لماذا تهتم الامبراطوريات الغازية بملاس النساء المحليات؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
في عام 1810، في مدينة بيناريس الهندية، ساعد مبشر معمداني إنجليزي اسمه سميث في إنقاذ امرأة من الممارسة الهندية التي عرفت باسم «ساتي»، التي يقصد بها حرق الأرامل. وصف سميث المشهد كالتالي: «بمجرد لمس النيران لها. قفزت عن الركام. فأخذها البراهمة فورًا لوضعها مجددًا في النيران، هتفت: «لا تقتلوني! لا أريد أن أُحرق!» ولكن في حضور مسؤولي الشركة (إحدى الشركات البريطانية في الهند)، عادت إلى منزلها سالمة».ذكرت مجلة لندنية الجهود البطولية لشركة الهند الشرقية البريطانية تحت عنوان «تحرير امرأة!». إن كان هناك أمر واحد علمه أوروبيو القرن التاسع عشر عن الهند، فهو طقس «ساتي».تعد قصة سميث عام 1820 عن الرجال البريطانيين الشجعان الذين ينقذون امرأة هندية من محرقة جنازة زوجها واحدة فقط ضمن العديد من التقارير المشابهة المعاصرة. لقد أصبحت شركة الهند الشرقية السلطة الحاكمة الفعالة في الهند. فبصفتها كيانًا تجاريًا، كانت غير مهتمة بالثقافة. ولكن ككيان حاكم، شرعت في إصلاح العادات المحلية الهمجية.
في الأونة الأخيرة، كانت المرأة الأفغانية في حاجة إلى الامبراطورية الإنجليزية الأمريكية لتحررها. ففي عام 2002، أرسل ائتلاف من المنظمات المعنية بالمرأة رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، طلبن منه «اتخاذ إجراءات طارئة لإنقاذ أرواح النساء الأفغانيات وتأمين مستقبلهن». تضمنت الموقعات على تلك الرسالة إليانور سميل، رئيسة مؤسسة «الأغلبية النسوية» في ولاية فرجينيا، بالإضافة إلى نسويات مثل جلوريا ستاينم، إيف إنسلر، ميريل ستريب وسوزان ساراندون. كما أشرن إلى أن أغلبية الأمريكيات يدعمن الحرب لأنها «ستحرر المرأة الأفغانية من سوء المعاملة والاضهاد».في يوليو عام 2004، بعد ثلاثة أعوام من غزو أفغانستان، أعلن بوش الانتصار، قائلًا: «قبل ثلاثة أعوام، كانت أقل مظاهر البهجة محظورة. تعرضت النساء للضرب لإرتدائهن الأحذية البراقة اللون. واليوم، نشهد إحياء الثقافة الأفغانية الحيوية». ومؤخرًا، في مارس 2015، تحت عنوان «خط الدفاع الرقيق أمام جرائم القتل بداعي الشرف»، روت مجلة «نيويورك تايمز» قصة الانتصار. حيث كتبت المراسلة الخارجية أليسا روبين: «كانت فهيمة واحدة من المحظوظات، فقد نجحت في الوصول إلى ملجأ النساء في حالات الطوارئ». فقد شهدت الحرب ذات القيادة الأمريكية في أفغانستان بناء «حوالي 20» ملجأ للنساء «ممولين بالكامل تقريبًا من قبل متبرعين غربيين». «تعتبر تلك الملاجئ أحد الموروثات الأنجح – والأكثر استفزازًا – للوجود الغربي في أفغانستان»، حسبما ذكرت روبين، «ما يوضح أن المرأة تحتاج إلى الحماية من عائلتها وأنها تستطيع اتخاذ خياراتها بنفسها».غلفت هاتان الحملتان – إنهاء طقس «ساتي»، أو التضحية بالأرامل، بالهند خلال القرن التاسع عشر، وتأسيس ملاجئ النساء لحماية المرأة من جرائم القتل بداعي الشرف بأفغانستان في القرن الحادي عشر – قرنين من المواجهة الإنجليزية الأمريكية مع العادات المحلية المروعة، وخصوصًا، حماية النساء السمراوات من العادات المحلية الهمجية. يخبرنا «سجل التبشيرية البريطانية»، في القرن التاسع عشر، و«مجلة نيويورك تايمز»، في القرن الحادي والعشرين، قصصًا عاجلة عن أمريكيين بريطانيين بوصفهم «خط الدفاع الرقيق والهش» الذي يحمي النساء المحليات المعرضات للخطر.في الواقع، بعد أكثر من عقد من احتفاء بوش بتحريرهن، وطلب النسويات الأمريكيات استمرار الحملة الباسلة، تظل المرأة الأفغانية غير حرة. فبين عامي 2012 و2013، ازداد العنف ضد المرأة في أفغانستان بمعدل 25 بالمئة. وتظل الوكالات الأمريكية المكلفة بتقديم مئات ملايين الدولارات للمرأة الأفغانية غير قادرة على توضيح كيفية استخدام تلك الأموال لتعزيز المرأة. لقد تغير الكثير في الفترة بين شركة الهند الشرقية والتحالف الأحدث بين بوش الأغلبية النسوية، ولكن التغيير لم يصب كل شيء، حيث يستمر التقديم الإنجليزي الأمريكي للاحتلال على أنه هبة.إذن، فلماذا التركيز بشكل خاص على إنقاذ النساء المحليات؟هل تمثل المرأة، حريتها، ملبسها، وزواجها وسيلة في غاية الأهمية لترسيخ الهيمنة، ووسيلة لإظهار الغزاة الأجانب بمظهر جيد؟ السبب الأكثر إلحاحًا لطرح هذا السؤال هو أن الحركات النسوية في أفغانسان وجنوب آسيا يلطخها تواطؤ متصور مع الاستعمار والامبريالية. يتجلى ذلك في كيفية أن جوانب حياة المرأة – ملابسها وزواجها – قد وضعت تحت خدمة مشروعات الهيمنة الإمبريالية الإنجليزية الأمريكية، ومقدار ضآلة ما قدمته تلك المشروعات لهؤلاء النساء، يمثل خطوة نحو رفع عبء التواطؤ الامبريالي عن النسوية الأفغانية.في أواخر سبعينيات القرن الماضي، انطلقت أنيت أكرويد، وهي بريطانية غير متزوجة تشاركت مع والدها الموحّد التزامًا قويًا تجاه التعليم، إلى مدينة كلكتا الهندية لبدء عمل مدرسة للفتيات الهنديات. فقد علم الجميع، من الصحافة البريطانية، أن المرأة الهندية عاشت حالًا بائسًا. إلا أنه في ذات مرة بالهند، صدمت العنصرية البريطانية أكرويد. حيث قالت لها امرأة: «فلنجلس في الشرفة ونتخلص من المحليين». وقالت بشأن زميلاتها البريطانيات، «كيف لتلك الأرواح النسائية الجميلة، المتعاطفة بقوة، أن تكون معدمة تمامًا، ليس فقط من الإنسانية بل من المجاملة البسيطة والاعتبار لمشاعر الآخرين، إنها مشكلة لا يمكنني إدعاء حلها». كما شعرت أكرويد بأن ملابس السيدات البنغال تسيء إلى حساسيتها. فقد اعتقدت أن الساري الهندي يجعل المرأة البنغالية شبه عارية، وأحست أنها ملابس سوقية وجريئة. حيث كتبت: «لابد أن يحدث تغيير حاسم لملابسهن السفلية، لا يجب أن يخرجن للأماكن العامة بمثل تلك الملابس». اندهشت امرأة بنغالية من أكرويد بوصفها «شخصية فظة لم تسمع من قبل بالكرامة أو الحياء» بسبب الطريقة التي جلست بها، ولارتدائها «الحرير الأحمر، وتخليها عن الحذاء والجوارب».
بالنسبة للمبشرين الإنجليزيين الذين انتشروا في أنحاء الهند في القرن التاسع عشر، كانت ملابس المرأة الهندية شغلهم الشاغل. ففي ولاية كيرالا الهندية، اعتبر المبشرون والإدارة الاستعمارية حقيقة عدم تغطية النساء لصدورهن دليلًا على الفجور. حيث خلص أحد المراقبين في مطلع القرن التاسع عشر إلى أنه: «ليس هناك أي إخلاص بين الزوج والزوجة».بينما عملا معًا، دعى المبشرون البروتستانت ومدراء الاستعمار البريطاني النساء من طبقة الندار الهندية إلى ارتداء ملابس أطوال وأكثر احتشامًا. كان المسؤولون الإنجليزيون في الهند مهتمين بشكل خاص بأن تخفي المحليات اللاتي تحولن للمسيحية صدورهن.غالبًا ما مثلت ملابس النساء، وأوقات ارتدائها، علامات مُحدِدة في التسلسل الهرمي الثقافي الشهير بتعقيده. فيمكن لملابس المرأة أن تدل على حالتها الدينية، مثلما كان الوضع مع ثقافة الندار، حيث ارتدين أوشحة طويلة وأغطية للصدور. وفي عام 1813، ألغى الكولونيل جون مونرو، رئيس الوزراء البريطاني في ترافانكور، الأمر الصادر لنساء الندار بتغطية صدورهن بالأوشحة. بدلًا من ذلك، ستصنع المبشرات الإنجليزيات سترات للهنديات.ولكن السترات لم تلق قبولًا شعبيًا، فقد فضلت نساء الندار تغطية أنفسهن بنوع محدد من الأوشحة. إلا أن ذلك النوع كان مخصصًا لنساء الطبقة العليا، لذلك أثار استخدام نساء الندار له صراعًا آخر. فأصدرت الإدارة الاستعمارية المتخبطة أمرًا آخر، يلزم نساء الندار بارتداء السترة غير الشعبية، وينهاهن عن ارتداء الوشاح الذي شجعه البريطانيون في البداية.بحلول فترة الاستقلال الهندي عام 1947، كان البريطانيون قد أحرزوا بعض النجاح بصدد تغيير طريقة ارتداء الهنديات لملابسهن. خصوصًا هؤلاء اللاتي تطلعن إلى أن يبدين متحضرات، بشكل أشبه بالسيدات الإنجليزيات، فأفسح الساري المثير الطريق للبلوزات طويلة الأكمام والتنورات. كذلك قدم النساء الهنديات اللاتي ارتدين مثل تلك الملابس اعترافًا واضحًا بالسلطة الاستعمارية البريطانية، التي كانت في فترة ما رمزية، وأليفة وشعبية.كذلك تضمنت الحرب الأخيرة ذات القيادة الأمريكية في أفغانستان اهتمامًا خاصًا بملابس نساء جنوب آسيا. فقد هوّلت العضوة الديمقراطية بالكونجرس، كارولين مالوني، الأمر عندما وقفت يوم 16 أكتوبر 2001 بمجلس النواب الأمريكي مرتدية برقعًا أزرق. وقالت مالوني عن البرقع: «يجعل التنفس صعبًا. وكذلك الرؤية بشكل خاص، حيث تصبح هناك شبكة أمام عينيك ويكون الأمر أشبه بوضع 15 بوابة زجاجية أمامك. الأمر مهين للغاية. كأنك ليس لديك أي هوية». أرتدت مالوني البرقع لإيصال وجهة نظرها، وقصدت تحديدًا أن تلك هي «الحرب العادلة التي ليس لدينا نحن الأمريكيون خيار آخر سوى شنها».طوال أكثر من عقد، مثل البرقع الأزرق شعارًا لقمع المرأة في أفغانستان. وقد نالت مقاومة المرأة للبرقع الأزرق احتفاء الإعلام الأمريكي، وكذلك يتم تمسيح أيًا من يقاومه بطلًا. ففي مايو 2015، سلطت مجلة «نيويورك تايمز» الضوء على مالينا سليمان، فنانة جرافيتي أفغانية، حيث وصفتها في العنوان الرئيسي بأنها «تخاطر بحياتها لتحدي البرقع تحت حكم طالبان»، بينما اعتبرت بقية حياتها محض تفاصيل عرضية.وفي الغرب، منعت بعض الحكومات البرقع. ففي مايو 2015، بعد يومين من نشر المقال عن سليمان، منع البرلمان الهولندي ارتداء البرقع في الأماكن العامة. وأصدر رئيس الوزراء الهولندي، مارك روت، بيانًا قال فيه: «صدر المنع لاعتبارات أمنية». وقبل ذلك بعام، في يوليو 2014، أيدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان منع فرنسا لارتداء البرقع، رافضةً حجج امرأة مسلمة قالت إنه يخالف حريتها في الاختيار.سعت النسويات الأوروبية إلى إعطاء الأمر عمقًا وجوديًا وجوًا من الأصالة. وهنا تظهر روبين مجددًا، حيث وصفت هذه المرة شعور ارتداء البرقع في أفغانستان لمجلة «نيويورك تايمز» في مايو 2011، فكتبت: «شعرت بأنني مرفوضة عند ارتدائي البرقع، وكأنني لم أكن جيدة كفاية لأُرى في الأماكن العامة. انحنيت في المقعد الخلفي وشعرت بموجات من السلبية تجرفني. فلم يطلب مني شيء سوى الصمت».تعني حرية المرأة، عندما يتعلق الأمر بالبرقع، إرتداء ما تريده «الامبراطورية». ويعرب معلقون آخرون، مثل مورين داود، حسبما كتبت لمجلة «نيويورك تايمز» في نوفمبر 2001، عن شكوك تجاه اتخاذ تعزيز حقوق المرأة كذريعة للحرب، حيث قالت: «إنها هدية ترويجية، طريقة سهلة لإرضاء النسويات الأمريكيات اللاتي غضبن حين أوقفت الإدارة تمويل منظمات تنظيم الأسرة الدولية التي تدعم الإجهاض». ولكن داود أيضًا لا تتمادى لتحذّر بالفعل من استخدام الدوافع النسوية المفترضة كوسائل للتعبير عن رغبات الهيمنة التي تستند عليها الامبراطورية. كما تسلط الضوء على القهر المستمر للمرأة السعودية، حيث النظام الذي لا ترغب الولايات المتحدة في انتقاده لارتكابه خطايا مشابهة لخطايا طالبان، وتختتم مقالها بعبارة تبدو داعية إلى التوسع، حيث قالت: «لا تزال ملايين السيدات المسلمات معتبرة ملكية خاصة. قد تفكر السيدة الأولى بشأن توسيع حملتها لتشمل ما يتجاوز أفغانستان».إذن فتأنيب الضمير الذي شعرت به داود لم يتعلق بسوء الاستخدام الماكر لقضايا المرأة كذريعة للحرب، بل هدف إلى استخدامٍ أوسع لقضايا المرأة، مدفوعًا دون أسى بما يعتقد الغرب أنه الأفضل للبقية.سواء أكانت تغطية الصدر في جنوبي الهند أو ارتداء البرقع في أفغانستان، قدمت سلوكيات وملابس المرأة اختزالًا قويًا على الصعيد العاطفي لكل ما هو خطأ بشأن الثقافة المحلية، وكل ما يجب تصحيحه من قبل الامبراطورية. تمامًا مثلما حملت تغطية أو عدم تغطية الصدر أهمية تتجاوز ما عناه ذلك للمسؤولين الإمبرياليين البريطانيين، وقد كان البرقع في الحقيقة مظهرًا ثابتًا من مظاهر الحياة في أفغانستان قبل فترة طويلة من ظهور طالبان.
انتقدت ناشطات حقوق المرأة الأفغانيات هوس الغرب بالبرقع. ففي عام 2001، ذكرت «الجمعية الثورية لنساء أفغانستان» أن إنهاء الارتداء الإلزامي للبرقع «لم يكن بأي حال من الأحوال مؤشرًا لحقوق وحريات المرأة في أفغانستان». ومع ذلك، كانت أفكار النساء الأفغانيات عن حيواتهن أقل أهمية في الغرب بالمقارنة بالبرقع، كمبرر أخلاقي رمزي للحرب والسيطرة الإمبريالية.بالنسبة لبعثة استعمارية، حتى تمتلك الثقل الأخلاقي الضروري، لابد أن تبدو «محسنة» لحيوات من تستعمرهم. ويجب على وكلاء الامبراطورية، سواء أكانوا مسؤولي شركة الهند الشرقية أو الجنود الأمريكيين في أفغانستان، أن يؤمنوا بصواب قضيتهم غير القابل للجدال. طرح الـ«ساتي» كرمز للمجتمع الهندي كان بمثابة وصف الرجال الهندوس بالهمجية والشر، فأي نوع آخر من الرجال قد يحرق أرملة؟ وبالتالي، يصبح الاستعمار نوعًا من الرؤية الأخلاقية التي تحمي النساء الهندوسيات المعرضات للخطر من شر الرجال الهندوس.ولكن الواقع كان بالتأكيد أكثر تعقيدًا. فقد كان الساتي همجيًا، ولكن مثلما عرف المسؤولون الاستعماريون البريطانيون، بعض الأجزاء بالهند لم تمارسه مطلقًا؛ وفي مناطق أخرى، كان محظورًا على طبقات محددة، بينما في أنحاء أخرى احتفظ بشعبية نسبية. بالكاد استحق أن يكون الأمر الوحيد الذي علم بشأنه معظم الأوروبيين عن الهند. ولكن المسؤولين الاستعماريين روجوا لسوء الفهم البريطاني القائل بأن جميع الهندوس قد تربوا على اعتبار ذلك السلوك «الأكثر جدارة في العالم، وله أعظم فائدة لروح المُضحى بها ولأرواح جميع أقاربها». حتى في عام 1843 – بعد 14 عامًا من الحظر التشريعي للممارسة – أُبلغ المسؤولون الاستعماريون بالإعلان عن الحظر على نطاق واسع، التشديد على عدم آدمية الساتي، وتوقيع عقوبات صارمة على من فشلوا في منع التضحية بالنفس.يظهر الطقس أيضًا في كتاب مغامرات جول فيرن، «حول العالم في 80 يومًا» (1873)، الذي يواجه فيه بطله، فيليس فوج، ممارسة الطقس بينما كان على وشك الحدوث في الغابة الهندية. فبينما يقول له رفيقه في السفر:
إلا أن الأمر يحظى بنهاية سعيدة في كتاب فيرن، حيث ينجح فوج، بفضل خطة ذكية وضعها خادمه المخلص جان باسيبارتوت، في إنقاذ الأميرة أودا.في المخيلة الاستعمارية البريطانية، كان طقس الساتي عملية غامضة، مدفوعة قدمًا بواسطة دين وثقافة راسخين رسوخ الجاذبية. حيث تم تصوير الهندوس على أنهم منومون مغناطيسيًا من قبل النصوص البراهمانية وبالتالي غير قادرين على عصيانهم. هذا المفهوم عن الهندوس، الذي تهيمن عليه الهندوسية الدينية، كان بناءً بريطانيًا. إنهم البريطانيون الذين، حتى يوطدوا أنفسهم كخلفاء شرعيين للامبراطورية المغولية المنهزمة، أمروا بالترجمة واسعة النطاق للنصوص الفيدية والهندوسية وأمروا بتدوينها كـ”قانون” لحكم تابعيهم الهندوس. في الواقع، كانت الترجمات البريطانية عادة سيئة، علاوة على حذفها لعناصر أساسية من علم الكونيات الهندوسي، التي اعتبرها البريطانيون غير متصلة بعلم القانون.تدعو شهادات الهندوسيات إلى التشكيك في الأسس الدينية للساتي، بل وتشير إلى أن مخاوف الأرامل كانت في أغلبها مادية واجتماعية، وليست دينية. كما أن التخلي عن الثنائي الاستعماري بين المقدس والعلماني، وفق لاتا ماني، الباحثة المولودة بالهند والمقيمة بالولايات المتحدة، كان ليشير إلى تلك الممارسة بأن لها أساسات مادية في جوهرها، والتي أعطيت في تلك الفترة صورة دينية عبر تعزيز مكانة الكهنة وتلاوة الآيات الدينية. إلا أن المفهوم الاستعماري للدين باعتباره «المبدأ الهيكلي» للمجتمع الهندوسي لم يترك مساحة لبناء أوسع للمشقة المادية والأبعاد الاجتماعية للترمل. وبالتالي فرض النظام الاستعماري طريقته الخاصة للإسكات على النساء اللاتي سعى إلى حمايتهن.بعد شهر من وقوف مالوني في الكونجرس مرتديةً البرقع عام 2001، تحدثت السيدة الأولى، لورا بوش، عن الأعمال الوحشية التي ترتكبها طالبان بحق الأفغانيات، داعية «الشعوب المتحضرة في جميع أنحاء العالم» إلى المشاركة في الجهود «لأنه في أفغانستان، نرى العالم الذي يريد الإرهابيون فرضه على بقيتنا». ارتدى بعض موظفي البيت الأبيض وأعضاء الكونجرس حاملات من القماش مقصوصة من البرقع الأزرق لإظهار دعمهم. لقد وجدت الولايات المتحدة صرخة حربها التحضّرية التبشيرية.تمامًا مثلما صاحبت الحكايات عن طقس الساتي المشروع الاستعماري البريطاني، ترافق إعلان بوش للحرب إصدار تقرير عن وزارة الخارجية الأمريكية حمل عنوان «حرب طالبان ضد المرأة». تمامًا مثلما قال الحظر الاستعماري للساتي في النهاية أن تلك الممارسة لم تكن حقًا ملزمة في الكتابات الهندوسية المقدسة، حاول تقرير وزارة الخارجية جاهدًا إثبات أن الإسلام لم يفرض الفصل العنصري أو الحجاب أو إبعاد المرأة عن الحياة العامة. في هند القرن التاسع عشر أو أفغانستان القرن الحادي والعشرين، كان العامل الفعال داخل الافتراض الإنجليزي هو أن رعاياهم الامبرياليين والاستعماريين كانوا مبرمجين بالكامل بفعل معتقداتهم بشأن السلطة الدينية.منذ بدء الدعوة إلى الحرب عام 2001، صدرت الحكايات عن الجرائم بداعي الشرف – التي يقتل فيها الرجال الأفغان زوجاتهم، بناتهم أو أخواتهم اللاتي يجرأن على عصيانهم – عن الإعلام الناطق بالإنجليزية. ففي أغسطس 2010، بعد تسعة أعوام من الاحتلال، حين كان منتقدو الحرب الأفغانية يكتسبون زخمًا، أبرز غلاف مجلة «تايم» فتاة أفغانية تعرضت للتشويه على نحو بشع، وقطع أنفها من قبل قائد بطالبان. تحت عنوان: “هذا ما سيحدث إن غادرنا أفغانستان”، وروت المجلة قصة عائشة البالغة من العمر 18 عامًا، التي عانت من ذلك العقاب البشع لهروبها من أصهارها المؤذيين. وانتهى المقال بالإشارة إلى أن مؤسسة أمريكية غير ربحية قد أمنت لعائشة إجراء جراحة ترميمية. وبدا وكأن الولايات المتحدة وشعبها يمكنهم إصلاح أي شيء، وخصوصًا وحشية الرجال الأفغان.وبالتالي، بدأت حكايات القرن التاسع عشر البريطانية/الهندية عن الإنقاذ من الساتي في الظهور مجددًا في القرن الحادي والعشرين باعتبارها فانتازيا الإنقاذ من جرائم الشرف الأمريكية/الأفغانية. كما أوليَ ذلك الجانب الاهتمام الواجب في الحكايات الأمريكية عن الحرب. فقد صدرت إحدى تلك الحكايات عن الإذاعة الوطنية العامة عام 2012، بعنوان «في مواجهة الموت، فتاة أفغانية تفر إلى الجيش الأمريكي»، حيث وصفت قصة دينا، التي قالت إنها قد هربت من إخوانها لأنهم كانوا سيقتلونها بعد أن وجدوا معها هاتفًا محمولًا. تخبر القصة عن الفرحة الهوجاء للفتاة الأفغانية التي تم إنقاذها في القاعدة العسكرية الأمريكية، حيث جلست تلتهم المثلجات والمقرمشات في الكافيتيريا، وتتعلم الإنجليزية سريعًا من الأفلام (والتي بفضلها “أصبحت كلمة “كيس” (قُبلة) الإنجليزية كلمة جديدة مفضلة لها).يتجلى المزيد من الإثارة في صورة المستشارين الأفغان الذي يخبرون الجنود الأمريكيين أن لينا يجب أن تعود إلى منزلها للحفاظ على السلام مع المجتمع. وفي النهاية، تم التوصل إلى حل وسط عندما قبل ملجأ للنساء في مدينة أفغانية أكبر بلينا.كحال الحكايات عن الساتي، تعتمد الحكايات عن الجرائم بداعي الشرف على دوافع متجانسة تقادمية منفصلة عن الظروف الاجتماعية أو المادية للمتورطين فيها. وبشكل يشبه إلى حد كبير «مشكلة الهندوسية»، يقف الرجل الأفغاني الشرير على النقيض من المرأة الأفغانية المضطهدة، كما أنه بليد، وحشي، عديم الشعور، ومدفوع بشريعة أخلاقية من القرون الوسطى تؤيد اضطهاد المرأة. هذا المنظور غير الناضج يحل محل التفكير بشأن أكثر من 100,000 ضحية من المدنيين الأفغان الذين تسبب بسقوطهم الغزو الأمريكي منذ عام 2001. وتمامًا مثلما شتتت قصص إنقاذ الهنديات من الساتي الأنظار عن عنف الاستعمار البريطاني، يؤدي التركيز على قصص عنف الجرائم بداعي الشرف إلى تشتيت الانتباه عن المداهمات، التفجيرات، الاحتجاز غير القانوني ولأجل غير مسمى، التعذيب، والوحشية العامة للحرب الأمريكية في أفغانستان.
أي تحليل صادق للجرائم التي ترتكب بداعي الشرف في أفغانستان يجب أن يبدأ بالاعتراف بأن المجتمع قد انكسرت هياكله العائلية والمؤسسية بعد خمسة عقود من التدخلات الخارجية السوفيتية والأمريكية. ذلك النوع من التحليلات الصادقة سيكشف أيضًا عن أن الاختيار عند الزواج غير متاح لأي أحد تقريبًا، سواء من الرجال أم النساء، في المجتمع الأفغاني. كما سيستكشف الزواج كوسيلة لتدعيم العلاقات المجتمعية المتوترة في بلد مزقته الحرب، بدلًا من الاتصال الرومانسي المتاح للغربيين المترفين. وأخيرًا، سيعترف أيضًا بأن العنف بين الشركاء المرتكب من قبل الرجال ضد النساء في أفغانستان له مئات آلاف الحالات النظيرة التي يرتكبها الرجال الأمريكيين ضد النساء في الولايات المتحدة.بدلًا من ذلك، تقديم «القتل بداعي الشرف» كظاهرة شاذة، وحشية للغاية، ومبهمة، تحركها دوافع ثقافية غامضة يجعل الاحتلال الأمريكي يبدو ضروريًا وصائبًا، بل وبطوليًا. سيلقي الاعتراف بأن القتل بداعي الشرف في أفغانستان يمكن أن يكون مماثلًا لجميع الجرائم التي يرتكبها الرجال ضد النساء في أي مكان آخر بظلال الشك على واحد من الصروح الأخلاقية الرئيسية للمسعى الامبراطوري. وكحال الساتي الهندوسي الهندي في القرن التاسع عشر، يجب أن تعتبر جرائم القتل بداعي الشرف التي يرتكبها المسلمون في أفغانستان شريرة بشكل فريد.نسب البريطانيون في الهند والأمريكان في أفغانستان ملابس المرأة والجرائم الجنسانية إلى ثقافة غريبة وهمجية. وتعد الحملات الأخلاقية ضد مثل تلك الممارسات المسيئة في الواقع أساليب امبريالية متقدمة للسيطرة. وبالنسبة للشعبين «على أرض الوطن»، تصبح المرأة الهندوسية عارية الصدر والأفغانية التي ترتدي البرقع رموزًا مناسبة للغرابة والحاجة إلى الاحتلال التصحيحي. وعندما ترتدي المرأة الهندوسية بلوزة طويلة الأكمام وتنورة، أو عندما تتخلى المرأة الأفغانية عن برقعها، يتحقق الإخضاع وينجح المشروع الاستعماري.يؤدي تمييز الجرائم الجنسانية، الساتي في الهند وجرائم القتل بداعي الشرف في أفغانستان، إلى تهويل مدى اختلاف الرجل الهندوسي أو الأفغاني عن غيرهما من الرجال. حيث يصبح شرًا محليًا يتطلب تدخلًا أجنبيًا. ويتمثل تعقيد ذلك النوع من صناعة العدو في أنه يوصم نصف السكان المحليين – أي، ضحايا هذه الجرائم – بأنهم حلفاء للاحتلال. الأرامل الهندوسيات والنساء الأفغانيات نادرًا ما يسمع صوتهن، إن سُمع من الأساس، بما أن تجاربهن ومنظورهن قد يعقد صمتًا تعتبره الامبراطورية الإنجليزية الأمريكية امتنانًا.حتى يكون فعالًا، يحتاج وصف العنف والاحتلال الإمبريالي، على أنه تدخل نسوي، تعاونًا محليًا من الهنود أو الأفغان. تمامًا مثلما خلق البريطانيون طبقة من الوسطاء الذين عززوا مشروعاتهم الإصلاحية والذين كانوا حريصين على ارتداء الملابس البريطانية والالتحاق بالتعليم البريطاني، بل والخدمة العسكرية في الجيش الاستعماري، كما صبت الولايات المتحدة مئات ملايين الدولارات لتخلق ثقافة المساعدات القائمة على المنظمات غير الحكومية في أفغانستان. وتعتمد تلك المنظمات ماليًا على الولايات المتحدة، وتقبل وتروج لمنظور يعد فيه البرقع والجرائم بداعي الشرق مشكلات جذرية بالمجتمع الأفغاني.يكشف الإصرار الغريب على انشغال الامبراطورية الإنجليزية بملابس النساء والأدوار الاجتماعية أن الهيمنة لا يمكنها الاعتماد فقط على المعارك والقنابل. ويساعد تعميم الصور العامة عن أدوار الجنسين في المجتمعات المحلية، وخصوصًا المرأة المضطهدة والسلبية، في خلق الدعم الشعبي للمحتلين، والموالين لهم، بوصفهم خيرين وشجعان. وضمن تلك العملية، تتم إعادة بناء الأساس الأخلاقي للمجتمع لتبرير الخضوع للقوى الخارجية.