عندما تصنع النسوية السلام: ثلاث نساء نجحن في ذلك
أن تكون مؤمنًا بقضية لا يعني ذلك كثيرًا، أما أن تقرر النضال من أجلها فأنت تقرر حينها أن تحيا أسطورتك الذاتية، فنضالك من أجل قضيتك يعني أن لديك قلبًا ينبض بها، وعقلًا يضيء لأجلها، وهذا لا يعبر إلا عن كونك إنسانا حقيقيا. فنضال الإنسان من أجل قضيته ما هو إلا نضال للذاكرة ضد النسيان.
على هذا المنوال نجد نساء قد خلدهن التاريخ على ما قدمنه دفاعًا عن الأسس السلمية العالمية وحقوقهن لينلن رمزية السلام العالمية.
مالالا يوسف
من بيــن 278 مُرشحــًا لنيــل جائزة نوبــل للســلام في عام 2014م، كلهم بلا استثنــاء أسماء دولية كُبــرى، من بينهم الرئيس الروسي بوتين، وبابا الفاتيكــان، وأكثــر من 40 منظمـــة دوليــة للســلام. انتــزعت الفتاة الباكستانية (مالالا يوســف زي) الجائــزة، رغم سنّهــا الصغيــر الذي لم يتجــاوز 17 عامًا. لتكون بذلك أصغر من فاز بجائزة نوبل للسلام. فما الذي قدمته لتنال هذا التكريم؟.
قصــة (مالالا يوسف) بدأت في عــام 2009م، عبــر منصــة التدوين المُصغّــر «تويتــر»، عندمـا بدأت وهي في عامها الثاني عشر فى التدوين الإلكتــروني عبــر تويتــر باسم مُستعــار «غول ماكــاي»، والكتــابة عبــر مدوّنة البي بي سي، مُسلّطة الضــوء على حركة طالبــان المُتشددة، وتندد بجرأة مُدهشة بأفعــالها ضد حقوق الإنســان، والعنــف المُفرط تجاه المرأة، وحرمــان النســاء من التعليم، وغيرها من الممارســات التي وصفتها مالالا بالهمجيــة والتي ترتكبــها الجماعة المُسلحة، تحــت غطــاء الديــن، والدين منهــا براء.
كانت مالالا تدعو من خلال تدوينــاتها إلى حــق المرأة في نيــل تعليــم مُحتــرم وراق، والمشــاركة في بناء المُجتمع الباكستــاني، ولعــب دورها الطبيعــي في حركة تطوّر البشــرية. وهي التدوينــات التي لاقت ترحابًا عالميــًا واسعًا، ودهشـــة بالغة من جرأة الفتاة الصغيـــرة، وإعجــابًا بطريقــة عرضهــا للقضية والفكــرة.
حتى جــاء اليــوم الذي اصطــدمت فيه الطفلة الحُــرة، ببندقية التشدد والهمجيــة، وكـادت أن تخســر حيــاتها القصيــرة. ففي عـام 2012م، وبعد أن ودّعت مالالا الصغيــرة والدهــا لتستقــل الحافلــة المدرسيّــة مُتجهــة إلى المدرســة، صعــد إلى الحافلــة شخص مُلثّـــم، ووجّـــه سؤالاً بسيطـاً لجميع الأطفال مُستقلّي الحافلة: من منكم مالالا يوسف؟.
لتنطلق بعدها بعض الرصاصات تجاه مالالا مما تسبب في إصابتها بطلقة اخترقت جمجمتها دون الوصول إلى المخ وأخرى استقرت في كتفها. وتم نقل مالالا عبر مروحية خاصة إلى مستشفى بإدارة الجيش الباكستاني في مدينة بيشاور لتخضع لعملية جراحية تمت بنجاح، وظلت غائبة عن الوعي ومثبتة على جهاز تنفس، على وشك الموت كما قال الأطباء لأبيها الذي بدأ في تحضير مراسم الدفن والجنازة، حتى نقلتها طائرة إماراتية لبريطانيا لاستكمال علاجها ثم الاستقرار في لندن مع أسرتها؛ فقد نجــت مالالا من موت مُحقق.
لم يسكــت صوتها الصغيــر عن المُطالبــة بحقــوق الإنســان والمرأة في باكستــان والعالم، بل قوّى موقفهــا للغايــة، للدرجة التى جعلتهــا تلقي خطابًا داخل أروقة الأمم المتحدة، منددة بأعمال طالبان، ومنــادية بحق الفتاة الباكستــانية في التعليم والمســاواة والحياة والكريمة.
ثم أصدرت مالالا كتابها «أنا مالالا» عن رحلة غير متوقعة لطفلة تحكي عن تاريخ باكستان وواديها حيث كانت تعيش وتدرس حتى وصولها لأروقة الأمم المتحدة، وحياتها في بريطانيا والعيش برفقة أسرتها وأبيها الذي شجعها على القراءة واستكمال تعليمها حتى أصبحت أصغر مرشحة لجائزة نوبل للسلام.
ونجحت مالالا في الحصول على توقيع 2 مليــون باكستــاني على عريضة وطنيــة ساعدت على التصديــق على الحق في تعليم المرأة في باكستــان، ليصبــح من أهم أولويــات البلاد، لتنال على خلفيتها الجائزة الوطنية الأولى للسلام في باكستــان، وجائزة السلام الدولية للأطفال.
ليما غبوي
حصلت ليما غبوي على نوبل للسلام عام 2011م؛ نظرًا للمجهودات التي قدمتها. فهي سيدة السلام التي استطاعت بأفكارها ومجهودتها إنهاء حربين دمويتين في بلدها ليبريا. ولدت ليما غبوي عام 1972م، في ليبيريا وعاصرت الحرب الأهلية الأولى، لتنظم رابطة نساء من أجل السلام؛ إيمانًا بأهمية دور المرأة في إصلاح أخطاء الرجال التي تقودهم إلى الاقتتال. استطاعت هذه الرابطة أن تضم نساء من مختلف الفئات والمعتقدات، اجتمعن حول هدف واحد؛ وهو إيقاف الحرب.
اعتمدت فكرة الرابطة على اعتصام النساء في الشوارع تحت الأمطار والقصف بالزي الأبيض، رافضين كل صور التهديد، فعلى حد قولهن لن يحدث أسوأ مما مر عليهن من قتل وسفك للدماء، فالحرب استمرت ما يزيد عن 13 سنة، وراح ضحيتها 250 ألف قتيل.
أونغ سان سو تشي
أونغ سان سو تشي معارضة وناشطة ديمقراطية في ميانمار، نالت جائزة نوبل للسلام عام 1991م، في بلد خاضع لحكومات عسكرية متعاقبة منذ 1962م. دعت سو تشي إلى نبذ العنف وقد صرحت عام 1999م بقولها: «إن الجنرالات لا يدركون معنى كلمة حوار». تحظى سو تشي بشعبية كبيرة في بلادها، كما تحظى بدعم غربي وأميركي على وجه الخصوص، وينظر إليها في الغرب كمانديلا أو غاندي.
ألقت أول كلمة علنية لها في أغسطس عام 1988م، طالبت فيها بتشكيل حكومة انتقالية لبلدها الخاضع للأحكام العرفية مطالبة بإجراء انتخابات حرة، ثم بادرت ومعارضون آخرون بتأسيس حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية. وحقق حزبها في مايو 1990م، فوزًا كبيرًا بانتخابات تعددية، لكن الحكومة العسكرية رفضت الاعتراف بها.
تم وضعها قيد الإقامة الجبرية من منتصف 1989م، إلى منتصف 1995م، ثم فرضت عليها الإقامة الجبرية مجددًا في منزلها على ضفاف بحيرة رانغون لمدة 19 شهرًا في عام 2000م، كما فرضت عليها إقامة جبرية للمرة الثالثة في مايو 2003م.
دعت عضوات مجلس الشيوخ الأميركي -بدعم من لورا بوش قرينة الرئيس- وزارة الخارجية للعمل من أجل الإفراج بدون شروط عن سو تشي التي أمضت قرابة 11 عامًا رهن الاحتجاز المنزلي أو خلف قضبان السجون. لم تتمكن سو تشي من تسلم جائزتها شخصيًا حتى عام 2012م، بعد 21 عامًا من الحرمان من الحرية.
وفي عام 2011م، قرر المجلس العسكري أن يحل نفسه ويضع مكانه نظامًا شبه مدني برئاسة ثين سين. وفي انتخابات جزئية في عام 2012م، فازت الجامعة الوطنية من أجل الديمقراطية بثلاثةٍ وأربعين مقعدًا من أصل 45 مقعدا، وحينها دخلت أونغ سان سوتشي مجلس النواب.
إلا أن سو تشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام قد واجهت انتقادات عدة لتراجع مواقفها النضالية في الدفاع عن حقوق الروهينغا المسلمة. حين صرحت بأن أعمال العنف الطائفية التي وقعت في بلادها ضد أقلية الروهينغا المسلمة لا ترقى إلى مرتبة التطهير العرقي.