الحرب الأخيرة لآل سعود: متى يضغط ابن سلمان الزناد؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
الصحفي الأيرلندي «باتريك كوكبيرن» متحدثًا عن ولي العهد السعودي
هل ستندلع حرب كبيرة في الخليج «الفارسي» للمرة الرابعة في أقل من أربعين عامًا؟لأكثر من أسبوعين، وقف العالم يراقب متحفزًا «محمد بن سلمان» -ولي العهد السعودي واسع النفوذ- يهاجم قائمة أعدائه المتزايدة. بدأ الأمر مساء السبت 4 نوفمبر/تشرين الثاني عندما أعلن رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» استقالته -ليس من بيروت كما هو متوقع، ولكن من الرياض التى استُدعِيَ إليها قبل يوم واحد-. خمّن أحد الصحفيين أن «الحريري» أُجبِر على الاستقالة ضد إرادته، مشيرًا إلى أنه «كان يتحدث كضحية مختطفة».وبعد وقت قصير، وكما ذكرت التقارير؛ اعترضت قوات الدفاع السعودية صاروخًا أطلقته ميليشيات الحوثيين الشيعية من اليمن على بعد حوالي ثمانمائة ميل. وبعد ساعات قليلة، بدأت عملية مداهمة كبيرة لأحد عشر أميرًا -بمن فيهم الملياردير «الوليد بن طلال»؛ صاحب الترتيب الرابع والخمسين بين أغنياء العالم-، حيث وجدوا أنفسهم قيد الاعتقال إلى جانب أربعة وزراء حكوميين والعديدين غيرهم، وأُجبر الكثير منهم على التخييم على مراتب في «ريتز كارلتون الرياض» تحت حراسة السلاح.دعاها المراقبون «ليلة السكاكين الطويلة» على غرار حملة التطهير الدموية التي قام بها «هتلر» في «إرنست روم» عام 1934. وانتقد «سامر السبهان» -وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ومن المعادين المتشددين للشيعة- الحكومة اللبنانية قائلًا بأنها «حرضت على الحرب ضد السعودية بسبب عدائية حزب الله»، بينما في يوم الثلاثاء اتهم «محمد بن سلمان» إيران بتزويد الحوثيين بالصاروخ الذي استخدموه ضد الرياض، ووصفه بـ «العمل الحربي».السؤال الأبرز هنا هو ما إذا كان سيتبعه «محمد بن سلمان» بعمل حربي آخر من صنيعه؛ مستخدمًا هذه القوة العسكرية غير المسبوقة التي يتمتع بها أم لا.ما سيقرره هو ومستشاروه غير معروف، لكن هناك ثلاثة أشياء تبدو واضحة؛ الأول هو أن السعوديين يظهرون كل علامات الاستعداد لمواجهة خصومهم عبر الخليج «الفارسي»، والثاني هو أنه في حين تتمتع المملكة بمزايا رئيسية محددة، فإن الاحتمالات ستنقلب بشكل متزايد ضدهم إذا اندلعت حرب إطلاق نار فعليًا، والثالث هو أنه إذا خسر «محمد بن سلمان»، فمن المرجح أن تخسر الأسرة المالكة أيضًا خسارة فادحة. لا تسير الملكية على ما يرام مع الصراع الحديث، كمستنقع الأسر المالكة بدءًا من «الهوهنزولريين» و«الهابسبورغيين» و«الرومانوفيين» و«العثمانيين» الذي اكتُشف خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها. القضية الآن هي ما إذا كان سينضم آل سعود إلى هذه السلالات نصف المنسية في المقبرة الملكية الكبرى.
النفط والحرب
لسنوات، تساءل مراقبون عما سيعنيه الانهيار السعودي للسياسة العالمية. يدعو «نسيم نيكولاس طالب» -مؤلف كتاب «البجعة السوداء»، من أفضل الكتب مبيعًا عام 2007- المملكة العربية السعودية بأكثر الدول «هشاشة» على وجه الأرض، في حين تكهن موقع «لوبيلوج» للسياسة الخارجية الليبرالية في العام الماضي بأنه إذا تعرضت المملكة للانهيار على الطريقة الليبية، فإن الجمهورية الإسلامية ستكون المستفيد الأول. ومع تأرجح الخليج الفارسي على حافة الكارثة، فقد يحصل العالم الآن على فرصة لاكتشاف ذلك.كيف وصلت الأمور إلى مثل هذه الحالة الخطيرة؟ لسنوات، كانت السعودية بؤرة خاملة؛ أفلست في الثلاثينيات وكانت على وشك الدخول في مجاعة خلال الحرب العالمية الثانية. حتى بعد اكتشاف النفط، ظلت على حالها من الكساد. ولكن انفجار الأسعار في السبعينيات غيّر كل ذلك عبر تسليط الضوء على الاكتشاف الأعظم للذهب في التاريخ. ذهبت مئات المليارات من الدولارات من عائدات النفط لطَلي سيارات «رولز رويس» والطائرات الخاصة بالذهب، وإنشاء القصور الصحراوية الواسعة حيث تعمل مكيفات الهواء ليل نهار حتى عندما يكون الجميع في عطلة في الخارج، ذهبت كذلك إلى المعدات العسكرية عالية التقنية. ومع ضخ أميركا لما يقدر بحوالي 11 تريليون دولار في تسليح الخليج الفارسي -دون حساب غزو العراق عام 2003-، انضمت المملكة العربية السعودية لهذا التحالف أيضًا، حيث ظهرت في السنوات الأخيرة باعتبارها أكبر مستورد للأسلحة في العالم.كان تأثير كل هذه الأسلحة هو إِشعال الذعر والعدائية السعودية. فمنذ عام 2011، تمطر المملكة اليمن بالقنابل، كما مولت وسلحت تنظيم القاعدة وداعش وغيرهم من الجهاديين السنة في ليبيا وسوريا والعراق. كما أرسلت قواتها لسحق الاحتجاجات الديمقراطية في البحرين ذات الأغلبية الشيعية، وفرضت حصارًا على قطر بسبب جريمة عدم عدائيتها الكافية لإيران. واتهمت لبنان بتسامحها المفرط مع الشيعة، كما تحاول الآن تغيير النظام هناك قسرًا.
تجد المملكة نفسها محاطة بحلقة من النار صنعتها بنفسها. ولكنها لا تزعزع استقرار الآخرين فحسب؛ بل تزعزع استقرارها أيضًا. حيث تعتمد السلطة في المملكة بشكل أساسي على عقد اجتماعي ثلاثي الأطراف، بين بيت آل سعود وعموم الشعب والوهابية؛ أعني المؤسسة الدينية المتضخمة. ويُسمح للأول باحتكار مطلق للسلطة السياسية طالما أنه يشارك جزءًا من ثروتها النفطية مع الجماهير العريضة في شكل وظائف ومزايا اجتماعية. ويسمح للشعب بدوره، بجمع مثل هذه الفوائد طالما يخضع ويحافظ على هدوئه ولا يخل بالوضع الراهن. أما بالنسبة للملالي فإن عملهم هو حشد الدعم لآل سعود ما دامت العائلة المالكة ترد الصنيع بالحفاظ على الشريعة في الداخل ونشر صورة المملكة الصارمة العنيفة ونسخة الإسلام «الكارهة للنساء» في الخارج.كل هذا منظم وبسيط جدًا، ما عدا أنه في العقدين الماضيين حدث تراجع كبير، فتعزيز الوهابية يعني تعزيز الجهاد، والذي أدى إلى تنظيم القاعدة و 9/11 وإضرار منقطع النظير لراعي السعودية العظيم وحاميها؛ الولايات المتحدة. كما أدى المناخ الديني الخانق إلى تأجيج الفوضى والانحطاط الاجتماعي، في حين أدى النهب المالي الضخم الذي قام به آلاف الأمراء إلى تقويض الاقتصاد لدرجة أنه أصبح أقل تنوعًا مما كان عليه قبل أربعين عامًا. ومع انخفاض أسعار النفط بنسبة 50% عن ذروتها في منتصف عام 2014، اضطرت الحكومة لخفض الدعم الاجتماعي حتى يتمكن الملك «سلمان» من الاستمرار في الحصول على 100 مليون دولار للعطلات في المغرب، ويتمكن «محمد بن سلمان» أن يدفع نقدًا 500 مليون يورو متى ما أعجبه يخت فاخر في جنوب فرنسا.في ذات الوقت، تحولت الحرب في اليمن إلى كابوس، حيث يغير الحوثيون على عمق الأراضي السعودية ويطلقون الصواريخ متى ما أرادوا على ما يبدو. تستهزئ قطر بالحصار السعودي، بينما «بشار الأسد» على وشك التخلص من آخر الجهاديين المدعومين من السعودية، الذين كانوا مسؤولين عن تحويل سوريا إلى مقبرة (باستثناء معقل القاعدة في المقاطعة الشمالية إدلب).في مواجهة مثل هذه المشكلات، كانت استجابة «محمد بن سلمان» أكثر عصبية. حاول اجتذاب المستثمرين الأجانب بوعود بمشاريع عقارية ضخمة، وفقط لإخافتهم؛ اعتقل عددًا من أعضاء طبقة رجال الأعمال السعوديين وحاول التخلص منهم في مقابل حوالي 800 مليار دولار. كما دعا إلى «الإسلام الوسطي المنفتح على العالم وجميع الأديان» في ذات الوقت الذي سجن فيه المعارضين وندد بالشيعية كما لو كنا لا نزال في العصور الوسطى.وما يثير القلق أكثر، تشكيله علاقة عمل وثيقة مع الزعيم الوحيد الأكثر منه طيشًا وعدوانية: «دونالد ترامب». حيث قال «ترامب» ردًا على الاعتقالات الأخيرة: «لدي ثقة كبيرة في الملك «سلمان» وولي عهد المملكة العربية السعودية، حيث أنهم يعرفون ما يفعلونه بالضبط». وأردف: «بعض هؤلاء الذين يعاملونهم بقسوة؛ كانوا يستنزفون بلادهم لسنوات!»كما قال الصحفي «باتريك كوكبرن» عن الأمير «محمد»: «اجمع إخفاقاته مع إخفاقات «ترامب»، -فكلاهما مهملان لا مباليان بعواقب أفعالهما-، وسيكون لديك خليط قابل للانفجار يهدد المنطقة الأكثر قابلية للانفجار على وجه الأرض».
إذا ما وقعت الحرب، لمن تكون الغلبة؟
بالتالي يبدو أن مخاطر انفجارٍ ما تلوح في الأفق. إن أحد الأسباب التي قد تدفع المملكة العربية السعودية لمهاجمة إيران هو اعتقادها بأنها تحمل البطاقات العسكرية، وهي كذلك بالفعل على الأقل في الوقت الراهن. بفضل فورة الإنفاق الأخيرة. فقد جمعت قوة هجوم هائلة تتكون من أكثر من مئتي مقاتلة وقاذفة متطورة، وهي مزيج من «F-15» و«تورنادو»، والجيل الجديد من «يوروفايتر تايفون». وقد اشترت المملكة حوالى عشرين ناقلة لتزويد الوقود فى الجو وكميات كبيرة من صواريخ «كروز» عالية الجودة.كما أن لديها ميزة حوالي 120 ميلًا من المياه تقع بينها وبين عدوها، ناهيك عن الكويت والعراق. ويبدو أن أي هجوم جوي أو بحري كبير عبر الخليج الفارسي يتجاوز القدرات الإيرانية، في حين أن فتح ممر أرضي مع اثنين من الدول ذات السيادة في الطريق يفترض أنها ليست بداية محتملة. لذا وبالرغم من أن احتياطات القوات البشرية الإيرانية أكبر، إلا أنه ليس لديها طريقة واحدة لإيصالها لساحة المعركة.لذا فإن المملكة العربية السعودية في وضع يمكّنها من الهجوم مع حصانة نسبية. فهي تتمتع بدعم الولايات المتحدة، والذي يمكن أن يكون في غاية الأهمية فيما يتعلق بالدعم المالي والإمدادات العسكرية، والدعم الضمني من إسرائيل أيضًا. فلماذا لا تطلق الضربة الأولى التي طال انتظارها وتتغلب على عدوها؟السبب هو أن إيران لا تخلو من أسلحتها الخاصة، قواتها الجوية القديمة، حيث تتألف من طائرات ما قبل الثورة «F-14» و «F-5S» بالإضافة إلى مزيج من الطائرات الروسية والصينية بتصميم يعود إلى الخمسينيات. لكنها عززت دفاعاتها الجوية بصواريخ أرض_جو المتنقلة بما فيها الروسية المتقدمة من طراز «S-300»، وقامت أيضًا بإنشاء رادار بعيد المدى قادر على اكتشاف الطائرات السعودية بعد وقت قصير من إقلاعها.سيكون لدى إيران أمران آخران لصالحها؛ الأول هو الأصدقاء، فقد أصبحت الجمهورية الإسلامية أقل عزلة مما كانت عليه خلال حرب العراق (1980_1988)؛ عندما اتخذت كلٌ من الولايات المتحدة والسوفييت جانب «صدام حسين». أما هذه المرة فالكرة في ملعب روسيا تقريبًا، كما يمكن أن تعتمد على دعم قوي من سوريا وحزب الله، وتعاطف العراق في الوقت نفسه.الشيء الآخر الذي سيكون في صالحها هو حفاظها على سيطرتها. ولو كانت دولة استبدادية وحشية لا تملك أكثر من مجرد مزيج من الديمقراطية السياسية، إلا أنها أفضل بكثير من المملكة العربية السعودية؛ التي قد تكون أكثر الأمم استبدادًا في العالم، تستعبد النساء وتحظر الجمعيات السياسية وتسجن الليبراليين وتعدم الشيعة، وتصنف الإلحاد على أنه إرهاب كما أي شيء آخر، حيث يشكك في أساسيات الدين الإسلامي الذي يقوم عليه هذا البلد.ونتيجة لذلك، فإن العلاقة بين الشعب والدولة مختلفةٌ تمامًا، حيث إن الملك «سلمان» و«محمد» معزولان ليس فقط عن الشعب ولكن حتى عن أفراد العائلة المالكة الآخرين (الذين هم في حرب فعلية معهم)، بينما أعيد انتخاب الرئيس الإيراني «حسن روحاني» في حزيران/يونيه مع 57% من الأصوات، وسبع نقاط أكثر من التي حصل عليها قبل أربع سنوات.لا يمكن التنبؤ بالديناميكيات السياسية دائمًا. لكن مع هذا المستوى من الدعم، فإنه سيزيد احتمالية التفاف الإيرانيين حول زعيمهم عندما يزداد الأمر صعوبة. بينما الجماهير السعودية المحبطة والعاجزة ستكون أكثر عرضة للانقسام.
توسع النزاع
بالتالي فإن أي حرب مع إيران يمكن أن تتحول إلى كابوس يمني آخر ولكن على نطاق أوسع بكثير. وحتى افتراض أن النزاع سيبقى محصورًا في بلدين فقط، هو أمر لا يكاد يكون واقعيًا. إذا اندلعت الحرب في لبنان، فإن سوريا يمكن أن تُجر إليها، وربما العراق أيضًا. وعلى الرغم من أن إسرائيل قد تفضل المراقبة من بعيد، فإنها أيضًا يمكن أن تتدخل إذا بدا أن حزب الله عدوها اللدود هو الغالب.من المفترض أن إيران في حاجة ماسة إلى عدم إشراك الولايات المتحدة، في حين أن السعوديين حريصون أكثر من أي وقت مضى على أن يقوم آخرون بالقتال لأجلهم، وسوف يبذلون قصارى جهدهم لجر أمريكا إلى الصراع. وإذا ما نجحوا، فإن الصراع قد يتأجج إلى مدى أوسع.وبينما يتضح أن تنظيمي داعش والقاعدة يتجهان نحو الهزيمة في سوريا والعراق، إلا أن كليهما قد يشهدان تحولًا في ثرواتهما إذا أصبحت السعودية ساحة المعركة الفاشلة القادمة بين الدولة والإمبريالية. فكما أشار سلسلة من المؤرخين من «ابن خلدون» إلى «فريدريش إنجلز» إلى «بيري أندرسون»، بدأت جميع السلالات الإسلامية تقريبًا كاتحادات قبلية صحراوية تقاتل من أجل إحياء الإسلام. هذا ما فعلته العشيرة السعودية في منتصف القرن الثامن عشر عندما ارتبطت بداعية أصولي يُدعى «محمد بن عبد الوهاب»، وشرعت في الاستيلاء على الصحراء الداخلية. وهذا ما تفعله القاعدة وتنظيم داعش اليوم.لهذا السبب، إذا كان بيت «آل سعود» يسقط فعلًا، فمن المحتمل أن يكون الشخص التالي على العرش في الرياض هو «أبو بكر البغدادي». يكون مسؤولًا في داعش عن نحو 22% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وهذا الأمر يرعب واشنطن.