أين ذهبت حركة سلفيو كوستا
بخلاف الفكر السلفي المتعدد الرافض للحداثة والرافض للأوضاع القائمة لأنها تعتبر خارجة عن الإسلام الصحيح ومتناقض مع العديد من الأفكار السياسية معتبرها أفكارا غريبة في مسيرته الطويلة، ظهر جيل جديد من السلفيين حاول أن يتجاوز الخلاف الأيديولوجي والعقائدي لصالح المنظومة القيمية المدنية.
تجاوز صراعات التبديع والتفسيق والتكفير، لصالح القيم التوافقية والتعاونية، قيم التقارب الفكري في التطبيق والتنظير من أجل المحافظة على كرامة الإنسان في إطار الاحترام المتبادل، ولقد مثلت «سلفيو كوستا» نموذجا لهذا الجيل الذي رأى أن يختبر قيم الحداثة متصالحا معها.
النشأة وطرافة التسمية
«سلفيو كوستا» هي حركة مجتمعية تم تأسيسها في الزخم الثوري الذي صاحب ثورة يناير/كانون الثاني خاصة بعد استفتاء 19 مارس/آذار 2011م، وتكونت الحركة من خلال مجموعة من شباب التيار السلفي الملتزم لمحاربة أي سلطة تسعى إلى أن تستمد قوتها في جو استقطابي أو فكر تآمري ذلك وفقا لبيان تأسيس الحركة.
بدأت الحركة نشاطها من خلال صفحة لها على الفيس بوك عنوانه «سلفيو كوستا» تضم العديد من التيارات المختلفة فكرياً وأيديلوجياً سواء ليبراليون أو اشتراكيون أو غيرهم ، ثم قامت الحركة بإنتاج فيلم «أين ودني» وتم عرضه على الإنترنت وغاية الفيلم تمحورت حول ضرورة عدم إصدار أحكام مسبقة على الأشخاص بل يجب الإنصات إليهم أولاً .
ورفضاً للتمييز فقد خصصت الحركة 25% للأقباط و35% للسلفيين لأعضائها، كما تتكون الحركة من اللجان التنموية والإعلامية والحقوقية ، وشعار الحركة «نمشي في الأسواق ، ونأكل الطعام ، ونشرب الكابتشينو». و«نحن دائما من ندفع ثمن المشاريب» في إشارة ساخرة لتحميل السلفيين وحدهم كافة الأخطاء.
حمل اسم الحركة تعبير صريح من مؤسسيها على أنهم جيل جديد من السلفيين رافض للنهج السلفي المعروف بالجمود الفكري وعدم القابلية للتحديث فقد جاءت التسمية مكونة من شقين : الأول( سلفيو) نسبة للسلف الصالح ، أما (كوستا) فهي نسبة إلى سلسلة المقاهي المعروفة في القاهرة «كوستا كافيه» .
هدف تطوعي وآخر سياسي
ترتكز الحركة على هدفان أولهما تنموي والآخر سياسي ؛ بالنسبة للهدف التنموي وهو تطوعي لمحاربة الفقر والجهل والمرض ويتم من خلال عمل العديد من القوافل الطبية وبالتعاون مع جمعيات خيرية مختلفة مثل عمارة الأرض وأطباء التحرير ، كما يتم من خلال تقديم مجموعة من الأطباء الدعم للمرضى الفقراء وتقديم خدمات طبية لهم. وتقوم الحركة ايضاً بحملات محو الأمية .
أما بالنسبة لأهدافهم السياسية أكدت الحركة على مطالب ثورة يناير/كانون الثاني والمطالبة بحقوق الشهداء والمصابين ، وأصدرت العديد من القرارات السياسية المغايرة لقرارات التيارات الإسلامية.
وتسعى الحركة من خلال رؤيتها إلى تحقيق السلام المجتمعي المنشود عن طريق التأكيد على مفهوم كرامة المواطن المصري، ولذلك ترى أنه لابد من محاربة الظلم والظلام والنهوض بمتطلبات المواطن العادي توعويا وصحيا وتنمويا.
مواقف الحركة السياسية
تميزت مواقف الحركة منذ تأسيسها باتساقها الحركي والفكري، فلم ينتظم الخط الفكري للحركة مع الخط السلفي التقليدي متجاوزة التصنيف السلفي القديم القائم على الاختلاف العقائدي والحركي.
ففي الوقت الذي عانت منه سلفية الإسكندرية بالتنازل العقائدي بالانخراط في الأحزاب السياسية، اتجهت الحركات السلفية الجديدة إلى محاولة التوفيق بين الفكر العقائدي والمشاركة السياسية.
فقد مثلت «سلفيو كوستا» نموذجا ناجحا قاده العديد من الكوادر الشابة المتدينة، استطاع أن يتجاوز الاختلافات الأيديولوجية والعقائدية والنوعية، ونجح في التقريب بين التيارات المتصارعة في وقت اتسم الشارع فيه بالاستقطاب السياسي والأيديولوجي.
في الوقت نفسه سعت الحركة في إطارها الفكري والأيديولوجي إلى توسيع انتقاداتها لقيادات التيار الإسلامي من الجماعات السلفية التقليدية أو جماعة الإخوان المسلمون، فناصرت الحركة التمرد على الرئيس مرسي قائلة:
حركة لا تمثل صحيح الإسلام
تعرضت الحركة لسيل من الانتقادات الحادة منذ تأسيسها من جانب القيادات السلفية ومن أبرزهم الداعية السلفي «محمد عبد المقصود» الذي أكد على أن الحركة بعيدة كل البعد عن المنهج السلفي الصحيح، كما أعتبر آخرون أن الحركة لا تلتزم بالمنهج الشرعي الصحيح بل هي تسير وفقاً للأهواء .
وهوجمت الحركة على أنها تقوم بالاختلاط مع الفتيات وهذا مخالف لقواعد الشريعة الإسلامية كما انتقدت نتيجة اجتماعها في «كوستا» وسماع الموسيقى في المكان. وأيضاً لأنها حركة بدون شيخ يتعبونه، وفى منهجية الفكر السلفي التبعية لشيخ من الأساسيات.
أين ذهبت سلفيو كوستا؟
شاركت الحركة في إطار المناخ الثوري فيما بعد ثورة يناير/كانون الثاني، وسعت إلى أن يكون حضورها ذا نفوذ وتأثير، كما سعت باقي الحركات، وتبنت منهجا وموقفا سياسيا كان الأقرب إلى الوسطية والاعتدال والسلمية، ومناصرة للحقوق والحريات، أقرب إلى تبني نظام ديمقراطي مدني يحافظ على كرامة الإنسان في مناخ توافقي.
كما مثلت الحركة نموذجا للمعارضة المجتمعية القائدة حتى ضد نظام الإسلاميين، فقد ناصرت الحركة التحركات التي قادت إلى إسقاط نظام الإخوان، واعتبرت اعتصام رابعة قرار سياسي فاشل ورفضت طريقة اعتصامه، وهو ما صاحبه انشقاق داخل الحركة، وحرصت الحركة إلى أن يكون لها حضور دائم على صفحتها على الفيسبوك في كافة المناسبات والمواقف السياسية المحلية والدولية الإقليمية.
وفي أعقاب تولي النظام الجديد بعد إسقاط مرسي سعت الحركة إلى توفيق أوضاعها القانونية من خلال وزارة التضامن ولكن تحفظ على اسمها، ومنذ ذلك الحين ركزت الحركة على الدور التطوعي والتوعوي في القرى الفقيرة، ربما هذا يهدف إلى بناء رأسمال سياسي لها وهو ما يمثل آلية ناجحة لتأسيس نواة حزبية كما فعلتها الأحزاب الخضراء في أوروبا.
ابتعاد الحركة عن الخط السياسي واعتزالها الحياة السياسية يأتي في إطار المناخ العقابي الذي تمارسه السلطات المصرية، مع إغلاق المجال العام، وتضييق الخناق على الفضاء الإلكتروني، وتقييد حريات التجمع والتعبير والتنظيم، وتزايد أدوات القمع من الاعتقال والاختفاء القسري والقتل.