أكبر خزان نفط: لماذا اختفى البنزين واللبن من فنزويلا؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تواجه فنزويلا، التي هي أضخم خزان لاحتياطي النفط في العالم، انهيارًا اقتصاديًا عميقًا، وتضخمًا مريعًا تتضارب تقديرات نسبته، وإن صدقت تقديرات صندوق النقد الدولي فستبلغ 10 ملايين في المائة في عامنا هذا.
تكثر النقاشات حول انهيار صادرات النفط الفنزويلية المتسارع، بفعل العقوبات الأمريكية ضد شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة «بتروليوس دي فنزويلا – PDVSA»، إذ تمنع العقوبات أي معاملة تجارية نفطية بين البلدين، مُودية بمورد مستقر للدخل.
تراجع استهلاك فنزويلا من النفط بنسبة 37% خلال السنوات الخمس السابقة على 2017، ومن دلالات ذلك أن البلاد كانت تعاني ضائقة في عهد إدارة مادورو، حتى قبل فرض الولايات المتحدة عقوباتها الأخيرة، عقب إعلان زعيم المعارضة خوان جوايدو نفسه رئيسًا شرعيًا في يناير/كانون الثاني 2019.
ومن دواعي الأسف أن انخفاض معدل استهلاك النفط لم يكن نتاج أسباب طبيعية أو بيئية، وإنما يمكن عدّه من بين أعراض القلق بشأن ظروف البلاد الاقتصادية، ويكفي القول، إن الناتج المحلي الإجمالي ربما يكون قد هوى إلى النصف بين عامي 2015 و2019.
وفي بلد يشح فيه الإفصاح عن البيانات الاقتصادية، يمكن لمنتجات النفط أن تلعب دور المقياس لأنواع مختلفة من الأنشطة الاقتصادية، وتعطي أرقام صادرات النفط وزيت الوقود فكرة عن حجم التدفقات النقدية الواردة من الخارج. وعلى سبيل المثال، يُعد استهلاك الديزل والبنزين مؤشرًا جزئيًا على حجم النشاط التصديري.
تراجع استهلاك الديزل بمتوسط 11% سنويًا بين عامي 2013 و2017، فيما تراجع استهلاك البنزين بمتوسط 7% سنويًا (أو بإجمالي 27%) خلال الفترة ذاتها، ويمثل هذان النوعان من الوقود 70% من حجم الطلب على منتجات النفط في فنزويلا، ويمكن أن نتبين بشكل عام أن نسب التراجع في كل من استهلاك الوقود والناتج المحلي الإجمالي متقاربة إلى حد مدهش.
ولا نعني بذلك أن تقديرات استهلاك النفط في فنزويلا، والتي تعلنها شركات مثل «بريتش بتروليوم»، هي تقديرات سليمة أو قريبة من الصحة، فلقد توقفت إحصائيات رسمية عدة للطاقة عن الصدور بين 2012 و2015، مما ألجأ الخبراء إلى بناء تقديراتهم اعتمادًا على مصادر متعددة.
لقد ثبت أن تقديرات «بريتش بتروليوم» حول أرقام الاستهلاك الكلي للنفط في فنزويلا كانت متفائلة في كل عام، ذلك أن الأرقام الحقيقية كانت دائمًا أقل من تقديرات الشركة.
المشهد على الطبيعة
لم يعد الناس في فنزويلا قادرين على قيادة سياراتهم، والأسوأ أن 90% من الحافلات كانت قد توقفت عن العمل بحلول منتصف 2018، أي أن أعضاء المجتمع توقفوا ببساطة عن العمل أو السفر.
الشركات أيضًا قلّلت استخدامها لوسائل النقل، لأنها تنتج الآن أقل مما كانت تنتجه سابقًا، بما في ذلك إنتاج المواد الغذائية. هذه النقطة الأخيرة تنطوي على خطر رهيب قد يغفل عنه من يدقق في الأرقام على الورق فقط. يمكن للمرء أن يظل حيًا دون سيارة، لكن ليس من دون الطعام. إن لتر لبن في فنزويلا الآن قد يكلف أحدهم عُشر راتبه الشهري.
لقد تشوهت أسعار الوقود في فنزويلا بشدة، بفعل مزيج من التضخم الهائل والدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة؛ وفي منتصف 2018 كان يمكنك شراء 3 لترات ونصف من البنزين مقابل دولار أمريكي واحد، لكنك تستطيع بالكاد شراء أي سلعة غذائية أساسية، وحتى إن وجدت معك من المال ما يكفي لملء خزان سيارتك عن آخره، فقد يصعب العثور على الوقود نفسه، ناهيك بالتكلفة الباهظة لقطع الغيار.
يبدو مستقبل إنتاج النفط في فنزويلا قاتمًا؛ ففي حين يتراجع الإنتاج، تعمل مصافي النفط بأقل من 22% من طاقتها. أما منظومة الكهرباء فكان حجم الخراب فيها مضاعفًا؛ ذلك أن المحطات التي يتم تشغيلها بالوقود الحفري – مثل الغاز الطبيعي والديزل وزيت الوقود- قد أصيبت بالشلل، بينما ابتُليت المحطات التي يتم تشغيلها بالطاقة الكهرومائية بشح الأمطار نتيجة التغيرات المناخية.
كانت النتيجة هي حرمان آلاف المنازل من الكهرباء، ويمكن لعام من الجفاف أن يزيد الطين بلة، إذ سيتطلب إنتاج المزيد من الوقود الحفري، الذي تعجز البلاد عن إنتاجه أصلًا، فضلًا عن شرائه.
وبينما تجثم العقوبات بثقلها على أنفاس البلاد وينفلت مارد التضخم من عقاله، يهوى استهلاك النفط إلى مستويات لم يتردّ إليها منذ التسعينيات. بدأت الحكومة بتقنين استهلاك البنزين في فبراير/شباط، 2019 فيما شرعت باستيراد الوقود المكرر من روسيا والهند وإسبانيا بفواتير «مرعبة»، حسب وصف أحد مسئولي شركة «بتروليوس دي فنزويلا».
وأضرت العقوبات، من بين ما أضرت، بقدرة فنزويلا على نقل النفط الثقيل من حقولها، لأن نقله يعتمد على مواد كانت تُضاف إليه لتخفيفه، المشكلة أنها تأتي من الولايات المتحدة.
لقد عصفت العقوبات والتضخم ومشاكل الإنتاج والتغير المناخي بإمدادات الكهرباء، تاركة إيانا نتساءل:
وحين تخرج إحصائيات النفط إلى العلن خلال الشهور المقبلة، سيُمعن الجميع – من محللي الطاقة إلى صقور الإدارة الأمريكية- النظر فيها، محاولين تبين الاتجاه الذي تمضي فيه البلاد.