جيل الآيفون: لماذا أصبح أولادنا أكثر عنفًا؟
استوقفني خبر فيديو ذبح طالبة المنصورة التي ذبحها شاب في وضح النهار أمام الجميع؛ لأنها رفضت الزواج منه! ثم تكررت الحادثة عدة مرات إضافة إلى حالات الانتحار المتزايدة، فلماذا انتشر العنف بهذه الصورة، وهل هناك تأثير لمشاهدة العنف على الأطفال تظهر الآن في تلك الحوادث؟
بل قد تطور الأمر وأصبح بعض الأفراد يشاهدون العنف من حولهم، ويحاولون تصوير مقاطع فيديو للحادث بدلًا من التدخل ومعالجة الأمر قبل أن يتفاقم، كذلك لماذا قد يستمتع بعض الناس بمشاهدة العنف على التلفاز، وما أسباب انتشار العنف في المجتمع؟
تأثير مشاهدة العنف على الأطفال
لا يمكننا إنكار أن العدوانية أصبحت مستباحة في كل الأماكن، ويمكن مشاهدة العنف على التلفاز في أي وقت بواسطة الأطفال سواء في حلقات الكرتون، أو المسلسلات، أو مشاجرات الآباء التي تعقد أمام عيني الطفل، والأخطر مشاهدة الطفل للعنف في ألعاب الفيديو.
تؤثر مشاهدة العنف في نفسية الأطفال، فهم يستقبلون كل ما يرونه على الشاشات أو في العالم المحيط، وتخزن هذه المشاهد في عقولهم التي يترتب عليها آثار سلبية عديدة أهمها تبلد المشاعر واعتياد الطفل العنف ليصبح أمرًا مستساغًا.
بحسب ما أشارت دراسة أجريت في جامعة إلينوي في شيكاغو فإن العنف مرض معدٍ كالأمراض الجسدية الأخرى المعدية، حيث يؤثر العنف على المخ وبما أنه مركز التحكم في السلوكيات والأفعال، فأي خلل فيه يسبب اضطرابات عديدة تظهر في سلوكيات الطفل وقد يكتسبها الآخرون من حوله.
عندما ينشأ الطفل على مشاهدة العنف باستمرار وبخاصة مع عدم تدخلنا وإصلاح الأمر وتوضيحه للطفل، فإننا نغرس بداخله أن العنف أمر طبيعي ولا غبار عليه لانتشاره على الشاشات وفي وسائل الإعلام.
أشارت دراسة أجريت في علم النفس الاجتماعي وعلوم الشخصية إلى أنه كلما تعرض الطفل أكثر لمشاهد العنف سيراها طبيعية، وبالتبعية فإنه يبدأ بإجراء أفعال عدوانية تجاه الآخرين، ومن ثم تنتشر عدوى العنف بين الأطفال.
خلال الدراسة عرّضوا مجموعة من الأطفال إلى مشاهدة العنف ومجموعة أخرى لم تتعرض، ولاحظوا سلوكيات المجموعتين قبل التعرض وبعد مرور 6 أشهر، وجدوا أن المجموعة التي تعرضت لمشاهد عنيفة كانوا أكثر عدوانية من الأخرى.
تعرُّض الأطفال أو الكبار أحيانًا إلى مشاهد عنف كثيرة يجعل العقل الباطن يرسل رسائل خفية بأن العنف سيعطيك حقك وهي الطريقة المُثلى لحل النزاعات!
اقرأ أيضًا: 10 حلول ناجحة للتعامل مع الطفل العصبي
ألعاب الفيديو والطفل
أجريت دراسة للتأكد من أن استخدام الأطفال لألعاب الفيديو له علاقة بالعنف، وتبين أنها تسبب تبلد المشاعر، لذا يجب التعرف إلى أضرار ألعاب الفيديو على الطفل، وتتمثل في ما يلي:
- تزيد من إجراء الأفعال العدوانية.
- تسبب ارتفاع معدلات العنف والجرائم.
- تزيد من معدل ضربات القلب.
- تسبب ارتفاع مستوى ضغط الدم.
- تزيد من الأفكار والسلوكيات العدوانية.
- ترفع معدلات الغضب والضجر لدى الطفل حتى يكبر.
بحسب ما أشارت دراسة حاولت معرفة تأثير مشاهدة العنف في ألعاب الفيديو على الأطفال والمراهقين، ووجدوا أنها تتسبب في حدوث تبلد المشاعر، وهي حالة من ضعف الاستجابات تجاه المؤثرات المختلفة سواء كانت هذه الاستجابة سلوكية، أو عاطفية، أو إدراكية.
يزداد تبلد المشاعر تدريجيًا بشيوع مشاهدة الطفل للعنف وينعكس على حياته الحقيقية حيث يمارس العنف بنسبة أكبر.
لذا نستنتج مما سبق أن نسبة لا بأس بها من العنف الذي نواجهه في يومنا هذا تأتي جراء تأصيل العنف في نفوس وطباع الشخص منذ الصغر سواء مجتمعيًا، أو من الشاشات وألعاب الفيديو.
اقرأ أيضًا: كيف أحمى طفلي من الاضطرابات النفسية؟
أسباب انتشار العنف في المجتمع
إن تأثير العنف على الصحة النفسية خطير، وعلى الرغم من ذلك فقد لا يدرك البعض خطورته وأسباب انتشاره للحد منه، لهذا تعرف عزيزي القارئ إلى أسباب انتشار العنف في المجتمع، التي ينبع معظمها منذ الطفولة ومنها:
1. البيئة المحيطة
تخيل معي نشأة طفل في بيئة سوية نفسياً، وجميع المحيطين به يقدرون بعضهم ويحترم كل منهم الآخر، ولا يمكن أن يُهضم حق الطفل، ولا يستطيع التعدي على حدود غيره، فهذه القوانين المتبعة.
طفل آخر نشأة في منطقة عشوائية ينتشر بها الجرائم والسرقات، إضافة إلى وجود قتل وعصابات ويهضم حقه وينتهك منزله، سيجد نفسه تلقائيًا يتحول إلى شخص آخر عنيف ليتماشى مع البيئة المحيطة حتى وإن كانت هذه الأفعال تتنافى مع الأخلاق والدين والقيم.
2. العنف الأسري وسوء معاملة الطفل
إذا نشأ طفل في منزل يمتلئ بالضجيج والخلافات بين الأب والأم، فحتما ستجد الطفل عنيفًا وسريع الغضب، فالآباء هم مرآة الطفل ومن خلالهما يرى العالم وينمو بداخله الحب أو العنف بناء على ما يزرعونه فيه.
كذلك طريقة التربية الصارمة، أو سوء معاملة الطفل من خلال التعنيف أو الضرب، إضافة إلى الإهمال أو الرفض، فإن ذلك يعزز بداخله السلوكيات السلبية وينشأ الطفل مكبوتًا، ومن ثَم يكبر وتظهر سلوكيات العنف التي نشاهدها الآن؛ لأن العنف يوفر له القوة والتحكم اللذين افتقدهما في صباه.
اقرأ أيضًا: العنف الأسري ضد الأطفال: أرقام مرعبة وعواقب مخيفة
3. ضغط الأقران
إذا وجدت طفلًا أو مراهقًا يقلد أفعال أصدقائه فلا تتعجب، فإن المجموعات تتنافس أحيانًا في ما بينها في سلوكيات خطيرة أو عدوانية؛ لإثبات الرجولة، أو القوة، أو لإثبات عدم انقيادهم مع العادات والتقاليد، وأوامر الآباء.
لذا فإن مجموعات الأصدقاء تحول الأشخاص المختلفين عنهم إلى نماذج مماثلة نظرًا للضغط عليهم؛ لينخرطوا في سلوك عدواني أو عنيف لإثبات الولاء أو التمرد المميز.
4. عدم المتابعة من الآباء
عدم إشراف الآباء على الأبناء لا يؤثر في سلوكياتهم العدوانية فحسب بل يمتد إلى ما هو أخطر، حيث إن المراهق ليس لديه المعرفة الجيدة للصواب والخطأ، ويقيس بناء على معاييره الخاصة، أو معايير ذويه دون العودة إلى الدين أو الأخلاق أو أخذ رأي الآباء.
لذا يجب توجيه الآباء للمراهقين ومصادقتهم للتعرف إلى أحوالهم، وطريقة تفكيرهم وإرشادهم إلى الطريق الصحيح في التعامل والسلوكيات.
5. الضغط النفسي والحرمان
تعرض الفرد لأزمات نفسية عديدة قد يحوله تلقائيًا إلى فرد عدواني وعنيف في محاولة للحفاظ على ما تبقى من حقوقه المهضومة وإخراج الكبت النفسي الذي يكابده، لذلك قد تجد زيادة في معدلات العنف والجرائم عند وجود ركود اقتصادي، أو مجاعات أو حروب؛ لأنها تشكل ضغطًا نفسيًا على الفرد والأسرة بأكملها.
6. المخدرات والكحول
يزيد تعاطي المخدرات أو الكحول من العدوانية فهما يقللان الخوف، فإذا كان الفرد في الحالة الطبيعية دون أي مواد مخدرة فإنه قد يفكر مليًا قبل الإقدام على أي فعل عنيف، ولكن التعاطي يُمحى الخوف وينفذ الفرد أفعالًا عنيفة قد تفضي إلى الموت.
تؤثر هذه المواد على الحالة النفسية أيضًا، فيصاب الأفراد بالاكتئاب والإحباط والغضب.
7. المرض النفسي والعقلي
ارتفعت معدلات الإصابة بالأمراض النفسية في الآونة الأخيرة، وقد تكون هذه الأمراض سببًا مباشرًا لممارسة العنف، وكذلك فإن تعاطي المخدرات مع الإصابة بمرض نفسي مثل: اضطراب ثنائي القطب قد يؤدي إلى إخفاء أعراض المرض، ويترك الفرد حينها دون علاج لعدم معرفتنا بإصابته بمرض نفسي.
8. الأحداث النفسية الصادمة
يعد اضطراب ما بعد الصدمة من الاضطرابات المشهورة، التي غالبًا ما تحدث بعد التعرض لصدمة نفسية كوفاة شخص عزيز في حادث، أو خوض الحروب ورؤية الأصدقاء قتلى، وغيرها من الصدمات النفسية التي تترك ندوبًا داخل القلب.
ينشأ عن الصدمات النفسية غضب دفين، الذي بدوره يتفاقم ويؤدي إلى ممارسة العنف تجاه الآخرين، إذا لم يعالج الاضطراب ويفرج الشخص عن حزنه العميق تجاه الحادث المؤلم الذي تعرض له.
9. العدالة الاجتماعية والقانون
يزداد معدل انتشار الجرائم والعنف في أماكن ليس بها قوانين أو بها قانون لا يطبق على المذنب ليفر بفعلته، فالحدود من تشريعات وقوانين هي التي تحد من انتشار العنف، إذا لم يكن هناك حدود داخلية للشخص من خلال النشأة والتربية، فيجب أن تكون خارجيًا من خلال الدولة وتطبيقها للقانون.
10. الإجهاد الحضري
نسعد جميعاً بالتمدن والتحضر الذي نسير تجاهه في سرعة بالغة، ولكن هذا الأمر يفقدنا الجانب العاطفي ويجعلنا نلتصق أكثر للجانب المادي، مما يؤدي إلى ضغط مجتمعي لمواكبة التمدن، مما يجعلنا نصل حتمًا إلى انهيار نفسي، ومعه يزداد العنف وحالات الانتحار.
اقرأ أيضًا: مرض ياسمين الخطيب: ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
لماذا يستمتع الناس بمشاهدة العنف؟
دعنا نملأ الحجرة بمجموعة من الأصدقاء وندخلهم في حالة من الخوف والرعب، ولنعرض عليهم برامج مرعبة أو مشاهد عنيفة وبها دماء، حينها سينقسم الناس إلى مجموعتين رئيسيتين، وهما:
- مجموعة 1: تستمتع بمشاهدة العنف ولا تتأثر نفسيًا.
- مجموعة 2: تخشى مشاهدة العنف وتتفاداه بشتى الطرق لحماية نفسيتها المحطمة.
حاول مجموعة من الباحثين دراسة لماذا قد يستمتع الناس بمشاهدة العنف، وقد كان من ضمن التفسيرات أن الاستمتاع قد يأتي من الانغماس في تجربة خيالية وسردية، حيث تكون غير مباشرة أو حقيقية للفرد مما يجعله يستمتع بها ويراها آمنة ما دامت لا تحدث له الآن.
وجد الباحثون أيضًا ما يلي:
- كلما كان الموقف يمثل تهديدًا ولم تكن هناك حماية من عواقبه كان ممتعًا لدى المجموعة الأولى، وذلك عند التعرض له بصورة غير مباشرة على شاشات التلفاز.
- أما المجموعة الثانية وهم الفئة الأقل، عندما كان المشهد يمثل تهديدًا دون حماية من العواقب المترتبة عليه، فإن ذلك يجعله غير ممتع ولا يجذبهم بل يسبب نفورهم.
لا عجب من حب الناس لمسلسل «Squid Game» على الرغم من العنف المتمثل في الحلقات، ولكن تفسير استمتاع بعض الأفراد بمشاهد العنف يرجع إلى الإثارة، حيث إن مشاهدة الأفلام العدوانية والعنيفة تجعلنا نشعر بالإثارة، وتظل هذه المشاعر مستمرة معنا حتى نهاية العرض فيستمتع هؤلاء الأفراد.
فسر الباحثون وجود اختلاف بين المجموعتين واستمتاع البعض منهم إلى وجود إطار وقائي محدد، فعند المجموعة الأولى هناك إطار وقائي يمنعهم من الانزعاج من هذه المشاهد، بل يرونها ممتعة لأنها لا تحدث لهم وآمنة.
يظهر تأثير الإطار الوقائي عند ظهور حيوان مفترس كالأسد، فإذا رآه الشخص أمامه تمامًا في منزله سيكون الأمر مرعبًا، أما إذا رآه في قفص في حديقة الحيوان سيكون الأمر مسليًا في حين أنه نفس الأسد ونفس المشاهدة البصرية.
ختامًا، العنف لم يكن حلاً للنزاعات قط، وهناك فجوة كبيرة بين ماضينا وحاضرنا من حيث التطور وانتشار العنف والأمراض النفسية، لذا احرصوا على أبنائكم فهم ثمرة المستقبل.