من يملك السماء: المستفيدون من قرار ترامب بحظر أجهزة اللابتوب
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
أعلنت مؤخرًا إدارة ترامب حظرًا على أجهزة الكمبيوتر المحمولة واللوحية والأجهزة الإلكترونية الأخرى يشمل المسافرين جوًا من دول الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة، وهو ما يُعتبر أحدث فصل في سياستها العنصرية للهجرة. قد يكون هذا الجزء من سياسته واضحًا بالفعل، لكن ربما ما هو أقل وضوحًا -ولكن ليس أقل أهميةً- هو من المستفيد من تلك الخطوة السياسية الجديدة.
يُعتبر الحظر الجديد لأجهزة الكمبيوتر المحمولة هدية بالغة التأثير لداعميه من حملة الأسهم الذين يسيطرون على شركات الخطوط الجوية الأمريكية. في حين يأتي القرار على حساب الناقلات الخليجية التي تُهدد سيطرة الخطوط الجوية الأمريكية على خطوط النقل الدولي طويلة المدى، وأيضًا على حساب المسافرين على درجة رجال الأعمال الذين يشكِّلون النسبة الغالبة من العملاء المربحين.
ربما يكون هذا شكلاً من أشكال نظرية المؤامرة، ولكن الرأسمالية الاحتكارية لترامب ما تلبث أن تبزغ أكثر في نهاية المطاف. وحتى لو كانت الأيديولوجيا المهيمنة خلال العقود الثلاثة الأخيرة هي التجارة الحرة العالمية أو الرأسمالية التنافسية العالمية، إلا أن القومية الانتقامية لترامب تؤشر لشيء جديد؛ وهو أيديولوجيا تمثل اقتصادًا عالميًا يمكن الوثوق به من جديد حيث يجمع حاملة الأسهم تحت غطاء منافسة العلامات التجارية واستخدام السياسات الحكومية للتصارع حول الأسواق الدولية.
حينما نفكر في طبيعة هذه الاحتكارات، وعلاقتها بترامب خاصة، تظهر صورة أشد إثارة. في نواحٍ عديدة تبدو السياسة الخارجية لترامب متوافقة مع نمط البنية الإمبريالية التي قدّمها رودلف هيلفردنج.نظرية هيلفردنج حول الرأسمالية المالية في أواخر القرن التاسع عشر آلت إلى شيء كهذا؛ المؤسسات المالية الضخمة سيطرت على المنتجين المحليين، ثم أدمجتهم وكتّلتهم في احتكارات قومية فعّالة. وما لبثت تلك الاحتكارات القومية حتى تعاونت ضد الأسواق الخارجية، واستخدمت نفوذها السياسي للاستحواذ على سياسة الحكومة الحمائية والتعريفات الجمركية التي تحميهم من المنافسة الخارجية، ومن ثمّ غزو الأسواق الخارجية.
يعتبر السوق العالمي للسفر الجوي نافذة على ما يمكن وصفه بتكتلات القرن الواحد والعشرين. المؤسسات الاستثمارية التي تتضمن صناديق التقاعد وصناديق الاستثمار وبالطبع الأسهم الخاصة تحوز نصيبًا كبيرًا ومتزايدًا من أسهم الشركات الأمريكية، وهي ظاهرة سياسية متنامية تعرف أكاديميًا باسم «الملكية المشتركة». وبينما كانت صناديق الاستثمار التقليدية متواجدة لفترة طويلة، إلا أن دورها كان سلبيًا حيث كانت تعمل على الحفاظ على الشركات دون التدخل كثيرًا في عملياتها التشغيلية.
رغم ذلك المؤسسات الاستثمارية الأضخم والأكثر طموحًا توفر ما هو أكثر من مراكز رئيسية للشركات؛ فهي تجلب الخبرة والعلاقات، والأهم من ذلك كله أنها تجلب معلومات عن أفضل «الممارسات الصناعية» وهي غالبًا كلمة رمزية تعبر عن التواطؤ الضمني. قام الباحثون في هذا المجال بتعزيز شعار «الاستثمار السلبي لا يعني -بالضرورة- الملكية السلبية». استحوذت تلك المؤسسات الاستثمارية على حصة طويلة الأمد كاقتصادات مؤسسة على الاستيلاء والسيطرة على المؤسسات والتطفل عليها لصالح المساهمين.
النقد الموجه لنموذج تلك «الملكية المشتركة» واضح، فعندما تملك العديد من الشركات في نفس القطاع فأنت لن تكون متحمسًا لجعلها تتنافس عن طريق تحسين الكفاءة وخفض الأسعار . ولكن الأفضل من ذلك كله هو اقتطاع الأصول في الشركات التي تملكها وتسريح الموظفين أو توظيف قوتك العاملة في الأعمال الخارجية. مع الوضع في الاعتبار حقيقة أن اتفاقية تعديل الأسعار لا تعني بالضرورة أنك ستخسر عملائك لصالح منافسيك من الشركات الأخرى كما أن الملكية المشتركة هي من يدفع للمديرين التنفيذيين، ويرجع ذلك إلى أن المساهمين لا يرغبون في أن يقوم المديرون التنفيذيون بالتنافس مع بعضهم البعض.
لوحظت هذه المشكلة في قطاعات عديدة، حيث إن قلة من المؤسسات المالية تؤول لها الأمور لتسيطر على العديد من الشركات المنافسة المحتملة. على سبيل المثال شركة Blackrock -مديرها التنفيذي Larry Fink هو أحد مستشاري ترامب- تستحوذ على الحصة الأكبر من الأسهم في 655 شركة؛ منها 26% من أسهم شركات البناء، و 16% من أسهم شركات التصنيع، و 17% من أسهم الشركات المالية والعقارية، و 20.7% من أسهم شركات النقل والمواصلات العامة. في الحقيقة شركات Blackrock و Vanguard و State Street هم أكبر المساهمين بنسبة 88% السابق ذكرها. وقد بدأ هذا الأمر مع بداية موجة اندماج الشركات في 1980، ولكن ارتفعت وتيرته في عصر معدلات الفائدة المنخفضة وإلغاء القيود المالية.
تعد صناعة الطيران الجوي الأمريكية أكبر مثال على ذلك، فقلة من المؤسسات الاستثمارية مثل: Blackrock و State Street و PrimeCap و Vanguard و Berkshire Hathaway و AQR يستحوذون على الحصة الأكبر في شركات الطيران الأربعة الرئيسية: United و Delta و American و Southwest في ورقة بحثية نُشرت حديثًا لـ José Azar و Martin C. Schmalz و Isabel Tecu دُرست آثار تركّز الملكية. قامت Blackrock بشراء بنك باركليز والذي يملك عددًا من الحصص في أسهم شركات الطيران، وهكذا انتقلت حصص باركليز لتلك التي تمتلكها Blackrock بالفعل.
ذلك التنامي في تركز الملكية أدى إلى ارتفاع أسعار رحلات الطيران بنسبة 3 إلى 11% على نفس الخطوط، وذلك بالطبع يبين فوائد ذلك التركز في الملكية. منذ توقفت مصادر معلوماتهم عن متابعة إجراءات الأمان بجانب الخدمة السيئة والمدفوعات الإضافية على الحقائب وحجوزات المقاعد التي زاد عددها على مدار السنين منذ توقفت شركات الطيران عن منافسة بعضها البعض.
ولكن المثير للدهشة أن هذا النوع من الاحتكارات الخاصة ليس موجودًا في أي مكان آخر؛ فشركات الطيران الخليجية الكبرى مثل طيران الإمارات والاتحاد وطيران الخليج وقطر تستفيد من إعانات الحكومة بجانب الوقود المدعوم. ويتم التحكم بها عن طريق صناديق الثروة السيادية لأنظمة الحكم الملكية في مجلس التعاون الخليجي (الإمارات – قطر – البحرين)، كما أنهم لا يقبلون المستثمرين الأجانب.
كان تفوق شركات الطيران الخليجية ملحوظًا، ونتيجة لغضبهم من تهديد تلك الشركات شبه الحكومية على حصتهم من السوق؛ قامت شركات النقل الأمريكية الثلاثة التي توفر رحلات طويلة المدى: Delta و American و United بعقد شراكة «سماوات مفتوحة وعادلة» عام 2015. تتهم شركات النقل الجوي الأمريكية نظيراتها الخليجية باقتراف «ممارسات لا تنافسية» رامية بذلك إلى إقصائها من السوق الأمريكية وحماية مصالحها الدولية.
اقرأ أيضًا:الحظر الأمريكي: السياسة على طريقة رجال الأعمال
من الممتع التفكير في أن الشركات شبه الحكومية في الشرق الأوسط وآسيا ذات النظم الأتوقراطية هي القوى المنافسة الرئيسية التي كانت سببًا في خفض أسعار الطيران طويل المدى، ولكن من جهة أخرى يمثل هذا نوعًا جديدًا من الرأسمالية ما بعد التنافسية.
تتنامى «الملكية المشتركة» في الاقتصاد الأمريكي، وبجانب اقتصاديات الحجم وموانع الانتساب في التكنولوجيا والرعاية الصحية وقطاعات الإعلام؛ كل ذلك يؤدي إلى زيادة الاحتكار. تساعد زيادة الاحتكار تلك في فهم السبب وراء الإنتاجية المنخفضة للولايات المتحدة خلال السنوات الخمسين المنصرمة رغم التغير التكنولوجي السريع، فالمحتكرون ينهبون الأصول ويقوضوا الاستثمار لكي يحافظوا على الفائدة المرتفعة، ولهذا السبب زادت بشكل حاد حصة الدخل العائدة إلى أرباح هذه الشركات في نفس المدة.
الداعم الفكري لهذا الدمج كان نمطًا محددًا من التنظير الاقتصادي القانوني المحافظ نشأ في مدارس القانون في جامعات شيكاغو وجورج مايسون. قامت السلطات بتقليص إحصاءات مكافحة الاحتكار بفرضية أن الكفاءة تتحكم في الأرباح والحجم أكثر من السلوك اللاتنافسي. تحول الهدف من قانون مكافحة الاحتكار من تسييس القوة السوقية إلى ضمان كفاءة السوق، ولكن الخدعة التي انطلت على الجميع أن السوق كان فعالاً ولم يكن بحاجة ذلك. إذا قمت باستبعاد المشكلة التي سُنَّت من أجلها سياسة مكافحة الاحتكار ستجد أنه لم تكن هناك حاجة لتلك السياسة من البداية، فهي الابن غير الشرعي للاقتصاديات والقانون المحافظ الذي أنتجته الجهات الخيرية الأوليجاركية المعتادة.
تحيى نواتج تلك الحركة الفكرية في الأوساط الأكاديمية، ومشرعي القانون الخاص، والوكالات التنظيمية. هؤلاء هم أيضًا الأشخاص الذين اختارهم ترامب ليتولوا سلطات مكافحة الاحتكار داخل قسم القضاء واللجنة التجارية الفيدرالية، وهم: Joshua Wright جوشوا رايت، و Maureen Ohlhausen ماورين أوهلاهسن، و Makan Delrahim ماكان ديلراهيم، وأعضاء بارزون آخرون يتم الدفع لهم بصورة منتظمة لكي يجعلوا تلك المناقشات على طاولة المنظمين، ونادرًا ما مرت عليهم حالة دمج ولم ترق لهم.
هذه المبادرة من إدارة ترامب تكشف أن السياسة الفيدرالية يمكن استغلالها لخدمة الاحتكار، وتتم ممارسة نفس اللعبة الآن في مجال التأمين الصحي. قامت شركة Anthem [1] بتأييد العرض الذي قدّمته إدارة ترامب لإنهاء برنامج [2] Medicaid، وكذلك هضم حقوق كبار السن والمرضى الميئوس من شفائهم. هذا التأييد يرمي إلى حثّ الإدارة الجديدة على التخلّي عن التحدي الناجح للاندماج المخطط له مع Cegna [3].
وضعًا في الاعتبار أن الاندماج المنتظر بين AT&T and Time Warner و Bayer and Monsanto تلقّى دعمًا معنويًا من الإدارة مقابل إدعاءات فارغة بخلق فرص عمل وتعهدات بالبحث والتنمية خلال عملية الشد والجذب مع المديرين التنفيذيين للشركات. ملاحظات هيلفردينج على الإمبريالية والتي تبنّاها لينين فيما بعد كانت معيبة بالتأكيد، لكن كان من الملاحظ إصراره على ربط الاحتكار القومي بعواقب السياسة الخارجية. (كانت فكرة لينين الكبرى أن التوسع الإمبريالي هو ما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى).
قد لا تلوح حرب عالمية في الأفق الحاضر، لكن التقليل من شأن نماذج الأعمال للمنافسين العالميين عن طريق جعلها غير ملائمة لنقل متاع الركاب الأمريكيين قد يُعتبر خطوة صغيرة لكنها ترمي بالتأكيد إلى إعادة توجيه تدفق العوائد في الاقتصاد العالمي. في هذا السياق ليس من المفاجئ فرض سياسة أمن قومي جلية تمنع الأجهزة (الإلكترونية) التي يمكن جلبها على متن الرحلات الدولية سيكون موجهًا للمنافسين الخارجيين للشركات الأمريكية.
لذا ربما بدلاً من تأويل جموح تقلبات ترامب -فقط- كهوية أمريكية مصابة بجنون العظمة، يجب علينا تأويلها كمرحلة أخيرة للرأسمالية: أي منافسة متعددة الأقطاب بين قوميين مشوشين ومصالح رأسمالية. ما زالت الولايات المتحدة تدعم الرأسمالية العالمية من موقع القيادة، ولكن تلك الرأسمالية أصبحت أوليجاركية [4] بوضوح. ومع سياسة عامة تخدم هوامش أرباح الشركات وحاملي الأسهم بدلاً عن أي مصلحة قومية أخرى تحددها الديمقراطية.
- برنامج تأمينات للعائلات الأمريكية والأفراد ذوي الدخل المنخفض.
- منظمة خدمات صحية توفر التأمين الصحي والعلاج.
- حكم القلة.