متى نشأ الصراع بين الأهلي والزمالك؟
تنسب هذه المقولة، التي أصبحت شعارًا لجماهير الأهلي، لصالح سليم، رئيس النادي الأسبق، التي تعني بحسب ما رأى، إعلاء مصلحة الأهلي على مصلحة المنتمين له.
يبدو هذا مدخلًا جيدًا، وقبل أن تسيء الفهم، لن نبدأ في الاستشهاد بمواقف المايسترو السابقة، أو السخرية من مصطلح مبادئ النادي، لكننا فقط أردنا أولًا أن نوضّح المعنى الحقيقي للشعار، الذي لم يكن أبدًا هدفه الاستعلاء على المنافسين. والأهم أن نُفتِّش عن مصلحة النادي الذي يُقدم على التعاقد مع إمام عاشور، لاعب الزمالك السابق، صاحب الواقعة المسيئة الشهيرة تجاه رموز الأهلي، التي نعدك ألا نتطرق إليها مطلقًا.
ملك الغابة
لا يبدو انتقال إمام عاشور إلى الأهلي المصري انتقالًا مباشرًا من الزمالك. وبمنتهى التجرُّد لا حرج على إدارة الأهلي إذا ما قررت أن التعاقد مع اللاعب، ولا يمكن لوم اللاعب نفسه على قراره.
وفي الواقع، توجد روايتان حول حقيقة مفاوضات الأهلي مع إمام عاشور.
الرواية الأولى تؤكّد أن انتقاله لـ«ميتلاند الدنماركي» مُدبرًا، لتسهيل عملية وصوله للموارد الأحمر بعد فترة وجيزة من الزمن، أما الرواية الثانية، فتؤكّد أن هذه الصفقة -إن تمت- فهي محض صُدفة لم يُخطط لها، تزامنت فقط مع رغبة اللاعب في العودة إلى مصر عقب فشله في التأقلُم في أوروبا.
في الحقيقة، تبدو الرواية الثانية أكثر منطقية، حتى وإن امتلك الأهلي تاريخًا طويلًا مع «الكباري الأوروبية».
السبب الأول لمنطقية هذه الرواية هو أن اللاعب الذي يُعد خامس أغلى صفقة في تاريخ نادي ميتلاند، مثّل استثمارًا جيدًا للنادي حين تعاقد معه طبقًا لمسؤوليه، أما السبب الثاني والأهم هو أن الأهلي المصري -للمفارقة- لا يحتاج لإضعاف منافسيه، حتى ولو كان الزمالك، غريمه التقليدي.
بحسب موقع «ترانسفير ماركت»، الأهلي هو ثامن أكثر أندية العالم تتويجًا بلقب الدوري المحلي بواقع 43 لقبًا، هذه ليست مشكلة على الإطلاق، فهناك سبعة أندية أخرى حققت ألقابًا تفوق عدد ألقابه، لكن عند التدقيق يتضّح أن نفس القائمة تضُم إما فريقين من دوري واحد مثل «سيلتيك» و«رينجيرز» من اسكتلندا و«بينارول» و«كلوب ناسيونال» من أوروجواي، أو فريق واحد من دوريات مغمورة مثل الدوري الباراجواياني أو الأيرلندي الشمالي.
في حين لم يظهر اسم الزمالك، ثاني أكثر الأندية المصرية تحقيقًا لألقاب الدوري في أول 50 اسمًا، لذا، لا يبدو أن هناك منافسًا فعليًا للأهلي داخل مصر، هذه هي الحقيقة، شئنا أم أبينا.
«توم» من دون «چيري»
الحديث عن التنافس الفعلي بين الأهلي والزمالك يبدو ساذجًا، أو بالأحرى مُفتعلًا، وفقًا لفارق البطولات بين الناديين، لكن الأزمة هي أنّ هذا الخلل الواضح في التوازن التنافسي قد يكون هو السبب الأهم في فشل الدوري المصري بشكلٍ عام.
في 2018، نشرت مجموعة من الباحثين مقالًا في المجلة الدولية للتسويق والرعاية الرياضية بعنوان: «هل كرة القدم في وضع جيِّد لأغراض تجارية؟»، في الحقيقة لم يُضف هذا المقال الذي حلل حدة التنافس في الدوري المصري من 1948 حتى 2014 أي جديد، بل أكَّد انعدام التنافس وحصره بين عملاقي القاهرة، مما جعل الدوري سلعة غير جاذبة للمعلنين، بالتالي انخفاض قيمته لصالح دوريات أكثر إثارة، وأقل قابلية للتوقُّع.
طبقًا للمقال، أحد العوامل التي أدّت لاختلال الميزان التنافسي بالدوري المصري الممتاز هي عدم التكافؤ في توزيع عوائد البث التلفزيوني، التي تبيعها الأندية المصرية مُنفردة، عكس معظم دوريات العالم.
في دوري بلا جماهير تقريبًا، تبقى حقوق البث أحد أهم مصادر دخل الأندية، بالتالي، تتأثَّر المنافسة مباشرة بفارق العوائد التي تجنيها بعض الأندية مقارنةً بمنافسيها.
في مصر، تبيع الأندية حقوق البث مُنفردة بالاتفاق مع الجهة المعنية بشراء هذه الحقوق، عكس معظم دوريات العالم، حيث تُباع حقوق البث بشكل جماعي، ما يضمَن حدًا أدنى من الأرباح لكل الأندية بشكل متساوٍ، فيما تظل نسبة (محددة مسبقًا) مرهونة بشعبية وتاريخ وإنجازات الفريق في آخر المواسم.
هذا ما يضع الأهلي، الذي وقّع عقدًا بقيمة 660 مليون جنيه مصري انطلاقًا من موسم 2022/2023 لبيع حقوق بث مبارياته في منطقة مريحة جدًا بعيدًا عن باقي منافسيه وعلى رأسهم الزمالك الذي توصّل لاتفاق لبيع نفس الحزمة مقابل 40% من هذا الرقم.
ربما لن تجد مثل هذا الفارق في عوائد البث بين بطل تاريخي ووصيفه بأي دوري بالعالم، أيًا كان الفارق بين جماهيرية وبطولات الفريقين، وهو الأمر الذي يجعلنا نطرح سؤالًا جديدًا: لماذا نشعُر وكأن المنافسة بين الأهلي والزمالك حقيقية؟
«دعني أخدعك»
الزمالك نادٍ قيمته كبيرة جدًّا، هذا كلام حقيقي، هذا ليس له علاقه بحبي للنادي الأهلي.
سيد عبد الحفيظ، مدير الكرة بالنادي الأهلي.
حقيقة لا نعلم بالضبط متى انطلقت شرارة الخصومة الكروية بين جماهير الأهلي والزمالك، بخاصة وأن هذه الخصومة ليست مبنية على أسباب عرقية، أو أيديولوجية أو دينية مثل مُعظم ديربيات العالم.
بعيدًا عن كرة القدم، يُخبرنا «جافين كالدوف»، أستاذ الإدارة في كلية «ستيرن» للأعمال بجامعة نيويورك، أنّ الخصومة تزيد الدوافع ووحدة المجموعة، كما أنّها أحيانًا تدفع الفرد للقيام بأفعال غير أخلاقية من أجل الانتصار.
في مقال بعنوان: سيكولوجية الخصومة الكروية، يحكي «بول هيلاند»، محرر «غارديان» البريطانية، قصة إقراض بايرن ميونيخ الألماني نظيره بوروسيا دورتموند مبلغ 2 مليون يورو عام 2004 لإنقاذه من الإفلاس.
رُبما تُعبّر هذه اللفتة عن روح رياضية عالية، لكنها بالنسبة لهايدن لم تكُن سوى محاولة من بايرن لإبقاء منافسه على قيد الحياة لا مساعدته على التفوق عليه.
يمكننا إسقاط نفس الفكرة على المنافسة بين الأهلي والزمالك، وقتئذٍ قد نصل إلى إجابة، بكل تأكيد لا يمكن وصف ما يحدُث داخل الدوري المصري بالمنافسة، لكن ذلك لا يعني أن مسؤولي الأهلي يسعون لتدمير الزمالك.
ببساطة لأن وجود خصمٍ، ولو مُختلق، ضروري لاستمرار العجلة في الدوران من دون توقُّف، لذا، يبدو منطقيًا الآن أن تجد قطاعًا عريضًا من جمهور الأهلي يحتفل بصفقة التعاقُد مع نجم الزمالك السابق، وكأن انتقاله يمثِّل ثقلًا حقيقيًا في مستقبل المنافسة بين الفريقين.
فيما تبقى المطالبات اليائسة بإرساء أقل قواعد التكافؤ بين أندية الدوري المصري، التي ربما لن تؤثِّر من الأساس على تفوُّق الأهلي المصري على منافسيه مجرّد محاضرات أكاديمية مثالية، لكنّها بلا شك قد تجعل هذه المنافسة الصورية أقل قابلية للتوقُّع، أكثر إثارة للجماهير، حتى ولو لم تتغير نتيجتها.