لهذا اختفت روح الفانلة الحمراء، وهكذا تعود
تلقى الأهلي هزيمة كارثية أمام مضيفه الجنوب أفريقي فريق صنداونز بخمسة أهداف دون مقابل، والحقيقة أن فريق الأهلي كان مهيأ تمامًا لاستقبال خمسة أهداف أخرى. حدث ذلك وفريق الأهلي كامل العدد دون إصابات لعناصر مؤثرة. وبعدد وافر من البدلاء، حيث لعب الأهلي المباراة السابقة له أمام فريق الاتحاد السكندري في الدوري المصري بتشكيل مختلف بغرض إراحة 7 لاعبين أساسيين ممن لعبوا بشكل أساسي أمام صنداونز.
لا وجود للمبررات التي اعتادها مسئولو الأهلي خلال فترة الانكسارات الأخيرة. لا مجال إذن لأن يدفن مسئولو الأهلي ومجلس إدارته رءوسهم في الرمال، بل إن تلك الهزيمة أوضحت للجميع أن العاصفة التي هبت بقدوم تركي آل الشيخ قد نثرت الرمال في أعين مسئولي الأهلي فلم تعطهم حتى الفرصة لدفن رءوسهم في الرمال مرة أخرى.
دعنا لا نعيد سرد الأحداث من بدايتها، فالخيوط قد انحلت من تشابكها بالفعل، وأصبحت أوضح من ذي قبل. الجميع يعلم قصة تركي آل الشيخ مع النادي الأهلي، والتي اتخذت منحنى آخر بعد أن قام مجلس إدارة الأهلى بميركاتو شتوي سُمي بالتاريخي بعد انتداب أكثر من صفقة ومدير فني أوروجواني جديد ودفع ملايين الدولارات. منحنى شعر معه جماهير الأهلي أن الأمور حتمًا ستصبح أفضل.
هنا تحديدًا تكمن المشكلة، فبعد تلك الهزيمة القاسية هناك من يؤكد أن الإدارة لا تتحمل شيئًا من تلك الهزيمة. لقد وفروا لاعبين بملايين الدولارات وتعاقدوا مع مدير فني أجنبي. ماذا تستطيع أن تفعل الإدارة أكثر من ذلك؟
إلا أن الواقع مختلف بعض الشيء. لا خلاف أن قوام فريق الأهلي كان بحاجة للترميم، لكن لا خلاف أيضًا أن مجلس الإدارة لا يقتصر دوره على توفير الصفقات فقط. خاصة إذا كان مجلسًا بصبغة كروية بقيادة محمود الخطيب، مجلسًا قدم نفسه للجماهير على أنه مجلس بروح الفانلة الحمراء. الواقع أن ما حدث كان استمرارًا لمراهنات خاسرة بدأها الخطيب ولم يستطع أن يتوقف عنها.
دعنا نحلل الصفقتين الأهم وملف المدير الفني وكيفية تعامل الإدارة مع الأمور، وصولًا لفضيحة بريتوريا القاسية.
رمضان صبحي: المنقذ الذي يحتاج لمن ينقذه
أولى تلك الصفقات وأهمها كانت عودة رمضان صبحي لصفوف النادي الأهلي. لاعب يمتلك مواصفات فنية مميزة، كما أنه من ناشئي الفريق. وهي المعضلة التي عانى منها الأهلي مرارًا قبل ذلك بوجود لاعبين لم يعتادوا على فلسفة الأهلي التي تهدف للفوز الدائم. هنا تحديدًا يبقى الاختيار مثاليًّا لكن مع أول تصريح لرمضان حول عودته أصبحت الأمور تحتاج للتدخل بشكل سريع.
غرد رمضان عبر موقع تويتر فور إتمام تفاصيل عودته للنادي الأهلي بتصريح كان يحتاج حينئذ لأن يتحسس مجلس الإدارة الخطر.
هكذا صرح رمضان صبحي وهو يخبر الجميع أن عودته لأشهر معدودة فقط لإنقاذ فريق طفولته الأثير. والحقيقة أن رمضان في ذلك الوقت كان يحتاج لمن ينقذه أيضًا من مقاعد بدلاء هدرسفيلد، ومن قبله ستوك سيتي. إلا أن رمضان لم يعد بالشخصية نفسها التي رحلت عن الأهلي. الناشئ الصغير الذي يحتاج للتوجيه. يتقبل النقد من جميع كباتن الفريق، ويعتذر إذا تمادى في المراوغة، ويستمع باهتمام لملحوظات الجميع.
عاد رمضان في ثوب المنقذ على الرغم من كونه يحتاج أن يلعب بشكل بسيط حتى يتحسن مستواه بشكل تصاعدي بعد جلوسه احتياطيًّا لفترة ليست بالقصيرة. ولكن لا يوجد منقذ تم استعارته لستة أشهر مقابل ما يقرب مليون دولار سيحرص على ذلك.
هنا تحديدًا كان دور إدارة الأهلي التي تتسم كما قلنا من قبل بالخبرة الكروية. كان لا بد من توضيح الأمر لرمضان، أنت لست منقذ فريق طفولتك المتخبط. أنت لاعب تمت استعارته بمبلغ منطقي مقارنة للمبلغ الذي تم بيعه به، أنت تحتاج الأهلي، والأهلي يحتاجك. الأهلي مع تقدم سن فتحي وعاشور ووليد سليمان وقلة مشاركاتهم أصبح دون قائد يوجه من هم مثل رمضان وغيره، ولذا كان على الإدارة أن تتدخل وتؤكد للجميع أن الأهلي هو الأهم.
حسين الشحات: الأهلي لا زال مرغوبًا فيه
يشبه الأمر تمامًا أن يتقدم العمر بسيدة ولا تحظى بفرصة للزواج. هنا وعند ظهور أحد المتقدمين للزواج منها تجد نفسها متشبثة بهذا الشخص بشكل جنوني ومستعدة لتقديم التضحيات واحدة تلو الأخرى لإثبات أنها لا تزال مرغوبًا فيها.
بعد أن جن جنون الجميع على الساحة الرياضية بفضل أموال تركي آل الشيخ الذي قرر أن يضع الجميع في اختبار الأموال الذي لا ينجح فيه أحد عادةً. قرر حسين الشحات أن يسبح ضد التيار، الرجل أعلن رغبته بوضوح: الأهلي أهم من المال. والأهلي وجد تلك فرصة مثالية لتأكيد أن رونق الأهلي لم يخبُ، وأن الأحمر هو الرغبة الأولى للعديد من اللاعبين وليست أموال تركي. هنا أصبح الغرض من الصفقة هو أن تحدث. تركي آل الشيخ يزيد من المبلغ المعروض لانتداب حسين الشحات، فيضطر الأهلي أن يزيد هو الآخر من المبلغ حتى لا يخسر الرهان الذي سيحفظ بعضًا من ماء وجهه. والعين الإماراتي الفريق السابق لحسين هو المستفيد الأكبر من الأمر كله.
ثم تمت الصفقة كأغلى صفقات الأهلي في تاريخه مقابل ما يقرب من 6 ملايين دولار. شعر الجميع هنا تحديدًا أن الغرض من الصفقة قد تم. لقد انتهت الحرب بإثبات ما يريد الأهلي إثباته لكن ماذا عن اللاعب الذي يشعر أنه يجب أن يحرز ويصنع ما يقنع الجميع أن هذا المقابل المادي الذي دفع من أجله كان عن استحقاق.
هنا يبرز دور إدارة الأهلي التي كان يجب أن تؤكد للجميع أن المبلغ المدفوع في صفقة حسين الشحات غير مقنع، ولكنه لأثبات قدرة الأهلي على الدفع، وأنه الرغبة الأولى للعديد من اللاعبين. كان يجب أن يتم إزالة تلك الضغوط من فوق كاهل حسين الشحات الذي لا ذنب له في الأمر كله.
لكن ما حدث أن حسين تم تقديمه للإعلام في صورة المنتمي للأهلي، والذي ضحى بالأموال، وهو نموذج رأت إدارة الأهلي ضرورة تصديره للجميع لكي تستفيد منه فيما بعد من خلال مفاوضاتها مع لاعبين آخرين. لكن النتيجة أن حسين شعر أنه قطع ثلاثة أرباع المسافة المطلوبة ليقبع داخل قلوب الأهلاوية وأن الربع المتبقي سيحدث على أرض الملعب، وهو ما لن يتحقق بالطبع. بالعرق أولًا تربع تريكة وجمعة وسليمان على عرش جماهير الأهلي، ثم بعد ذلك كان لمسألة الانتماء تلك أهميتها.
مارتن لاسارتي: أرجوك لا تكن جوميز ولا كارتيرون
أما عن ملف المدير الفني فدعونا نكون واضحين تمامًا. مجلس إدارة برئاسة الخطيب هو المسئول تمامًا عن ملف المدير الفني. أي مشجع أهلاوي ينتظر أن يأتي الخطيب بنظرته الثاقبة بمدير فني يعيد ترتيب الأوراق داخل أروقة النادي الأحمر.
البداية كانت بمحاولة انتداب البرتغالي جوزيه جوميز الذي اعتذر عن قبل المهمة لأسباب أسرية بعد أن وقع على عقود تدريب الفريق بالفعل. هنا أطل تركي برأسه مرة ثانية، فالمدرب البرتغالي هو مدرب سابق في الدوري السعودي، وتردد بقوة أن سبب الاعتذار هو إغراء تركي آل الشيخ أو قوة نفوذه. لجأ الأهلي إلى حل آخر هو باتريس كارتيرون، اسم طرحه البعض للتخلص من الأزمةن فالرجل يعرف الأهلي والكرة المصرية، كما أنه خارج نطاق نفوذ السيد تركي. هنا تحديدًا كانت الأزمة. دائرة البحث أصبحت أضيق، فرضيت الإدارة برجل يعرف الأهلي ولكن لا يدرك قيمته. فشل الأهلي مع كارتيرون الذي كان يقود فريق مخلفات حسام البدري. لتقرر الإدارة ترميم عناصر الفريق من لاعبين وإدارة.
هنا وللمرة الثالثة كان على إدارة الأهلي أن تنتدب اسمًا لامعًا في مجال التدريب. شخصية طاغية ونجاحات سابقة تبث الثقة في نفوس الجماهير واللاعبين. لقد جلبت الإدارة حسين الشحات بمقابل يقترب من 6 ملايين دولار، ورمضان تمت استعارته بمقابل يقترب من المليون، بينما قررت الإدارة أن تستعين بخدمات الأوروجواني لاسارتي ومعاونيه براتب يقترب من الـ 125 ألف دولار شهريًّا.
كان على الإدارة أن تتعاقد مع مدير فني ذي مستوى عالٍ وخارج نطاق ونفوذ أي شخص بمبلغ يستحقه، طالما أن الإدارة قررت أن تدخل رهانات المال.
لكن ما حدث أن الإدارة قررت أن تختار مديرًا فنيًّا ليس بجوميز، أي أنه خارج نطاق تركي، وليس بكارتيرون، أي أنه غير معروف للجماهير من قبل، وكانت النتيجة لاسارتي. رجل لم يفز بأي مباراة خارج أرضه رغم أنه قابل فرقًا من التصنيف الرابع أفريقيًّا. رجل لا هو يدرك قيمة الأهلي ولا يملك الشخصية التي يثق فيها الجميع.
الآن على الجميع الذين يتبنون فكرة أن الإدارة ينتهي دورها بتوفير الصفقات ثم ما يزيد عن ذلك هو محض تدخل أن يتذكروا أجواء ما قبل تولي محمود الخطيب رئاسة النادي الأهلي. كيف قدم محمود الخطيب نفسه ومجلس إدارته لجماهير الأهلي وأعضاء النادي كمجلس بروح الفانلة الحمراء، وهو الشيء المميز عن مجلس محمود طاهر الرئيس السابق للنادي الأهلي.
لذا وإن كان البعض لم يفهم بعد أن محمود الخطيب خسر الرهان من اليوم الأول لظهور تركي آل الشيخ بجواره أن يعيد النظر، وإلا فليعتبر تلك الهزيمة القاسية أمام صنداونز هزيمة بروح الفانلة الحمراء أيضًا.
وإن كان البعض الآخر قد فهم أن الرجل خسر الرهان بالفعل ويسأل ما العمل الآن؟ العمل هو أن تعيد بناء البيت بأكمله دون الالتفات لأحد، وأن تصارح الجميع بشكل ضمني أنك خسرت الرهان الحالي، وتحاول أن تتجنب الخسارة في الرهانات القادمة. على أن تعترف للجميع بحق إعادة تقييمك بناء على ما سبق.