حين يصبح الحُلم طريقًا للحكم!
حلم حُلماً: أي رأى في نومه رؤية. و«الحلم هو سلسلة من التخيلات التي تحدث أثناء النوم. وتختلف الأحلام في مدى تماسكها ومنطقيتها، ويوجد كثير من النظريات التي تفسر حدوث الأحلام. يقول سيغموند فرويد: «الأحلام وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة خاصة التي يكون إشباعها صعبًا في الواقع، ففي الأحلام يرى الفرد دوافعه قد تحققت في صورة حدث أو موقف». والمثل الشعبي الذي يقول: «الجائع يحلم بالخبز»، خير تعبير عن هذا. وكان سقراط يؤمن بقدسية الأحلام ويرى أنها رسائل إلهية إلى البشر تحذرهم من الأخطار، وتنذرهم من الوقوع في الأخطاء وما يتبع ذلك من عقاب.
وكان أرسطو أول من حاول تفسير الأحلام تفسيراً علمياً، فقال: إن الأحلام ليست رسائل ترد علينا من العالم الآخر، وأنها لا تكشف لنا شيئاً عن المصادر الخارقة للطبيعة، وإنما الأحلام لون من النشاط النفسي يصدر عن النائم بحسب الظروف التي يكون عليها نومه.
ويذهب فرويد إلى أن الحلم نتاج لنشاطنا النفسي الخاص، انطلاقاً من أن الحلم يمثل اللحظة الهاربة من ضوابط الإنسان.
ويرى هافنر أن الحلم هواستئناف -على نحو ما- لحياة اليقظة. وإذا تأملنا وجدنا أن هناك باستمرار صلة بينهما وبين الأمور التي كـانت تـشغل تفكيرنا قبل النـوم، ومهما خفيت تلك الصلة، فالملاحظة الـدقيقة تستطيع أن تدلنا على اتـصال، ولو دقيق، بين ما رأيناه في الحـلم وما وقع في النهار السابق.
أما فيجانت فيقول بصدد علاقة الحلم بالواقع: إن الحلم لا يبعد عن الواقع، بل هو على العكس، يعود بنا ونحن نيام إلى ما ابتعدنا عنه من شواغل اليقظة». [مجلة الرافد]
يتأكد لنا من آراء الفلاسفة والمفكرين أن الحلم يستكمل اليقظة، والاتصال بينهما وثيق، وما الحلم إلا مرآة تعكس أفكار النفس، أو هو صدي لحديثها وما يدور في خلجاتها أثناء النهار.
ولذا كان تيمورلنك يولي مناماته أهمية كبيرة، وقرَّب منه مفسري الأحلام، واعتقد البعض أن انتصاراته كانت تعبيرًا عن الأحلام والرؤى التي كان يراها في مناماته.
هناك أيضا «نادر قلي» الذي ظهر في إيران بعد سقوط الدولة الصفوية، وكان يُدعى «نادر شاه» وكان يُعد من طراز الاسكندر أو جنكيز خان. أطلق عليه الأوربيون لقب «نابليون الشرق». كان، كما يقول الدكتور علي الوردي، «كمعظم جبابرة التاريخ، نشأ نشأة وضيعة، إذ كان في صباه راعيًا للغنم بالقرب من خراسان، ثم ارتقى بعدئذ فصار قاطع طريق تتبعه عصابة من الأشقياء، وأخذ أتباعه يزدادون بمرور الأيام حتى بلغ عددهم في عام 1727م زهاء خمسة ألاف محارب.وفي ذات ليلة رأى نادر قلي في منامه الإمام علياً وهو يقلده سيفاً ويهيب به لإنقاذ إيران ويعده بالعرش، فكان هذا الحلم له بمثابة نقطة تحول في حياته، حيث أيقن بأنه مكلف بمهمة يجب أن يؤديها».
وأخذ نادر قلي يكسب الانتصارات تباعًا؛ فلم تنته سنة 1729م حتى كان قد تمكن من طرد الأفغان من إيران. وفي السنة الثانية، استطاع طرد العثمانيين من مناطق إيران الغربية، وتخيل الناس بأن الدولة الصفوية قد عادت إلى الحياة من جديد. ثم انقلب على أمير أصفهان وأرسل كتاباً إلى أحمد باشا والي العراق يتوعده بالقتال.حتي هزمهالأخيرفي بغداد وقتل من جنده ثلاثين ألفاً، وأسر ثلاثة ألاف آخرين، وفقد نادر قلي كل أسلحته ومدافعه.
وفي عام 1707 م ذهب ميرويس، أحد رؤساء القبائل الأفغانية إلى الحج، وهناك استفتى فقهاء المذهب الحنفي في قتال العجم (إيران). ولما قضى حجه ذهب إلى المدينة وبذل مالاً كثيراً من أجل أن يبيت داخل الشباك النبوي فبات فيه على نية قتال العجموعندئذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقلده سيفاً، واستيقظ ميرويس فرحاً حيث اعتقد أن النبي أذن له في قتال العجم.
كان لهذه الرؤية تأثير عظيم في ميرويس، ورأى أنه يقوم بإنجاز مهمة كلفه النبي بها، وهي ناجحة بإذن الله. ثم التف حوله مجموعة كبيرة من الأتباع حارب بهم الدولة الصفوية، وفتح قندهار سنة 1709م، ثم صارت حركته تتسع شيئًا فشيئًا، وفي خلال بضع سنوات تمكن من تأسيس دولة أفغانية ذات شوكة لا يُستهان بها.
وفي التسريبات الشهيرة لوزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي، وفي حواره مع ياسر رزق، رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم، قال: «أنا من الناس اللي ليهم تاريخ طويل في الرؤى، بس أنا بطلت أتكلم في المنامات والرؤى من 7 إلى 8 سنوات، وأنا كان لي منامات وشفت كتير منها من 35 سنة، ومحدش قدر يفسرها أبدا.يعني شفت في المنام من سنين طويلة جداً إني رافع سيف مكتوب عليه لا إله إلا الله باللون الأحمر».
وأضاف: «حلمت إني في إيدي ساعة ماركة أوميغا عليها نجمة خضراء ضخمة جداً، والناس بتسألني إشمعنى أنت اللي معاك الساعة دي، فقلت لهم الساعة دي بإسمي، هي أوميغا وأنا عبد الفتاح، يعني رحت حاطط أوميغا مع العالمية مع عبدالفتاح».
وقال: «منام ثالث يتقال لي فيه حانديك اللي ماديناهوش لحد،ومنام آخر مع السادات بكلم وبيقول لي أنا كنت عارف إني حابقى رئيس الجمهورية، فقلت له أناعارف إني حاأبقى رئيس الجمهورية».
وقدم السيسي حلمه هذا بين يدي الانقلاب على التجربة الديمقراطية، والسيطرة على السلطة، وإزاحة الرئيس المنتخب بقوة الدبابة، ومن يومها والبلاد غارقة في الأحلام لا تكاد تفيق منها، والواقع ما يزال يعاكسها ويكذبها، ويتمنى المصريون لو تحقق لهم ولو حلمًا واحدًا من أحلامهم الكثيرة.
والملاحظ أن الثلاثة: نادر قلي، ميرويس، السيسي، مع اختلاف الزمان والمكان، يتشابهون ويتفقون في السيف، والحديث مع قائد، ووحدة الهدف، وهو الاستيلاء على السلطة والوصول إلى الحكم. ثم تحقق ما يدعون بأنه حُلم، وهو في الحقيقة ما يدور بدواخلهم ويُحدثون به أنفسهم من طمع في السلطة .
فإلى الشباب العربي الحالم بالسلطة، حتى تكون رؤياك صادقة يجب أن ترى السيف، والساعة، وتتحدث مع قائد. وإلا فليست سوى أضغاث أحلام، أو كابوس، استعذ بالله منه، وارجع عما يدور في رأسك!