محاولة اغتيال عمران خان: من المستفيد؟ ومن الخاسر؟
جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، لتضفي مزيدًا من السخونة على المشهد السياسي الملتهب في هذه الدولة الإسلامية النووية، إذ يحظى الرجل بشعبية جارفة ويُنظر إليه على أنه رئيس الوزراء القادم.
ونجا خان من الاغتيال، لكن الرصاص أصاب قدمه وشوهد يضع ضمادة عليها، وتم نقله من الشاحنة التي كان يقف عليها لحظة الهجوم إلى سيارة أخرى ليعود إلى لاهور لتلقي العلاج، كما أصيب بعض أنصار حزبه بجروح.
ووقع الحادث وسط حشد كبير قرب مدينة غوجرانوالا في منطقة وزير أباد بإقليم البنجاب الشرقي، حيث كان خان يسافر في قافلة كبيرة من الشاحنات والسيارات.
وتم قتل أحد المهاجمين واعتقال آخر، وأدان رئيس الوزراء شهباز شريف حادث إطلاق النار، وأمر وزير الداخلية بفتح تحقيق على الفور.
مسيرة التغيير
وقع الهجوم في اليوم السابع من بدء خان مسيرته من لاهور، عاصمة إقليم البنجاب، إلى جانب آلاف من أنصاره، وهي مسيرة شعبية حاشدة على مستوى الدولة تهدف لقطع 380 كيلومترًا للوصول إلى العاصمة للضغط على الحكومة لتقديم موعد الانتخابات.
وظل خان يلقي خطابات من حاوية مفتوحة أمام الحشود في مدن وبلدات في طريقه إلى العاصمة، ودعا أنصاره إلى تجنب العنف، وحث الجماهير على الانضمام إلى موكبه تباعًا على طول الطريق حتى دخول العاصمة.
ونظم أنصار خان احتجاجات مؤخرًا بعد أن أدانته المحكمة العليا للانتخابات في 21 أكتوبر / تشرين الأول، لاتهامه ببيع هدايا بشكل غير قانوني تبلغ قيمتها أكثر من 634 مليون دولار، حصل عليها من الإمارات والمملكة العربية السعودية خلال عمله كرئيس للوزراء بين عامي 2018 و 2022، وقررت المحكمة أنه غير مؤهل للمشاركة في أي انتخابات مقبلة أو تولي أي منصب سياسي، في خطوة وصفها نجم الكريكيت السابق بأنها ذات دوافع سياسية.
ومنذ الإطاحة به في نيسان/أبريل من خلال اقتراح برلماني بحجب الثقة، طالب خان بإجراء انتخابات مبكرة لتوقعه الفوز فيها، غير أن الحكومة الجديدة أعلنت أنها ستستمر حتى الموعد النهائي للولاية الحالية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بحجة إعطاء نفسها الفرصة لإصلاح الاقتصاد.
حزب «الإنصاف»
استطاع عمران خان أن يكون قائدًا كاريزميًّا في عموم باكستان فقد درس في جامعة أكسفورد البريطانية، واشتهر كلاعب كريكت وهي اللعبة الأكثر شعبية في باكستان، وقاد فريق بلاده في كأس العالم واستطاع الفوز بالبطولة عام 1992، واعتزل اللعب في نفس العام بعدما وصل لقمة مجده الرياضي وتفرغ للعمل الخيري.
بدأ مشواره السياسي بتأسيس حركة «الإنصاف» عام 1996، واستغل شعبيته لدى الشارع الباكستاني في إطلاق مبادرات مجتمعية وتنموية، وأصبح عضوًا بالبرلمان عام 2002.
منذ عام 2013 أصبح خان رقمًا مهمًّا في اللعبة السياسية على مستوى باكستان واجتذب الشباب الطامح في التغيير، فلم يكن سليل عائلة سياسية عريقة، بل هو مواطن طموح تعهد بكسر احتكار عائلتي بوتو وشريف للحياة السياسية، وإنشاء طبقة سياسية جديدة من أصحاب الأيدي النظيفة غير المتلوثين بالفساد.
سماه معارضوه «طالبان خان» تهكمًا من تعاطفه مع الجماعات الإسلامية، فهو ينتمي إلى عرق البشتون الذي يعد العمود الفقري لحركة طالبان، ومؤيد للتكامل مع أفغانستان، ومعارض للغارات الأمريكية على معاقل طالبان، وسبق أن وصف مؤسس تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بأنه شهيد.
انتخب في يوليو/تموز 2018 رئيسًا للحكومة، وتعهد بمحاربة الفساد وإصلاح الاقتصاد، لكنه لم يوفِّ بتلك الوعود وعانت البلاد من التضخم، وانخفضت قيمة العملة المحلية «الروبية»، وتراكمت الديون، مما أثار الانتقادات لعهده رغم ما حققه من إنجازات في التعامل مع أزمة فيروس كورونا عام 2020، وأجبرته الأزمة الاقتصادية على خطوة طالما رفضها وانتقدها، وهي الذهاب إلى صندوق النقد الدولي لمعالجة عجز الموازنة.
وبعد أقل من أربع سنوات من انتخابه أطاح خصومه بحكومته بعدما اتحدت عائلتا شريف وبوتو ضده، وتوترت علاقته بالجيش، وانشق عدد من النواب المؤيدين له بتحريض من خصومه.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي زار خان موسكو، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين، ورفض إدانة الغزو، وزاد من انتقاداته الحادة للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما خالفه فيه رئيس الأركان الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الحاكم الحقيقي للبلاد، وهو ينتمي إلى الطائفة القاديانية، ولا يُظهر آراءه السياسية علانية، فالموقف الرسمي المعلن للمؤسسة العسكرية هو الحياد.
وكان معروفًا على نطاق واسع أن عمران خان جاء إلى الحكم بدعم من الجيش، ورحل عنه بعد خلافاته معه، كحال من سبقوه الذين فشلوا في إكمال مددهم القانونية، بحيث أصبحت القاعدة المستقرة هي الإطاحة برؤساء الحكومة قبل إتمام الخمس السنوات، وإن اختلفت الطرق للإطاحة بهم لكن النتيجة واحدة.
ومنذ سحب الثقة من حكومته لم يتوقف خان عن محاولات العودة إلى الحكم معتمدًا على جماهيريته الكبيرة، وظل ينظم الفعاليات والمسيرات لحشد التأييد له، وهو يتهم خصومه بالتبعية للولايات المتحدة، ومعارضة سياساته حيال أفغانستان وروسيا، رغم نفي واشنطن أي تدخل في الشئون الداخلية الباكستانية.
ومؤخرًا حقق حلفاء عمران خان مكاسب انتخابية هائلة واستحوذوا على حكم البنجاب، أهم منطقة في البلاد ومعقل رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، التي تضم أكثر من نصف مقاعد البرلمان البالغ عددها 272 مقعدًا.
من المستفيد؟ ومن الخاسر؟
جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الباكستاني السابق لتضفي مصداقية على حديث الرجل عن تعرض حياته للخطر، فقد أعلن في مايو/أيار الماضي أن حياته في خطر، وأنه سجل مقطع فيديو ذكر فيه أسماء كل من تآمروا عليه.
ورفعت محاولة الاغتيال من شعبية عمران خان، وألهبت حماسة مؤيديه وأكسبته مزيدًا من التعاطف الشعبي، ووُجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة، ورفض حزب الإنصاف التعاون مع لجنة التحقيق التي شكلها وزير الداخلية، رنا ثناء الله، المعروف بعداوته لعمران خان، وأصدر تهديدات صريحة له مؤخرًا.
ودفع ذلك إلى اتهام حزب الإنصاف بتدبير محاولة اغتيال مزيفة لرفع شعبية الحزب وزعيمه، وإظهاره بمظهر البطل في أعين الشعب الباكستاني، الذي خرجت أعداد منه للتظاهر دعمًا لخان.
لكن على الجانب الآخر فإن المستفيد من اغتيال عمران خان هم خصومه السياسيين الذين يعلمون أن شعبية حزبه مبنية في الأساس على شخصه فقط، وأن «الإنصاف» لا تضم قادة كاريزميين آخرين بهذا الوزن يستطيعون حشد الشارع في حال رحيل الزعيم.
كما يثور احتمال أن يكون خصوم خان أرادوا -ليس اغتياله- بل على الأقل توجيه رسالة تهديد وتخويف ذات مصداقية للرجل وأنصاره معًا، لا سيما وأن الأجهزة الأمنية أطلقت تحذيرًا بإمكانية حدوث عمليات إرهابية أخرى في مسيرة خان.
واتهم خان رسميًّا رئيس الوزراء شهباز شريف ووزير الداخلية رنا ثناء الله، وعنصر من الجيش، بتخطيط وتدبير عملية الاغتيال الفاشلة، وهدد الوزير في حكومة إقليم خيبر بختون التابع لعمران خان باقتحام إسلام أباد وقتل وزير الداخلية برصاصة في رأسه.
وعرض التليفزيون الباكستاني مقطع فيديو للمتهم بإطلاق النار على رئيس الوزراء السابق، قال فيه إنه قرر اغتياله من تلقاء نفسه، وأنه ليس خلفه من يدعمه، وهو ما لم يقنع فريق حزب الإنصاف بالطبع.
وقد توقع خان اغتياله منذ أيام قليلة قائلًا: «إذا حان أجلنا، فإننا نسأل الله وفاة كوفاة الصحفي أرشد شريف، نسأله أن نموت شهداء»، في إشارة إلى واقعة الاغتيال الغامضة للصحفي بعد توتر علاقته بالجيش.
وكعادة الاغتيالات السياسية في باكستان يظل الغموض سيد الموقف وتتنازعه الاحتمالات والاتهامات، ويأتي السياسيون ويرحلون ويظل الجيش هو الثابت الوحيد في هذا المشهد المتقلب، ويهرع إليه السياسيون في خلافاتهم لترجيح كفة جانب على آخر، والإتيان بحكومة والإطاحة بأخرى.