدسه الكثيرون.
التفسير الأقرب في حالة صالح جمعة هي تأثير دانينج كروجر أو ما يمكن التعبير عنه بمصطلح «ثقة الجاهل». وثق صالح في إمكانياته الفنية للحد الذي اعتقد أنها ستغنيه عن التعامل كمحترف؛ لذا احتمي بقميص تريكة لترك انطباع مغاير داخل نفوس جماهير الأهلي. في المقابل تعاملت جماهير الأهلي مع صالح بصبر غير معتاد إطلاقًا، إلى أن قرر السويسري فايلر أن يضع حدًا لهذه الرحلة الساخرة.
قبل أن يرحل صالح عرف جيدًا أن هذا القميص سيكون أثقل من كاهله فتركه للقميص رقم 10، وهنا ظهر لنا وافد جديد وهو اللاعب أحمد الشيخ. ارتدى الشيخ القميص 22 في ناديه السابق مصر المقاصة بالفعل؛ لذا فالرجل من محبي الرقم وتريكة، حتى وإن عُرف عنه انتماؤه للزمالك.
الأقرب لتفسير حالة الشيخ هو هبوط مستوى الكرة في مصر في العموم، فهذا اللاعب متوسط الجودة كان الصفقة الأهم للأهلي ولذا كان ارتداؤه الرقم غير مستغربًا لكنه في الأخير أفقد الرقم بريقه ورحل.
ظهر لنا أخيرًا اللاعب محمد محمود، لاعب أهلاوي بشكل واضح يحفظ القرآن ويرتله ويجد في رقم تريكة طموحًا مستحق. لكن ما حدث بعد ذلك من سوء حظ نعرفه جميعًا ولا يمكن فيه لوم الرجل.
لماذا تناولنا قصص الثلاثي الذي حمل القميص 22 قبل إمام؟ لأن الرابط المنطقي لإمام والقميص 22 هو مزيج بين قصتي صالح والشيخ وتخوف من قصة محمد محمود.
قصة إمام مع القميص رقم 22
يريد إمام الاحتماء بالرقم 22 مثلما فعل الثلاثي من قبل. رسالة واضحة بأنه أصبح أهلاويًا تمامًا، لكنه في المقابل يفعل ذلك بثقة مخيفة بعض الشيء. يراهن على قميص سيفرض عليه كودًا أخلاقيًا شديد الصعوبة، فإذا أخطأ إمام سهوًا سيقابل اتهامات بأنه لم يكن على قدر رقم القميص الذي اختاره.
لكن إمام يدخل هذا الرهان متسلحًا بمزيج من قصتي صالح والشيخ، أي مزيج من الثقة الكاملة في إمكانياته خصوصًا وأنه بدنيًا أفضل من صالح، وإيمانًا أنه في أسوأ نسخة له سيكون من أفضل لاعبي الدوري في مركزه بسبب سوء مستوى اللعبة في مصر.
أما التخوف الوحيد الذي سيلازم إمام هو التعرض للإصابة لا قدر الله مثل محمد محمود وحينئذ سيصبح قميص تريكة لعنة بشكل واضح لا شك فيه. هل قلت لك أن هناك بعض الأرقام تتحول إلى لعنة من قبل؟ حسنًا هذه فرصة مناسبة لنقص حكاية لعنة التسعة الزرقاء.
قصة لعنة التسعة الزرقاء
فكرة القمصان الملعونة ليست بالنادرة في كرة القدم، لكن أقربها للذاكرة هو فريق تشيلسي الإنجليزي. ربما تلاحظ أن هذا الموسم لم يجرؤ أحد من لاعبي تشيلسي على ارتداء القميص رقم 9 هذا الموسم، الجميع يعرف أن هذا الرقم يسبب نحس كبير لمرتديه.
اعترف مدرب تشيلسي السابق توماس توخيل الموسم الماضي بأنه لا أحد يريد أن يلمس القميص رقم 9، معتقدًا أنه ملعون بعد فشل جونزالو هيجواين وفرناندو توريس وألفارو موراتا وفالكاو وروميلو لوكاكو إلا أن بيير إيمريك أوباميانج قرر أن يخوض المغامرة، لكنه عانى من موسم بائس وغادر ستامفورد بريدج. ربما هذا هو السبب وراء اختيار المهاجمين جاكسون وكريستوفر نكونكو للرقم 15 والرقم 18 على التوالي هذا الموسم.
هل يتحول القميص رقم 22 إلى لعنة؟ لا نتمنى ذلك بالطبع، إنه قميص القديس ولا يليق بالقديس أن يُلعَن قميصه.